خارطة تحرك «داعش» على الأرض السورية إتسعت منذ التدخل الروسي

التنظيم لا يزال يضم ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في سوريا

نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
TT

خارطة تحرك «داعش» على الأرض السورية إتسعت منذ التدخل الروسي

نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب

شكل التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية منعطفا مهما خلال الأسابيع الفائتة، وكان لا بد أن ينعكس هذا التدخل الذي يزعم أنه يستهدف «التنظيمات الإرهابية» - حسب زعم المصادر الرسمية في موسكو - على الأرض في معظم أنحاء سوريا. وفي ما يلي نعرض إلى ما يتعلق بمناطق سيطرة تنظيم داعش المتطرف، مع العلم بأن المعارضة السورية، ومعها معظم العواصم الغربية، أكدت أن العمليات العسكرية الروسية ركزت على مناطق لا وجود لـ«داعش» فيها، وأن غاية موسكو تعزيز قدرات نظام بشار الأسد في وجه قوى المعارضة.
في أعقاب التدخل الروسي في سوريا الذي وُضع في خانة «الحرب على الإرهاب»، وبالأخص، على تنظيم داعش.. ما هو وضع التنظيم الإرهابي في بلاد الشام؟.. وما هي التغييرات التي شهدها؟
لقد أظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي من قبل الباحث كريس كوزاك، من «معهد دراسة الحرب» في العاصمة الأميركية واشنطن، توسع سيطرة «داعش» في المناطق السورية منذ بدء الغارات الروسية في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ استطاع التنظيم المتطرف، وفقا لكوزاك، شن عدد من الهجمات المضادة ضد النظام السوري وحلفائه في محافظة حلب مهددا بذلك «خط الاتصال الرئيسي للنظام بمدينة حلب». وخلال هذه الهجمات تمكن مسلحو «داعش» من السيطرة على العديد من نقاط التفتيش على طول الطريق السريع بين بلدتي خناصر وإثريا يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأدت هذه المكاسب الميدانية إلى قطع الطرق التي يستخدمها النظام السوري لنشر تعزيزاته إلى حلب من محافظتي حماه وحمص.
وبعد ذلك، بدأ «داعش» هجوما كبيرا استهدف بلدة السفيرة، وهي البلدة الرئيسية التي يسيطر عليها النظام إلى جنوب شرق مدينة حلب، والتي تعتبر بمثابة الحلقة الأساسية للنشاط العسكري الإيراني في سوريا. وللعلم، فإن هذه البلدة تضم أيضا مصانع الدفاع الاستراتيجي الخاصة بإنتاج الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة التي يُتهم النظام السوري باستخدامها. وبحسب المعلومات التي جرى تناقلها، حقق مسلحو «داعش» تقدما في الضواحي الشمالية البعيدة من السفيرة رغم الانتشار الأولي لتعزيزات النظام في المنطقة.
على الرغم من ذلك اعتمدت الإدارة الأميركية موقفا أكثر إيجابية في ما يتعلق بمكافحة «داعش»، فأعلن وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، في خطابه الأخير بالعاصمة واشنطن في مركز كارنيغي للأبحاث، أن الائتلاف وشركاءه «نجحوا في شمال سوريا في دفع (داعش) خارج أكثر من 17 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، وفي تحصين الحدود التركية - السورية شرق نهر الفرات التي تخضع اليوم بصفة عامة تحت سيطرة ميليشيات الأكراد».
من ناحية ثانية، ووفقا لمصادر محلية، ما زال التنظيم يضم في سوريا ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل. وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، ذكر الباحث أيمن جواد التميمي، من «منتدى الشرق الأوسط»، أن نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب.
مع ذلك، وقبل أن يتمكن من التوسع في منطقة حلب في أعقاب الضربات الروسية، يواجه التنظيم ضغوطات كبيرة، لا سيما مقتل بعض القيادات المهمة فيه. فقد قتل في أوائل أكتوبر الماضي 8 من قياديه خلال غارة استهدفت مدينة كربلاء العراقية. غير أن التميمي يزعم أن هذه الضربات لم تكن قاضية للمنظمة، مضيفا أن: «المعلومات قليلة عن الشخصيات القيادية في (داعش)، وهي غير المعروفة علانية، وبالتالي يمكن استبدالها بكل سهولة. كذلك ترددت معلومات عن تغييرات حصلت أخيرا على مستوى القيادة في محافظة دير الزور (التي سماها التنظيم ولاية الخير)، وكان سببها أساسا الضربات الروسية».
أما الناشط السوري جلال الحمد، مدير «مرصد العدالة من أجل الحياة» في دير الزور، الذي قابلته «الشرق الأوسط» أخيرا، فقال: «إن تأثير الضربات على المدينة العراقية على قيادة (داعش) لم يكن كبيرا، نظرا لإمكانية استعاضة التنظيم عن العناصر الذين قتلوا بطريقة سريعة». واعتبر أن «ترشيح القادة الجدد يعتمد في المقام الأول على الولاء والفكر». كذلك أشار الحمد إلى أن افتقار دير الزور للكفاءات العسكرية المتخصصة على مستوى «داعش»، وأوضح: «كانت لهذا الأمر تداعيات كبيرة على الأرض بحيث اضطر التنظيم إلى استقدام قياديين من العراق للتخطيط للمعارك»، مضيفا أنه تم إرسال نحو 100 سيارة ومقاتلين من العراق أثناء المعارك التي وقعت في أكتوبر للسيطرة على مطار دير الزور.
وقد وضع «داعش» هيكلة خاصة به قوامها تأسيس «إمارة» في سوريا تضم ولايات عدة منها ولايات حمص وحماه وحلب ودمشق، بجانب «ولاية البركة» (منطقة الحسكة) و«ولاية الخير» (دير الزور) و«ولاية الفرات» (البوكمال)، وكذلك ولاية الرقة، كما شرح التميمي، الذي ذكر بعض القيادات التي تدير هذه «الولايات»، ومنهم «أبو أنس السامرائي» وهو أمير «ولاية الفرات» و«أبو صالح الجبلاوي» (السوري الجنسية) وهو أمير «ولاية الخير».
ومن ناحية أخرى، تتخذ «وزارات» التنظيم في سوريا «شكل منظمات الحكومة التقليدية، التي لا ينبغي أن تختلف بين العراق وسوريا»، وفق التميمي. وهكذا تتكون «الوزارات» من: ديوان التعليم، وديوان الركاز، وديوان الزكاة، وديوان العلم، وديوان العشائر، وديوان مكتب الخدمات، وديوان الدعوة والمساجد، وديوان الجنود، وديوان الحسبة، وديوان بيت المال، وديوان الصحة، وديوان العلاقات العامة، وديوان الأمن، وديوان الإفتاء، وديوان البحوث، وديوان الزراعة.
وبالعودة إلى الضربات الروسية، فإنها أنتجت حتى الآن تطورات عدة. وهنا يشرح الباحث كولن كلارك، من مؤسسة «راند»، وهي مركز أبحاث مقره في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط» مفصّلا «كيف أنه، منذ بداية التدخل الروسي وتكثيف الغارات الجوية، اضطر (داعش) إلى التحرّك بحذر أكبر عند تنفيذ عمليات في العراء، واضطر مقاتلوه إلى زيادة مستوى الأمن، وهذا ما يعني أنهم بات لديهم وقت أقل للتدريب والتخطيط والهجوم. كما أنه وفي بعض من أجزاء البلاد، دفعت الضربات الروسية مقاتلي (داعش) إلى الدخول في مواجهات في الأحياء الضيقة مع مجموعات المتمردين. وهذا الأمر أبعد التنظيم عن هدفه الأساسي وهو الحكم وجمع المال وتجنيد الشباب وغيرها من المهام اللوجيستية الأخرى الأساسية لبقاء المجموعة على قيد الحياة».
ويعتقد التميمي أن الضربة الروسية «أسفرت عن دعوة تعبئة في ريف محافظة حلب الشرقي ردا على الهجوم على مناطق جنوب مدينة حلب بقيادة قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، بدعم جوي روسي. ويبدو أن الهدف من دعوة التعبئة هذه هو منع قوات النظام وحلفائه من فك الحصار المفروض قاعدة كويرس الجوية». لكن على الرغم من استفادة «داعش» من التدخل الروسي، فإن التنظيم المتطرف لا يزال يتخبط في مشاكل هيكلية نتيجة الخسائر المتتالية التي تكبدها بعد معارك عين العرب (كوباني) وتل أبيض، إذ يقول الحمد: «لوحظ أن التنظيم عمد إلى نقل بعض من المدنيين في صفوفه من إدارة المنظمة إلى خط المواجهة بعد فترة قصيرة فقط من التدريب العسكري بسبب الحاجة إلى مزيد من المقاتلين».
ويوافق كلارك الحمد رأيه فيقول شارحا: «إن (داعش) يتكبد خسائر كبيرة في صفوفه، مما يؤثر بشكل مدمر على معنويات التنظيم، الذي تكافح من أجل استقطاب المهارات المؤهلة لنصب الكمائن وشن الغارات والهجمات للتعويض عن قادة العمليات التكتيكية والعناصر الأساسية التي خسرها». ويضيف الحمد أن «التنظيم يشهد مزيدا من الانشقاقات، وبعض الأجانب يستخدمون هويات السوريين للمغادرة». أضف إلى ذلك الإجراءات المتشددة التي اتخذتها تركيا على الحدود، التي أدت إلى خفض عدد المقاتلين الأجانب في سوريا.
بناءً عليه، تتجه الأمور إلى مزيد من التعقيد بالنسبة إلى التنظيم الإرهابي المتطرف مع انخراط مزيد من اللاعبين الإقليميين في اللعبة السورية الذين يحمل كل منهم أجندته الخاصة، مما يؤثر بالإجمال على المشهد العسكري السوري الذي لا تزال معالمه غامضة ومبهمة حتى الآن.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟