«داعش» يتحصّن في أحياء الرقة المدنية.. ويداهم المقاهي ويراقب الاتصالات

مسؤولون عراقيون رصدوا نقل التنظيم مسلحيه وعائلاتهم إلى مناطق في غرب الأنبار

«داعش» يتحصّن في أحياء الرقة المدنية.. ويداهم المقاهي ويراقب الاتصالات
TT

«داعش» يتحصّن في أحياء الرقة المدنية.. ويداهم المقاهي ويراقب الاتصالات

«داعش» يتحصّن في أحياء الرقة المدنية.. ويداهم المقاهي ويراقب الاتصالات

منذ اعتداءات باريس الأسبوع الماضي، وما تلاها من تكثيف الضربات العسكرية ضدّ مواقع تنظيم داعش، يعيش الأخير حالة من الإرباك انعكست على عناصره والعائلات التي تعيش تحت «قبضته» في منطقة الرقة.
وبينما أشارت بعض المعلومات إلى أن عائلات مقاتلي التنظيم، ولا سيما من المهاجرين، بدأوا ينزحون من المنطقة باتجاه الموصل في العراق في موازاة تغيير مواقعه العسكرية إلى مناطق مدنية، يخيّم على الرقة حالة من الذعر والخوف على مصير الأهالي الذين باتوا عرضة لقصف الطيران في أي لحظة، بينما يعمد التنظيم إلى التضييق عليهم بمختلف الوسائل، كان آخرها حملات الدهم التي شملت مقاهي الإنترنت.
ويوم أمس، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 6 مدنيين وإصابة نحو 20 آخرين بجراح، بينهم أطفال، جراء قصف لطائرات حربية استهدفت آليات وصهاريج كانت تنقل النفط، بشمال مدينة الرقة، مرجحا ارتفاع عدد القتلى بسبب وجود جرحى في حالات خطرة، لافتا إلى أن معظم الجثث تفحم والبعض الآخر تحول إلى أشلاء.
وذكرت صفحة تجمّع «الرقة تذبح بصمت» أنّ التنظيم الذي يعتمد في قتاله على مبدأ «حرب العصابات»، ولا يملك معسكرات أو ثكنات محددة داخل المدينة، بدأ يعمد إلى اتخاذ المدنيين دروعًا بشرية منذ تكثيف الضربات على مواقعه في اليومين الأخيرين، ناقلاً جميع مقراته إلى شقق سكنية في الأحياء الخاصة بالمدنيين. ورغم أنّ هذه الضربات لم تستطع إضعاف التنظيم أو قتل عدد كبير من عناصره ضمن مدينة الرقة، فإنها باتت تشكل مصدر خوف كبيرا للمدنيين، وهو ما أكد عليه كل من الناشطين في المدينة، أبو شام الرقة، وأبو محمد الرقاوي، من تجمع «الرقة تذبح بصمت». وقال الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: «نقلوا معظم مراكزهم وحتى مخازن الأسلحة إلى شقق في مبانٍ سكنية، وهو الأمر الذي أصبح مصدر قلق بالنسبة إلى العائلات التي تقطن هذه المباني». وأوضح أبو شام: «قام رجال أمن التنظيم الأربعاء ليلا بتنفيذ حملة مداهمات شملت مختلف مقاهي الإنترنت، مستخدمين أجهزة متطوّرة غريبة نراها للمرة الأولى، وقاموا بتفتيش حتى الهواتف الجوالة ومحادثات الـ(واتساب)»، لافتا إلى أن هذه الإجراءات شملت المدنيين وعناصر التنظيم على حد سواء. وبدوره قال أبو محمد إن أمن التنظيم عمد إلى مصادرة أجهزة الإنترنت بهدف الكشف عليها والتأكد من أنه لا يتم إجراء اتصالات مشبوهة عبرها.
وقال المرصد إنّ ما يعرف بـ«الحسبة» التابعة للتنظيم أبلغت المواطنين الراغبين في الانتقال من مدينة الرقة إلى مناطق أخرى، أو النزوح منها، بضرورة التوجّه إلى الموصل العراقية، وذلك بعدما كان قد أعلن أول من أمس أن العشرات من عائلات قياديي «داعش» وعناصره، معظمهم من جنسيات عربية وأجنبية، بدأوا بالنزوح من مدينة الرقة، متجهين إلى مدينة الموصل العراقية، على اعتبار أن مدينة الرقة لم تعد آمنة وأن الموصل باتت أكثر أمنا. لكن في المقابل، نفى كل من أبو شام وأبو محمد هذه المعلومات، مشيرين إلى أن هذه المعلومات غير دقيقة، مذكرين بقرار التنظيم الأسبوع الماضي الذي فرض على كل من يريد أن يغادر الرقة بالحصول على إذن خروج من الدوائر الخاصة التابعة له.
يذكر أن التنظيم كان قد أصدر الشهر الماضي قرارا، طلب بموجبه من الفتيان الذين يتجاوز سنّهم الـ14 عاما في القطاع الشمالي لمحافظة الرقة، التوجه إلى أقسام الشرطة التابعة له لتسجيل أسمائهم، تمهيدًا لضمهم إلى قواته، وفق ما أكدته صفحة تجمع «الرقة تذبح بصمت».
وقال أبو محمد إنّ الضربات الجوية المكثفة التي تشهدها المدينة في اليومين الأخيرين ولا سيما خلال الليل «هي الأعنف»، مشيرا إلى أنه وفي حين يبقى عناصر التنظيم منتشرين على الحواجز وفي المناطق خلال النهار، تخلو الشوارع من وجودهم خلال تنفيذ هذه الضربات. وهو ما أشار إليه المرصد قائلا: «تشهد مدينة الرقة حالة غياب لعناصر (داعش) ومقاتليه، وبخاصة خلال عمليات استهداف المدينة»، لافتا إلى أن التنظيم قام بتوزيعهم على القرى وعلى منازل كان قد استولى عليها في وقت سابق داخل المدينة.
في سياق متصل، أكد المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة والناطق الرسمي بلسان وزارة الدفاع العراقية العميد يحيى رسول الزبيدي، لـ«الشرق الأوسط» أن الأجهزة الاستخبارية لقيادة العمليات المشتركة ومن خلال عملها اليومي في رصد تحركات تنظيم داعش الإرهابي على طول الحدود بين العراق وسوريا، لاحظت في اليومين الماضيين تحركًا واسعًا لقوافل من العجلات المسلحة وغير المسلحة قادمة من مدينتي الرقة والحسكة وغيرهما من المناطق السورية باتجاه الأراضي العراقية.
وأضاف الزبيدي: «إن طائرات التحالف الدولي وطيران سلاح الجو العراقي قامت بشن كثير من الضربات الجوية التي استهدفت تلك المجاميع التي تتخذ طرقًا يطلق عليها في التعبير العسكري (نيسمية)، أي طرق غير رسمية، في تحركاتها عبر الصحراء والتلال والطرق الوعرة، وصولاً إلى مدينة الموصل المعقل الأكبر لتنظيم داعش في العراق. وهذه الطرق النيسمية استخدمها التنظيم الإرهابي بديلاً عن الطريق الذي كان يسلكه في السابق من أجل إيصال الإمدادات لمسلحيه بين العراق وسوريا، خصوصًا بعد تحرير ناحية سنجار الاستراتيجية من قبل قواتنا الأمنية، الأمر الذي تسبب بقطع الشريان الحيوي لتنظيم داعش في الموصل، لذا عكف التنظيم على إيجاد طرق بديلة للوصول إلى داخل المدينة».
ويمتد الشريط الحدودي بين العراق وسوريا على مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بنحو 600 كلم، بدءا من الأنبار ووصولاً إلى محافظة نينوى. وقد وقعت منذ أكثر من سنة بيد مسلحي تنظيم داعش، ما يسهل عملية دخول وخروج عناصره بين العراق وسوريا وسهولة نقل الإمدادات العسكرية، وهروب قياداته وعائلاتهم ومن يواليهم في حالة حدوث أي طارئ.
من جانبه أكد عضو مجلس محافظة الأنبار أركان خلف الطرموز أن تنظيم داعش قام بنقل قياداته ومسلحيه وعائلاتهم إلى مناطق في غرب الأنبار، بعد تكثيف الضربات الجوية لطائرات التحالف الدولي على معاقل المسلحين في الأراضي السورية. وقال الطرموز لـ«الشرق الأوسط»: «إن مدينة القائم الحدودية مع سوريا شهدت في الآونة الأخيرة دخول أعداد كبيرة من قيادات ومسلحي التنظيم برفقة كثير من عائلاتهم ومناصريهم هربًا من ضربات التحالف الدولي».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم