الإعلام الروسي يكشف لقطات لأسلحة روسية سرية والكرملين يطلب «حذفها»

كارثة الطائرة فوق سيناء.. ارتباك في التغطية الإعلامية ومحاولة لتصفية الحسابات

المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف
المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف
TT

الإعلام الروسي يكشف لقطات لأسلحة روسية سرية والكرملين يطلب «حذفها»

المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف
المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف

لم تكد تختفي الطائرة الروسية «إيرباص 321» من على شاشات الرادار بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ قاصدة سان بطرسبرغ في صباح 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حتى انخرط الإعلام الروسي بكل أشكاله، من مرئي إلى مسموع إلى إلكتروني، في جدل حول حقيقة الموقف، في نفس الوقت الذي تباينت فيه المواقف تجاه المقدمات والنتائج. ولم يكن أوار الحملات الإعلامية حول هذا الشأن قد خبا بعد، حتى انفجرت مشكلة الكرملين مع الإعلام الذي تورط في إذاعة لقطات عن منظومات أسلحة روسية سرية جديدة خلال اجتماع الرئيس بوتين مع كبار القيادات العسكرية، سارعت السلطات الروسية بالمطالبة بحذفها.
اتسمت تغطية أجهزة الإعلام الروسية لملابسات الحادث في الأيام الأولى التالية لوقوع الكارثة بارتباك شديد، نعزوه في أغلب الظن إلى شحة المعلومات وضبابية الرؤية، وغياب التنسيق مع المصادر الخارجية ومنها المصرية التي كانت أسبق بكثير في الإعلان عن دقائق الموقف بعيدا عن أية تفسيرات أو مبررات. وكانت أجهزة الإعلام الرسمية توخت أعلى درجات الحذر في الإعلان عن سقوط طائرة الركاب الروسية، حتى درجة الإعلان عن اختفاء الطائرة واحتمالات هبوطها اضطراريا، وإن حاول بعض المسؤولين أن يعزو ذلك إلى «محاولة تهدئة روع أهالي الضحايا». ولم يمض من الزمن الكثير حتى ظهر سيرغي باشكوف مدير مكتب القناة التلفزيونية الإخبارية الرسمية في تل أبيب ليعلن من شرم الشيخ أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية حددت موقع سقوط الطائرة، في الوقت الذي تعرض فيه السلطات الإسرائيلية استعدادها لتقديم يد العون إلى السلطات المصرية. وقد جرى كل ذلك في نفس الوقت الذي كانت السلطات المصرية تعلن فيه عما اتخذته من إجراءات بما في ذلك أنباء العثور على موقع سقوط الطائرة دون مساعدة خارجية. وخرجت الصحف الروسية في اليوم التالي للحادث «عامرة» بكل ألوان الطيف في تفسيراتها لمبررات الحادث ومنها ما أشار إليه مراسل التلفزيون من شرم الشيخ الذي أعلن عن فرضية إطلاق صاروخ محمول من جانب الإرهابيين في شبه جزيرة سيناء، في نفس الوقت الذي راحت فيه صحف أخرى تفند ما يقال بهذا الشأن، ومنها «كوميرسانت» التي قالت باستحالة بلوغ أي صاروخ محمول للارتفاع الذي كانت عليه الطائرة، أي قرابة العشرة آلاف متر. وفيما تحولت الصحف وأجهزة الإعلام الروسية في معظمها إلى تبنى فرضية سوء الحالة التقنية للطائرة «إيرباص 321» وقالت إن عمرها يزيد على 18 عاما تنقلت خلالها بين ملكية عدد من شركات الطيران العربية والتركية، حتى آلت إلى شركة طيران «كوغاليم افيا» المتواضعة القدرات والإمكانيات والتي تعمل فقط في خدمة الطيران العارض «الشارتر»، راح الكثيرون من أبرز نجوم الساحة السياسية والإعلامية يتحولون في حملة كاملة العدد، إلى الهجوم ضد الطائرات الغربية الصناعة، مطالبين بالعودة إلى إنجازات صناعة الطيران السوفياتية – الروسية. وقد ظل الأمر يتراوح بين التركيز على فداحة الكارثة ومتابعة تحركات وردود فعل أقارب وذوي الضحايا ممن ظلوا يكابدون جسامة الموقف وهول الكارثة، وبين نقل البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الروس والمصريين، إلى جانب متابعة ما تقوم به اللجنة الحكومية الروسية التي كلفتها الدولة لمتابعة الموقف من القاهرة وسيناء مع زملائهم المصريين الذين أجمعت كل السلطات الروسية بحسن تعاونهم وتقديمهم كل ما يلزم للزملاء الروس للقيام بمهمتهم على خير وجه. وما إن أعلن الكرملين عن مكالمة الرئيس بوتين مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي قال إنه أطلعه على ما لديه من تسجيلات تقول إن الحادث نتيجة عمل إرهابي وإن الطائرة انفجرت على ارتفاع عشرة آلاف متر نتيجة تفجير لم يثبت بعد، وهو ما كان سببا في إعلان الرئيس بوتين عن قراره بوقف الطيران إلى مصر وسرعة إجلاء الرعايا الروس، حتى تحولت الصحف والأجهزة الروسية بنفس الحملة كاملة العدد صوب تبني هذه الفرضية. وهنا ظهر المحللون وخبراء الشؤون السياسية الذي راحوا يعكفون على استجلاء المبررات والأسباب، ويشرحون «ما وراء العناوين». ومن هذا المنظور تباينت الرؤى والمواقف.
فمن صحيفة «كوميرسانت» التي عزت «العملية الإرهابية» إلى خطط انتقامية دبرتها فصائل «داعش» والتنظيمات الموالية لها في سيناء مثل «أنصار بيت المقدس» أو «ولاية سيناء» نكاية في روسيا بسبب عملياتها العسكرية في سوريا، وكذلك ضد مصر التي تلاحقها في سيناء، إلى الداخل الروسي، معيدا إلى الأذهان ما سبق وقام به الإرهابيون الشيشانيون من عمليات إرهابية في موسكو وكبريات المدن الشيشانية بعد الحرب الشيشانية الثانية 1999 - 2001. وقال: «إن الطيران الروسي قام بكل ما كان يمكن أن يقوم به، ولن يكون هناك في المستقبل القريب ما يمكن قصفه. ومع ذلك فلم يحقق الجيش السوري انتصارات ملموسة بما قد يعني ضرورة بدء القوات الروسية لعملية برية». وسرعان ما ولج ميرسكي إلى المحظور، حيث قال «إن ذلك قد يكون سببا في تزايد أخطار الإرهاب. فقد نهض الإسلام من كبوته وراح يعمل على بناء الخلافة، بينما تطعنه روسيا في ظهره. وهو ما يمكن أن يكون أداة قوية سوف تستخدمها (داعش) لاستنهاض همم الراديكاليين في كل أنحاء العالم».
أكد الكرملين أن بعض القنوات التلفزيونية الروسية عرضت لقطات كشفت عن منظومة أسلحة روسية سرية مخصصة لنصبها على غواصات وتتميز بقدرات فائقة. وكانت القنوات التلفزيونية الإخبارية الرسمية بما فيها الناطقة بالعربية مضت إلى ما هو أبعد حين كشفت عن المستور، حيث تضمنت تقاريرها «لقطات تظهر صورة توضيحية مكرسة لمنظومة (ستاتوس – 6) البحرية متعددة الأغراض والتي يطورها مكتب تصميم (روبين)». وقالت إن هذا السلاح «جهاز بحري ذاتي الحركة» يحمل «وحدة قتالية»، يبلغ مداه 10 آلاف كيلومتر ويستطيع الغوص إلى عمق ألف متر. وأضافت «إن الجهاز محمول على متن غواصات ذرية من مشروعي (09852 - بيلغورود) و(09851 - خاباروفسك)، وتتلخص مهمته في ضرب منشآت اقتصادية مهمة للعدو في مناطق ساحلية وإلحاق أضرار يستحيل تحملها عن طريق إثارة تلوث إشعاعي واسع النطاق، تحول دون استخدام تلك المناطق لممارسة الأنشطة العسكرية والاقتصادية وأي أنشطة أخرى لفترة زمنية طويلة الأمد». إزاء ذلك لم يكن أمام الكرملين سوى أن يخرج الناطق الرسمي باسمه ديمتري بيسكوف ليعترف بأن «الحديث يدور عن تقارير مكرسة لاجتماع عقده الرئيس فلاديمير بوتين الثلاثاء 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، مع القادة العسكريين حول تطوير القوات المسلحة الروسية»، مشيرا إلى أن «عدسة الكاميرا التقطت فعلا معلومات سرية معينة، وتم حذف تلك اللقطات لاحقا. ونحن نأمل في ألا يتكرر هذا الحادث». وأضاف قوله: «بلا شك سنتخذ إجراءات احترازية من أجل منع تكرار ذلك».
وكان كل ذلك قد جاء في أعقاب توسع الإعلام الروسي في تناول القضايا العسكرية بمختلف تفاصيلها في إطار خطة واضحة لرفع مستوى الوعي القومي وتجييش المشاعر والجهود من أجل مواجهة الحملات الغربية وتشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. ولطالما أكدت الصحف والأجهزة الإعلامية الروسية أن ما تفعله روسيا ليس سوى محاولة لتعويض ما فاتها خلال سنوات الركود التي أفقدتها الكثير من مواقعها وقدراتها العسكرية والاقتصادية بسبب السياسات التي اتبعها الأسلاف خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي التي شهد العالم فيها تغول الولايات المتحدة وقواتها الضاربة في الناتو. وأشارت إلى ما كان يسمى حرب النجوم في الثمانينات وخطة الدرع الصاروخية في أوروبا التي تعمل واشنطن الآن على نشرها في أوروبا وعلى مقربة مباشرة من الحدود الروسية. ولذا كان من الطبيعي أن تبرز وسائل الإعلام الروسية ما أعلنه الرئيس بوتين في اجتماعه الأخير مع قياداته العسكرية حول أن روسيا نجحت في تطوير أسلحة ضاربة قادرة على اختراق كل منظومات الدفاع الصاروخي على نطاق العالم، مؤكدا أنه قد بدأ تزويد القوات المسلحة بهذه الأسلحة.



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».