المشهد: معركة الجوائز

المشهد: معركة الجوائز
TT

المشهد: معركة الجوائز

المشهد: معركة الجوائز

* على طريقة «لا صوت يرتفع على صوت المعركة» تخوض هوليوود معارك على جبهات القتال كافة: هناك حرب الجوائز التي من المقرر لها أن تستمر حتى نهاية الشهر الثاني، وجبهات كثيرة على الناقد متابعتها… كلها مع بعض.
* هناك جبهات عدة ومواقع كثيرة. من باب الذكر والتذكير ليس إلا، هناك المعركة المستعرة على جبهة «غولدن غلوبس»، والمعركة المقبلة على جبهات جمعيات المخرجين والمنتجين والممثلين وكتاب السيناريو والمصوّرين، ومعركة لاحقة في صرح البافتا البريطاني والسيزار الفرنسي. وإذا التفت يمينًا تجد جبهة الجوائز الأكاديمية والمؤسسات الخاصة، وإلى اليسار تجد معركة جمعيات النقاد وحلقاتهم من لوس أنجليس ونيويورك إلى لندن وجوهانسبورغ من دون أن ننسى طبعًا معركة الأوسكار التي تشكل الخط النهائي.
* بكلمات أخرى، من الآن وحتى نهاية فبراير (شباط) لا حديث لأحد في هوليوود، ولا ترقب للكثيرين خارجها، سوى حديث الجوائز ومن الذي سيفوز في مجالات الفن السينمائي كافة: أي فيلم وأي مخرج وأي ممثل وممثلة وأي مدير تصوير أو كاتب سيناريو إلى آخر المهن الرئيسة في صناعة السينما اليوم.
* السؤال هو إذا ما كان هذا الانغماس في متابعة معارك الجوائز نافعًا وضروريًا أو هو تشكيل للإثارة والتشويق كما يحب البعض أن يفسّر الأشياء بسهولة. والجواب هو أنه في وقت مضى، قبل عصر الإنترنت، كان من السهل الهروب من سيل التقارير التي تنقل ما يحدث لا على جبهة الجوائز فقط، بل على كل النشاطات والأعمال السينمائية الأخرى. كان الأمر يتطلب يومًا كاملاً قبل وصول الخبر، وبضعة أيام قبل اكتمال صورته. الآن، هي عبارة عن أصابع تتحرك فوق «البورد» تنقر الكلمات بينما الحدث دائرًا لم ينتهِ.
* بالتالي، لا يوجد مهرب من المتابعة والمتابعة الدؤوبة ولعدة أسباب مهمّة: مهنيًا، هناك جمهور كبير يقف على حافة الحدث الماثل ويريد أن يقرأ من ناقده المفضل رأيه أولا بأول. إذا لم ينقل له الناقد الصورة ومعها رؤيته وتفسيراته، ذهب إلى مصادر أخرى قد لا تكون أكثر إلمامًا لكنها تفي بالمطلوب، إخباريًا، على أي حال.
* هناك أيضًا حقيقة أن شغل السينما يعني الإلمام بما يدور. لم يعد لدينا انغمار برغمن وأنطونيوني وتاركوفسكي وكيروساوا وكوبريك ومن بقي حيًا من الكبار لا يعمل كثيرًا. مع هؤلاء كنت تستطيع أن تنسى الدنيا وتجلس في الصالة لتستخدم عينيك وعقلك في تحليل مواكب لما تراه ثم تهرع إلى المكتب أو البيت لكي تضع الفيلم وقراءاته على الورق (أو على شاشة الكومبيوتر). بهذا الغياب وبتحوّل السينما من صرح ثقافي مهم إلى إعلام وصناعة وتجارة ومناسبات واحتفالات أولاً، لديك اختياران: إما الرفض والانزواء، وإما المواكبة.
* إلى كل ما سبق، المنافسة صحية. والإثارة ترسم الابتسامة على الشفاه من دون أن ترفع ضغط دم الناقد (ضغط دم المتنافسين فعليًا أمر آخر) وهو يجد نفسه يشارك، ولو بحدوده، في لعبة من يفوز ومن يربح طوال الأسابيع
والأشهر المقبلة.



البابا: السينما تجد «الرجاء وسط مآسي العنف والحروب»

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
TT

البابا: السينما تجد «الرجاء وسط مآسي العنف والحروب»

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)
البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

شدّد البابا ليو الرابع عشر، خلال لقاء السبت في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما، على أن الفن السابع وسيلة «رجاء» وسط «العنف والحروب».

واستقبل البابا أكثر من مائة من وجوه عالم السينما، من ممثلين ومخرجين ومنتجين، بقاعة كليمنتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان، من بينهم كايت بلانشيت وأليسون بري وجود أباتاو وفيغو مورتنسن.

وقالت بلانشيت للصحافيين إثر اللقاء: «كانت كلماته رائعة، وأتمنى أن يسترشد بها وزراء الثقافة حول العالم. لقد تحدث عن الرأفة والتعلّم من مشكلات العالم».

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

وكان الممثلون الإيطاليون، داريو أرجينتو وماتيو غاروني ومونيكا بيلوتشي، حاضرين أيضاً في اللقاء مع البابا الذي صافح جميع المدعوين فرداً فرداً، ومن بينهم الممثل والمخرج الأميركي سبايك لي الذي أهدى البابا، وهو مُواطِنه، قميص فريق نيويورك نيكس لكرة السلة، نظراً إلى أن السينمائي الشهير من أبرز مشجعي النادي.

وقال لي عقب اللقاء: «إنه البابا (ليو) الرابع عشر، لذا فإن القميص يحمل الرقم 14. وكُتبت عليها البابا ليو من جهة الظهر»، موضحاً أن فريق نيويورك نيكس يضم ثلاثة لاعبين من جامعة فيلانوفا في بنسلفانيا التي سبق أن درس فيها البابا روبرت بريفوست.

وقال البابا البالغ 70 عاماً لضيوفه: «عندما يُضاء الفانوس السحري للسينما في العتمة، تشتعل بالتوازي نظرة الروح».

وقال إن «أحد أثمن إسهامات السينما يكمن تحديداً في مساعدة المشاهِد على العودة إلى ذاته، والنظر بعينين جديدتين إلى تعقيدات خبرته الخاصة، ورؤية العالم كما لو كانت المرة الأولى، واكتشاف جزء من ذلك الرجاء، الذي من دونه لا تكتمل حياتنا».

البابا ليو الرابع عشر خلال لقاء في الفاتيكان مع نجوم وشخصيات من عالم السينما (أ.ف.ب)

وأعلن الفاتيكان أن لقاء البابا مع وجوه من عالم السينما يهدف إلى استكشاف «الإمكانات التي يوفرها الإبداع الفني لرسالة الكنيسة وتعزيز القيم الإنسانية».

وأمام الجمهور، أعلن البابا عن أفلامه الأربعة المفضلة، ومعظمها يتمحور حول الأمل.

وهذه الأعمال هي: «إتس إيه واندرفول لايف» (It's a Wonderful Life) عن ملاك يُرسَل من السماء لمساعدة رب أسرة يائس، والفيلم الغنائي الشهير «ذي ساوند أوف ميوزيك» (The Sound of Music)، والدراما العائلية «أورديناري بيبل» (Ordinary People) لروبرت ريدفورد، وفيلم «لايف إز بيوتيفيل» (Life Is Beautiful) عام 1997 لروبرتو بينيني، عن قصة أب يحاول حماية ابنه من أهوال معسكر اعتقال في الحرب العالمية الثانية.

ووصف البابا، في كلمته، السبت، العاملين في مجال السينما بأنهم «حجاج للخيال، وساردون للرجاء، ورسل للإنسانية».

ولاحظ أن نظرة السينمائيين «قادرة على أن تتعرّف على الجمال حتى في طيّات الألم، والرجاء وسط مآسي العنف والحروب».

وخاطب اختصاصي الفن السابع الحاضرين قائلاً: «لا تخافوا من مواجهة جراح العالم؛ فالعنف، والفقر، والنفي، والوحدة، والإدمان، والحروب المنسية، هي جروح تطالب بأن تُرى وتُروى».

وشدّد على أن «السينما العظيمة لا تستغل الألم، بل ترافقه وتستقصيه. وهذا ما فعله جميع المخرجين الكبار».

وكان الحبر الأعظم السابق البابا الراحل فرنسيس أقام لقاء مماثلاً، في يونيو (حزيران) 2024 بالفاتيكان، شارك فيه أكثر من مائة ممثل.


السينما الإيرانية تنتشر في مهرجانات 2025

من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
TT

السينما الإيرانية تنتشر في مهرجانات 2025

من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)
من «ابنة نوح» (مادكاتو بيكتشرز)

في العام الحالي، وحتى الآن، عُرض ما لا يقل عن 30 فيلماً إيرانياً في نحو 8 مهرجانات عالمية، من بينها 15 فيلماً إيراني الإنتاج فعلياً، في حين حمل الباقي اسم إيران كدولة، لكن التمويل الفعلي، وبالتالي جهات الإنتاج، حمل أسماء دول غربية. هذه أفلام تتحدث الفارسية، وشخصياتها إيرانية، وتبحث في شؤون الداخل (مسائل انتقادية) والخارج (مهاجرون في الغرب يرنون إلى التواصل مع أقارب لهم في الداخل).

لو استبعدنا، إلى حين، الأفلام التي أُنتجت في الخارج من دون مشاركة إيرانية باستثناء مخرجيها، فإن العدد المسجل للأفلام الإيرانية المحلية التي أُنتجت في السنوات الخمس الماضية يتراوح بين 180 و210 أفلام في السنة. لا يوجد بعد تعداد دقيق لما أُنتج في العام الحالي، لكن مع الوضع الاقتصادي والأمني لهذا العام، من المحتمل أن يُنتج عدد أقل من الأفلام مقارنة بالأعوام السابقة. لا تتوفر مراجع مؤكدة، ولكن الرقم قد لا يزيد عن 150 فيلماً روائياً وتسجيلياً طويلاً.

«بذرة التين المقدّسة» (فيلم بوتيك)

دلالات

لا يزال هذا رقماً جيداً بالنسبة لدول الجوار الإيراني وحتى بالنسبة للعمق الآسيوي وبعض الدول الأوروبية أيضاً. على سبيل المثال، فإن معدل الأفلام المنتجة في تركيا منذ سنوات لا يزيد عن 70 فيلماً في السنة (وفي بعض السنوات القليلة الماضية بلغ نحو نصف هذا العدد). دول البلقان وسينمات وسط آسيا غالباً ما تكتفي بعشرة أفلام أو أكثر قليلاً لكل دولة.

ازدياد عرض الأفلام الإيرانية في المهرجانات الدولية يحمل دلالات عدة، يشكل فيها الطموح الفردي والحكومي جزءاً مهماً منها. فالفيلم المَرْضي عنه يحمل دعاية مناوئة لما تحققه الأفلام المنتسبة إلى إيران والتي يحققها سينمائيون مهاجرون في الغرب، حتى وإن لم يطرح أي وجهة نقدية. لكن الدلالة الأبرز هي استعداد المهرجانات الدولية لاستقبال الأفلام الإيرانية المنتجة داخل البلاد، أي تلك المتمتعة بموافقة الرقابة الرسمية. يعود هذا بدوره إلى رغبة جماهير أوروبية وآسيوية وأميركية في التعرف على ما هو إيراني.

على سبيل المثال، عرض مهرجان طوكيو في دورته التي انتهت في الخامس من هذا الشهر فيلم «ابنة نوح»

(Noah’s Daughter) لأمير رضا جلاليان. كما عرض مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي فيلم فيروز خسروڤاني «ماضي المستقبل يستمر» (Past Future Continues). وكان مهرجان كارلوڤي ڤاري قد اختار فيلم «صرخة» (Bidad بالفارسية) في مسابقته، وهو من إخراج سهيل بيراغي.

هذه عينة محدودة من مجموعة كبيرة من الأفلام، من بينها أيضاً «بين الأحلام والأمل» (Between Dreams and Hope) لفرنوش صمدي (تورنتو)، و«مواطن نزيل» (Citizen-Inmate) لحسام إسلامي (برلين). واستقبل مهرجان سياتل الأميركي فيلماً إيراني المولد بعنوان «حشد» لشهد كبيري، ومنحه جائزة لجنة تحكيم قسم «مخرجون جدد» أيضاً.

الجانب الآخر من الأفلام التي عرضت في المهرجانات هو تلك التي مُوّلت (بالكامل غالباً) من قِبل شركات غربية مثل بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة، مثل «مجرد حادثة» لجعفر بناهي و«داخلي» (Inside) لأمير بحراني.

«صراخ» (مهرجان كارلوڤي ڤاري)

اعتبارات سياسية

تمت مشاهدة 11 فيلماً من هذه الأفلام، من الداخل والخارج، ليس من بينها ما يمكن اعتباره تحفة أو عملاً ذا جودة استثنائية، بما في ذلك فيلم بناهي «مجرد حادثة» الذي خطف سعفة مهرجان «كان» وأرسلته فرنسا ليمثلها في سباق أوسكار أفضل فيلم عالمي. لا محال من اعتبار أن فوز فيلم بناهي جاء، في جزء منه، لاعتبارات سياسية.

يدور الفيلم حول رجل يشتبه في أن شخصاً معيناً هو الضابط الذي استخدم العنف معه خلال فترة سجنه. بناءً على هذا الاشتباه، يتصل بآخرين تعرضوا للتعذيب على يد الضابط أو تحت إشرافه، ويُختطف بهدف قتله. لكنه يقنع الجميع بأنه ليس هو الشخص الذي يعتقدون أنه هو. نهاية الفيلم لا تؤكد أو تنفي ذلك، لأن هدف بناهي هو تسليط الضوء على عنف السجون السياسية من خلال طرح السؤال عما إذا كان المخطوف هو فعلاً ذلك الضابط أو شخصاً آخر.

أفضل منه، نصاً وتنفيذاً، كان فيلم محمد رسولاف «بذرة التين المقدسة» (The Seed of the Sacred Fig). بعد عروضه في مهرجان «كان» في العام الماضي، مثّل إيران في سباق أوسكار 2025. وقد عُرض في هذا العام في 40 مهرجاناً سينمائياً حول العالم، قطف خلالها جوائز من اتحادات نقاد ومن بعض المهرجانات (أهمها الجائزة الأولى لمهرجان «بالم سبرينغز»). «بذرة التين المقدّسة» يقوم على فكرة الاشتباه، لكن في عمق مدروس: قاضٍ مرشح لمنصب أعلى يفتقد مسدسه الحكومي ولا يجده. يخاف من تبعات ذلك، قبل أن يشتبه (ولاحقاً يتأكد) أن إحدى ابنتيه هي التي أخفت المسدس لأنها ضد ممارسات الحكومة. يتقدم الفيلم بهذه الحبكة جيداً، حتى يصطدم بنهاية تحوّل مجرى الفيلم إلى نوع سردي مختلف.

عدد لا بأس به من الموضوعات التي تطرحها الأفلام الإيرانية غير المدعومة من الغرب يتعلّق بالمرأة. على سبيل المثال، يتناول فيلم «ابنة نوح» وضع امرأة تنشد العزلة من المدينة إلى بلدة ساحلية، ولو لبعض الوقت. ليس هناك من حبكة واضحة، لكن بعض الترميز الاجتماعي موجود في هذه الدراما.


شاشة الناقد: فيلمان يضيئان عروض مهرجان القاهرة

لقطة من الفيلم التونسي «إغتراب» (تارانتولا فيلمز)
لقطة من الفيلم التونسي «إغتراب» (تارانتولا فيلمز)
TT

شاشة الناقد: فيلمان يضيئان عروض مهرجان القاهرة

لقطة من الفيلم التونسي «إغتراب» (تارانتولا فيلمز)
لقطة من الفيلم التونسي «إغتراب» (تارانتولا فيلمز)

اغتراب ★★★2/1

إخراج: ‪مهدي حميلي‬

تونس | دراما عن رجل

يبحث عن حقيقة

الحكاية نفسها مشوّقة، وكان يمكن لها أن تأتي في سياق بوليسي حول جريمة قتل لم تقنع المحقق الذي سيعيد فتح القضية. لكن المخرج اختار سياقاً مختلفاً لسرد هذه الحكاية التي لا تزال، في جوهرها الأساسي، بوليسية.

عوض المحقق الرسمي، هناك محمد (غانم زريلي) الذي يعمل في مصنع ينفث دخانه ويطلق على الدوام هدير محركاته. قضية محمد هي أن صديقه عدلي مات أثناء عمله نتيجة خطأ وقع فيه. هكذا جاء في التحقيق، لكن محمد لن يصدّق الرواية الرسمية وسيلجأ إلى استنطاق رفاق العمل ومسؤولين وكل من يعرف صديقه، بمن فيهم زوجته (مرام بن عزيزة).

هذا البحث المضني سيعرّض محمد إلى أوجه مختلفة من المعاناة النفسية والبدنية، ومردّه إلى أن صداقته لعادل كانت عاطفية. محمد سيسبر غور التحقيق بمفرده، قبل أن يبدأ بقتل من يعتبرهم مسؤولين.

عند هذه النقطة، يخفق السيناريو في منح شخصية بطله ما يلزم من أدوات إقناع. يختار السيناريو ترك محمد يفعل ما يشاء من دون تردد أو رهبة، ويضعه في مواقف عنيفة من دون تقديم تمهيد يشخص دوافعه. بطله، تبعاً لذلك، ينتقل بين الحالات المختلفة بتمثيل «مونو»، دون تعابير أو ردود فعل واضحة. لا تطوّر من حالة إلى أخرى.

إخراج حميلي ملهم. يختار أماكن تصويره بدقة، ويزيّنها بتصاميم وديكورات تنقل وحشة تلك الأماكن، سواء كانت داخلية أو خارجية. الصورة دائماً (ما عدا مشهد وصول محمد إلى مدينة أخرى) داكنة وذات لون صفراوي شاحب. الدمج بين اللقطات هادئ، كذلك أسلوب تصويره (بما في ذلك اللقطات البعيدة التي تبرز وحدة بطل الفيلم). في باطن كل ذلك، رغبة في كشف فساد إداري وتعاون بين جهات مختلفة لتحقيق الثروة، بينما يعاني العمال جراء ذلك.

بعض التطويل لم يكن ضرورياً، ولو أنه ينتمي إلى أسلوب المخرج في تشكيل فيلم فني يغلّف الحكاية بدلاً من سردها مباشرة.

FRANZ ★★★1‪/‬2

إخراج: ‪أغنييشكا هولاند‬

بولندا | سيرة حياة فرانز كافكا

لمعرفة كيف يمكن لمخرج سرد حياة شخصية ما من دون ترتيب زمني متدرّج أو انتقال من مرحلة إلى أخرى، يمكن التعلّم من أغنييشكا هولاند وفيلمها الجديد حول الكاتب الذي كان محور أفلام سابقة فرانز كافكا.

إيدان ڤايز في «فرانز» (مارلين برودكشنز كومباني)

طريقتها في السرد لا تنتمي إلى التقليد المتبع في أفلام بيوغرافية عديدة أخرى. تمارس نوعاً مختلفاً يبتعد عن «الكليشيهات» المعروفة ويتعامل مع السيرة الذاتية لا كقصة حياة، بقدر ما هي مناسبة فكرية وثقافية. وبقدر مماثل في الإجادة، تنبري المخرجة للتصدي لتلك المناطق المضطربة التي مر بها كافكا. في ساعتين، تسرد كل ما هو كافكاوي حياة ونتاجاً.

جزء كبير من نجاح الفيلم في توفير هذه السيرة هو تمثيل إيدان ڤايز للدور. يجمع تفاصيل الشخصية كما يوفّرها السيناريو ويترجمها إلى أداء غير مفتعل. طبعاً، لا أحد يستطيع الوثوق في كيفية تصرف كافكا، ولو أن الإجماع على لمعان فكره وموهبته مؤكد. لذلك، يعتمد أداء ڤايز على معادلة تستند إلى المتداول كما إلى ما يوفره النص من تحديث.

إنجاز المخرجة البولندية (آخر أعمالها كان عملها الممتاز «حدود خضراء») يتمثّل في أنه لا شيء يضيع وسط تلك النقلات المتسارعة بين أوجه حياة الكاتب التشيكي وزمنه وأماكن حياته. يُفعَّل ذلك بتوليف ممتاز، حيث ينتقل بين الأزمنة وبين أوجه حياة كافكا بلا كلل. اختيارات المخرجة تدفع باتجاه تجديد المعالجات المعتادة لسير الشخصيات، وتأكيد سلطتها على الموضوع بحيث لا تقع تحت عبئه.

الجانب غير الناجح في كل ذلك هو أن الفيلم يخلق حالة تشويش للبعض، ولو كان ذلك مقصوداً. كذلك، فإن بناء هولاند فيلمها بوصفه سرداً مختلفاً عن المعتاد، جعل عملها يفقد بعض العاطفة بين الفيلم والشخصية، مما يخلق مسافة بينها وبين الفيلم، وبالتالي بين الفيلم وبين مشاهديه هناك أيضاً برود في التعامل مع العمل ككل. إنه مثل إجراء جراحة ناجحة، لا مكان فيها للتعديل أو الإضافة.

لكن هذا لا يعني أن الفيلم يحمل أي ركاكة أو رداءة فنية. وعلى المُشاهد أن يسبر غور المَشاهد بعين المراقب والباحث. هناك ما يكفي من المناسبات التي نتعرف خلالها على الشخصية، وهي تنبري بصوتها الهادئ لبث عالمها من خلال عملها. أهم مشهد هو لكافكا وهو يقرأ على الحضور بعض كتاباته. إنه مشهد جيد في تنفيذه، يختلف عن مشاهد أخرى تمر بأقل مما يوفره هذا المشهد من انضباط.

ليس كل ما نراه يتعامل مع الفكر الكافكاوي بالطبع، لكن هناك ما يكفي لإدراك منهج شخص وتفكيره. هناك أيضاً اهتمام بوضعه الاجتماعي، صغيراً ثم كبيراً، عندما يقع في الحب.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز