جوسي فيرساتشي: الرياضية المعاقة التي قهرت المستحيل

خطفت بـ«حضورها» و«أناقتها» أنظار المتابعين لهذه الرياضة

جوسي فيرساتشي: الرياضية المعاقة التي قهرت المستحيل
TT

جوسي فيرساتشي: الرياضية المعاقة التي قهرت المستحيل

جوسي فيرساتشي: الرياضية المعاقة التي قهرت المستحيل

لا تُدين عائلة فيرساتشي الإيطالية بـ«الجميل» و«المعروف» في شهرتها العالمية إلى المصمم العالمي جياني فيرساتشي فقط، إذ إن الوجه الأنيق لإيطاليا أنجب أيضا بطلة قهرت المستحيل وابتسمت للحياة.. وصالت وجالت حتى فرضت نفسها واحدة من أبرز العداءات في مسابقات ألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة.
جوسيبانا فيرساتشي (جوسي) لم تكن بحاجة إلى اسم العائلة لتعبّر عن نفسها، إذ رغم صلة القرابة مع المصمم العالمي جياني فيرساتشي (ابن عم والدها ألفريدو)، لكن إنجازاتها الرياضية كانت كفيلة بوضعها في المقدمة دائما، بعدما خطفت الأنظار في سباقي 100 و200 متر في فئة (T44) حين حصدت عام 2012 اللقب الأوروبي.
لم يكن حضور جوسي لبطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة التي أقيمت في الدوحة الشهر الماضي، يقتصر على سعيها للصعود على منصة التتويج، خصوصا أنها نالت من الألقاب والميداليات الكثير في السابق، لكنها حرصت على المشاركة والتفاعل مع هذه البطولة التي لاقت نجاحا ملحوظا بسبب المشاركة القياسية التي حظيت بها.
صحيح أن جوسي أنهت مشاركتها في «الدوحة 2015» باحتلال المركز الثامن في نهائي 200 متر، والمركز السادس في تصفيات 100 متر، لكنها خطفت بـ«حضورها» و«أناقتها» أنظار المتابعين لهذه الرياضة، إذ استحوذت على عدسات معظم كاميرات المصورين خلال خوضها للمنافسات.
وتقول جوسي (38 عاما) إنها لا يمكن أن تنسى يوم 22 أغسطس (آب) 2005 (كان عمرها 28 عاما)، فهو التاريخ الذي قسَّم حياتها إلى جزأين: «ما قبل الحادث»، و«ما بعده».
وتضيف جوسي التي تعرضت لحادث سير مروع في الطريق ما بين ساليرمو وريجيو كالابريا: «على الرغم من أنه لا يمكننا تقرير كيفية التعامل مع الأحداث التي نواجهها، فإنه يمكننا أن نقرر ونختار بين الضحك و البكاء».
وتعتبر جوسي، صاحبة الوجه الرياضي المشرق في إيطاليا، أن أهم ميدالية فازت بها في حياتها كانت في اليوم الذي نظرت فيه إلى المرآة، ورأت أنها ما زالت قادرة على الابتسام والإقبال على الحياة حتى بعد أن أصبحت ضمن فئة ذوي الإعاقة من مبتوري الساقين».
وتقول فيرساتشي لوكالة الصحافة الفرنسية: «أنا سعيدة بالوجود في الدوحة؛ حيث يجب دائما أن أكون في المناسبات الرياضية، وأنا أعمل جاهدة حتى أكون مصدر فخر لعائلتي».
وأضافت: «عندما بُترت ساقي لم أكن أتصور أن بإمكاني الجري، لكن بالإرادة والتصميم يمكنك تحقيق كل شي. ولا أخُف سرا إذا قلت إنني أكون سعيدة جدا خلال الركض على مضمار السباقات، وأنسى في تلك اللحظات أنني مبتورة الساقين».
وتتابع، وقد اغرورقت عيناها بالدموع: «وأنا أركض أشعر أيضا كم الحياة جميلة. أنا أحقق الانتصار يوميا وأدعو الجميع لكي يستمتعوا بحياتهم بصرف النظر عن الصعوبات التي قد تواجههم».
وكانت فيرساتشي قد انضمت إلى ألعاب القوى عام 2010 عن طريق الصدفة بعد اجتماع لها مع صديقها الحالي الذي كان وقتها عداء في ألعاب القوى. وأكملت فيرساتشي مسيرتها بنجاح وتمكنت من تحقيق الفوز في 11 بطولة وطنية على مستوى إيطاليا في سباق المسافات القصيرة 100 متر T43 وسباق 200 متر T43 كما حطمت الرقم القياسي الأوروبي في سباق 100 متر T43 في عام 2012.
وقالت فيرساتشي إن بطولة العالم مثلت نقطة تحول كبيرة، وقد زرت الدوحة العام الماضي ورأيت الرغبة الكبيرة في العمل الجاد والسعي الحثيث للتطور، وقد تكون هذه البطولة فرصة بالنسبة للكثيرين للتعلم والنظر إلى العالم من حولهم بعيون مختلفة وتصورات جديدة.
وقالت جوسي: «آمل أن تكون بطولة الدوحة 2015 قد أسهمت أيضا في اكتشاف القصص الشخصية للرياضيين ورحلات كفاحهم التي تتحدى المستحيل».
وقامت فيرساتشي بتأسيس جمعية خاصة بها لا تهدف للربح تحت اسم «الإعاقة ليست قيدا»، كما تعمل حاليا سفيرة للجمعية القطرية الخيرية «أنقذ الحلم» التي تهدف إلى تعزيز الرياضة بين الشباب وحثهم على تحقيق أحلامهم وإمكاناتهم كاملة.
وعن هذه المبادرة تقول فيرساتشي: «أنا حقًا ممتنة للدروس التي علمتني إياها الرياضة، وآمل أن أتمكن خلال الأيام القليلة القادمة من نقل بعض خبراتي إلى الشباب في قطر. فعلى مدى السنوات الماضية، قامت قطر بالكثير من أجل تعزيز رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، وأتمنى أن أساهم خلال زيارتي في رفع درجة الوعي حول الكثير من التحديّات التي يواجهها الشباب ذوو الاحتياجات الخاصة في المجال الرياضي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».