باريس حين تتجهم من الغضب

الشوارع خلت من الأطفال والأسواق الشعبية غابت عن الأرصفة

آلاف الفرنسيين خرجوا أمس إلى ساحات باريس للتعبير عن حزنهم وتضامنهم مع عائلات ضحايا الهجوم الإرهابي (أ.ف.ب)
آلاف الفرنسيين خرجوا أمس إلى ساحات باريس للتعبير عن حزنهم وتضامنهم مع عائلات ضحايا الهجوم الإرهابي (أ.ف.ب)
TT

باريس حين تتجهم من الغضب

آلاف الفرنسيين خرجوا أمس إلى ساحات باريس للتعبير عن حزنهم وتضامنهم مع عائلات ضحايا الهجوم الإرهابي (أ.ف.ب)
آلاف الفرنسيين خرجوا أمس إلى ساحات باريس للتعبير عن حزنهم وتضامنهم مع عائلات ضحايا الهجوم الإرهابي (أ.ف.ب)

ليس من عادة الباريسيين أن يكونوا بشوشين حين تقابلهم في الشارع أو عربات المترو عند الصباح الباكر. لكنهم كانوا متجهمين بشكل إضافي وهم ينزلون أمس لشراء الخبز. الأعين منتفخة وحمراء تشي بليلة أمضوها ساهرين أمام شاشات التلفزيون، كل يمسك بهاتفه ويحاول الاتصال بالأبناء والأشقاء وكل المعارف الذين يمكن أن يكونوا هناك، في تلك المناطق التي عرفت «حالة حرب» حقيقية مع انتصاف ليلة الجمعة. إنها ليلة عشية عطلة نهاية الأسبوع. وقد جرت العادة أن تستقبل المقاهي والمطاعم المحيطة بساحتي الباستيل (الروبيبليك) جموع الساهرين في جو خريفي معتدل إلى دافئ.
لم يكن الباريسيون بحاجة لمن ينقل إليهم أخبار العمليات الإرهابية التي ضربت عدة أماكن من عاصمتهم. لقد سمعوا التفجيرات على الهواء وهم أمام التلفزيون، يتابعون مباراة كرة القدم التي جرت في «ستاد دو فرانس» بين منتخبي فرنسا وألمانيا. ما تلك الأصوات؟ وما سبب البلبلة في المنصة الرسمية التي الرئيس هولاند جالسًا فيها؟ بعد فترة وجيزة هبطت الأخبار هبوط الصاعقة. لقد جرى إخلاء الرئيس بعد أن قام انتحاريان بتفجير نفسيهما خارج الملعب. ووصل الخبر عبر الهواتف النقالة إلى جمهور المشجعين الذين واصلوا التفرج على المباراة، فقرر الكثيرون منهم البقاء في الداخل والتجمع في أرض الملعب، محاطين بفرق الشرطة، بدل الخروج إلى الشوارع والتعرض للمجهول.
دوامة من القلق الشامل لفت العاصمة الجميلة قبضت قلوب ساكنيها. الكل يريد أن يطمئن على الكل. والهواتف ترن من عائلات في مرسيليا وتولوز وغرينوبل ورين ونانسي، ومن أصدقاء في أرجاء العالم، والقنوات تقطع برامجها وتستدعي مذيعيها ومعلقيها، ولا أحد يملك جوابًا شافيًا عما حدث في تلك الساعة من مساء «الجمعة السوداء»، أسرع لقب يُطلق على المجزرة التي وقعت في عاصمة النور. كأن المرتكبين تعمدوا أن يطفئوا أنوار باريس حين ركزوا ضرباتهم على أماكن السرور والترفيه فيها: ملعب رياضي. ومسرح عريق للعروض الموسيقية. ومقاه ومطاعم كانت عناوين معروفة لدى سكان العاصمة ونقاطًا للقاءات والسهرات.
لم تغمض للباريسيين أعين في تلك الليلة الرهيبة. تذكروا ضربات سابقة تعود لأوقات قريبة مثل مقتلة مجلة «شارلي إيبدو»، في سابع أيام السنة الحالية، أو هجوم محمد مراح على مدرسة يهودية في تولوز عام 2012. كما استرجعوا وقائع عمليات أخرى تعود لسنوات أبعد مثل الهجوم أمام مكتبة «فناك» في حي مونبارناس، صيف 1986، أو على مترو «السان ميشيل» عام 1995. وها هو الموت الأعمى يعود مجددًا ليحصد أرواح العشرات، بعد توقعات تداولتها أجهزة الأمن دون أن تفلح في تحديد مواعيدها أو إبطال خططها.
غالبية الباريسيين حددت رقعة تجوالها ولزمت البيوت تنفيذًا لنصيحة الجهات الأمنية. ولم يحدث أن شوهد نهار سبت في المدينة يخلو من أطفال يمرحون بدراجاتهم وزلاقاتهم على الأرصفة. وكان من غير المعتاد غياب بسطات الأسواق الشعبية التي تقام في الأحياء السكنية خلال عطلة نهاية الأسبوع. والسبب هو إعلان حالة الطوارئ التي منعت التجمعات التي قد ينتهزها الإرهابيون لقتل أكبر عدد من الناس. كما أغلقت شركتا «غومون» و«باتيه» العشرات من صالات السينما العائدة لهما، للسبب نفسه. وحتى المناطق السياحية، مثل جادة «الشانزليزيه» وبرج إيفل وتلة «مونمارتر» بدت مهجورة وكأن روادها قد أُبعدوا عنها لغرض تصوير مشاهد من فيلم سينمائي. مع هذا، فقد كان هناك من خرق الحظر غير المعلن للتجول وطاف بدراجته ليكون شاهد عيان على مدينة فارقها زحام سكانها البالغ عددهم 3 ملايين شخص يبيتون داخل حدودها الجغرافية. وهو رقم يتضاعف حين يقصدها سكان الضواحي والبلدات القريبة للعمل، خلال أوقات النهار.
لم يجرؤ المتعاطفون مع الضحايا من التوجه بأعداد كبيرة إلى مواقع المجزرة، نهار أمس، لوضع أكاليل الورد على الأرصفة المبقعة بالدم. مع هذا شوهدت شموع على الأرصفة المقابلة لمسرح «الباتاكلان»، بينما كانت فرق الشرطة العدلية تواصل جمع الأدلة وما يمكن أن يشير إلى بصمات الحمض النووي الدالة على القتلى أو على قاتليهم. وفي المقابل، توجه المئات إلى المستشفيات الكبرى للتبرع بالدم. وقد غصت بهم وزاد المخزون لديها عن الحاجة، فطلبت من عدد من المتبرعين أن يعودوا في الأسبوع التالي.
«باريس ستبقى واقفة». هذا ما قالته عمدة باريس آن هيدالغو في أول ردة فعل لها على ما وصف بأنه «11 سبتمبر (أيلول) الفرنسية». وقد أعادت عبارتها التذكير بأشهر خطاب للجنرال ديغول حين دخل العاصمة بعد تحريرها من الغزو الألماني في الحرب العالمية الثانية: «باريس غاضبة. باريس كسيرة. باريس معذبة. لكن باريس مُحررة».



ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.