الرقص مع «داعش»

البلجيكي ديمتري يروي كيف التقى أمير التنظيم لاستعادة ابنه «راقص الروك»

البلجيكي ديمتري بعد استعادة  ابنه راقص الروك من التنظيم
البلجيكي ديمتري بعد استعادة ابنه راقص الروك من التنظيم
TT

الرقص مع «داعش»

البلجيكي ديمتري بعد استعادة  ابنه راقص الروك من التنظيم
البلجيكي ديمتري بعد استعادة ابنه راقص الروك من التنظيم

ديمتري بونتينك (Dimitri Bontinck‎‏)، والد الداعشي السابق جون بونتينك (Jejoen Bontinck)، يصف نفسه قائلا: «أنا شخص عادي، بلجيكي وزوجتي نيجيرية كاثوليكية، أنجبت ابني جون في نيجيريا»، إلا أن ديمتري نفسه يعرف جيدا أنه لم يعد شخصا عاديا، فقد تصدرت صور اختراقه معاقل تنظيم داعش الصحف البلجيكية، وكذلك أصبحت قضية محاكمة ابنه الذي نجح في انتشاله من قبضة «داعش»، والمتهم حاليا بالتورط في الإرهاب، حديث الصحافة الغربية.
يروي ديمتري للشقيقة مجلة ـ«المجلة» رحلته الشاقة للبحث عن ابنه راقص الروك «دانس جون»، والمخاطر التي واجهها فيما بعد لمساعدة عائلات أخرى ذاقوا مرارة تجربة اختيار أبنائهم الالتحاق بـ«داعش»، يقول ديمتري الجندي السابق في الجيش البلجيكي، واصفا ابنه جون بونتينك: «كان شابا ذا شعبية كبيرة في بلجيكا، راقص محترف لـ(بريك دانس)، وله مقاطع فيديو وظهر في كثير من البرامج الموسيقية. نتيجة فشله عاطفي، أصيب بالاكتئاب، وبعد أن تخلت عنه حبيبته في المدرسة تعرف على فتاة أخرى مغربية الأصل وتعرف من خلالها على عالم التطرف»، مضيفا: «ما لبث أن اعتنق الإسلام تحت تأثير صديقته الجديدة، وأصبح يتردد على المساجد بشكل منتظم ويحضر دروس الشريعة، لقد كنا نشعر بالامتعاض أنا وأمه من تصرفاته التي كانت جد غريبة على بيت بعيد كل البعد عن عالم الإسلام، ولكن هذا لم يجعلنا نقف في طريق حرية اختياره اعتناق الإسلام».
ويشير إلى أنه «بعد 8 أشهر كان جون قد تغير بشكل جذري، وبدأ رويدا رويدا يبتعد عنا، وتغير سلوكه وتصرفاته، حتى شكل وألوان ملابسه، شعرنا أن هناك شيئا ما على غير ما يرام، ولم يكن يروق لنا ما يحدث، أصبح يعود متأخرا إلى المنزل، ويذهب إلى المدرسة متعبا، إلى أن شاهدناه في تقرير خبري في نشرة أخبار المساء عن مسجد في بلجيكا يرتاده متطرفون، أصبت وزوجتي بالهلع عندما رأينا جون الذي لم يبلغ بعد 16 من عمره يقف بجانب إمام المسجد ويتحلق حوله شباب في مقتبل العمر أشكالهم وهيئتهم توحي أنهم متطرفون».
ويضيف: «شعرنا بالخطر وما كان علي سوى إبلاغ السلطات الأمنية أن ابني يهوي إلى التطرف وعليهم منعه أو على الأقل مساعدتنا في منعه من سلوك هذا الطريق، ومساعدتنا لإبعاد ابني عن هؤلاء وإغلاق هذا المكان، إلا أنهم قالوا إن هذا مخالف للقوانين وإن ما يجري في المسجد يدخل في إطار حرية المعتقد وممارسة الطقوس، وتذرعوا بأنه لم يرتكب هؤلاء جرما ليعاقبوا عليه أو ليتم التصرف معهم على وجه مختلف. وتطورت الأمور أمام أنظار الجميع وهم يشاهدون أمام أعينهم أن هناك من يقتطع قطعا من أكبادنا ويرمي بها خارج الحدود، دون أن يحركوا ساكنا. أدركنا وقتها أن جون بدأ ينتهي ويحيط به الخطر ولم يبق أمامي خيار إلا أن أتحرك من نفسي»، مضيفا: «53 مرة دخلت إلى مناطق المتطرفين في بلجيكا، حتى أتعرف عليهم وأبقى قريبا من ابني، كان هناك العشرات من أبناء الأوروبيين، وتمنيت أن أوقف كل هذا.. كنت أراهم يدمَّرون، في ذلك المسجد تم تنظيم مجموعات من الشباب وتوجيههم للسفر، لكن فشلت في الإمساك بالدليل القاطع الذي يدين هؤلاء.. وأنهم مع دروس الشريعة وحلقات قراءة القرآن، ودعوة المارة في الشوارع والساحات العامة إلى مساعدة (المجاهدين) في سوريا، وإضافة إلى إطلاقهم على أنفسهم ألقابا بدلا من الأسماء الحقيقة، كان هناك ما يخفونه ويخططون له سرا.. كنت مقتنعا أن هناك ما يخفونه رغم فشلي في الحصول على أي دليل يثبت شرعية مخاوفي».
اضغط على الرابط وشاهد التفاصيل في موقع مجلة (المجلة):



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».