النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

جناحان يساري و «بورقيبي» في قلب المشهد

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟
TT

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

ألقت الأزمة الداخلية التي مرت بها حركة «نداء تونس» الفائزة في انتخابات 2014 بظلالها على المشهد السياسي في تونس، وسرعان ما ظهرت سيناريوهات تطورات الأزمة لتطرح فرضية انقسام الحزب الذي تشكل على عجل سنة 2012 إلى أكثر من حزب سياسي ومن ثم فقدانه للأغلبية البرلمانية، وهو ما يجعل مواصلته لرئاسة الحكومة مطروحة بقوة. وهو كذلك ما جعل عودة حركة «النهضة»، ممثلة التيار الإسلامي، إلى الحكم وتمسكها بحقها الدستوري في تشكيل الحكومة فرضية واردة، وكذلك على الرغم من تأكيدات قيادات «النهضة» على أنها في حل مما يحدث داخل هذا الحزب وأن لا ناقة لها ولا جمل في ما حصل.

لدى متابعة ما جد من جدل سياسي وحزبي في تونس، فإن الأزمة القائمة داخل حركة «نداء تونس» صورت على أساس وجود شقين سياسيين متناقضين في الحزب السياسي الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الباجي قائد السبسي:
الشق الأول شق يساري ونقابي يتبنّى منطق «من فاز في الانتخابات عليه أن يتحمل مشكلات الحكم بوضوح ويتحمل المسؤولية كاملة» مع ما يتطلبه ذلك من تغيير السياسات الحالية التي جعلت «النداء» يبتعد عن أهداف تأسيسه ويتخلى عن جانب كبير من وعوده الانتخابية. ويتمسك هذا الشق باحترام شرعية الحزب الفائز بالحكم وتنفيذ مجموع وعوده، وهذا لن يتم إلاّ بعقد تحالفات قوية داخل البرلمان تسمح لـ«النداء» بالحكم الواضح دون مشاركة «النهضة» المستفيدة من حالة الضعف والوهن الذي ظهر عليها الحزب الفائز في الانتخابات قبل أشهر من إجراء انتخابات بلدية ستكون حاسمة على مستوى الحكم المحلي. وفي هذه الحالة لن يبحث هذا الشق عن شرعية «أغلبية» الأصوات داخل البرلمان لفائدة الحكومة، بل سيكتفي بالنسبة الدنيا المطلوبة، أي 50 في المائة زائد واحد. ولكن هذا التأويل لن يكون واقعيًا إلا إذا قبلت الكتل النيابية المعارضة حاليًا، وخصوصا منها «الجبهة الشعبية» (اليسارية) بزعامة حمّة الهمّامي الانضمام للتشكيل الحكومي، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل خلافات جوهرية حول التوجه الاجتماعي والاقتصادي.
أما الشق الثاني فيرنو إلى توفير كل الحظوظ الممكنة للفوز في المؤتمر التأسيسي للحزب، ويرى أن فوزه في الانتخابات سيضمن له السيطرة على مفاصل الحزب. وهو الذي سيحدد سياسة البلاد بقية الفترة النيابية من خلال البرلمان، وهي فترة كافية للفعل والتأثير على المشهد السياسي والعودة إلى الواجهة. ويرى هذا الشق في المؤتمر التأسيسي المقبل الفرصة الذهبية للتحكم والتأثير في السياسات المستقبلية للبلاد والعمل على البحث عن «أبوة» مشتركة بين الدستوريين (البورقيبيين وبقاياهم) والإسلاميين، بعيدًا عن منطق تقاسم الحكم بأغلبية مريحة بين حركة «نداء تونس» وحركة «النهضة»، وبالتالي التخلّي عن المكوّنات غير الدستورية (اليسارية، بالأساس) في «نداء تونس». وفي هذه الحالة، يكون من المجدي للدستوريين والإسلاميين استعادة الثقة في ما بينهم واستبدال حالة العداء التاريخي بينهما بصيغة حكم متآلفة، وهي فرصة للمحافظة على حالة التوافق السياسي الحاصلة بعد ثورة 2011.

* حركة تحمل بذور انقسامها
ولقد ذهب أكثر من محلل سياسي تونسي إلى القول إن حركة «نداء تونس» كانت تحمل بذور انشطارها وانقسامها إلى أكثر من توجه سياسي منذ نشأتها، إذ إن هذه الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي منتصف عام 2012 جمع سياسيين من مختلف المشارب السياسية والاتجاهات الفكرية لا تجمعهم سوى فكرة «معاداة حركة النهضة والاتفاق على قطع الطريق أمام عودتها إلى السلطة» أكثر مما يجمعها برنامج سياسي ورؤى اقتصادية واجتماعية واضحة.
وإذا حاولنا استعراض ظروف نشأة «نداء تونس» كحزب سياسي، فإن مؤسسه قائد السبسي، السياسي التونسي المحنك المخضرم، اعتبر نفسه منذ البداية «امتدادا للحركة الإصلاحية التونسية التي تعود جذورها لما قبل الاستعمار الفرنسي لتونس». ونادى خلال الحملة الانتخابية التي قادها نهاية السنة الماضية بمواصلة نفس النهج الإصلاحي الذي اعتمده الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة خلال السنوات الأولى لبناء الدولة الحديثة بعد 1956 سنة الاستقلال عن فرنسا، وبالتالي صورت الحركة الجديدة على أنها حزب علماني وسطي ليبرالي يؤمن بمبدأ فصل الدين عن السلطة، كما يتبنى الأفكار المتعلقة بمدنية الدولة وتمسك بتحرير المرأة. ويعتبر الحزب نفسه أيضًا جامعا للقوى السياسية التي تدافع عن النظام الجمهوري في مواجهة النماذج الأخرى، خصوصا منها التيارات الإسلامية.
وما يذكر أن الباجي قائد السبسي، الزعيم المؤسس، نشأ في كنف عائلة قريبة من البايات الحسينيين (حكام تونس من العثمانيين)، ولم يكن مقربا من الزعيم السابق الراحل بورقيبة بسبب قربه من البايات. كما أنه ينتمي إلى عائلة من سكان حي باب الأقواس بتونس العاصمة، وهي منطقة سكن أعيان البلاد، ولقد عاش يتيمًا إذ توفي والده وهو يبلغ من العمر نحو عشر سنوات.
مع هذا أو بسبب هذا، وجّهت إلى قائد السبسي انتقادات كثيرة وهاجمت ماضيه السياسي، لا سيما أنه شغل منصب وزير داخلية أثناء حكم بورقيبة، في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي، والداخلية وزارة ارتبطت بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان والتعذيب، خصوصا لأتباع الزعيم التونسي صالح بن يوسف الذي خالف الحبيب بورقيبة إبان الاستقلال عام 1956. غير أن بن يوسف تعرض للاغتيال السياسي ولوحق أتباعه ومن بينهم عائلة المنصف المرزوقي، أول رؤساء تونس بعد انتفاضة 2011، الذي اضطر إلى الهجرة القسرية والعيش في المغرب.
ولكن عند تأسيس حركة «نداء تونس»، فتح قائد السبسي باب حزبه الجديد أمام وجوه سياسية من مختلف التيارات وكان حلمه الوصول إلى قصر قرطاج الذي منع في فترة تاريخية من دخوله. وضمت الحركة وجوهًا نقابية تنتمي إلى الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر النقابات العمالية في البلاد) ووجوهًا من التيار اليساري وعددًا لا بأس به من الدستوريين - نسبة إلى الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه بورقيبة - واستقبلت مسؤولين سابقين من حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل ممن عرفوا بانتمائهم الصريح إلى نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما ضمت أيضًا مجموعة من ناشطي المجتمع المدني ووجوهًا تدعم الحركة النسوية التونسية.
ونتيجة لهذه التركيبة الشاملة المتآلفة ظاهريا، والمتناقضة المصالح على أرض الواقع، توقع لها كثيرون من الخبراء أن تتعرض للتشتت في أول اختبار سياسي، وأنها وإن كانت ستعمل على الفوز في انتخابات الرئاسية والبرلمانية - التي أجريت بالفعل عام 2014 – فإنها ستتوقف عند أول امتحان حقيقي في مواجهة عدة أحزاب وتيارات سياسية فضلت اختيار المعارضة على دعم حزب سياسي يحمل بذور تشتته من الداخل.
وحقًا، حاولت حركة «نداء تونس» تجاوز الخلاف الذي برزت مؤشراته مبكرًا بين قياداتها، خصوصا في ما يتعلق بإشراك حركة «النهضة» في الحكم. وهكذا انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، ولكن حساسية الوضع السياسي والاضطراب السياسي والأمني دفعا بالرئيس الباجي قائد السبسي إلى التحالف مع راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» إقرارا منه بثقلها السياسي والاجتماعي، وهو تحالف لقي معارضة من معسكري الحركتين «النهضة» و«النداء» في وقت واحد.
كذلك ظهرت بوادر خلاف سياسي في صفوف قيادات «نداء تونس» أثناء عملية تشكيل الحكومة، إذ تمسك الطيّب البكّوش، وزير الخارجية الحالي (الشق النقابي)، بتحمّل مسؤولية الحكم واختيار أحد القيادات السياسية لتولي المسؤولية، إلا أن الاتهامات التي وجهت إلى «نداء تونس» بمحاولة «التغول السياسي»، والسعي لاحتكار الساحة بتولي قياداتها رئاسة الجمهورية (الباجي قائد السبسي) ورئاسة البرلمان (محمد الناصر) ومحاولة الاستحواذ أيضًا على رئاسة الحكومة، جعل المخاوف من عودة النظام السابق واردة، وهو ما جعل الخلافات تؤجل لتظهر من جديد بمناسبة الكلام عن تحديد موعد نهائي لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب.
وفي ظل حسابات انتخابية، في الأساس، وبانتظار حسم موضوع إسقاط «النهضة» وحلفائه وإخراجهم من الحكم، تأجل انعقاد المؤتمر من شهر يونيو (حزيران) 2014 إلى نهاية العام الحالي لتزامن هذه الفترة مع التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2014. ولكن جذور الخلاف بين التيار اليساري على وجه الخصوص ممثلاً في محسن مرزوق الأمين العام لـ«نداء تونس» والتيار الدستوري ممثلاً بحافظ قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي) المسؤول على هياكل الحزب والتعبئة، بقيت على ما هي عليه دون أن يتوصل الطرفان إلى حل يرضيهما ويستجيب لطموحات كل طرف منهما.
ولتقريب الصورة أكثر لنأتِ على السيرة الذاتية لكلا التوجهين الأساسيين اللذين يمثلهما محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي.

* محسن مرزوق
محسن مرزوق، من مواليد 1965 بمنطقة صفاقس (وسط شرقي تونس)، ونشأ في محيط فقير وعائلته من الطبقة العاملة العادية في تونس. ونتيجة نشاطه الطالبي طرد من عدد من معاهد التربوية التونسية التي التحق بها. ومن ثم، عُرف نقابيًا وناشطًا بارزًا في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس، إحدى أقدم المنظمات الطلابية المستقلة التي تسيطر عليها توجهات يسارية. وهو ما نجم عنه التجنيد القسري لمحسن مرزوق في «رجيم معتوق» (المنطقة الصحراوية جنوب تونس) أواسط عقد الثمانينات، وذلك على خلفية نشاطه الطالبي المعارض لتوجهات السلطة في قمع الحريات ومنع ممارسة التعدد السياسي. بعدها حصل مرزوق على الإجازة الجامعية في العربية وشهادة التعمق في البحث العلمي بتخصص علم الاجتماع. ثم تولّى مسؤولية منسق تنفيذي عام لمركز الكواكبي للتحوّلات الديمقراطية الذي يوجد مقره في العاصمة الأردنية عمّان، وهو يشغل منصب الأمانة العامة للمؤسسة العربية للديمقراطية منذ شهر مارس (آذار) 2008.
خلال فترة حكم النظام السابق، لم يُذكَر اسم محسن مرزوق من بين الأسماء السياسية المعارضة لـ«بن علي»، لكنه كان من مؤسسي حركة «نداء تونس». ثم قاد بنجاح الحملة الانتخابية للرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، وتمكن من خلال جولاته في المدن التونسية من الحد من تحرّكات المنصف المرزوقي، منافس الباجي المباشر في الانتخابات الرئاسية، وأسهم بفوزه من خلال خطاب محذّر من «عودة الأصولية الإسلامية إلى قصر قرطاج». وعلى الأثر صار مرزوق رقمًا صعبًا في معادلة الحزب الحاكم وإحدى ركائزه الصلبة. ونتيجة مساهماته في إرساء الحزب ومعرفته بنقاط ضعف خصومه السياسيين، خصوصا من الإسلاميين، فهو يرى أنه أحقّ من غيره بقيادة حركة «نداء تونس»، وأنه صاحب شرعية سياسية تؤهله لتولي أهم المناصب القيادية.

* حافظ قائد السبسي
أما حافظ قائد السبسي فيمثل – كما سبقت الإشارة – التيار أو الشق الدستوري في «نداء تونس». وهو رجل أعمال، ونجل الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي.
ولد عام 1961 في تونس العاصمة، ودرس في العاصمة الفرنسية باريس حيث حصل على شهادة الدراسات العليا في العلاقات الدولية والدبلوماسية. ولم يذكر اسمه خلال فترة حكم الزعيم السابق الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي، لكنه برز بعد انضمامه إلى حركة «نداء تونس» إلى جانب والده مؤسس الحزب. وتولى عضوية المكتب التنفيذي إضافة إلى ترؤسه الإدارة المركزية للهياكل والتعبئة. كذلك عينه المكتب السياسي للحزب نائبا للرئيس، وبعد ظهور مشكلة توريث رئاسة الحزب، اتهمه مرزوق بالاعتماد على «شرعية السلالة» للسيطرة على مقدراته. ونتيجة لهذا الخلاف الحاد تتالت التصريحات والتصريحات المضادة، وبدأ اصطفاف أعضاء المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والكتلة النيابية في البرلمان، قبل تفاقم الأمور وإعلان 32 من نواب «نداء تونس» الاستقالة من كتلة الحزب البرلمانية بعد أسبوع من ظهور الخلاف على العلن.
وفي محاولة لكشف ملابسات هذا الخلاف، قال مهدي عبد الجواد، عضو المكتب التنفيذي لـ«نداء تونس»، في تصريح إعلامي إن «كل مخرجات أزمة نداء تونس ممكنة»، نافيًا «وجود جناح يساري بالمعنى الآيديولوجي للكلمة، شأنه شأن بقية الروافد الفكرية». وتابع موضحًا: «إن من يقفون مع حافظ قائد السبسي لا علاقة لهم بالدستوريين، كما أن الذين يصطفون بجانب محسن مرزوق من بينهم دستوريون».
واعتبر عبد الجواد أن «الصراع في نداء تونس هو في حقيقة الأمر صراع حول المستقبل. وهو يدور بين مشروع وطني عصري يعمل على بناء دولة المواطنة والحوكمة ويقاوم الفساد و(المافيا)، ويضمن دولة الكفاءة والجدارة، وتوجّه آخر يقوم على الانتهازية وحدود تماسّه مع مافيا الفساد غير واضحة وارتباطاته مع حركة الإخوان غير واضحة المعالم كذلك، وفيها كثير من اللبس» على حد تعبيره.

* بديل جاهز ينتظر
من ناحية ثانية، خسرت حركة «نداء تونس» كثيرا في معركتها السياسية الداخلية في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية وتراجع مؤشرات التنمية، وهو ما دفع بكثيرين من القيادات السياسية إلى البحث عن حزب سياسي بديل. واستفاد حزب «المبادرة الدستورية»، الذي يقوده كمال مرجان وزير الخارجية السابق في عهد بن علي من الأزمة، والتحقت عدة قيادات سياسية من الصفوف الأولى في «نداء تونس» بحزب المبادرة.
وفي هذا الشأن، قال عادل الشاوش، النائب البرلماني السابق في عهد بن علي والقيادي في حركة «نداء تونس»، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إنه بالفعل التقى أعضاء المكتب السياسي لحزب «المبادرة الدستورية» بزعامة كمال مرجان، وهو ينتظر «توضيح معالم المشروع السياسي الذي يمكن تبنّيه من قبل الوافدين السياسيين الجدد وعددهم نحو 28 قياديًا».
وعن قرار تخليه عن «نداء تونس» ومدى تأثير هذا الالتحاق على مستقبل الحزب الحاكم، قال الشاوش: «إن الحزب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية لم يقدر على التحول الفعلي إلى حزب سياسي قادر على تجاوز خلافاته الداخلية»، في إشارة إلى الخلاف الحاد الحالي. وتابع: «إن حركة نداء تونس عرفت تعاطفًا سياسيًا هامًا من قبل الفئات الاجتماعية والقاعدة الانتخابية لأنها نادت قبيل الانتخابات بضرورة إنقاذ تونس، ووحدت الصفوف ضد تحالف (الترويكا) بزعامة حركة (النهضة)، وتمكنت من الفوز في انتخابات 2014، غير أنها لم تقدر على تحمّل أعباء الحكم وحل الخلافات الداخلية في نفس الوقت».
وتابع الشاوش أنه كان قد دعا عقب الانتخابات إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تهيمن عليها حركة نداء تونس، وتبقى خارج دائرة الصراعات وأن تسعى إلى تشكيل هياكلها وتحديد ملامح مشروعها المدني التحديثي، لكن هذا المقترح لم يجد آذانا صاغية» على حد قوله. واستطرد قائلاً: «إن نظرة التونسيين تغيرت تجاه الحزب الحاكم، وطغت الخلافات بين قيادات حركة نداء تونس على المشهد العام، ما جعل الخلاف يأخذ شكل النزاع على المصالح. وحوّل بعض المجموعات إلى ما يشبه (المافيات) التي تسعى إلى السيطرة على كل شيء، وهذا لا يفيد في البناء الديمقراطي»، على حد تعبيره.
أما في ما يتعلق بانضمامه إلى حزب «المبادرة الدستورية»، فقال الشاوش: «إن الأفكار التي تجمع بين الحزبين لا تختلف كثيرًا، ولكن حزب المبادرة تمكن من صياغة فكر إصلاحي واضح المعالم، ولم يبقَ سجين الفكر البورقيبي في شكله التقليدي، بل بنى مشروعًا سياسيًا قابلا للتنفيذ بعيدًا عن الخلافات والجدل العقيم».
في مختلف الحالات يرى مراقبون أن الحسم سيكون حتميًا وضروريًا كي لا تُصاب دواليب الدولة بالخمول والتردد، وخصوصا بغياب الرؤية والبرنامج والأهداف الواضحة. فالحكومة التي يقودها رئيس الوزراء الحبيب الصيد، التي عيّنها «نداء تونس» لا تجد تجاوبا من أكثر قياداته السياسية، وهو ما أثر على ظروف عملها وأصاب كثيرا من برامجها بالشلل التام. وهنا، ترى المحللة السياسية التونسية جيهان لغماري أنه «مهما كانت النتيجة بين شقي الصراع في (النداء) فإن تبعاته ستكون كبيرة لتمسّ مكونات (النداء) نفسه، إما بالاستمرار السياسي وإما بالتشظي إلى أكثر من حزب. وهذا ما سيؤثر على التشكيل الحكومي. وقد يكون الحزب الفائز في انتخابات 2014 مطالبًا بإعادة صياغة تحالفات سياسية جديدة تمس كل الأحزاب، بكبيرها وصغيرها، بشكل غير متوقع ما دام المشهد السياسي الجديد قد عوّد التونسيين على المفاجآت التي تتجاوز الآليات التقليدية للتحليل السياسي».
ومع أن أي تهدئة لن تكون إلاّ مُسَكِّنًا وقتيًّا وهدنة لن تطول ما دام الاختلاف جوهريًّا يخصّ هوية الحزب وتصور شكل ومكونات الحكومة التي تستجيب لضرورة المرحلة المقبلة، دون إغفال طبيعة التحالفات السياسية المستوجب حصولها، فإن هذه المسائل الرئيسية هي المحددة لمستقبل «نداء تونس». ويبدو من الصعب في الظروف الحالية إيجاد نقاط التقاء بين شقّي الصراع، ما سيدفع - ولو بعد هدنة مؤقتة - إلى حل الأمور نحو الحسم لمصلحة أحد الطرفين.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».