الحكومة الكولومبية تسعى إلى توقيع اتفاق سلام مع المتمردين

لإنهاء صراع أهلي أعاق البلاد لنحو 50 عامًا

صورة وزعتها وزارة الدفاع الكولومبية لجنديين سجينين  تم إطلاق سراحهما أمس من قبل المتمردين (أ.ف.ب)
صورة وزعتها وزارة الدفاع الكولومبية لجنديين سجينين تم إطلاق سراحهما أمس من قبل المتمردين (أ.ف.ب)
TT

الحكومة الكولومبية تسعى إلى توقيع اتفاق سلام مع المتمردين

صورة وزعتها وزارة الدفاع الكولومبية لجنديين سجينين  تم إطلاق سراحهما أمس من قبل المتمردين (أ.ف.ب)
صورة وزعتها وزارة الدفاع الكولومبية لجنديين سجينين تم إطلاق سراحهما أمس من قبل المتمردين (أ.ف.ب)

إذا وضعت الحكومة الكولومبية وأكبر جماعة متمردة في البلاد اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام تاريخي خلال الأشهر المقبلة، فإن ذلك من شأنه الشروع في عملية معقدة وعسيرة، إذ يعتبر التحدي الأكثر إلحاحا للحكومة هو كيفية إقناع أكثر من 6 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح بالنزول من أعلى الجبال، وتسليم أسلحتهم، وبدء حياة جديدة كمدنيين ملتزمين بالقانون.
أما ثمن فشل هذه الخطوة فسيكون غاليا، على اعتبار أن الكثير من المقاتلين التابعين للقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) يخوضون حربا منذ صغرهم، ولم يتعلم بعضهم أبدا القراءة أو الكتابة، وسوف تجعلهم تجربتهم السابقة مجندين محتملين لتجار وأباطرة المخدرات والعصابات الإجرامية، والقليل منهم فقط سيقبل بممارسة أعمال عادية.
واتفقت الحكومة مع فارك على أن العملية، المعروفة باسم «تسريح القوات، ونزع السلاح، وإعادة التأهيل»، ينبغي أن تبدأ في غضون 60 يوما من إبرام اتفاق السلام. لكن كيفية حدوث ذلك بالضبط تبقى مسألة أخرى لإنهاء الصراع الأهلي الأعنف في الأميركتين، والذي أعاق كولومبيا لمدة 50 عاما.
ويصر قادة «فارك» على أنهم لن يتخلوا عن أسلحتهم إذا لم يحصلوا على ضمانات بأن الحكومة مستعدة لحمايتهم من أعدائهم الكثر، وأبرزهم الجماعات شبه العسكرية، وعصابات المخدرات، وغيرهم ممن قد يرون نزع أسلحتهم فرصة للانتقام. وبالنسبة للمتمردين، سيكون التسريح قفزة كبيرة إلى الأمام، حيث سيتوقفون عن اعتبار الجنود الكولومبيين أعداء، والقبول بهم كحماة للوطن موثوق بهم.
وتريد الحكومة من المتمردين ترك معاقلهم، والتجمع في مناطق آمنة يتاح فيها السكن والرعاية الصحية، وتقديم المشورة، والخدمات الأخرى، وفي هذا الصدد قال الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس لصحيفة «واشنطن بوست» إن «مقاتلي (فارك) قد لا يستسلمون للقوات الحكومية، لكن قد يستسلمون لمجموعة تابعة للأمم المتحدة أو طرف ثالث آخر»، مشيرا إلى أنه يدرك أن قادة «فارك» لا يريدون المشاركة في احتفالية خاصة بالتوقيع على اتفاق سلام حتى لا يبدو الأمر وكأنه هزيمة أو استسلامًا من طرفهم.
ومن المفترض أن يبدأ المتمردون في وضع أسلحتهم في غضون 60 يوما من التوقيع على اتفاق السلام. لكن الاتفاق سيخضع لموافقة الشعب الكولومبي من خلال عملية استفتاء شعبي، وستستلزم مكوناته المختلفة الموافقة من الكونغرس الكولومبي. ويمتلك سانتوس ائتلاف الأغلبية، ويسعى للحصول على سلطات سريعة تتيح له الدفع لتنفيذ اتفاق السلام. وعندما سُئل إذا ما كانت «فارك» تريد تسليم أسلحتها قبل معرفة إذا ما كان الاتفاق سيُبرم أم لا، قال الرئيس سانتوس إن العملية ستبدأ خلال فترة مدتها 60 يوما، لكنها لا تستلزم الاكتمال خلال تلك الفترة الزمنية، وأضاف سانتوس موضحًا: «قد نبدأ بإجراء جرد الأسلحة ووضعها في حاويات. لكن لا أعرف المدة التي ستستغرقها تلك الخطوة، لكننا قد نبدأ بها». وليس من الواضح إذا ما كانت قوات «فارك» قادرة على إخراج الأسلحة من تلك الحاويات.
لكن هناك أيضًا مشكلة أخرى تكمن فيما إذا كانت قوات «فارك» ستترك لها مخابئ أسلحة في الجبال، بحيث يكون بإمكانها الحصول عليها سريعا في حال انهيار اتفاق السلام. ولكي يتأهل قادة المتمردين لعناصر «العدالة الانتقالية» لاتفاق السلام، الذي يسمح بعقوبة أقل، يحب أن يتخلوا عن أسلحتهم وسبل الوصول إليها.
ودفع البرنامج الحكومي مقاتلي «فارك» للانشقاق، لكنهم يتعرضون للاستجواب من قبل المخابرات أثناء وجودهم في الحجز الحكومي. ومنذ عام 2012 أخذ «التسريح الفردي» أكثر من 20 ألف مقاتل من صفوف «فارك». وعلى مر السنين أظهر البرنامج لمقاتلي «فارك» أن الجنود الكولومبيين سيعاملونهم باحترام، وسيتلقون الحماية بمجرد قبولهم على الوضع الجديد كمدنيين. لكن وفقًا لإحصائيات الجيش، لا يزال «فارك» يمتلك 6230 مقاتلا في صفوفه.
ويطعن الجنرال زونيغا في الادعاء بأن المتمردين المسرّحين سيشعرون بالملل على نحو متزايد حيال الوظائف كعمال بناء وسائقي شاحنات، وسوف يوظفون أنفسهم كمسلحين لجماعات التهريب. وقال بهذا الخصوص: «لا يهتم مقاتلو (فارك) العاديين بالمال.. فهم لا يمتلكون أي نقود، وليس من الصعب بالنسبة لهم قبول وظائف متواضعة».لكن إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام، سوف تتطلع العصابات للسيطرة على تجارة المخدرات في المناطق التي كانت القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) تستولي عليها.
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.