موسوعة المعارف الإسلامية بالإنجليزية والعربية

مؤسسة إيرانية غير حكومية بدأت نشاطها منذ ثلاثين سنة وأصدرت حتى اليوم ثلاثين مجلدا

موسوعة المعارف الإسلامية بالإنجليزية والعربية
TT

موسوعة المعارف الإسلامية بالإنجليزية والعربية

موسوعة المعارف الإسلامية بالإنجليزية والعربية

مركز «دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى» هو مؤسسة غیر حكومیة وغیر نفعیة بدأت نشاطها منذ ثلاثین سنة وأصدرت حتى الیوم عشرین مجلدا من دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى كما بدأ أخيرا صدور هذه الموسوعة باللغتین العربیة والإنجلیزیة علی ید الباحثین في هذا المركز.
عندما شیّد المهندس محمد مهدي محمودي بناء في منطقة دار آباد بشمال طهران، لم یكن أحد یصدّق أن هذا المبنی بواجهته من الآجر الأحمر (القرمید) الذي یذكر الناظر بالطراز المعماري للثقافة الإسلامیة والإیرانیة، سوف يتحول إلى ملاذ دافئ للمثقفين. ويتمتع هذا المركز بمحيط هادئ ومناسب للبحث والدراسة فهو يشرف من جهة على عموم المدينة وعلى الطبيعة من جهة أخرى.
تأسس المركز في مارس (آذار) من عام 1984 على أثر تحقّق فكرة قدمها كاظم الموسوي البجنوردي حول ضرورة تأليف وإصدار موسوعة عامة ومتخصصة وتوفیر المصادر في الجوانب المختلفة من العلوم والمعارف وخاصة الثقافة والحضارة الإسلامية والإيرانية.
ثلاثون سنة في خدمة الثقافة
يقول البجنوردي لـ«شرق بارسي» حول تدشين هذا المركز: «بعد 1979. قررت اعتزال النشاطات التنفیذیة والسیاسیة والتفرغ للعمل الثقافي. وبدأت فكرة تأسيس دائرة المعارف الإسلامية تنضج بالتشاور مع عدد من المفكرين. وكان الهدف من تأسيس الدائرة، إجراء البحوث والدراسات في جوانب مختلفة من الثقافة والحضارة الإيرانية والإسلامية». ويضيف بقوله: «في بداية العمل، كان بعض الأساتذة، الذين كانت لهم خلفية مشرّفة في مجال البحوث، يروون لنا أننا لا نتمتع في إيران بالقدرة على تأليف دائرة معارف إسلامية يمكنها منافسة دائرة المعارف الإسلامية في أوروبا. ولكننا نرى الآن أننا لم نصدر عشرين مجلدا من دائرة المعارف الإسلامية الكبرى وحسب، بل تمكنّا من وضع هذه الموسوعة تحت تصرف الباحثين باللغتين الإنجليزية والعربية وأن ندوّن أيضا المشاريع الموسوعیة المختلفة».
كيف تحقق ذلك؟ يقول البجنوردي: «في بداية الأمر وضعت مكتبتي الشخصية تحت تصرف المركز ولكن هذه المكتبة ازدادت مع مرور الوقت حتى بلغ عدد كتبها الیوم أكثر من 700 ألف كتاب. وعلى أثر الجهود الدؤوبة خلال سنين طويلة اكتنفتها الكثير من المشقة والمعاناة، تحولت هذه المكتبة اليوم إلى واحدة من أكثر المكتبات المتخصصة في البلاد قيمة. وبالطبع فإن رعاية قسم من المثقفين أسهمت في توسع هذه المكتبة من خلال إهداء المكتبات المتخصصة والمجموعات النفيسة من المخطوطات والكتب المصورة والمطبوعة مع الوثائق والمستندات والرسائل التاريخية والمجلات الدورية».
وتنظم عمل مركز دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى الیوم لجنة علمیة علیا تتألف من ستة وأربعین شخصا من مديري الأقسام والمستشارین العلمیین والمنقحین، حیث یشرفون بشكل مباشر علی كل الأنشطة العلمیة.
یقول البجنوردي عن هذه اللجنة: «قلما اجتمعت لجنة علمیة بمثل هذه التجربة والكفاءة في موضع آخر من البلاد. وتعقد هذه اللجنة الاجتماعات الشهریة لتعیین السیاسات العامة للمقالات وقراراتها ملزِمة للمؤلفین».
وتضم مداخل دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى المجالات المختلفة للثقافة والحضارة الإسلامیة مثل علوم القرآن، الفقه، الحدیث، التاریخ السیاسي والاجتماعي، الجغرافیا التاریخیة والبشریة، الإسلام والفرق الإسلامیة، سواء الفرق المذهبیة، أم المذاهب الكلامیة، الفلسفة والعرفان، لغات وآداب البلدان الإسلامیة، تاریخ العلوم الریاضیة والطبیعیة، الفن والعمارة في البلدان الإسلامیة، علم الإنسان وكذلك جوانب الثقافات المحلیة والأصلیة للشعوب المسلمة.
وعلی حد قول رئیس دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى فإن «هذا المركز العلمي تربطه الآن علاقات مباشرة مع الباحثین في الداخل والخارج وتتركز كل جهوده علی أن یوفر مساحة للباحثین المختلفین من جمیع أرجاء العالم».
أما عن دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى باللغة الإنجلیزیة، فيقول البجنوردي: «تم تألیف هذا الأثر المعروف باسم (إسلامیكا) عبر تعاقد بین مركز دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى ومؤسسة الدراسات الإسماعیلیة في لندن. ومداخلها كتبت في الغالب من قبل العلماء الغربیین والمستشرقین المتخصصین في الدراسات الإسلامیة ولكننا نتعامل الآن مع موسوعة أعدت باللغة الإنجلیزیة علی ید الباحثین الإیرانیین». وتصدر هذه الموسوعة الآن تحت العنوان Encyclopaedia Islamica بالحروف الاختصاریة (EIs) من قبل مطبعة بريل في مدینة لیدن الجامعیة في هولندا.
خدمة ثقافیة للعالم العربي
تعد دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى باللغة العربیة من الأنشطة الأخرى لهذا المركز، إذ تم وضع برنامج لصدورها استنادا إلی ما ارتأته اللجنة العلمیة العلیا للمركز.
وقد صرّح الدكتور عنایت الله فاتحي نجاد، المدیر العلمي للموسوعة الإسلامیة الكبرى وأستاذ اللغة والعربية وآدابها في الجامعة لـ«شرق بارسي» قائلا: «بدأت ترجمة الموسوعة الإسلامیة الكبرى باللغة العربیة التي تعرف باسم (دائرة المعارف الإسلامیة الكبرى) بتوجیهات أساتذة معروفین مثل الدكتور نادر نظام الطهراني، الدكتور جعفر الخضایی، الدكتور النجفي الأسد اللهي، الدكتور العسكري، الدكتور صادق خورشاه، الدكتور محمد حسن تبرائیان وصدر منها حتى الآن 8 مجلدات».
وأعرب بشأن ترجمة هذا الأثر قائلا: «لدائرة المعارف باللغة العربیة متلقّون كثر. فلو أخذنا عامة مسلمي العالم بنظر الاعتبار لوجدنا أن معظمهم من الناطقین بالعربیة، كما أن غالبیة المتخصصین في الدراسات الشرقیة والإسلامیة ملمّون باللغة العربیة، ولذلك فإن الترجمة إلی اللغة العربیة هي أفضل فرصة نضع من خلالها الثقافة والحضارة الإسلامیة التي كتبت علی ید الباحثین الإیرانیین المسلمین تحت تصرف المتلقین الناطقین بالعربیة»، وعلی حد قول الدكتور فاتحي نجاد فإن: «هذا الأثر لاقی ترحیبا واسعا وتلقینا حتى الآن الكثیر من الطلبات من جمیع أرجاء العالم العربي ومراكز الدراسات الإسلامیة في أوروبا والشرق الأقصى لتوفیره ولكنني أری أن هذا الأثر لم یتم التعریف به كما ینبغي فالكثیر من الباحثین العرب لا یحیطون علما بإصدار مثل هذا الأثر».
وأشار الدكتور فاتحي نجاد إلی أنه هو وزملاءه بذلوا جهودا كبیرة من أجل أن یقیموا العلاقات العلمیة مع الباحثین والجامعیین في العالم العربي، وقال في هذا المجال: «الكثیر من سفارات البلدان العربیة وطلاب البلدان العربیة الذین یدرسون في إیران علی علاقة بنا ونحن مستمرون في توسیع هذه العلاقات».
*خدمة {الشرق الأوسط} بالفارسية {شرق بارسي}



متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال
TT

متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال

كان للسوري خالد سماوي مشروع رؤيوي مهم عبر، من خلال قاعته «أيام»، عن سعته في احتواء التجارب الفنية العربية، السورية منها بشكل خاص. ولقد سعدت حين رأيت ذات مرة معرضاً للفنان ثائر هلال في قاعة «أيام بلندن». ما فعله سماوي كان ريادياً من جهة أنه كان جديداً من نوعه. فلأول مرة هناك قاعة عربية تعرض لفنانين عرب وسط لندن. وفي دبي كانت له قاعة أيضاً. ولكن سماوي كان قبل ذلك قد فشل في فرض فكرته عن الاحتكار الفني المعمول به عالمياً يوم أصدر فنانون سوريون بياناً يتخلون من خلاله عن العلاقة بقاعته.

أتذكر منهم عيد الله مراد ويوسف عبد لكي وفادي يازجي وياسر صافي. السوريون يعرفون بضاعتهم أكثر منا. من جهتي كنت أتمنى أن ينجح خالد سماوي في مشروعه. فهو رجل طموح، ما كان لشغفه بالفن أن ينطفئ لولا جرثومة الوصاية التي تصيب أصحاب القاعات الفنية الناجحين في العالم العربي. في العالم هناك وصاية يمارسها صاحب قاعة على عدد من الرسامين الذين يتعامل معهم وهو ما يُسمى الاحتكار المحدود، غير أن ما يحدث في العالم العربي أن تلك الوصاية تتحول إلى وصاية وطنية شاملة. كأن يمارس شخص بعينه وصاية على الفن التشكيلي في العراق ويمارس آخر وصاية على الفن في لبنان وهكذا.

الخوف على المال

حين بدأ اهتمام المزادات العالمية بعد أن أقامت فروعاً لها في دبي بالنتاج الفني العربي، حرصت على أن تقدم ذلك النتاج بوصفه جزءاً من بضاعتها القادمة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس من العالم العربي. ومن الطبيعي أن يكون لتلك المزادات خبراؤها الذين حتى وإن لم تكن لهم دراية فنية أو معرفة تاريخية بتحولات الحداثة الفنية في العالم العربي فإنهم كانوا على استعداد لصناعة تاريخ مجاور من أجل الترويج للبضاعة المعروضة. وبذلك صنعت المزادات إحداثيات زائفة، ذهب ضحيتها الكثير من رجال الأعمال العرب الذين لم يسمعوا بشيء اسمه النقد الفني، وهم لذلك لم يعدّوا ما يقوله نقاد الفن العرب مرجعاً يُعتد به. كانت كتيبات ومنشورات المزادات هي مرجعهم الوحيد الموثوق به. وإذا ما قلنا لهم اليوم «لا تصدقوا ما يقوله خبراء المزادات» فسيسخر الكثير من مقتني الأعمال الفنية منا، لا لشيء إلا لأن ذلك يؤثر على القيمة المادية للأعمال الفنية التي اقتنوها.

الأسوأ من ذلك أن الكثير من أصحاب القاعات الفنية في مختلف أنحاء العالم العربي صاروا يتحينون الفرص من أجل أن يتم عرض ما تكدس لديهم من أعمال فنية في تلك المزادات بسبب معرفتهم بحقيقة أن خبراءها لا خبرة لهم بالفن في العالم العربي وأن وصايتهم عليه مستلهمة من قوة المال لا من قوة الثقافة.

غياب سلطة النقد

لقد انتهى النقد الفني في العالم حين انتصر عليه المال. عبر أكثر من عشر سنوات لم تُعقد ندوات نقدية عن الفن في العالم العربي إلا بطريقة فقيرة بعيداً عن المراكز الحيوية التي كانت سوق الفن تحقق فيها نجاحاتها وأرباحها. لم يكن ذلك إلا انتصاراً لإرادة الخبراء الأجانب الذين نجحوا في العمل بعيداً عما يسببه نقاد الفن من صداع وإزعاج. في ذلك الفراغ تم تمرير الكثير من الأعمال المزورة كما تم إسباغ أهمية فنية على فنانين لا قيمة تاريخية أو فنية لأعمالهم.

قبل سنوات اتصلت بي سيدة نمساوية وطلبت اللقاء بي في أحد مقاهي لندن. حين التقيتها عرفت أنها اشترت مجموعة من الأعمال الورقية بنصف مليون درهم إماراتي رغبة منها في الاستثمار. حين رأيت تلك الأعمال اتضح لي أن تلك المرأة كانت ضحية لعملية استغفال، وأنها لن تتمكن من إعادة بيع ورقياتها لأنها لا قيمة لها. فجعت المرأة برأيي وكان واضحاً عليها أنها لم تصدقني. ذلك ما يفعله كل مقتني الأعمال الفنية العرب فهم لا يرغبون في أن يصدقوا أنهم كانوا ضحايا عمليات احتيال متقنة. في ظل غياب سلطة النقد الفني واختفاء النقاد أو اكتفاء بعضهم بالمتابعات الصحافية بعد أن أجبرتهم لقمة العيش على التحول إلى صحافيين، تستمر المزادات في تكريس سلطتها معتمدة على أموال المقتنين العرب.

محاولة لكسر الوصاية الأجنبية

وإذا ما تركنا المزادات وما يجري في كواليسها جانباً واتجهنا إلى أسواق الفن التي صارت تُقام سنوياً في مدن بعينها، فسنكتشف أن تلك الأسواق تُدار من قبل خبيرات أوروبيات. أصحاب القاعات الفنية العربية الذين شاركوا في العرض في تلك الأسواق يعرفون حقائق أكثر من الحقائق التي نعرفها ولكنهم لا يصرحون بها خشية على مصالحهم. ذلك لأن هناك شبكة من المنتفعين من تلك الأسواق في إمكانها أن تضر بهم أو هو ما يتوهمونه. ليس لأن المال جبان كما يُقال، بل لأن الإرادة ضعيفة. قيام سوق فنية عربية للفن هو الحل. ولكن ذلك الحل لن يكون ممكناً إلا بتضافر جهود أصحاب القاعات الفنية في العالم العربي. حقيقة أنا معجب بتجربة التعاون الحيوي والخلاق والنزيه بين غاليري مصر في القاهرة وغاليري إرم في الرياض. وفق معلوماتي، هذه هي المرة التي يتم فيها اختراق الحدود العربية بنتاج فني عربي. أجمل ما في الموضوع أن ذلك لا يتم من خلال فرض وصاية لا على الفن ولا على الفنانين. ليست الفكرة مدهشة فحسب، بل مفردات تنفيذها أيضاً. ذلك لأنها لا تقوم على تبادل ثقافي بين بلدين عربيين بقدر ما هي مساحة لعرض أعمال فنانين عرب بغض النظر عن هوياتهم الوطنية. ذلك التعاون مهم، كما أنه لا ينهي الوصاية الأجنبية على الفن في العالم العربي فحسب، بل أيضاً لأنه يمهد لولادة سوق نزيهة ومنصفة للفن.

حين حُول الفنانون إلى أجراء

في ظل غياب الملتقيات الفنية العربية نشط البعض في إقامة لقاءات فنية، غالباً ما تكون الجهات الراعية لها لا علاقة لها بالثقافة. فهي إما فنادق تسعى إلى الاستفادة من أوقات الكساد السياحي أو مصارف تقتطع الأموال التي تنفقها على النشاط الفني من الضرائب التي تدفعها. وهكذا ولدت ظاهرة اصطلح على تسميتها «السمبوزيوم». ذلك تعبير إغريقي يعني مأدبة الشرب من أجل المتعة مصحوباً بالموسيقى والرقص أو الحفلات أو المحادثة. ومن تجربتي الشخصية - وقد حضرت عدداً من تلك اللقاءات - فإن الأمر لا يخرج عن ذلك التوصيف إلا في منطقة واحدة، وهي أن القائمين على الـ«سمبوزيوم» كانوا يمارسون على الفنانين وصاية تجعلهم أشبه بالأجراء. لقد رأيت الرسامين والنحاتين يذهبون في ساعة محددة إلى العمل الذي لا ينتهون منه إلا في ساعة محددة. كان حدثاً فجائعياً أن يُطلب من الرسام أن يرسم ومن النحات أن ينحت.

كنت أشعر باليأس كلما رأيت تلك المشاهد. من الإنصاف القول هنا إن هناك مَن رفض أن ينضم إلى تلك الظاهرة حفظاً لكرامته. لذلك صار القيمون على تلك اللقاءات يتداولون فيما بينهم قوائم الفنانين الصالحين للوصاية. يشهد العالم لقاءات فنية شبيهة كل يوم. غير أنها لقاءات حرة فيها الكثير من البذخ، لا يشعر الفنان فيها بأن كرامته قد خُدشت وأنه صار أجيراً.


الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس
TT

الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس

رواية «مياو» لبينيتو بيريز غالدوس، التي صدرت في منتصف مسيرته المهنية، بترجمة مارغريت جول كوستا من الإسبانية، 302 صفحة، تصوّر معاناة موظف حكومي بيروقراطي مُسرّح من عمله.

كنت تعرّفتُ على روايات القرن التاسع عشر عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، وأعيش مع عائلتي في مدريد. لكن القرن التاسع عشر الذي تعرّفتُ عليه لم يكن إسبانياً. وإذا كانت المكتبة الصغيرة للمدرسة البريطانية التي التحقتُ بها قد تضمّنت أعمالاً مترجمة لبينيتو بيريز غالدوس، فأنا لا أتذكرها، مع أن مدريد هي المدينة التي تدور فيها معظم رواياته. بدلاً من ذلك، كان هناك رفّ من روايات ديكنز، قرأتها بنهمٍ، وإن كان عشوائياً، ناسية حبكاتها وأنا أقرأها. كان غالدوس، الذي يصغر ديكنز بثلاثين عاماً قارئاً نهماً لأعمال الروائي الإنجليزي في شبابه، ويمكن ملاحظة تأثير ديكنز في شخصياته المتنوعة، وأنماطه المرسومة بشكل واسع، ومشاهده لقذارة المدن. ويشترك الكاتبان أيضاً في حماسة الإصلاح، مع أن شخصيات ديكنز في إنجلترا تُكافح التصنيع السريع، بينما في إسبانيا تُواجه شخصيات غالدوس عجز الحكومة وقوى رجعية راسخة.

غالدوس غير معروف في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وإن لم يكن ذلك بسبب قلة جهد المترجمين والناشرين.

عندما شرعت في كتابة هذه المراجعة، تخيلت أن عدداً قليلاً فقط من كتبه قد تُرجم، ولكن في الواقع، ظهرت نحو ثلاثين رواية باللغة الإنجليزية على مدار المائة وخمسين عاماً الماضية، نُشر العديد منها أكثر من مرة. هذه الروايات لم يبقَ منها إلا القليل، ومن المرجح أن يكون القراء المعاصرون الذين سبق لهم الاطلاع على أعمال جالدوس قد قرأوا إحدى الروايتين: «فورتوناتا وجاسينتا» (1887) أو «تريستانا» (1892)، اللتين تجذبان قراء مختلفين. «فورتوناتا وجاسينتا» رواية واقعية طموحة تُصعّد من حدة الأحداث، وتُعتبر عموماً أعظم رواية إسبانية في القرن التاسع عشر. وهي تروي قصة امرأتين على علاقة برجل واحد (غير جدير بالثقة)، بالإضافة إلى قصة مدينة مدريد، من مركزها النابض بالحياة إلى ضواحيها المتوسعة. أما «تريستانا»؛ فهي رواية أقصر وأكثر غرابة، وتدور حول فتاة يتيمة في التاسعة عشرة من عمرها يتبناها صديق لوالدها ويستغلها ببراعة. وكان لويس بونويل قد حوَّلها إلى فيلم سينمائي، وأصبحت من كلاسيكيات السينما. (قام بونويل أيضاً بتكييف روايتي غالدوس «نازارين» و«هالما»، والأخيرة بعنوان «فيريديانا»).

لم تُترجم روايتا «فورتوناتا» و«جاسينتا» إلى الإنجليزية حتى عام 1973، أي بعد نحو قرن من نشرها الأصلي. ربما يُعزى ذلك جزئياً إلى حجمها الضخم، لكن هذا التأخير يُشير إلى تدني مكانة إسبانيا في أدب القرن التاسع عشر - ففي نهاية المطاف، يُعتبر طول رواية مثل: «الحرب والسلام» أو «البؤساء» وسام فخر.

وقد يُشار أيضاً إلى ميل القراء المترجمين إلى توقع أن تُناسب الأدبيات الوطنية نمطاً مُعيناً - رومانسياً وتقليدياً في حالة إسبانيا القرن التاسع عشر. عند الأجيال السابقة، كانت رواية «دونيا بيرفكتا» أشهر رواية غالدوس بالإنجليزية، وهي عمل مبكر عن أم ريفية مُسيطرة تُحبط زواج ابنتها من ابن عمها الحضري. لغتها وحبكتها ميلودرامية، وأجواء قريتها أبسط من مدريد فورتوناتا وجاسينتا متعددة الطبقات. لكن موضوعها الأساسي - إسبانيا الحديثة الليبرالية في حرب مع قوى التقاليد المفسدة - حاضر في جميع أعماله الروائية.

تحت تأثير الكوميديا الإنسانية لبلزاك، شرع غالدوس في سبعينات القرن التاسع عشر في أولى روايتين ضخمتين، إحداهما تاريخية والأخرى اجتماعية. وفي هذه الأيام، تحول الاهتمام في إسبانيا إلى روايته التاريخية: «الحلقات الوطنية»، وهي غير متوفرة في الغالب باللغة الإنجليزية. كان هذا مشروعاً ضخماً: ست وأربعون رواية، نُشرت في خمس سلاسل على مدار مسيرته المهنية، تناول فيها تاريخ الصراع المستمر بين الملكيين الإسبان والليبراليين خلال القرن التاسع عشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»


قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة
TT

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

قصيدة الحداثة في مقاربات نقدية جديدة

أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب «سيمياء الخطاب الشعري... مقاربات نقدية في الشعرية المعاصرة» للناقد والأكاديمي المصري الدكتورأحمد الصغير، أستاذ الأدب العربي.

يقدم الكتاب عبر (428) صفحة من القطع المتوسط، رؤى تأويلية لعوالم قصيدة النثر، من خلال رصد الملامح الجمالية والمعرفية في قصيدة الحداثة، ويعتمد على مقاربة سيميائية تأويلية من خلال إجراءات السيمياء والتأويل عند روبرت شولز، وبيرس، وجريماس، وسعيد بنكراد، وكمال أبو ديب، وعز الدين إسماعيل، وصلاح فضل، وجابر عصفور، ومصطفى ناصف... وغيرهم.

يتكون الكتاب من مقدمة وتمهيد وتسع عشرة قراءة نقدية، منها: بنية الخطاب الدرامي في الشعرية العربية المعاصرة، بناء الرمز في قصيدة محمد سليمان، بلاغة المفارقة في توقيعات عز الدين المناصرة، تعدد الأصوات في ديوان «هكذا تكلم الكركدن» لرفعت سلام، «قراءة في الشعر الإماراتي، عين سارحة وعين مندهشة» للشاعر أسامة الدناصوري، «في المخاطرة جزء من النجاة»... قراءة في ديواني «حديقة الحيوانات ومعجزة التنفس» للشاعر حلمي سالم، قراءة في ديوان «الأيام حين تعبر خائفة» للشاعر محمود خير الله، قراءة في ديوان «الرصيف الذي يحاذي البحر» للشاعر سمير درويش، قراءة في ديوان «أركض طاوياً العالم تحت إبطي» للشاعر محمد القليني، أسفار أحمد الجعفري «قليل من النور، كي أحب البنات»، شعرية الأحلام المجهضة «لعبة الضوء وانكسار المرايا» للنوبي الجنابي، قراءة في «مساكين يعملون في البحر» للشاعر عبد الرحمن مقلد، وشكول تراثية في قصيدة علي منصور، وصوت الإسكندرية الصاخب في شعر جمال القصاص، وشعرية الحزن في ديوان «نتخلص مما نحب» للشاعر عماد غزالي، وشعرية المعنى في ديوان «في سمك خوصة» للشاعر محمد التوني، وشعرية المجاز عند أسامة الحداد.

يقول الصغير في المقدمة: تأتي أهمية هذا الكتاب من خلال الوقوف على طرح مقاربات نقدية استبصارية، معتمدة على المقاربات التطبيقية للقصيدة العربية المعاصرة تحديداً، وذلك للكشف عن بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة، مرتكزاً على منهجية معرفية محددة؛ للدخول في عوالم القصيدة المعاصرة، مستفيدة من مقاربات السيميائية والتأويلية بشكل أساس؛ لأن القصيدة العربية، في وقتنا الراهن، ليست بحاجة إلى شروح تقليدية، لأنها صارت قصيدة كونية، ثرية في المبنى والمعنى، تحتاج لأدوات نقدية متجددة، تسهم في عملية تفكيكها وتأويلاتها اللانهائية، كما يطرح البحث أدوات الخطاب الشعري التي اتكأ عليها الشعراء المعاصرون، ومن هذه الأدوات «الرمز الشعري، المفارقة بأنواعها، والدرامية، الذاتية، والسينمائية، السردية، وغيرها من الأدوات الفنية الأخرى».

يذكر أن أحمد الصغير، يعمل أستاذاً للأدب والنقد الحديث بكلية الآداب، جامعة الوادي الجديد. ومن مؤلفاته «بناء قصيدة الإبيجراما في الشعر العربي الحديث»، و«النص والقناع»، و«القصيدة السردية في شعر العامية المصرية»، و«القصيدة الدرامية في شعر عبدالرحمن الأبنودي»، و«تقنيات الشعرية في أحلام نجيب محفوظ». و«آليات الخطاب الشعري قراءة في شعر السبعينيات»، و«التجريب في أدب طه حسين».