الإصلاحية الدينية الحديثة والمسألة السياسية

شذرات من فكر العلامة محمد الحجوي

مسجد قرية كسرة عفنان بمدينة الرقة
مسجد قرية كسرة عفنان بمدينة الرقة
TT

الإصلاحية الدينية الحديثة والمسألة السياسية

مسجد قرية كسرة عفنان بمدينة الرقة
مسجد قرية كسرة عفنان بمدينة الرقة

تنطلق أطروحة العلامة المغربي الإصلاحي محمد بن الحسن الحجوي (1874 - 1956م) من رؤية سياسية بمرجعية إسلامية واضحة المعالم، مستندة إلى قوة طرحه الفقهي الاجتهادي الموسوعي، ومستفيدة من سفرياته للشرق العربي وأوروبا. وهكذا نراه يرجع إلى النظام السياسي المرجعي، ليتحدث بذهنية الفقيه المجدد عن الخلافة الإسلامية وعمرها الثلاثيني (دامت 30 سنة فقط)، ويعتبر أن «هذا زمن الخلافة التي هي أشبه بجمهورية مؤقتة بوفاة الرئيس».
أما طبيعة النظام السياسية فيعتبرها نظاما دستوريا شوريا، ذلك أن «الخلفاء كان أمرهم شورى بينهم كما أمر الله في القرآن، وكان نظامهم دستوريا ودستورهم الأساسي هو الفقه». ولعله من الإنصاف ونحن نستعرض الرؤية السياسية لمصلحنا المغربي أن نشير إلى كون المدركات الجماعية للأمة الإسلامية المشكّلة عبر التاريخ ساعدت الفقهاء على إحداث أثر عظيم في تكوين العقل الإسلامي، وهذا التأثير الممتد في الخبرة التاريخية إلى اليوم ربما دفع مصلحنا لتأكيد أن الفقه زمن الخلافة «أعظم مكانة مما هو عليه علم الحقوق عند الأمم المتمدنة الآن».
تتداخل الذهنية الفقهية مع الذهنية السياسية للعلامة الإصلاحي، وإذا كان هذا يعبر عن تداخل العقدي والسياسي عند الإصلاحيين المغاربة، فإنه ساهم في تعزيز المدركات السياسية الجماعية لمدرسة الغرب الإسلامي المقاصدية، وتطويرا لمقولاتها الإصلاحية الدينية والسياسية، كخبرة تاريخية دينية مارسها الفقهاء والأمة، فقد أفرز الحقل الديني والسياسي فئة الفقهاء، وهم تاريخيا «أصحاب الشورى وبيدهم التدبير وزمام كل أمر، ولا يصدر أمر قليل أو جليل إلا ويوافق الشريعة وعلى مقتضى الحق الذي لا مرية فيه». غير أن الفقيه والخليفة حسب أصل المدركات الجماعية، لا يملكان حق حجب أو إضعاف سمو إرادة الأمة، التي يرى العلامة المغربي أن لها «منتهى ما يتصور من السيطرة والرقابة على متابعة الخلفاء لنصوص الشريعة».
ثم إن الشورى ومركزيتها لا تعود إلى دورها الوظيفي في المجال السياسي، فغير خفي أن «الشورى أصل الشريعة المتين وحرزها المكين وهي كافلة النظام عند المسلمين». من هنا فشمولية الشورى واكتساحها للمجال العام جعلا الأصول الإسلامية السياسية تبنى «على الشورى وعدم الاستبداد»، وأن أي احتكار للسلطة بتهميش الشورى من طرف النظام السياسي يعرضه للعزل، كما يذهب لذلك الحجوي.
صحيح أن نظام الخلافة في «أصلها شورية في تولية الخليفة أو في إجراء الأحكام وسن النظام»، لكن بفعل عوامل تاريخية، وفقدان الأمة تدريجيا لملكة الاجتهاد عموما والسياسي خصوصا، تغيرت طبيعة النظام السياسي، لذلك يقرر مصلحنا أن الأمر السياسي تحول «إلى الملكية المقيدة في الجملة زمن معاوية». ومع ازدياد مدارك الأمة في النقصان، وتأخرها في تهذيب هذه المدارك، «صارت للملكية المطلقة».
لا يتورع العلامة المقاصدي، وهو يقدم رؤيته للنظام السياسي، عن التأكيد أن معاوية لم يصل إلى قيادة الأمة بالطرق الشورية الاختيارية المعروفة زمن الصحابة، وأن «استبداد معاوية معناه أنه ترك مجلس الشورى الذي كان يجمعه أبو بكر وعمر للمعضلات». وازداد الأمر استفحالا بتنصيب معاوية لابنه اليزيد خليفة، مما حرف المنظومة السياسية الإسلامية بشكل يكاد يكون كليا، وهذا التحريف المنقلب على سمو حق الأمة دفع الحجوي إلى رفض تنصيب ابن معاوية، «لأن ذلك يمس من حق الأمة في الشورى».
لاشك أن عالمنا الإصلاحي يعتبر مصدر شرعية النظام السياسي قائمة على الشورى، وأن تحقيق رضا الناس يمر بالتأكيد عبر تحقيق الشورى والالتزام بها في الشؤون السياسية بين الحاكم والمحكوم. إن هذه القاعدة الأصيلة لم تقدمها لنا التجربة السياسية الأوروبية الحديثة وحدها، «ولقد كان مجلس شورى الخلافة الذي نظمه عمر وهو محتضر أقنوما عجيبا اهتدى بهديه من خاض في نظام المجالس بعده». ولذلك فإن مأسسة مبدأ الشورى، واعتماده على نظام انتخابي، لم يكن غائبا في الاجتهاد السياسي الإسلامي، خصوصا في الفكر السياسي لعمر بن الخطاب.
بناء على هذه المسلمة المعرفية، أكد فقيهنا على امتلاك الخليفة الثاني لحس انتخابي شوري، ذلك أن إقامته لمجلس شورى الخلافة «دلني –يقول الحجوي - على تفكيره في نظام انتخابي لمجلسه الشوري ولو أوجده لكان أساسا عظيما للشورى في الإسلام لا ينهدم».
ونلاحظ هنا أن تبني رائد الإصلاحية المغربية لهذا الرأي يصاحبه دفاعه القوي عن النظام الشوري الإسلامي وخصوصيته الحضارية، وكفايته السياسية، بينما يرجع التطور الديمقراطي الغربي لما أنتجته أمم سابقة، أخذ عنها الغرب الحديث، ذلك أن «نظام المجالس الشورية الانتخابية الموجودة الآن في أوروبا وإن لم يكن بعينه عند الإسلام لكن كان لهم نظام واف كاف بحاجاتهم الوقتية مناسب لأفكار أمم ذلك العصر لكون هذا النظام العصري لم يتكون دفعيا، بل كان نتيجة قرائح أمم أوجدته تدريجيا في أجيال متطاولة من عهد الرومان وأصله كان عند عمر وأبي بكر، ومن بعدهما لم تكن الضرورة ولا الأفكار قابلة لهذه الأنظمة الجديدة».
إن العلامة الحجوي، وهو يتحدث عن الشورى، والمجالس الشورية الانتخابية، لا يخرج التراث الإسلامي والتجربة السياسية من دائرة المساهمة الفعلية في بناء النظام الانتخابي الشوري المعاصر، وهو بذلك يرفض انتسابه إلى أوروبا لاعتبارات نعتبرها وجيهة. أهمها حديثه عن عدم تكون هذا النظام إلا بقرائح أمم مختلفة، وفي أجيال متطاولة من عهد الرومان، وأصله كان عند عمر وأبي بكر.
كما أنه أشار إلى أن التاريخ السياسي الإسلامي ما بعد الخلفاء الراشدين لم يكن مستوعبا ولا منتجا لإضافات جديدة لهذا النظام المتبلور، والراعي لحقوق الأمة، بل إنه على العكس من ذلك اتجه الوضع العالم إلى السكون والتقليد الفقهي والسياسي، فأنتج أفكارا غير قابلة لمثل هذه الأنظمة التمثيلية النيابية الجديدة، فاضطرب الوضع السياسي للأمة الإسلامية، وانتهى إلى ضعف في كل جسدها المجتمعي، وسيطر الاستبداد على أمر الدين والدنيا.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».