جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية

إعلاميو التنظيم الإرهابي يتمتعون بمنزلة رفيعة وامتيازات ورواتب عالية

دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
TT

جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية

دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)

كشفت مقابلات مع أعضاء سابقين في تنظيم داعش الإرهابي محتجزين في المغرب وحوارات مع مسؤولين أمنيين وخبراء في مكافحة الإرهاب، عن آليات عمل آلة دعاية التنظيم الضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويحظى مسؤولو الإعلام الرفيعون في التنظيم بنفس «مرتبة الأمراء العسكريين»، كما يتدخلون مباشرة في قرارات الاستراتيجية العسكرية، وفق ما أكده أبو هاجر المغربي أحد مصوري «داعش» محتجز حاليا في سجن قرب العاصمة المغربية. وأضاف أبو هاجر أن هذه «النخبة» الإعلامية تتمتّع بمكانة متميزة تثير غيرة المقاتلين، وأنهم يتقاضون رواتب تصل إلى نحو 700 دولار شهريا، أي 7 أضعاف رواتب المقاتلين، فضلا عن امتيازات السكن واللباس والأكل. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
وصلت التكليفات على قصاصات ورقية تحمل كل منها شعار العلم الأسود لتنظيم داعش، وخاتم المسؤول الإعلامي للتنظيم الإرهابي، والموقع المطلوب تصويره ذلك اليوم.
قال أبو هاجر المغربي الذي قضى قرابة عام كمصور لدى «داعش»، إن «التكليفات تحدد الموقع، لكن من دون إعطاء تفاصيل»، مضيفا أن عمله في بعض الأحيان يكون تصوير المصليين في المسجد، أو عمليات تبادل لإطلاق النار بين المسلحين، لكنه قد لا يستطيع تفادي تصوير حمام دم يحدث أمامه.
بالنسبة لمهام أبو هاجر، فالقصاصة تتضمن تكليفا بالتوجه بالسيارة طيلة ساعتين إلى جنوب غربي مدينة الرقة السورية، عاصمة «دولة الخلافة»، أو «الدولة الإسلامية»، التي أعلنها التنظيم المسلح. وعند وصوله، اكتشف أبو هاجر أنه واحد من بين عشرة مصورين أرسلوا لتلك المنطقة كي يصوروا اللحظات الأخيرة في حياة 160 جنديا سوريا أسرهم التنظيم عام 2014.
وأضاف أبو هاجر: «أمسكت بكاميرتي وهي من ماركة (كانون)، في حين قام المسلحون بنزع ملابس الجنود باستثناء سراويلهم الداخلية، وساروا بهم داخل الصحراء، وأجبروهم على الركوع ونُفذت مذبحة بالبنادق الآلية. ونشرت الصور التي التقطها أبو هاجر وغيره من المصورين في جميع أنحاء العالم، وشملت مقطعا مصورا بثه تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي وفى نشرات الأخبار الرئيسية بقناة (الجزيرة) وغيرها من الشبكات».
وأبو هاجر معتقل حاليا في سجن بالمغرب، بين أكثر من عشرة منشقين أو أعضاء في «داعش» ممن سردوا روايات تفصيلية لصحيفة «واشنطن بوست» عن تورطهم في أقوى آلة دعائية لجماعة إرهابية.
كان ما وصفوه أشبه ببرامج الواقع التي تصور حياة العصور الوسطى. فكاميرات طاقم المصورين كانت تتجول في دولة الخلافة كل يوم، وتصوّر مشاهد المعارك وقطع الرؤوس على الملأ بشكل يساعد المقاتلين ومنفذي عمليات الإعدام على تنفيذها (بشكل احترافي)، بينما يقومون بقراءة بعض السطور المدونة على لوائح تلقين وُضعت خلف الكاميرا.
وحسب اعترافات المصورين الذين يتمتعون بخبرات عالية نتيجة مناصبهم السابقة في القنوات الإخبارية أو شركات التكنولوجيا، فالكاميرات وأجهزة الكومبيوتر وغيرها من أجهزة تصوير المقاطع المصورة تصل تباعا في شحنات منتظمة من تركيا، وتُسلم إلى قسم الإعلام الذي يديره غربيون، منهم أميركي واحد على الأقل.
ويعامل كبار تقنيي الإعلام كأمراء شأنهم شأن زملائهم العسكريين، ويلعبون دورا مباشرا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ويقودون المئات من مصوري الفيديو، والمنتجين، والمحررين الذين ينظر لهم كطبقة محترفة ذات منزلة رفيعة تتمتع بامتيازات ورواتب ومستوى معيشي يحسدهم عليه غيرهم من المقاتلين العاديين.
وحسب أبو عبد الله المغربي، وهو منشق آخر خدم بإدارة الأمن بتنظيم داعش وعمل أيضا بشكل مباشر مع فرق دعايتها، فإنهم «أشبه بجيش كامل من موظفي وحدة الإعلام». وأضاف أن «العاملين في مجال الإعلام بـ(داعش) أهم من مقاتليه، فرواتبهم الشهرية أعلى، وسياراتهم أفضل، ولديهم القوة لتحفيز زملائهم بالداخل على القتال وعلى استقدام أعضاء جدد للانضمام إلى (داعش)».
وتتزايد القوة الإعلامية خارج حدود مناطق حكم التنظيم، فهجمات باريس نفذها أتباع «داعش» من الطلقاء المنتشرين في عشرات الدول والذين يتواصلون مع التنظيم عن طريق الإنترنت. والمهندس المزعوم للهجمات الذي قُتل في غارة داخل فرنسا ظهر مرارا في مقاطع يحث فيها على الانضمام للتنظيم. وأظهرت المقاطع المصورة الذي ظهرت لاحقا أن الهدف الأكبر لـ«داعش» ليس فقط بث الرعب في نفوس الأعداء، بل التأثير على المشاهدين في جميع أنحاء العالم كذلك.
ولم تجد الولايات المتحدة أو حلفاؤها إجابة واضحة عن السبب وراء تلك الدعاية الضخمة، وقدمت خطة أعدتها الخارجية الأميركية لمجابهة رسائل «داعش» عددا من المبادرات لم يكن لها سوى تأثير طفيف، فقد استطاع أنصار «داعش» على الإنترنت الالتفاف مرارا على محاولات حجب دعاياتهم على «تويتر» و«فيسبوك».
وبعدما ضاقت بهم ذرعا على الإنترنت، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام القوة المميتة، حيث شنت مؤخرا ضربات جوية نتج عنها مقتل الكثير من التنفيذيين في إدارة إعلام «داعش»، منهم جنيد حسين، خبير الكومبيوتر البريطاني. ووصف جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي)، وحدات دعاية «داعش» كأهداف عسكرية. وحسب تصريح أدلى به كومي الشهر الماضي في اجتماع عقد في واشنطن، «أنا متفائل أن الإجراءات التي اتخذها زملاؤنا للحد من تغريدات (داعش) سوف يكون لها تأثير كبير»، مضيفا «لكن دعونا ننتظر لنرى ما سيحدث».
وشمل البحث لإنجاز هذا المقال إجراء مقابلات شخصية مع منشقين وأعضاء في «داعش»، وكذلك مع مسؤولين أمنيين، وخبراء في مكافحة الإرهاب في ست دول في ثلاث قارات. وجاءت الاعترافات الموثوق بها من سبعة منشقين ممكن كانوا في السجن بالمغرب، أو ممن أطلق سراحهم مؤخرا بعدما وجهت لهم اتهامات بالتورط في الإرهاب بعد عودتهم من سوريا، وطلبوا جميعهم ذكر أسمائهم الحركية التي يستخدمونها في سوريا، بدلا من أسمائهم الحقيقية.
وأجريت تلك المقابلات بمقتضى تصريح من الحكومة المغربية في مبنى إداري داخل مجمع للسجون بالقرب من العاصمة. وقال السجناء إنهم تحدثوا طواعية بعدما طلبت السلطات منهم ذلك نيابة عن صحيفة «واشنطن بوست»، في حين امتنع مسجونون آخرون عن الكلام. وتمت أغلب المقابلات في وجود مسؤولين أمنيين، وهو الأمر الذي جعل المسجونين يعمدون إلى تقليل أهمية الأدوار التي لعبوها في «داعش»، غير أنه لم يكن لذلك تأثير كبير على قدر الصراحة في وصفهم لدور إدارة الإعلام في التنظيم.
وصرح أبو هاجر، مهاجر مغربي ذو حديث ناعم ولحية خفيفة وجسد ممشوق، بأنه كان نشطا في دوائر الإعلام الجهادي لأكثر من عشر سنوات قبل أن يدخل سوريا في 2013، وبدأ المشاركة في المنتديات الإسلامية على الإنترنت عقب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. بعد ذلك، أصبح أبو هاجر مديرا لموقع مؤثر على الإنترنت عرف باسم «شموخ»، وهو ما منحه حق ضم منتسبين جدد ومراقبة المواد التي ينشرها غيره من المسلحين. كانت تلك الخبرات بمثابة أوراق الاعتماد التي مهدت الطريق أمام أبو هاجر لتولي المهام التي يتطلبها «داعش».
ويتّبع «داعش» نظاما محكما في تقييم وتدريب القادمين الجدد، فوفق أبو هاجر، بمجرد دخوله سوريا تم تعيينه في فريق إعلام «داعش» حيث تلقى تدريبات عسكرية على مدار شهرين، قبل أن يلتحق ببرنامج تدريبي خاص لمدة شهر عن العمل الإعلامي. وأضاف في المقابلة أن البرنامج «متخصص في التصوير ودمج الصور، وضبط الصوت»، وبعد استكمال الدورة، تسلم كاميرا من ماركة «كانون»، وجوالا ذكيا من ماركة «سامسونغ غالاكسي»، وتكليف بمهام وحدة إعلام «دولة الخلافة» في الرقة.
وولد أبو هاجر، وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، في حي فقير في المغرب، والآن عادت زوجته وأولاده للعيش في نفس المكان الذي كانوا يعيشون فيه قبل السفر. والمكان عبارة عن قرية صغيرة من بيوت الصفيح والخشب من دون أي توصيلات للمياه، وتقع القرية على أطراف ضواحي مدينة الرباط. في سوريا، كان أبو هاجر وعائلته يعيشون في منزل كبير بحديقة. وأعطيت له سيارة من نوع «تويوتا هيلوكس» للتنقل إلى مواقع التصوير البعيدة، كما كان يتقاضى 700 دولارا شهريا، أي 7 أضعاف ما يتقاضاه المقاتلون. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
*خدمة «واشنطن بوست»



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».