عودة الروح لجائزة فلسطين التقديرية

محمد علي طه وزياد خداش يتناصفان «الآداب»

محمد علي طه يتسلم جائزته (عدسة: يوسف الشايب)
محمد علي طه يتسلم جائزته (عدسة: يوسف الشايب)
TT

عودة الروح لجائزة فلسطين التقديرية

محمد علي طه يتسلم جائزته (عدسة: يوسف الشايب)
محمد علي طه يتسلم جائزته (عدسة: يوسف الشايب)

في «عرس القلم والوتر»، مساء الثلاثاء، في قصر رام الله الثقافي، كانت الحناجر جميعها موحدة تغني «موطني»، وقوفًا، على خلفية موسيقية لأعواد الثلاثي الجبران، التي حاكت كلمات إبراهيم طوقان، كما كانت تحاكي كلمات محمود درويش، مسدلة الستار على حفل توزيع جائزة دولة فلسطين التقديرية في الفنون والآداب والعلوم الإنسانية، برعاية الرئيس محمود عباس وحضوره، التي عادت إلى الحياة بعد غيبوبة استمرت أربعة عشر عامًا.
وقررت لجنة الجائزة برئاسة الأديب والكاتب يحيى يخلف، منح جائزة الآداب مناصفة بين الأديب محمد علي طه، والقاص زياد خداش.
وجاءت في مصوغات لجنة الجائزة، أنها منحت لمحمد علي طه، تقديرًا لإنجازاته الإبداعية في السرد القصصي والروائي، وفي المقالة الأدبية، والسياسية، وأدب الأطفال، وإسهامه من خلال مؤلفاته الأدبية في إغناء الهوية الثقافية لأبناء الشعب الفلسطيني الباقين في وطنهم.
أما زياد خداش فحازها عن القصة القصيرة والنص الإبداعي المتحوّل إلى شذرات وإطلالات شعرية نثرية في قوة تعبيرها عن مكنونات اللاشعور للشخصية الرئيسية، والحالة الفلسطينية وهمومها، في تراسل تام ما بين الشخصي والعام، وهو ما عبّرت عنه مجموعة القصص والنصوص في كتابه الأخير «خطأ النادل».
وفي الجوائز الأخرى فاز الثلاثي جبران بجائزة الفنون، فيما ذهبت الجائزة التقديرية عن مجمل الأعمال للدكتور حسام الخطيب، الذي كشف الرئيس محمود عباس في كلمته خلال الحفل، أنه من بين التسعة الذين شاركوا في إعلان انطلاقة حركة فتح والثورة الفلسطينية، وانطلاقًا من منزله، كما قرر تقديم وسام رئاسي تكريم له لدوره الريادي على المستويين الأكاديمي والوطني، وأيضًا للدكتور عبد الرحمن ياغي، أما جائزة الدراسات فمنحت هذا العام مناصفة ما بين الكاتب والإعلامي أحمد عبد الرحمن عن كتابه «عشت في زمن عرفات»، ود. إبراهيم نمر موسى عن كتابه «تجليات الوطن واستبطان الذات في شعر كمال ناصر»، فيما استحدثت هذا العام جائزة المبدعين الشباب، التي ذهبت مناصفة أيضًا ما بين القاصة الشابة نسب أديب حسين، والفنانة الشابة ديما حوراني عن مشروعها الفني التفاعلي «الفعل الماضي المستمر».
واتفق عدد من الفائزين بجوائز فلسطين التقديرية للفنون والآداب والعلوم الإنسانية، على أن حصولهم على الجائزة مسؤولية من جهة، واعتراف بما قدموه من إبداعات من جهة أخرى.
وقال القاص زياد خداش لـ«الشرق الأوسط»: «على الصعيد الشخصي هي جائزة مهمة للغاية، فهي أول جائزة أحصل عليها في حياتي، أما على الصعيد الجمعي والإنساني والوطني، فإنني أعتبر أن فوزي بالجائزة هو فوز للمخيم، والشارع، والناس البسطاء، الذين هم أبطالي الذين ألهموني في كتاباتي من خلال قصصهم وحكاياتهم.. ما بعد الجائزة مرحلة مرعبة جدًا، فهي تضعني أمام تحديات ومسؤوليات جديدة، وهناك أصدقاء جدد وأعداء جدد سيُخلقون».
بدوره، قال الأديب محمد علي طه، حول الجائزة والفوز بها لـ«الشرق الأوسط»: «شرف كبير لي أن أحصل على جائزة تحمل اسم دولة فلسطين، ومشاعري أشبه بمشاعر فلاح يعمل طول النهار، وانتظر من يقول له: (يعطيك العافية)، وها هي تُقال لي عبر هذه الجائزة.. هذه الجائزة تمنحني الدعم القوى لمواصلة العطاء والكتابة، وآمل أن تلفت نظر الكتابة لمزيد من قراءة ما كتبت، وأن يهتموا أكثر بالثقافة، كون هذه الجائزة تعبر عن اهتمام القيادة والمؤسسة الرسمية بالثقافة، خصوصًا في الوقت الذي يعاني فيه أبناء الشعب الفلسطيني من الإعدامات اليومية، والاعتقالات، وأعمال البشعة التي تمارسها حكومة نتنياهو وجيشه».
من جانبه شدد د. زياد أبو عمرو، نائب رئيس الوزراء وزير الثقافة، على أن الثقافة الفلسطينية، كانت ولا تزال على الدوام، وعبر مسيرتها الطويلة، صمام أمان للنضال العادل الهادف للتحرر واستعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة.. وقال: «لعبت الثقافة والفنون دورًا حيويًا في تشكيل الهوية الوطنية، وتعزيز وجودها، من خلال إبداعات الكتاب والأدباء والفنانين، الذين أسهموا في صياغة وجداننا الشعبي، وتكويننا الفكري، وهي إبداعات تتواصل وتتناقلها الأجيال»، مشددًا على أن الوزارة تعمل على ترسيخ ثقافة التصدي لإرهاب الاحتلال، ودعم ثقافة التنوير في مواجهة التكفير والإرهاب، في كلمة لم تخلُ من السياسة في الحفل الذي حمل عنوان «كلنا ضد الإرهاب في أي مكان».
أما الكاتب والأديب يحيى يخلف، رئيس لجنة الجائزة، فشدد على أهمية المرسوم الرئاسي الذي أعاد الروح والاعتبار لهذه الجائزة، وتحويلها إلى جائزة دولية، وضمان استمراريتها بشكل سنوي.. وقال: «كانت الثقافة الفلسطينية ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من مشروعنا الوطني، فالثقافة بمعناها الذي يشمل الآداب والفنون والتراث المادي والشفهي ونمط التفكير وأسلوب الحياة، فإنها المكوّن الأساس للهوية الوطنية الفلسطينية، والمعبّر عن نضالات الشعب الفلسطيني، ووحدته، ووجدانه، وإبداعه، ومخزون ذاكرته، وشخصيته الحضارية والإنسانية.. الثقافة الفلسطينية واكبت حركة الكفاح الفلسطيني والنضال من أجل التحرر منذ أكثر من قرن الزمان، مستعرضًا جيل الرواد، والأجيال اللاحقة، وصولا إلى الأجيال الفلسطينية، مما دفع الثقافة الفلسطينية لتشغل مساحة جغرافية على مستوى العالم، أكبر من أن تحدها حدود، مشددًا الأهمية على إعادة الروح لجائزة دولة فلسطين التقديرية في الفنون والآداب والعلوم الإنسانية، التي تقدم لها نتاجًا يعبر عن ثراء وغنى جمع بين الأصالة والمعاصرة.
وفي كلمة الفائزين بالجائزة، ونيابة عن المبدعين المكرّمين، شدد د. محمد ربيع على أهمية هذه الجائزة التي تعبر عن اهتمام الدولة بتكريم العقول المبدعة، والأقلام الفتية، والمواهب الخلاقة، يدل دلالة واحدة على أن هذا الشعب بتمتع بحيوية كبيرة ولم ولن تهزم.



«المغفلون»... رواية فرنسية عن قسوة الخذلان وهوان المشاعر

«المغفلون»... رواية فرنسية عن قسوة الخذلان وهوان المشاعر
TT

«المغفلون»... رواية فرنسية عن قسوة الخذلان وهوان المشاعر

«المغفلون»... رواية فرنسية عن قسوة الخذلان وهوان المشاعر

عن دار «العربي» للنشر في القاهرة، صدرت طبعة جديدة من رواية «المغفلون» للكاتب الفرنسي إريك نويوف، ترجمة لطفي السيد منصور. ويشير المترجم في تقديمه لها إلى أنه في أحد حوارات ميلان كونديرا الذي يعدِّد فيه أشكال الرواية في القرن الثامن عشر، أكد أن «رواية الرسائل»، التي تعتمد في بنيتها على الرسالة، أتاحت حرية شكلية كبيرة للغاية لأن الرسالة يمكنها استيعاب كل شيء بشكل طبيعي جداً مثل التأملات والاعترافات والذكريات والتحليلات السياسية والأدبية. ويعتقد المترجم أنه من أجل هذه الحرية واستيعاب موجة غضب الراوي الذي سُرقت منه حبيبته وذاكرته الغاضبة المرتبكة، اختار المؤلف شكل الرسالة ليبني عليها معمار روايته.

وتعد الرواية رسالة طويلة يوجهها بطلها الراوي الشاب ذو الأعوام الثلاثين ويعمل في وكالة للدعاية والإعلان، إلى الرجل الذي سرق حبيبته المثيرة والمتقلبة «مود» والذي قابله في أثناء قضاء الأخير عطلة في جزيرة قبالة مدينة روما. في البداية لم يكشف الرجل عن هويته الحقيقية لكن فيما بعد اكتشف أنه سيباستيان بروكينجر (كاتب أمريكي شهير، منسحب من الحياة العامة و قرر الاختفاء من العالم والإقامة في غابة ليعيش حياة وديعة بعيدة عن صخب الشهرة).

تبدو القصة العامة هنا مجرد حيلة فنية استخدمها المؤلف ليطرح وجهة نظره وتساؤلاته حول العالم وهل نعيش عصراً يتآمر علينا، وكيف أصبحت الحياة بمثابة شريط لا نمثل فيه سوى لقطة مما لا يمكّننا ولا يمكّن الآخرين من التأمل فيها وفهمها. والرواية إجمالاً قصيرة، كُتبت برشاقة وتكثيف، تتخللها أقوال مأثورة فاتنة ومخيِّبة للآمال، كما تختلط فيها المشاعر باللامبالاة، في إيقاع سردي لاهث حاد اللهجة، يتسم أحياناً بالتشنج والعصبية؛ فتأتي الأحداث في غير ترتيبها ولكن حسب صعود وهبوط الحالة النفسية للراوي وذاكرته وما يتوارد إليها.

نجح الكاتب في اختيار وظائف شخصياته؛ فالحبيب يعمل في الدعاية والإعلان، تلك المهنة التي تعرض كل شيء وتبيع كل شيء حتى الشيء وضده، وتُقنعك بأن تشتري ما لا تحتاج إليه. والحبيبة التي سُرقت منه تعمل في تسويق العقارات، وهو مجال مشابه يقوم على مبدأ البيع بأي طريقة. أما الكاتب الأمريكي الغني، فقد استطاع بحكم مهنته أن يبهر «مود» بماله وممتلكاته وهالته الملغزة، هو أيضاً يستلهم مهنة البيع أو التسويق حتى يُغري الفتاة بشراء رجل عجوز وترك شاب ثلاثيني.

وإريك نويوف، كاتب وصحفي فرنسي وُلد 1956، بدأ مشواره الأدبي 1980 وكتب نحو 20 عملاً أدبياً منها هذه الرواية التي نُشرت للمرة الأولى في 2001 و فازت بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«عندما أفكر ثانيةً في مود أتذكر شارع ميزيير، أرى سيارتها الصغيرة في جراج السكان بملصقها الأصفر على الزجاج الأمامي وساعتها التي كانت تؤخِّرها ساعةً كل صيف. أفكر في الأطفال الذين لم نلدهم والذين كانوا سيلعبون في حديقة لوكسمبورغ القريبة جداً. مود، لو سمحتِ توقفي عن النظر من فوق كتف سيباستيان، أعرفك... اتركينا لو سمحتِ، نحن في جلسة تقتصر على الرجال فقط. سيحكي لكِ سيباستيان كل هذا بالتفصيل بمجرد الانتهاء منها. قلْ لها يا سيباستيان، فلتذهبي لتُنزِّهي الكلب العجوز الذي ينام عند قدميكِ وأنتِ تكتبين على الآلة الكاتبة.

أعرف أنكَ ولدتَ يا عزيزي عام 1929، شيء من هذا القبيل. تلاعبت بكل سجلاتك في مدرسة الليسيه التي كنت ترتادها. رفض المدير أن يزوِّدنا بأي معلومات تخصك، سجلك العسكري أيضاً يتعذر الوصول إليه على نحو غامض. احترق المكتب الذي كان يحويه، لم يعد هناك أي أثر لملفك الجامعي. نشرت أولى قصصك في صحيفة الطلبة، فيما كنت بالكاد في العشرين من العمر، قصة عن الانتحار وعن سمك القراميط. في فترة ما كنت تعمل على مركب يُبحر في عرض الكاريبي، كانت الكبائن ممتلئة بالمتقاعدين الذين يرتدون شورتات قصيرة ولا يغادر نصفهم حافة المرسى. كان من المفترض أن تكون المرشد الخاص بهم، هناك لغز ما في ذلك في رأيي، من الواضح جداً أنك تمسكت بهذه الوظيفة لتحقق بسببها نتائج جيدة في سيرتك الذاتية».