موسكو تؤكد: لا خطة لإجلاء فوري للسائحين الروس.. والقرار لا يعني ترجيح «فرضية العمل الإرهابي»

محاولات لفرض المنتجعات التركية بديلا للمصرية مع رفع الأسعار

موسكو تؤكد: لا خطة لإجلاء فوري للسائحين الروس.. والقرار لا يعني ترجيح «فرضية العمل الإرهابي»
TT

موسكو تؤكد: لا خطة لإجلاء فوري للسائحين الروس.. والقرار لا يعني ترجيح «فرضية العمل الإرهابي»

موسكو تؤكد: لا خطة لإجلاء فوري للسائحين الروس.. والقرار لا يعني ترجيح «فرضية العمل الإرهابي»

أكدت مصادر الوكالة الفيدرالية للسياحة «روس توريزم» أن عدد السائحين الروس الموجودين في مصر الآن وحسب الإحصائيات الأخيرة يبلغ قرابة 79 ألفا، وأن معظمهم يقضون إجازاتهم في شرم الشيخ والغردقة. وقالت إن السلطات الرسمية لم تفرض خطة عاجلة لإجلائهم حسبما تردد في بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية، فيما أوفدت ثلاثة من ممثليها إلى القاهرة للاطلاع على آخر مجريات الموقف واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وكانت الأوساط السياحية في روسيا انخرطت في جدل احتدم طويلا حول عقلانية إجلاء السائحين الروس من مصر على غرار ما فعلته بريطانيا، لتخلص في نهاية الأمر إلى عدم الحاجة إلى ذلك، في نفس الوقت الذي حرصت فيه السلطات الروسية على تأكيد أن قرار حظر الطيران إلى مصر لا يعني بأي حال من الأحوال تغليب السلطات الروسية لفرضية العمل الإرهابي سببا لوقوع كارثة سقوط الطائرة الروسية، وأنه يتوجب الانتظار حتى صدور النتائج النهائية للتحقيقات التي لم تنته بعد.
وأشار أوليج سافونوف رئيس الوكالة الفيدرالية إلى أن ممثلي الوكالة، سيزورون كلا من القاهرة والغردقة وشرم الشيخ للتنسيق مع السلطات المصرية، وتدبير المسائل المتعلقة بعودة السائحين الموجودين في المنتجعات السياحية المصرية، وإن صار مقررا أن يُترك الخيار لهم بما في ذلك استكمال فترة إجازاتهم، أو الاستجابة لرغبات أي منهم في العودة إلى الوطن قبل الموعد المحدد في بطاقات رحلاتهم. وكشفت المصادر الروسية عن الالتزام بالقرار الذي أصدره الرئيس فلاديمير بوتين استجابة لتوصية اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب حول وقف السياحة إلى مصر وإعادة السائحين الروس إلى الوطن.
وقالت إنه حرصا على سلامة السائحين وتداركا لأية أخطاء أو هفوات محتملة فقد جرى الاتفاق على عودة السائحين دون أمتعتهم عدا الشخصية والخفيفة منها، على أن يجرى تسليم بقية الأمتعة لإرسالها على متن طائرات خاصة إلى كل من موسكو وسان بطرسبرغ فيما سيتم توزيعها لاحقا على بقية المدن الروسية على العناوين المرفقة.
وقال المسؤول السياحي الروسي إن ما يقرب 1200 من السائحين الروس عادوا إلى بلادهم، فيما أضاف أن الركاب سيعودون دون حقائبهم على غرار ما فعلته بريطانيا في نطاق إجراءات تأمين إضافية للرحلات. وأضاف سافونوف أنه من المرجح أن تتولى شركات شحن جوي روسية خاصة الاضطلاع بهذه المهمة بموجب ما جرى الاتفاق حوله في الاجتماع الذي عقدته الحكومة الروسية لمناقشة هذه القضايا.
على أن الجدل لم يتوقف عند هذا الحد فقد احتدم على نحو أكثر حدة ولا يزال، حول عملية تعويض السائحين والاستجابة لرغباتهم. وكان عدد من شركات السياحة الصغيرة رفض رد قيمة بطاقات الرحلات السياحية، وعرض تركيا أو قبرص بديلا للمنتجعات المصرية، بينما اتخذ وكلاء الشركات السياحية الكبرى قرار إتاحة فرصة الخيار أمام السائحين الروس في الوقت الذي يقولون فيه إن تركيا تبدو اليوم المقصد السياحي الأول لأغلبية السائحين الروس الذين تضرروا من قرار تعليق الرحلات السياحية إلى مصر.
وكشف اتحاد الوكلاء السياحيين على موقعه الإلكتروني في «الشبكة الدولية» (الإنترنت) عن البدائل التي يقترحها على السائحين الروس ممن كانوا يريدون السفر إلى مصر ولا يزالون على استعداد لقضاء إجازاتهم في مواقع أخرى. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» ما عرضته كل من شركة «بيغاس توريستيك» و«كورال» للسياحة والسفر، و«نورد ويند»، و«بريسكو» من مقاصد سياحية في تركيا بديلا للمنتجعات المصرية، بينما أعلنت شركة «بيبليو غلوبوس» عن استعدادها لتوفير مثل هذه الفرصة في قبرص بديلا للمنتجعات المصرية، في الوقت الذي اقترحت فيه شركة «TUI» السياحية - فرع روسيا، عدا الخيارات البديلة للمقاصد السياحية المصرية، إلغاء رحلاتهم من دون أي خصم وإعادة أموالهم التي دفعوها ثمنا للرحلة بالكامل.
وفيما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر اتحاد الوكلاء السياحيين الروسي تصريحاتها حول «أن جميع السائحين الذين كان مقررا أن يزوروا مصر في الأيام القادمة وافقوا على السفر إلى تركيا عوضا عنها، إلى جانب تصريحات إيرينا تورينا الناطقة باسم الاتحاد التي نقلتها وكالة «إنترفاكس» حول أنه «سوف يتم في المستقبل القريب تغيير اتجاه الرحلات التي كان من المقرر أن تذهب إلى مصر، صوب إنطاليا، وأن جميع السائحين تقريبا وافقوا على ذلك»، وهو ما رفضه سائحون كثيرون.
وكانت القنوات التلفزيونية الروسية ومنها الرسمية نقلت تصريحات لكثير من السائحين الروس أعربوا فيها عن سخطهم وتذمرهم بسبب محاولة بعض الشركات السياحية استغلال الفرصة والاتجار بآلام وكوارث الآخرين. وأشار هؤلاء إلى تعمد البعض فرض المقاصد السياحية التركية وهو ما لا يتناسب مع المناخ الذي كان ينشده رواد المقاصد السياحية المصرية، فضلا عن طلب دفع فروق أسعار تبلغ قرابة العشرين في المائة من أسعار الرحلات إلى مصر، وهو ما يصدق معه القول المأثور «مصائب قوم عند قوم فوائد».
وضمانا لتنفيذ خطة الحكومة الروسية التي وضعتها لمواجهة الأزمة الراهنة وإعادة السياح الروس والحفاظ على سلامتهم، أعلنت وزارة الطوارئ الروسية عن فتح خط تليفوني ساخن يتيح للسائحين الروس في مصر للاستعلام عن آخر الإجراءات والخطوات اللازمة لتنظيم عودتهم إلى روسيا.
وكشفت مايا لوميدزه رئيسة اتحاد الوكلاء السياحيين الروس في تصريحاتها إلى وكالة «سبوتنيك» الروسية عن أن السلطات الروسية قررت إرسال 93 طائرة إلى مصر خلال اليومين القادمين لنقل السائحين الروس الذين ينتظرون العودة إلى الوطن. وأشارت إلى أن 46 طائرة انطلقت بالأمس قاصدة شرم الشيخ والغردقة لنقل السائحين الروس إلى الوطن، بينما من المنتظر أن تنطلق 47 طائرة أخرى إلى مصر اليوم (الأحد). وعادت لوميدزه لتؤكد «أن روسيا لا تقوم بإجلاء السائحين وإنما توفر الطائرات لنقل من أكملوا الرحلات السياحية إلى الوطن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.