الحزب الحاكم في ميانمار يقر بالهزيمة.. والمعارضة تتجه لنصر كبير

أميركا اعتبرتها انتصارًا للشعب.. واليابان: خطوة مهمة للتحول الديمقراطي

الحزب الحاكم في ميانمار يقر بالهزيمة.. والمعارضة تتجه لنصر كبير
TT

الحزب الحاكم في ميانمار يقر بالهزيمة.. والمعارضة تتجه لنصر كبير

الحزب الحاكم في ميانمار يقر بالهزيمة.. والمعارضة تتجه لنصر كبير

بدأ الحزب الحاكم في ميانمار، وريث المجلس العسكري السابق، أمس الاعتراف بهزيمته في الانتخابات التشريعية أمام المعارضة أونغ سان سو تشي، بعد أن أظهرت النتائج تدريجيا سقوط هيمنته.
وفي مجلس النواب، حيث كان يجري التنافس على 323 مقعدا، أظهرت النتائج الأخيرة المتعلقة بـ88 مقعدا تقدما كاسحا لـ«الرابطة الوطنية للديمقراطية»، بزعامة سو تشي، وذلك بعد فوزها بـ78 مقعدا مقابل خمسة للحزب الحاكم. ورغم أن النتائج لا تزال جزئية، فإن حزب أونغ سان سو تشي أعلن عن فوز ساحق بأكثر من 70 في المائة من المقاعد في الانتخابات التشريعية، التي جرت الأحد بفضل شبكة كبرى من المراقبين.
وردا على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية، أقر مسؤول كبير في الحزب الحاكم، الذي قام بحملة تمحورت حول الإصلاحات التي يخوضها الجنرال السابق ثان سين منذ أربعة أعوام، بفشل حزبه، إذ قال الكولونيل السابق كي وين «لقد فشل حزبنا بالكامل، وفازت الرابطة الوطنية للديمقراطية.. إنه قدر بلادنا»، مما يشكل إشارة قوية في بلد غير معتاد على الإقرار بفشل الحزب الحاكم. وأضاف كي وين موضحا أن أونغ سان سو تشي «يجب أن تتسلم المسؤولية اعتبارا من الآن، ونحن نتقدم إليهم بالتهنئة في مطلق الأحوال».
لكن بحسب النظام السياسي للبلاد فإن البرلمان السابق يجتمع أولا اعتبارا، ثم يعقد بعد ذلك البرلمان الجديد جلسة في مطلع 2016 لانتخاب رئيس.
وبعد عقود من المعارضة وأكثر من 15 عاما أمضتها قيد الإقامة الجبرية، سيكون على أونغ سان سو تشي، البالغة من العمر 70 عاما، التحلي بالصبر لفترة إضافية.
من جهته، لم يدل الرئيس المنتهية ولايته ثين سين باي أمس بأي تعليق من مدينة نايبيداو، العاصمة الإدارية التي بناها في مطلع سنوات الألفين المجلس العسكري الحاكم سابقا، إذ قال زاو هتاي الناطق باسم الرئاسة لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «ليس لدينا أي شيء نقوله في الوقت الحالي. لقد قال الرئيس قبل الانتخابات إنه سيقبل النتائج، وهذا الأمر لم يتغير».
ويحبس أنصار أونغ سان سو تشي أنفاسهم التزاما بتعليمات ضبط النفس، في وقت تكثفت فيه التساؤلات حول بطء اللجنة الانتخابية في إصدار نتائج التصويت الذي شمل 30 مليون ناخب. وأمام مقر الرابطة الوطنية في رانغون، أزال المنظمون شاشة عملاقة كان مئات الأنصار يتابعون النتائج عبرها مساء أول من أمس في أجواء احتفالية. وقد كانت أولى الدوائر التي سجل فيها الفوز هي مناطق رانغون وماندالاي، ثاني مدينة في البلاد، والتي تعتبر تقليديا موالية للرابطة الوطنية للديمقراطية.
وأظهرت آخر النتائج التي ظهرت صباح أمس هيمنة الرابطة حتى في مناطق ريفية مثل دلتا ايراوادي. وإذا تأكدت نتيجة فوز الرابطة بـ70 في المائة من الأصوات، فإن ذلك سيتيح لأونغ سان سو تشي الحصول على الغالبية المطلقة، رغم تخصيص ربع المقاعد للعسكريين غير المؤيدين لحزبها.
ويشكل هذا الأمر ثورة كاملة وغير مسبوقة على الساحة السياسية البورمية، وذلك بعد عقود من الحكم العسكري، ثم هيمنة ورثته منذ إطلاق الإصلاحات عام 2011، وفي هذا السياق، عنونت صحيفة «غلوبال نيو لايت أوف ميانمار» الرسمية على صفحتها الأولى أن «الرابطة الوطنية للديمقراطية تهيمن على الجولة الأولى من النتائج الانتخابية». بينما أشارت صحيفة «ميانمار تايمز» إلى «الغضب الناتج عن بطء» فرز الأصوات. لكن في بلد اعتاد على بطء العمل في كل المجالات، وخصوصا في الإدارات، ينتظر الشعب بفارغ الصبر النتائج.
ويبدو أن السكان العاديين لا يتوقعون حدوث مشكلات مع ظهور النتائج النهائية، وبهذا الخصوص قال ميو لوين، وهو مدرس للمعلوماتية في رانغون «أنا لست قلقا إزاء النتائج.. وأنا متأكد أن السلطة المنتهية ولايتها ستحترم النتائج»، وعلل تأخرها بوجود «مناطق يصعب الوصول إليها»، بينما تتحدث وسائل الإعلام المحلية عن إدارة انتخابية غير فعالة.
وفي أول رد فعل خارجي، رحبت الولايات المتحدة مساء أول من أمس بالانتخابات، قائلة إنها انتصار لشعب ميانمار، لكنها قالت إنها ستراقب سير العملية الديمقراطية قبل أن تجري أي تعديلات على العقوبات الأميركية المفروضة على البلد الآسيوي، إذ قال دانيل راسل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا إنه بعد 50 عاما من الديكتاتورية العسكرية، فإن هذه خطوة تعتبر مهمة للأمام في المسيرة الديمقراطية في ميانمار.. الآن يأتي الجزء الشاق.
من جهتها، رحبت اليابان أمس، بالانتخابات التاريخية التي أجرتها ميانمار، ووصفتها بأنها خطوة أساسية بالنسبة للتحول الديمقراطي في الدولة الواقعة بمنطقة جنوب شرقي آسيا، إذ نقلت وكالة «كيودو» اليابانية للأنباء عن وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا، قوله في مؤتمر صحافي إن بلاده «ترحب» بالانتخابات العامة التي جرت مطلع هذا الأسبوع في ميانمار، وتعتبرها «خطوة مهمة في عملية التحول الديمقراطي».
وقال كيشيدا للصحافيين «آمل في الاعتراف بأنه تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وأن تقبل الأطراف المعنية ذلك، ومن ثم تمضي قدما في الديمقراطية والإصلاحات»، مضيفا أن اليابان سوف تواصل دعم جهود الإصلاح في ميانمار.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»