أقدم صحف إيران تحتفل بعيدها الـ90

الرئيس روحاني أعرب عن أسفه من أن الإيرانيين لم يتمكنوا بعد من إنشاء «صحيفة دائمة»

أقدم صحف إيران تحتفل بعيدها الـ90
TT

أقدم صحف إيران تحتفل بعيدها الـ90

أقدم صحف إيران تحتفل بعيدها الـ90

خلال كلمة ألقاها في معرض «بريس إكسبو» في طهران في وقت سابق من الشهر، أعرب الرئيس حسن روحاني عن أسفه من أن الإيرانيين لم يتمكنوا بعد من إنشاء «صحيفة دائمة». وأبدى دهشته من أن صحيفة مثل «لندن تايمز» تمر الآن بالقرن الثالث من عمرها، بجانب أن دولاً أخرى حديثة مثل الولايات المتحدة بها صحف يتجاوز عمرها 150 عامًا. في المقابل، فإنه داخل إيران، واحدة من أقدم بلاد العام، تعد الصحف عرضة للموت السريع.
في الواقع، يكمن أحد الأسباب وراء ذلك بالطبع فيمن امتلكوا زمام السلطة بالبلاد على مدار القرنين الماضيين، أي منذ وصول الصحافة إلى البلاد، حيث أبدوا جميعهم ميلاً غريبًا تجاه إغلاق الصحف. جدير بالذكر أن أول صحيفة إيرانية خرجت للنور عام 1871 وكانت عبارة عن إصدار أسبوعي مملوك للحكومة. واستمرت لمدة 12 عامًا فقط، حتى قررت وزارة المنشورات التي كانت مستحدثة آنذاك الاستثمار في إصدارات أخرى مع فرض أول نظام للرقابة في تاريخ البلاد. وخلال السنوات الأخيرة من حكم الراحل محمد رضا بهلوي، تعرض قرابة 20 إصدارًا للإغلاق، بينها صحيفة «كوشهش» (وتعني الجهد) اليومية التي لو ظلت أبوابها مفتوحة لكانت اليوم أقدم الصحف الإيرانية. كما أن نظام الملالي الحالي بدأ عهده بإغلاق أكثر من 60 صحيفة ومجلة، بل إن إدارة روحاني، التي تمر بعامها الثالث الآن، أغلقت وحدها أكثر من 12 إصدارًا.
بيد أن المعجزة الحقيقية تكمن في أن بعض الصحف نجحت في البقاء على قيد الحياة، ويتمثل أبرزها في «كيهان» التي في نهاية حكم الشاه كانت الصحيفة اليومية صاحبة التوزيع الأكبر بالبلاد، و«إطلاعات» التي تحل الذكرى الـ90 لانطلاقها هذا العام، وبالتالي تعتبر أقدم الصحف اليومية الإيرانية المستمرة في النشر. ظهرت «إطلاعات» للمرة الأولى عام 1925، في ذات الوقت تقريبًا مع إطلاق رضا شاه، مؤسس حكم آل بهلوي، خطته الطموحة لتحديث إيران. وكانت الصحيفة اليومية، التي صدرت في الأصل في أربع صفحات فقط، عبارة عن تحديث لنشرة أخبار كان قد بدأها مراسل شاب طموح يدعى عباس مسعودي في طهران عام 1923. كان الهدف الأول لمسعودي بناء وكالة أنباء على غرار ما حققه شارل لوي أفاس في باريس، مع التركيز على تجار البازارات والمسؤولين العسكريين كجمهور محتمل. ونظرًا لأن أكثر ما يزيد على 90 في المائة من الإيرانيين حينها كانوا يجهلون القراءة والكتابة، لم يكن من المنطقي الحلم بكسب قاعدة ضخمة من القراء.
وجاءت إصلاحات رضا شاه التي تضمنت إقرار التعليم الابتدائي الإلزامي لتبعث الأمل في أن يصبح داخل إيران في غضون سنوات قلائل أعداد كافية قادرة على القراءة والكتابة لتشكيل سوق محتملة أمام الصحف.
ولم يكن العثور على جمهور المشكلة الوحيدة التي جابهت مسعودي، وإنما تمثلت مشكلة أخرى في أنه رغم وجود الكثير من الشعراء وكتاب المقالات والروائيين، لم يكن هناك مراسل واحد مدرب على مستوى البلاد. يذكر أن مسعودي نفسه تعلم فن المراسلة الصحافية من خلال عمله مرشدًا ومصححًا لصحافيين غربيين كانوا يزورون إيران من حين لآخر، ومن خلال تعلمه الفرنسية لقراءة الصحف الفارسية التي تتلقاها السفارة الفرنسية بعد أسابيع، إن لم يكن بعد شهور.
في الواقع، نجح مسعودي في تدريب حفنة من المراسلين كان عددهم كافيًا لاستمرار عمل صحيفته. إلا أن من بين المشكلات الأخرى التي واجهته كيفية تطويع اللغة الفارسية لتصبح أداة مناسبة لنشر الأخبار. من المعروف أن اللغة الفارسية تعرضت لـ«الاحتلال» من قبل الشعر لأكثر من 1000 عام وباتت عاجزة عن نقل الأخبار العادية المرتبطة بالأحداث اليومية من دون الغرق في بحر من الألفاظ الغنائية. وكان من الضروري نزع الصبغة الشعرية عن اللغة وإعدادها لتصبح مناسبة للكتابة الصحافية من دون الوقوع في شرك اللغة المميزة للتقارير البيروقراطية والشرطية. والملاحظ أن مسعودي تمتع بكاريزما كافية لاجتذاب أعداد كبيرة على نحو لافت من الشخصيات الأدبية المستعدة للعمل بهذا الاتجاه. من بين هؤلاء كان محمد تقي بحار، النجم الساطع آنذاك للشعر الفارسي، وعلي أكبر دهخدا مؤلف الموسوعات، والمؤرخ نصر الله فلسفي والناقد الأدبي سعيد نافيسي.
وفي وقت لاحق، انضم إليهم عدد من الشخصيات الأخرى التي لعبت أدوارًا كبرى في عالم الصحافة الإيرانية، بينها زين العابدين راهناما وحبيب الله أموزيغار وأحمد دهقان.
ومن بين المهام التي واجهها فريق العمل بناء مفردات جديدة للتعبير عن واقع جديد.
كانت إيران قد تعرضت لغزو منتجات جديدة مثل سيارات وسكك حديدية وطائرات وتلغراف ومصارف ومصانع وراديو وأسلحة صغيرة وعقاقير مصنعة بالغرب. وكذلك كانت هناك مؤسسات صاعدة مثل المدارس والجامعات والمراكز البحثية ودور الأوبرا والفرق الموسيقية ودور السينما والوزارات الحكومية والنشاطات التجارية الحديثة التي كانت بحاجة لمفردات ومصطلحات جديدة. وتشير إحدى التقديرات إلى أن فريق العمل التحريري في «إطلاعات» ومستشاريها العاملين من دون أجر نجحوا في سك أكثر من 12000 كلمة جديدة خلال العقد الأول من عمر الصحيفة. الواضح أن مسعودي كان مراسلاً صحافيًا بطبيعته وكان لديه إيمان عميق بأن المهمة الأكبر داخل أي صحيفة هي عمل المراسل. وكان مسعودي في أواخر الستينات من عمره سيناتورا وزعيم إمبراطورية صحافية. ودائمًا ما كان يشعر من حوله بالدهشة إزاء إصرار مثل هذا «الزعيم الكبير» على تغطية بعض القصص الإخبارية بنفسه. وفي السنوات اللاحقة أدرك الناس أنه لا يهتم كثيرًا بالمال والشهرة والنفوذ، وإنما كان على استعداد للتضحية بكل ذلك في سبيل الحصول على قصة صحافية جيدة لصحيفته.
وتبعًا لما ذكره الخبير الفرنسي في الشؤون الإيرانية روجر ليسكو الذي ألف كتابًا ساحرًا عن قفزة إيران نحو الحداثة خلال العقدين السابقين للحرب العالمية الثانية، فإن «إطلاعات» لعبت دورًا محوريًا في نشر موضوعات جوهرية في الأوساط الشعبية من عينة الإصلاح والتغيير والحداثة. وفتحت النافذة على عالم جديد لم يشارك الإيرانيون قط في صنعه، لكنهم كانوا مفتونين به ويخافونه ويحلمون بالانضمام إليه. وكان ذلك عالم العلوم والصناعة والتقنيات الحديثة والمساواة أمام القانون والثقة في مستقبل أفضل.
وقد قامت الصحيفة بدور رائد في الحملة المعنية بحقوق المرأة التي انطلقت في ثلاثينات القرن الماضي، وأيدت بناء جيش وطني يقوم على التجنيد الإلزامي وإحداث تغييرات في أسلوب اختيار الإيرانيين لملابسهم وظهورهم في الأماكن العامة. كما نشرت الصحيفة في صدر صفحتها الأولى مقابلة مع الطيارة الألمانية الرائدة إلي بينهورن لإثبات أن المرأة لديها ذات القدرة على النجاح مثل الرجال في جميع المجالات.
عام 1941. عشية احتلال إيران من قبل قوات الحلفاء، بلغ التوزيع اليومي للصحيفة 35000 نسخة، وهو رقم مبهر بمقاييس ذلك الوقت. وعلى مر العقود، نجحت الصحيفة في ترسيخ مكانتها كصحيفة رفيعة المستوى تنأى بنفسها عن الابتذال وتتخذ موقفًا عصريًا تجاه أكثر القضايا إثارة للجدل في عصرها.
في الحقيقة، نجحت «إطلاعات» في تحقيق ما هو أروع من ذلك، حيث تمكنت من تجنب التحول لمجرد أداة دعائية في يد النظام الإيراني الحالي. ورغم أن رئيس تحريرها ومحرريها يجري تعيينهم من جانب «المرشد الأعلى» ولا يمكنها الاختلاف مع موقف النظام تجاه أي قضية كبرى، فإنها نجحت في الاحتفاظ بمساحة ضئيلة من الحرية ما تزال تستخدمها بأكبر قدر ممكن من الفاعلية يسمح به النظام الخوميني. وما تزال الصحيفة أكثر صحف الجمهورية الإسلامية استحقاقًا للثقة بها، أو ربما - لو أردنا الحديث بدقة أكبر - أقلها استحقاقًا للتشكك بها.



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».