من الرياض إلى المجتمع الدولي: لا تعاطف مع الإرهاب

إغلاق ملفات خلايا أعدت للتفجيرات.. وأسهمت في التحريض وإثارة الطائفية

خبراء أمن سعوديون في موقع تفجير مسجد بالدمام في مايو الماضي (أ.ف.ب)
خبراء أمن سعوديون في موقع تفجير مسجد بالدمام في مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

من الرياض إلى المجتمع الدولي: لا تعاطف مع الإرهاب

خبراء أمن سعوديون في موقع تفجير مسجد بالدمام في مايو الماضي (أ.ف.ب)
خبراء أمن سعوديون في موقع تفجير مسجد بالدمام في مايو الماضي (أ.ف.ب)

الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية أخيرًا، والتي أعلن تنظيم داعش المتطرف مسؤوليته عنها، أعادت تسليط الضوء على آفة الإرهاب الذي لا يقيم وزنا للقيم الإنسانية، ويهدد بفتن لا تنتهي. ولئن كانت بعض الجهات قد حاولت لبعض الوقت تجاهل هذه الآفة، أو التقليل من شأنها، وإذا كانت ثمة جهات أخرى قد حاولت أو تحاول ربط الإرهاب بدين بعينه وتعاليم سماوية بعينها، فإن السعودية بادرت إلى تصنيف كل من يمارس العنف باسم الدين تحت المسمى الصحيح ألا وهو «الفئة الضالة». ومن كانت من دول العالم السباقة إلى اعتماد سياسات حازمة للتصدي لهذه الآفة التي استهدفت السعودية كما لم تستهدف دولاً كثيرة غيرها.

أقفل القضاء السعودي، ملفات خلايا إرهابية نفّذت عمليات انتحارية وحرضّت عناصر آخرين على تنفيذ مخططات تستهدف أمن البلاد، عبر قيامهم بتفجيرات إرهابية ومحاولة استهداف القيادات في السعودية وكذلك رجال الدين والأمن، وإلقاء قنابل المولوتوف على المنشآت الحكومية والأمنية، والتشجيع على المطالبة بإسقاط الدولة عبر مسيرات في قرى المحافظات. وتحقق ذلك بعد إصدار أحكام ابتدائية شرعية ضدهم، واستئنافها بصدور حكم الإعدام أو السجن لمدد تصل إلى 30 سنة، حيث أحيلت ملفات القضايا إلى الجهات المعنية في السعودية لتنفيذ عقوبة السجن، وتحديد موعد القصاص.
«الشرق الأوسط» علمت أن أكثر من 60 شخصًا، ممّن تورّطوا في عمليات إرهابية وتحريضية صدرت بحقهم أحكام ابتدائية بالقتل، كما جرى استئناف أحكام عدد كبير منهم، خصوصًا وأن القضاء يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية. وتؤكد هذه الخطوة الوقوف بحزم وعدل في وجه كل مفسد وعابث بأمن البلاد تحقيقًا للعدالة، وتعظيمًا لحق الأنفس المعصومة التي جاءت الشريعة بحفظها والتشنيع على من استهان بها.
ولقد تورّط المدانون في تنظيم «القاعدة» بالإعدام، أو السجن لمدد تصل إلى 30 سنة، في قضايا مختلفة أبرزها التحريض على الإرهاب والقتل، وعمليات التفجير الذي وقعت في السعودية، عندما استهدف تنظيم «القاعدة» ثلاثة مجمعات سكنية في شرق الرياض خلال شهر مايو (أيار) 2003. وفي العام نفسه، نفذ تفجير لمجمع المحيّا السكني، وأيضًا جرى استهداف مجمّع مبنى الوشم، الذي يتكوّن من إدارتي المرور وقوات الطوارئ التابعة للأمن العام، وتفجير مبنى الطوارئ بالرياض، وآخر في خارج مقر وزارة الداخلية، إضافة إلى تفجير مصفاة بقيق النفطية. وفي المقابل، جرى إحباط عدد كبير من العمليات الإرهابية عبر تفخيخ صهاريج مياه، وعدد من السيارات المتوسطة الحجم، لاستهداف مبان حكومية وأمنية وثلاث سفارة غربية في وقت واحد.
وبعدما وصفت وزارة الداخلية السعودية أعمال الشغب المتزايدة في محافظة القطيف وبلدة العوامية (القريبة منها) بالإرهاب، أدين عدد من المتهمين بالتحريض وقتل رجال الأمن والمواطنين، عبر إطلاق النار عليهم أو استهدافهم بقنابل المولوتوف ذات الصنع اليدوية وإثارة الفتنة الطائفية في المجتمع والتدخل في شؤون دول خليجية، أصدرت أحكام بالإعدام والسجن لمدد متفاوتة، كل حسب الجرم الذي اقترفه.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قد شدد عبر منابر عدة على تكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، في ظل تقاعس بعض الدول عن تفعيل إجراءات لتقصي الحركات المتطرفة، والقضاء عليها. وحقًا، تسعى السعودية، التي كانت ولا تزال هدفا للإرهاب، إلى بلورة فعل دولي عبر ما اقترحه الملك سلمان بن عبد العزيز، في قمة العشرين التي اختتمت أخيرًا في منتجع أنطاليا بجنوب تركيا، بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، وأعلن تبرع السعودية بمبلغ 110 ملايين دولار أميركي للمركز.
وتبرز الصورة الحازمة للسياسة السعودية في التعامل مع الإرهاب بشعارٍ قوي، يوازيه الضبط والمكافحة الأمنية، وسياسات عدة تسعى معها السعودية إلى تحقيق السلم والأمن محليًا وإقليميًا، ومبادرات لم يتوانَ حكام السعودية ووزراء داخليتها إلى طرحها في ملتقيات أممية عدة. ومع مصادقة القضاء على إعدام السعودية أبرز منظرين للإرهاب فيها وهما نمر النمر وفارس آل شويل، إضافة إلى عشرات آخرين ثبت تورطهم في قضايا إرهابية، تكون الرسالة السعودية في منبر عال، خاصة وأنها تأتي بعد أسبوع على وقع هجمات باريس الدامية، وبعد تبنّي «داعش» تفجير طائرة روسية فوق سيناء المصرية.
الواقع أن السعودية لم تنهج سبل الوقاية من العنف والإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) فحسب، بل كانت ساعية إلى هدف تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والدلالة على ذلك تتضح من موقفها في قمة الألفية التي عقدت في مقر منظمة الأمم المتحدة خلال سبتمبر 2000، وألقى خلالها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - (ولي العهد آنذاك) كلمة السعودية نيابة عن الملك فهد - رحمه الله - وشدد على دور الوقاية من العنف، بل وأعلن تبرع السعودية بـ30 في المائة من ميزانية صندوق العمل الوقائي الدولي.
قبل ذلك التاريخ أيضا كانت السعودية أول دولة من دول العالم الإسلامي توقّع على معاهدة «مكافحة الإرهاب الدولي» في يوليو (تموز) 2000، وسبقت في إجراءاتها عددًا من الدول الكبرى في ما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب وتهريب المخدرات. فهي وقعت وانضمت إلى اتفاقية مكافحة تهريب المخدرات في عام 1988، وجمّدت أرصدة زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن منذ عام 1994، وعملت وفق إجراءات قوية على مكافحة تبييض الأموال.
كذلك استضافت السعودية مؤتمرًا دوليًا لمكافحة الإرهاب في أوائل عام 2005 بمشاركة أكثر من خمسين دولة ومنظمة دولية، ثم استضافت في عام 2013 المؤتمر الدولي المعني بتعاون الأمم المتحدة مع مراكز مكافحة الإرهاب، وكانت جميع هذه المبادرات الدولية تحمل رسائل الرياض إلى العالم، ومؤداها أن القضاء على الإرهاب لا يمكن أن يتحقق إلا بتعاون دولي في استئصال جذوره ومعالجة أسبابه.
الدكتور ناصر العتيبي، قال في هذا الصدد إن «الجهود السعودية كبيرة في تحقيق السلم والأمن عالميًا»، مؤكدًا على الدور القيادي للسعودية في وضع أطر مؤسسية لمكافحة الإرهاب، وأضاف العتيبي خلال اتصال مع «الشرق الأوسط» أن «التقارير الدولية تشير إلى مقاربة الجهود السعودية في مكافحة الإرهاب، وأنها من أكثر الدول التي تعرّضت للجرائم التي تهدد أمن وسلامة الناس لكنها نجحت عبر برامجها في وضع حد كبير ضدها».
وعبّر العتيبي، المتخصص في شؤون العلاقات الدولية، أن «أمام الدول الغربية كثيرا من القناعات التي بادرت بها السعودية في إطار تبنيها لخطط لمكافحة الإرهاب، من خلال كثير من الإجراءات يكون من ضمنها مرصد دولي يعمل على تبادل المعلومات بين الدول، واستصدار قوانين رادعة ضد كل من يهدد الأمن المحلي والإقليمي والدولي»، معتبرا أن «ذلك من شأنه ترقية الوعي ونشر التسامح، والحوار العالمي». أيضًا، وصف تقرير لكريستوفر بوشيك، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط بمعهد كارنيغي بواشنطن، العمليات الأمنية السعودية وعملها المؤسسي بأنها «أفضل برنامج مضاد للتطرّف في العالم من حيث الشمولية والاستمرارية»، وأردف أن البرنامج السعودي «يعطي النتائج التي تسمح للدول الأخرى من الاستفادة منه»، واستطرد في تقريره أن « دولا في الشرق الأوسط وأوروبا بدأت تحاكي البرنامج السعودي وإجراءاته».
الجدير بالذكر، أنه عبر العقود الماضية ألحق الإرهاب بالسعودية أضرارًا جسيمة وخلّف ضحايا من المدنيين والعسكريين. ولقد حاول خلال تلك الفترة أفراد التنظيمات الإرهابية شلّ الحياة في البلاد، التي تجاوزت بخبرة اليوم وقوة الأمس كل التحديات. فكانت السعودية في أبرز صور التصدي للإرهاب عند اقتحام جهيمان العتيبي الحرم المكي بعشرات من المسلحين، الذين انتهى بهم الحال جميعًا على مقصلة القضاء الذي حكم بإعدامهم في عدد من مناطق السعودية خلال العام 1979.
وكان للحزم السعودي أمام الإرهاب مثال آخر تجسّد في قضية الإعدام الأخرى في مكة المكرمة، حيث أُدين 16 كويتيا بالضلوع في تفجيرين قرب الحرم المكي في موسم الحج عام 1989، ذهب ضحيتهما شخص واحد وسجلت أكثر من 10 إصابات. وكانت وراء التفجيرين ما عُرف بخلية «حزب الله الكويتي» التي تلقّت أوامرها من إيران بهدف ضرب استقرار الحجاج قبل بدء موسم حجهم، ونفذت السعودية حكم الإعدام بعد تصديقه شرعًا وفق الأنظمة القضائية.
كذلك حكم القضاء السعودي على أربعة من الإرهابيين بالقصاص (الإعدام) بعد اعترافهم بتفجير العُليّا في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1995 وهم: عبد العزيز المعثم ورياض الهاجري ومصلح الشمراني وخالد أحمد السعيد، بعدما نجحت القوات الأمنية في إلقاء القبض عليهم. ويومذاك أعلن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه جرى القبض على الجناة «اعتمادًا على خبرات رجال المباحث العامة وكفاءتهم»، وتم تقديمهم للعدالة التي أنهت القضية بإعدامهم.
وفي أغسطس (آب) الماضي نفّذت السعودية عقوبة الإعدام في اثنين من أفراد تنظيم «القاعدة». وكانت أول عقوبة منذ بدء موجة الإرهاب قبل أكثر من عشر سنوات، حين نفذت الحكم الصادر من المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، بحق عنصرين من عناصر «القاعدة» وهما من الجنسية التشادية، في مدينة جدة، بعد قتلهما أحد المقيمين في السعودية من الجنسية الفرنسية.
وحينذاك أعلنت وزارة الداخلية في بيانها أن صالح بركاج وإسحاق شاكيلا انضما إلى خلية إرهابية داخل السعودية تابعة لتنظيم «القاعدة» الإرهابي «تعتنق المنهج التكفيري المُخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وتعمل على رصد ومتابعة المستأمنين والمعاهدين». وقاما بإطلاق النار على أحد المستأمنين من الجنسية الفرنسية، ويدعى لوران باريو، حيث قاما برصده ومتابعته وإطلاق النار عليه من سلاح رشاش تسبب في قتله «بناء على معتقد فاسد باستباحة دماء المستأمنين والمعاهدين والشروع في اغتيال بعض المسؤولين الأجانب داخل السعودية، ورصد ومراقبة السيارات التابعة لإحدى القنصليات بالسعودية، وإطلاق النار على بعض منسوبيها، واتفاقهما على استهداف الرعايا الأجانب بصفة فردية بقصد اغتيالهم، وحيازتهما أسلحة بقصد الإفساد والاعتداء والإخلال بالأمن».
وفي عام 2008 أنشئت «المحكمة الجزائية المتخصصة» بموجب أمر ملكي للنظر والتسريع في قضايا الإرهاب والموقوفين في قضايا أمن الدولة. وبدأت النظر بعدها بعام ونصف في القضايا المتعلقة بالموقوفين الأمنيين والتيارات المتطرفة، وقضايا سجن أخرى بحق متهمين على علاقة بالمنهج التكفيري. وتتصدّى المحكمة الجزائية المتخصّصة قضائيا لقضايا المتورّطين في قضايا الإرهاب، منذ بدء موجة الإرهاب على السعودية في مايو عام 2003 بتفجير ثلاثة مجمّعات سكنية في العاصمة الرياض، وما تبعها من أحداث، من مجمع المحيّا السكني بالرياض وكذلك مجمّع الواحة بالمنطقة الشرقية، وهي قضايا أغلقتها المحكمة وأصدرت فيها الأحكام، وكان التنفيذ بالأمس.
وتمتثل المحكمة الجزائية المتخصصة لمبدأ علنية الجلسات، وتتيح الفرصة لممثلي جمعية حقوق الإنسان ووسائل الإعلام ووكلائهم من المحامين وذوي المتهمين لحضور جلسات المحاكمة، والاستماع إلى مداولات الجلسات ومنطوق الأحكام.
وكانت المحكمة قد أكدت في العام الماضي أن أعداد المحكوم عليهم بلغ 1940 متهمًا منهم أفراد وخلايا تورّطوا في قضايا إرهابية وتهديد للأمن والسلم في السعودية، وأصدرت خلالها أحكامًا ابتدائية على 314 متهما أدينوا بالإرهاب أو تمويله، علاوة على العشرات من الأحكام لمتهمين على علاقة بالمناهج المتطرفة من «القاعدة» و«جبهة النصرة» و«داعش» وغيرها من التيارات المتطرّفة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».