القميص.. عندما يحتاج إلى تفصيل

عناوين مهمة في لندن.. لمن لا يتمتع بمقاسات عادية

خياط  «نيو أند لينغوود يأخذ مقاسات أحد الزبائن
خياط «نيو أند لينغوود يأخذ مقاسات أحد الزبائن
TT

القميص.. عندما يحتاج إلى تفصيل

خياط  «نيو أند لينغوود يأخذ مقاسات أحد الزبائن
خياط «نيو أند لينغوود يأخذ مقاسات أحد الزبائن

شراء قميص ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض ممن حبتهم الطبيعة الجينية بمقاسات مثالية. فبالنسبة لغيرهم من مفتولي العضلات أو من يتميزون بمقاسات تخرج ببعض سنتيمترات عن تلك التي يستعملها المصممون كأساس لتصاميمهم، فهي عملية محفوفة بالمتاعب. تحتاج منهم إلى بحث طويل وفي أغلب الأحيان يضطرون إما إلى تقصير الأكمام أو تطويلها، وإما إلى تحديد أكتاف وتضييق الصدر أو توسيعه وما شابه من تفاصيل ضرورية. في الغالب، تجد هذه الشريحة نفسها أمام أمرين: أولهما مر ويتمثل في اختيار مقاس أكبر أو أصغر، وثانيهما، وهو الحل الأمثل، يعتمد على التفصيل والاعتماد على خياط ماهر ليقوم بهذه المهمة. والمقصود هنا إجراء تغييرات طفيفة على تصميم متوفر في السوق أساسا، حتى يناسب المقاس، عكس الـ«بيسبوك» الذي يعني التفصيل الخاص بالزبون، بدءا من التصميم واختيار القماش إلى عدد الأزرار والجيوب وغيرها، وهذه عملية يتدخل فيها الزبون بشكل مباشر من الألف إلى الياء، ليحصل على قميص فريد غير متوفر في السوق. طبعا هذا يعني أن سعره أغلى بكثير لأنه بمثابة الـ«هوت كوتير» بالنسبة للمرأة.
إذا كنت في لندن وتنوي شراء قمصان متميزة، فأنت لا تحتاج أن تأخذه إلى خياط الحي لكي يجري عليه هذه التغييرات، بل يمكنك أن تذهب إلى أكثر من ذلك بتفصيله على مقاسك بكل تفاصيلها ما عدا تصميمه الأصلي. لهذه الغاية لا بديل لك عن «جيرمين ستريت» وسط لندن، الذي يشتهر بمحلاته وخياطيه المتخصصين منذ أكثر من قرن من الزمن تقريبا في هذه القطعة تحديدا. فلندن للمتسوق العارف هي عاصمة تفصيل القمصان بلا منازع إلا إذا استثنينا شركة «شارفيه» في باريس. في «جيرمين ستريت» ستجد أسماء مهمة، لن تخطئ أبدا عند دخول أي منها، فكلها تتميز بمستوى عال، ولها زبائنها الأوفياء، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر «نيو أند لينغوود» التي تربطها علاقة وثيقة بجامعة «إيتون» التي تخرج منها الكثير من السياسيين البريطانيين، ما يجعل ولاءهم لها مستمرا، عدا أن الشركة طورت نفسها وأصبحت تخاطب كل الشرائح. فسواء كان أسلوبك كلاسيكيا أو شبابيا، لا بد أن تجد بغيتك في محلها المكتنز بالمنتجات، وكل ما عليك هو أن تختار القميص الذي يعجبك من بين المعروضات، ثم تطلب من خياط المحل، أن يجري عليه بعض التغييرات أو يضيف إليه تفاصيل تناسب أسلوبك الخاص مثل الجيوب أو الياقة. لكن لا تتوقع أن تأخذه معك في نفس اليوم، فالعملية تستغرق نحو 8 أسابيع تقريبا. وفيما تتوفر هذه الخدمة مجانا أو بسعر زهيد في بعض المحلات الكبيرة، فإنها في «جيرمين ستريت» تكلف أكثر، والسبب أنها لا تقتصر على التقصير والتطويل، بل تفتح لك المجال لتتدخل مباشرة في اختيار اللون وحتى القماش مع إضافة بعض التفاصيل الصغيرة ما يجعل سعر القميص يبدأ من 225 جنيها إسترلينيا، ومع ذلك فهي عملية تستحق ثمنها بالنظر إلى النتيجة.
إذا كان هذا السعر لا يناسبك ولا ترى له ضرورة، فهناك شركات أخرى تقدم هذه الخدمة بأسعار معقولة جدا، نذكر منها شركة «مانغاس» Mangas الإسبانية، التي أصبح لها فروع في الكثير من الدول الأوروبية، ويمكنك أن تحصل منها على قميص مفصل يتراوح سعره بين 40 إلى 70 جنيها إسترلينيا فقط. مثل خياطي «جيرمين ستريت» تتوفر الشركة على أقمشة متنوعة، يقدر عددها بـ300 نوع، كذلك على ألوان مختلفة، بعضها كلاسيكي وبعضها الآخر لا يخطر لك على بال. ولتسهيل العملية فإن الشركة تحتفظ بكل تفاصيلك على جهاز الكومبيوتر. ففي حال احتجت إلى قميص جديد في المستقبل، يمكنك أن تطلبه باتصال هاتفي واحد يعوضك الذهاب إلى المحل بنفسك. وفي حال وصلك القميص على العنوان الذي طلبته، وأردت أن تضيف إليه تفصيلا جديدا، فإن الأمر لن يكلفك شيئا في المرة الأولى، وفي المرات التالية نحو عشرة جنيهات فقط.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».