العلاقات السعودية ـ التركية.. تنام متسارع وتنسيق في قضايا الشرق الأوسط

تاريخ حافل من الدبلوماسية والصداقة يعود إلى 1929

صورة أرشيفية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي إردوغان ({الشرق الأوسط})
صورة أرشيفية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي إردوغان ({الشرق الأوسط})
TT

العلاقات السعودية ـ التركية.. تنام متسارع وتنسيق في قضايا الشرق الأوسط

صورة أرشيفية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي إردوغان ({الشرق الأوسط})
صورة أرشيفية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي إردوغان ({الشرق الأوسط})

تشهد العلاقات التي تربط السعودية وتركيا، تناميا مستمرا وتوافقا في معظم المواقف حيال قضايا المنطقة والعالم، ويعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وأنقرة، إلى عام 1929 وذلك إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين في العام السابق له. وقد أرست الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين قواعد هذه العلاقة ودعمتها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة.
ففي المجال السياسي تتسم مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص القضايا التي تهم البلدين وتخدم مصالح الأمة الإسلامية سواء عن طريق الزيارات الكثيرة المتبادلة بين المسؤولين في البلدين أو داخل الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وقد أولى البلدان بوصفهما جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية قضاياها جل اهتمامهما من منطلق إيمانهما بعدالة هذه القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وما يقومان به من جهود مكثفة لنصرة الشعب الفلسطيني والوصول إلى تسوية عادلة للنزاع العربي الإسرائيلي.
وكذلك دورهما الفاعل في منظمة المؤتمر الإسلامي لكل ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، ويتفق موقف البلدين في مواجهة آفة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله ويدعوان دائما إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وقد سجلت الزيارات المتبادلة بين القيادتين السعودية والتركية دليلا ساطعا على قوة العلاقات ومتانة وشائجها حيث قام الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز بزيارة لمدينة إسطنبول التركية عام 1966 في إطار جهوده وسعيه لتوحيد الدول الإسلامية.
وجاءت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تركيا بتاريخ 8 أغسطس (آب) 2006 علامة بارزة على قوة ومتانة هذه العلاقة.
وكان من ثمار هذه الزيارة التوقيع على 6 اتفاقيات ثنائية بين السعودية وتركيا، فقد جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية الثنائية بين وزارتي الخارجية في البلدين.
كما جرى التوقيع على بروتوكول تعاون بين المركز الوطني للوثائق والمحفوظات في السعودية والمديرية العامة لأرشيف الدولة برئاسة الوزراء التركية، ثم جرى التوقيع على اتفاقية بين حكومتي البلدين بشأن التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، كذلك جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارتي المالية في البلدين بشأن اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، كما جرى التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في المجالات الصحية بين وزارتي الصحة في البلدين، وتم التوقيع أيضًا على اتفاقية لتنظيم عمليات نقل الركاب والبضائع على الطرق البرية بين حكومتي البلدين.
وشهد التعاون في المجال الاقتصادي بين السعودية وتركيا منذ توقيع اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني عام 1973 تطورا ونموا مستمرا حتى وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2006 نحو ثلاثة مليارات دولار.
وتشكلت على ضوء الاتفاقية السابقة اللجنة السعودية التركية المشتركة وهناك أيضا مجلس رجال الأعمال السعودي التركي، وأعلنت الحكومتان عن العزم الأكيد على توثيق العلاقات الاقتصادية وعقدا مجموعة من الاتفاقيات الثنائية شكلت الإطار القانوني المناسب لهذه العلاقات.
وفي تاريخ 2 مارس (آذار) 2015 عقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز جلسة مباحثات رسمية مع رجب طيب إردوغان رئيس تركيا، وجرى خلال الجلسة مناقشة آفاق التعاون بين البلدين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، كما تم بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك ومجمل الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية. ويجدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في كل مناسبة دعمه لعملية «عاصفة الحزم»، مؤكدًا أهميتها من أجل عودة الأمن والاستقرار في اليمن.
ومن الزيارات المتبادلة بين البلدين قيام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان وليًا للعهد بزيارة لرئيس الوزراء التركي (وقتها) رجب طيب إردوغان في مقر رئاسة الوزراء في أنقرة، وعقد الجانبان اجتماعًا جرى خلاله استعراض آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في المجالات كافة، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
وقبل ثلاثة أعوام انطلقت فعاليات التمرين التحضيري للقوات الجوية الملكية السعودية بمشاركة عدد من طائرات القوات الجوية بأنواعها الهجومي والدفاعي وطائرات الإنذار المبكر بكامل أطقمها الجوية والفنية والمساندة، وذلك استعدادًا للمشاركة في مناورات «نسر الأناضول - 3 - 2013»، التي أقيمت في قاعدة كونيا الجوية في تركيا، ونفذت خلالها الكثير من الطلعات الجوية التدريبية اشتملت على عدد من العمليات الجوية المضادة الدفاعية والهجومية وعمليات المرافقة والحراسة للطائرات الصديقة والاشتباك مع الطائرات المعادية المعترضة وعدد من العمليات الأخرى.
وإنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بتقديم جميع أشكال المساعدات للأشقاء السوريين يقوم مكتب الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء السوريين في تركيا بتسيير قوافل إغاثية متعددة من مدينة «غازي عنتاب» التركية محملة بالمساعدات الغذائية والصحية للأشقاء السوريين النازحين في المخيمات على شريط الحدود التركية والداخل السوري.
وضمن التعاون الاقتصادي بين السعودية وتركيا وافق الصندوق السعودي للتنمية قبل ثلاثة أعوام على تقديم تسهيلات ائتمانية من خلال خطوط ائتمان لتمويل تصدير سلع وخدمات وطنية غير نفطية متنوعة من السعودية بمبلغ إجمالي قدرة 70 مليون دولار لصالح عدد من البنوك بتركيا شملت كلا من بنك زراعة، والبنك العربي التركي، وبنك فيبا.
كما طرح وفد تجاري تركي بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض فرصًا استثمارية في مجال صناعة الأثاث الخشبي بأنواعه وإيجاد منافذ للسوق السعودي مع نظرائهم من الجانب السعودي.
وفي جانب التوافق السياسي بين البلدين أكدت تركيا أن رفض السعودية الدخول إلى مجلس الأمن الدولي يجعل المنظمة الدولية تفقد من مصداقيتها، وقال الرئيس التركي السابق عبد الله غل للصحافيين في إسطنبول: «إن الأمم المتحدة تفقد الكثير من مصداقيتها»، عادًا أنها تفشل في الرد بفعالية على الأزمات في العالم، وأضاف في حينه: «إن قرار السعودية يهدف إلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى هذه الحالة، وينبغي احترام قرارها».
وأكد الجانبان السعودي والتركي أهمية العمل من أجل تعزيز العلاقات القائمة والدفع بمستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بهدف رفع مستوى التبادل التجاري إضافة إلى التعاون في مجال دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتبادل الخبرات في هذا المجال.
بينما أكد رئيس مجلس الأعمال السعودي التركي المشترك المنبثق عن مجلس الغرف السعودية مازن إبراهيم رجب، قدرة القطاع الخاص في السعودية وتركيا على العمل سويا من أجل رفع مستوى التبادل التجاري الحالي البالغ 8 مليارات دولار ليصل إلى أكثر من ذلك، خاصة في ظل وجود علاقات متميزة بين البلدين وأنظمة مشجعة على الاستثمار، مقترحا فتح مكتب للخدمات التجارية في تركيا وتفعيل دور الملحقية التجارية السعودية لتشجيع الشركات السعودية على الدخول في السوق التركية وتدشين خط ملاحة بحري مباشر بين البلدين لتعويض التراجع في النقل البري بسبب الأوضاع في المنطقة.
وتشهد العلاقات بين البلدين تناغمًا على مختلف الصعد، فقد كشف البروفسور محمد كوماز، رئيس الشؤون الدينية بتركيا رئيس وفد شؤون الحج التركي، أن عدد حجاج بلاده الذين أدوا مناسك الحج قبل عامين بلغ 59.200 ألف حاج وعدد المعتمرين 50.000 معتمر، مؤكدًا ترحيب بلاده باستمرار حكومة خادم الحرمين الشريفين في تخفيض أعداد حجاج الخارج لـ20 في المائة والداخل 50 في المائة، لضمان سلامة حجاج بيت الله الحرام وضمان سلاسة حركتهم خلال تنفيذ المشاريع التي ما زالت قائمة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة.
وفي الشق الاقتصادي رأس الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية السعودي، بمشاركة الدكتور فهد المبارك محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، العام الماضي في مدينة إسطنبول التركية اجتماعات مجموعة العشرين الدولية على مستوى وزراء المالية وبمشاركة محافظي البنوك المركزية في دول المجموعة.
وطالب ملتقى أصحاب الأعمال السعودي التركي، بالعمل على مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية وتعزيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين، وإقامة جسور للتعاون بين شركات ومؤسسات القطاع الخاص في مختلف المجالات، بهدف الاطلاع على أحدث التقنيات وتبادل الفرص الاستثمارية، بهدف تنشيط القطاعات التجارية والصناعية ورفع مستوى التبادل التجاري لأفضل مستوياته خلال الفترة المقبلة.
وفي شأن العلاقات بين الرياض وأنقرة، أكد الدكتور عادل مرداد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى تركيا أن مشاركة السعودية في قمة العشرين التي ستعقد في مدينة أنطاليا تأتي أهميتها من المكانة التي تتبوأها السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على الساحتين الإقليمية والدولية سياسيا واقتصاديا.
وقال السفير مرداد في تصريح صحافي: «تأتي مشاركة السعودية في ظل ظروف اقتصادية وسياسية حرجة يشهدها العالم الذي ينتظر من القمة أن تطرح توصيات عملية في الشأن الاقتصادي للإسهام في نمو الاقتصاد العالمي وإخراجه من حالة الركود الراهنة»، مبينًا أن طرح القمة لعدد من الموضوعات السياسية مثل الأزمة في سوريا ومكافحة الإرهاب من شأنه أن يبعث برسالة قوية حول توحد الموقف العالمي حيال مثل هذه القضايا المهمة.
وأضاف: «إن السعودية دولة فاعلة ونشطة في الاقتصاد العالمي حيث لديها ما يقرب من ربع احتياطات العالم من النفط وتقوم بدورٍ كبيرٍ في استقرار الاقتصاد العالمي، لذا فإن مشاركتها في قمة العشرين برئاسة خادم الحرمين الشريفين هي بمثابة رسالة ثقة واضحة وقوية في اقتصاد السعودية ومكانتها المالية، وفي نفس الوقت رسالة لكل الذين تعالت أصواتهم - أخيرًا - للتشكيك في هذا الاقتصاد القوي والمتماسك رغم ظروف المنطقة.



ولي العهد السعودي يُعلن تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034

القطاع الرياضي السعودي يلقى دعماً غير مسبوق من القيادة (واس)
القطاع الرياضي السعودي يلقى دعماً غير مسبوق من القيادة (واس)
TT

ولي العهد السعودي يُعلن تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034

القطاع الرياضي السعودي يلقى دعماً غير مسبوق من القيادة (واس)
القطاع الرياضي السعودي يلقى دعماً غير مسبوق من القيادة (واس)

أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الأربعاء، تأسيس «الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034»، وذلك عقب إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فوز المملكة؛ باستضافة البطولة.

ويرأس ولي العهد مجلس إدارة الهيئة؛ الذي يضم كلّاً من: الأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل وزير الرياضة، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية، والأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة، ومحمد آل الشيخ وزير الدولة عضو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وماجد الحقيل وزير البلديات والإسكان، ومحمد الجدعان وزير المالية، والمهندس عبد الله السواحة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، والمهندس أحمد الراجحي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمهندس صالح الجاسر وزير النقل والخدمات اللوجيستية، وأحمد الخطيب وزير السياحة، والمهندس فهد الجلاجل وزير الصحة، والمهندس إبراهيم السلطان وزير الدولة رئيس مجلس إدارة مركز دعم هيئات التطوير، وتركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه، وياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة، والدكتور فهد تونسي المستشار بالديوان الملكي، وعبد العزيز طرابزوني المستشار بالديوان الملكي، وياسر المسحل رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم.

ويأتي إعلان تأسيس الهيئة تأكيداً على عزم السعودية على تقديم نسخة استثنائية من المحفل الأكثر أهمية في عالم كرة القدم بوصفها أول دولة عبر التاريخ تستضيف هذا الحدث بوجود 48 منتخباً من قارات العالم كافة، في تجسيد للدعم والاهتمام غير المسبوق الذي يجده القطاع الرياضي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد.

وتُشكِّل استضافة البطولة؛ خطوة استراتيجية نوعية، ستُساهم مباشرةً في تعزيز مسيرة تحول الرياضة السعودية، ورفع مستوى «جودة الحياة»، الذي يُعد أحد أبرز برامج «رؤية 2030» التنفيذية، والساعية إلى تعزيز مشاركة المواطنين والمقيمين بممارسة الرياضة، فضلاً عن صقل قدرات الرياضيين، وتحسين الأداء للألعاب الرياضية كافة؛ ما يجعل البلاد وجهة عالمية تنافسية في استضافة أكبر الأحداث الدولية.

وينتظر أن تُبرز السعودية نفسها من خلال استضافة كأس العالم 2034 كوجهة اقتصادية واستثمارية ورياضية وسياحية واقتصادية، علاوة على الثقافية والترفيهية، حيث سيتعرف الملايين من الزوار على إرثها وموروثها الحضاري والتاريخي، والمخزون الثقافي العميق الذي تتميز به.