هجمات باريس تؤكد تحولاً في استراتيجية «داعش» الإرهابية

أبو محمد العدناني مسؤول العمليات «الخارجية» ترك مهمة اختيار وقت ومكان الهجمات لعناصر موثوق بها على الأرض

مطعم فرنسي غير بعيد عن موقع التفجيرات في باريس فتح أبوابه مجددًا (واشنطن بوست)، عبد الحميد أباعود العقل المدبر للهجمات، و أبو محمد العدناني مسؤول العمليات «الخارجية»
مطعم فرنسي غير بعيد عن موقع التفجيرات في باريس فتح أبوابه مجددًا (واشنطن بوست)، عبد الحميد أباعود العقل المدبر للهجمات، و أبو محمد العدناني مسؤول العمليات «الخارجية»
TT

هجمات باريس تؤكد تحولاً في استراتيجية «داعش» الإرهابية

مطعم فرنسي غير بعيد عن موقع التفجيرات في باريس فتح أبوابه مجددًا (واشنطن بوست)، عبد الحميد أباعود العقل المدبر للهجمات، و أبو محمد العدناني مسؤول العمليات «الخارجية»
مطعم فرنسي غير بعيد عن موقع التفجيرات في باريس فتح أبوابه مجددًا (واشنطن بوست)، عبد الحميد أباعود العقل المدبر للهجمات، و أبو محمد العدناني مسؤول العمليات «الخارجية»

كانت الهجمات الأخيرة على باريس وبيروت، وإسقاط الطائرة الروسية في مصر، أولى نتائج الحملة الإرهابية التي خطط لها جناح القيادة المركزية في تنظيم داعش الذي يشرف على الأهداف «الخارجية»، وفقًا لمسؤولي استخبارات أميركية وأوروبية.
وتقدم خلية التخطيط للعمليات الخارجية في تنظيم داعش التوجيه الاستراتيجي والتدريب والتمويل للإجراءات الرامية إلى إلحاق أقصى قدر ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين، لكنها تترك مهمة اختيار وقت ومكان وطريقة الهجمات لعناصر موثوق بها على الأرض، بحسب المسؤولين. ويعد تنفيذ هجمات بعيدة عن قاعدة «داعش» في العراق وسوريا تطورا للنموذج السابق المتمثل في تحريض أتباعه على حمل السلاح أينما كانوا - لكن دون مساعدة كبيرة من التنظيم. وهذا يغيّر وجهة النظر لدى الولايات المتحدة وحلفائها أن «داعش» يمثل تهديدا إقليميا، مع تقييم جديد يفيد بأن التنظيم يطرح مجموعة جديدة كاملة من المخاطر.
وقال ويليام ويكسلر، باحث بارز بمركز التقدم الأميركي، وكان حتى يناير (كانون الثاني) الماضي أعلى مسؤول في شؤون مكافحة الإرهاب بوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون): «بمجرد امتلاك تنظيم داعش الأراضي التي وفرت لأعضائه ملاذا، وسمحت لهم بالتصرف كيفما شاءوا مع الإفلات من العقاب، فإنهم - مثل الجماعات المتشددة الأخرى - يتحولون حتما إلى الهجمات الخارجية». ويكمن أحد الدوافع المحتملة لتغيير استراتيجية «داعش» في الاستحواذ على قيادة «الجهاد» العالمي من تنظيم القاعدة - الذي انفصل «داعش» عنه في عام 2013. ومن المحتمل أن الهجوم على فندق راديسون بلو في مالي يوم الجمعة جرى تنفيذه بواسطة جماعتين مرتبطتين بالقاعدة، مما يشير - كما أوضح مسؤول أوروبي بارز مختص بمكافحة الإرهاب - إلى أن «السباق دائر بين (داعش) والقاعدة لرؤية من يمكنه مهاجمة الغرب بشكل أفضل».
ويجمع المحققون تفاصيل حول كيفية تواصل المتآمرين في هجوم باريس، فيما كشف مسؤولان غربيان في مكافحة الإرهاب عن إجراء اتصالات إلكترونية بين قادة تنظيم داعش في سوريا وعبد الحميد أباعود، المشتبه في أنه المخطط للهجوم، خلال الأسابيع التي سبقت الهجمات.وجرى تحليل أدلة مماثلة بعد التفجيرات في العاصمة اللبنانية بيروت، مما يشير إلى أن تلك الهجمات كانت موجهة من سوريا، ونفذها عناصر تابعين لـ«داعش» على الأرض. ويتبع إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية هدف التنظيم المعلن لضرب المصالح الروسية، لكن من المحتمل أن فرع التنظيم في مصر هو الذي نفذ الهجوم بشكل مستقل، بحسب مسؤولين.
ووفقا لمسؤولين أميركيين وأوروبيين، فإن الرجل الذي يشرف على الهجمات خارج العراق وسوريا هو أبو محمد العدناني، البالغ من العمر 38 عاما، وهو المتحدث باسم التنظيم، وأحد المساعدين المخلصين لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وحصل العدناني على اهتمام المسؤولين الغربيين لدوره كرئيس العمليات الخارجية في التنظيم.
ومن المعروف عن العدناني أنه أصدر بيانًا صوتيًا مدته 42 دقيقة على وسائل الإعلام الاجتماعي في سبتمبر (أيلول) 2014، حث فيه المسلمين الذين يعيشون في الغرب على قتل المدنيين في بلدانهم بأي وسيلة كانت، والقيام بذلك دون انتظار المزيد من التعليمات من قادة التنظيم الإرهابي.
وقال العدناني: «إن تمكنت من قتل كافر أميركي أو أوروبي - وبخاصة الفرنسي الحاقد والقذر - أو أسترالي أو كندي، توكل على الله، واقتله بأي طريقة أو أي وسيلة مهما كانت. لا تطلب المشورة من أحد».
ونتيجة لذلك، رصدت الولايات المتحدة جائزة نقدية قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقتل أبو محمد العدناني، إضافة إلى أنه موضوع على لائحة القتل للحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا. وقال ماثيو أولسين، المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب القومي الأميركي: «العدناني هو شخصية رئيسية في التخطيط للهجمات الخارجية منذ صعود (داعش) على الساحة قبل أكثر من عام».
وتم الكشف أيضًا عن مكانة العدناني والتركيز العملياتي له من خلال تحليل لما يقرب من ألف رسالة في فيديوهات نشرها تنظيم داعش على وسائل الإعلام الاجتماعي خلال العامين الماضيين، وأجرى التحليل خافيير ليساكا، وهو باحث زائر في كلية الإعلام والعلاقات العامة بجامعة جورج واشنطن.
وفي حين أن العدناني هو المتحدث الرسمي باسم التنظيم والمروج لدعاية «داعش»، فإن التنظيم لا يعرض صورته في فيديوهاته، من أجل حمايته على الأرجح. لذلك، يصدر العدناني بيانات صوتية متكررة. وقال ليساكا: «لم يعرض (داعش) أبدا فيديو به صورة العدناني. والسبب الوحيد هو تعزيز أمنه». ويوضح تحليل ليساكا أن روسيا تلقت معظم التهديدات من «داعش» في فيديوهاته - أكثر من 25 تهديدا خلال عامين. وتليها فرنسيا بنحو 20 تهديدًا في نفس الإطار الزمني.ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الفرنسية أن أباعود - الذي قُتِل في تبادل إطلاق نار مع الشرطة الفرنسية في باريس الأسبوع الماضي - عمل تحت قيادة العدناني في سوريا، حيث استهوى قائده من خلال تجنيد الجهاديين الناطقين باللغة الفرنسية.
ووفقًا لنشطاء من محافظة حلب في سوريا، قضى أباعود بعض الوقت في أعزاز، الواقعة بالقرب من الحدود التركية، في أوائل عام 2014. وكانت أعزاز في ذلك الوقت نوعا ما بلدة مزدهرة للمتطرفين الأجانب المليئة بالحماس للوافدين الجدد. وذكر النشطاء أن أباعود عمل أميرًا للمقاتلين الأجانب هناك حتى انسحب «داعش» من المنطقة وتحرك ناحية الشرق، بما في ذلك دير الزور.
وبقي أباعود بعيدا عن أنظار المدنيين هناك، بحسب عمر أبو ليلى، وهو ناشط مناهض للحكومة من دير الزور، لكنه اكتسب سمعة في المناوشات ضد جماعات الجيش السوري الحر التي تعارض كلا من تنظيم داعش ونظام الرئيس السوري بشار الأسد. وكان أعداء أباعود يصفونه بـ«النمس»، لقدرته على العمل بسرية وسرعة وهدوء، إلى جانب إثبات وجوده وسلطته.
ويقول المسؤولون الغربيون إن أباعود المولود في بلجيكا حصل في نهاية المطاف على دور أكبر، هو: تنظيم مهام هجومية في أوروبا. وهناك، كوّن شبكة واسعة من الراديكاليين والمتطرفين قبل فترة طويلة من تنفيذ هجمات باريس.
وقال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، خلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، إن أباعود - بجانب لعبه دورا هاما في هجمات باريس - شارك في التخطيط لأربع هجمات على الأقل من أصل ست هجمات أحبطتها السلطات الفرنسية هذا العام.
وقال مسؤول بلجيكي في مكافحة الإرهاب إن «داعش» أدار خلايا مثل التي كوّنها أباعود على أساس الروابط اللغوية، مثل مجموعة ناطقة باللغة الفرنسية وغيرها. وجرى تجميع هذه الخلايا أيضًا لتسهيل التخطيط للهجمات على أماكن هي أكثر دراية بها. وعلى سبيل المثال، عمل المتآمرون الفرنسيون - الذين يعرفون الأماكن التي سيهجمون عليها - مع البلجيك الذين يعرفون كيفية تنظيم مؤامرات وسبل شراء الأسلحة، وكل ذلك تم تحت مراقبة «داعش» في بلجيكا.
وعملت تلك الخلايا بما وصفها المسؤول البلجيكي بـ«هيكل الخيزران» - حيث إن معظم الجماعات المتشددة لديها خلايا تهدف إلى العمل بشكل منفصل وبالتوازي مع بعضها لضمان عدم تأثير مقتل فرد أو إحباط مؤامرة على المؤامرات الأخرى.
*خدمة «واشنطن بوست»ـ خاص بـ {الشرق الأوسط}



هل تساعد أزمة الزبدة بـروسيا في جلب السلام إلى أوكرانيا؟

مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)
مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)
TT

هل تساعد أزمة الزبدة بـروسيا في جلب السلام إلى أوكرانيا؟

مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)
مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)

سلَّطت صحيفة «تلغراف» البريطانية الضوء على انتشار سرقة الزبدة في روسيا بسبب ارتفاع الأسعار جراء الحرب، وقالت إن بعض أصحاب المتاجر الكبرى لا يعرضون ألواح الزبدة على الرفوف بسبب السرقات.

وقالت مصادر أمنية إن 50 سرقة زبدة في الأسبوع تم الإبلاغ عنها منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

ووفقاً للصحيفة، ارتفع التضخم في روسيا؛ مما دفع إلى رفع أسعار الفائدة إلى 21 في المائة.

وفي تقرير صدر في أكتوبر، قال مركز أبحاث المجلس الأطلسي ومقرّه الولايات المتحدة إن «التضخم يشكّل التهديد الأعظم» للاقتصاد الروسي كما يقوض الثقة في الروبل، الذي فقد ثلث قيمته منذ أغسطس (آب).

وحذَّر التجار، الأربعاء، من «الذعر» بعد أن انخفضت العملة بنسبة 8.5 في المائة في غضون ساعات قليلة، في حين يتحدث محللو البناء الآن عن انهيار سوق الإسكان.

وكذلك حذَّرت وسائل الإعلام الروسية من الركود التضخمي - ارتفاع الأسعار وانخفاض النمو وارتفاع البطالة، ووصفت صحيفة «كوميرسانت»، الخميس، سوق العملات بأنها «منطقة حرب».

بائع يضع أوراقاً نقدية من الروبل على طاولة البيع بأحد المتاجر في موسكو (رويترز)

وقال نايجل غولد ديفيز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن هذا التحول في نبرة وسائل الإعلام الروسية كان ذا أهمية.

وأضاف: «سعى فلاديمير بوتين إلى جذب المزيد من الشرائح الأكثر فقراً من المجتمع. ويهدد التضخم بتقويض هذا».

وقال المحللون إن ارتفاع الأسعار من غير المرجح أن يؤدي إلى احتجاجات ضخمة في الشوارع، لكنه من شأنه أن يلحق الضرر بشعبية بوتين.

وفي عام 2023، اشتكى الروس من ارتفاع حاد في أسعار البيض، وهذا العام، يتعلق الأمر بالزبدة، وهذا يقلق الكرملين، كما قالت فريدة رستموفا، المحللة الروسية التي وصفت ارتفاع أسعار الزبدة والبطاطس بأنه «خارج النطاق»

وقالت: «لم يكن هناك أسبوع واحد هذا العام لم ترتفع فيه أسعار الزبدة».

ولقد استجاب الكرملين بشراء سلع من الدول المجاورة، وأمر وسائل الإعلام التابعة له بإصدار تقارير مطمئنة، لكن لا يستطيع أن يفعل الكثير، وقد قال البعض إن الاقتصاد الروسي المريض قد يجبر بوتين على إنهاء حربه في أوكرانيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة عبر الفيديو أمام المشاركين في «منتدى الجيش 2023» أغسطس 2023 (إ.ب.أ)

وقال تيموثي آش، من معهد تشاتام هاوس: «إن هذا يزيد من المخاطر التي قد يتعرض لها بوتين من استمرار الحرب وقد يدفعه إلى طاولة المفاوضات».

ويربط الروس العاديون التضخم بحرب بوتين في أوكرانيا وهم قد لا يرون الحرب، لكنهم يستطيعون الشعور بها.

وقال ماكسيميليان هيس، مؤلف كتاب «الحرب الاقتصادية: أوكرانيا والصراع العالمي بين روسيا والغرب»، إنه إذا فقد الكرملين السيطرة على الاقتصاد، فقد يتلاشى الدعم، وأضاف: «قد يمثل هذا على الأقل تحولاً قوياً».

ويزعم خبراء آخرون أن الروبل الضعيف قد يناسب خطط الإنفاق العسكري الضخمة للحكومة الروسية.

ويتلقى الكرملين نحو نصف عائداته من صادرات النفط والغاز، لكن لماذا لا تستثمر روسيا في الأسلحة؟ لأن هذه الأسلحة تُشترى عادة بالعملات الأجنبية، وهذا يعني أن لديها المزيد لتنفقه عندما يتم تحويل الأموال إلى الروبل.

في غضون عامين، أعاد بوتين توجيه الاقتصاد لدعم الجهود العسكرية وتبلغ قيمة مكافآت الانضمام إلى الجيش راتب سنوات عدة لمعظم الروس، كما تقدم مصانع الأسلحة رواتب فائقة للحفاظ على خطوط الإنتاج تعمل ليلاً ونهاراً، وهذا الإنفاق الكبير يغذي التضخم.

ويعتقد أن مئات الآلاف من الجنود الروس قُتلوا أو أُصيبوا بجروح بالغة؛ مما أدى إلى إخراج الرجال من الاقتصاد.

وبدأ مصنع لتعليب الأسماك في كالينينغراد، في استيراد العمال من الهند، وتوسلت مصانع السيارات إلى الكرملين لإقراضها السجناء لسد النقص.

ولفتت الصحيفة إلى تأثير العقوبات الغربية رغم أن خبراء الاقتصاد الروس قالوا إن الكرملين يقلل من تأثيرها على التضخم.