هل يوجد أدب إنترنت عربي؟

هل يوجد أدب إنترنت عربي؟
TT

هل يوجد أدب إنترنت عربي؟

هل يوجد أدب إنترنت عربي؟

ميزة الإنترنت الكبرى أنه تجاوز للسلطة، سياسيًا وثقافيًا. لم يعد العالم، وخصوصا عالمنا العربي، كما كان قبل الإنترنت. لم يعد العالم ملك السلطات، تظهر منه ما تشاء، وتحجب منه ما تشاء. لقد أصبح ملك الجميع، وخصوصا المهمشين، والمغضوب عليهم، والملعونين، والمطرودين من حظائر السلطة السياسية والثقافية والاجتماعية، كما حضر عبر الإنترنت النص الذي طالما طرده الرقيب. وبالطبع، لا بد أن «يقتحمه» البعض، ويستغلوه، ولا يستطيع كائن من كان أن يفعل شيئًا إزاء ذلك. إنه وسيلة تعبير متاحة للجميع، وستبقى كذلك. ولا أجد حاجة للتوجس، أو التخوف على الساحة الشعرية أو غير الشعرية منها، إذا كانت هذه الساحة متماسكة، بمعنى أن هناك مرجعية ثقافية ونقدية. ولكن مشكلتنا الأساسية تكمن في غياب هذه المرجعية، سواء تعلق الأمر بما تنشره المطابع من غث كثير، يطرد غالبًا النص الحقيقي، أو ما ينشر في الصحف والمجلات والإنترنت.
في كل زمان ومكان، منذ فجر البشرية وحتى الآن، هناك دائما «كم هائل من النصوص». لكن مع الزمن لن يبقى سوى الأصيل، غير أن هذا الكلام المطلق لا يعني، بأي حال من الأحوال، الاستسلام والركون إلى غربلة الزمن، وإعفاءنا من الغربلة النقدية. ولا شك أن نقادنا العرب مقصرون كثيرًا في ذلك، وربما كان بعضهم متواطئًا بصمته، غير مدرك للضرر البالغ الذي يتركه هذا الكم الهائل من النصوص على الشعر نفسه، والذوق الشعري العام، والقراء، وبالتالي على الأجيال اللاحقة. إننا لا نكاد نجد كل هذه الفوضى الشعرية العارمة في أي بلد غربي لوجود مرجعية شعرية وثقافية ونقدية، وتقاليد نشر راسخة لا تحتكم سوى للمعايير الأدبية، وليس كما هو سائد عندنا للأسف. هذه الفوضى الشعرية هي ظاهرة عربية بامتياز! وخصوصا في مواقعنا الثقافية الإلكترونية التي يجتاحها بشكل خاص زلزال شعري.
المواقع الثقافية في الغرب تخضع لمعايير فنية لا تقل صرامة عن معايير النشر الورقي. وبعض هذه المواقع الرصينة تصدر مختارات سنوية شهرية وقصصية لما تنشره إلكترونيا، متحملة مسؤولية فنية وجمالية وأخلاقية أمام القراء والنقاد وسمعتها أيضا. ولا ندري كم موقعا ثقافيا عربيا يستطيع أن يدافع عما ينشره من نصوص قصصية وشعرية يملأ بها الفراغ الإلكتروني الذي لا يمكن أن يمتلئ، نصوص تفتقر إلى الحد الأدنى من السوية الفنية والأدبية وحتى اللغوية، مسيئا بذلك لسمعته، وأسماء القائمين عليه، وبعض منهم أسماء معروفة محترمة لا يمكن أن تنشر ما تنشره في المواقع الثقافية الإلكترونية في مطبوعة أدبية ورقية. وكأن مثل هذا المواقع أصبحت مجرد وعاء يستوعب كل ما يستحق أن يرمى في سلة المهملات، التي بتنا نفتقدها حقا. الضرر الأكبر يقع هنا على القارئ والكاتب المبتدئ نفسه.
على القارئ؛ لأننا نضلله فنقدم له الغث من الكتابة على أنها أدب، والخواطر البسيطة التي يجب أن تبقى في الأدراج، إن لم نقل سلة المهملات، على أنها زاد ثقافي هو بأمس الحاجة إليه، ومسؤوليتنا الأولى أن نوفره له، وعلى «الكاتب» نفسه؛ لأننا نخدعه، وهو في بداية مسيرته الأدبية، بنشر نصه غير الصالح، خالقين فيه الوهم بالتحقق الأدبي الذي دونه تعب ومشاق وسهر ليال ونضال مستمر حتى إلى مشارفه. للنشر سطوته المعنوية الكبيرة، وفي البلدان المتطورة التي لا تعرف المحاباة مثلنا أو الشلل الثقافية، يشكل النشر، سواء أكان ورقيا أو إلكترونيا، اعترافا يتمناه كثير من الكتاب الشباب، لأن النص المنشور لا بد أن يكون فعلا مستوفيا لشروطه الفنية، ولا تحكمه عوامل أخرى، وأخطرها الاستسهال.



الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»
TT

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

الطفولة المهدرة والشباب الضائع في «ليالي الرقّة الحمراء»

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية «ليالي الرقّة الحمراء» للروائيّ الكرديّ السوريّ آلان كيكاني. وحسب الناشر، تتغلغل «ليالي الرقة الحمراء» في أعماق مجتمع يضجّ بكثير من التناقضات، يروي لنا كاتبها سيرة الطفل نايف الذي وُلد في مدينة الرقّة السوريّة وأمضى فيها عمره، وحلم أن يصبح رائد فضاء مثل يوري غاغارين، لكنّه وجد نفسه في واقع مرير حين فقد ربيعه وانتقل بشكل صادم ليعيش في خريف موحش قاتل.

بالنسبة للطفل الذي تهدر طفولته، يختبئ الشقاء في كلّ زاوية ويتجلّى الظلم في كل لحظة. تسرد الصفحات قصّة هذا الطفل الذي يعاني من تجاوزات كثيرة بحقّه، حيث يُستغلّ من دون أيّ رأفة أو رحمة.

تشدّ الرواية القارئ إلى عالم مظلم يعتريه الشرّ، وترتحل إلى أعماق الظلم والاستغلال بحثاً عن النور، وتكشف النقاب عن ألم الأطفال الذين يكبرون في ظلّ مجتمع لا يراعي براءتهم وطفولتهم.

تعكس الرواية صوراً حية للمدينة وريفها خلال فترات زمنية مختلفة، حيث تتقاطع ذكريات الطفولة مع الأحداث المروعة التي شهدتها المدينة، مما يخلق نسيجاً درامياً غنياً يعكس واقع الحياة اليومية بكل تفاصيلها الدقيقة.

«ليالي الرقّة الحمراء» رواية عن الطفولة المهدرة والشباب الضائع والمآسي المتناسلة بعضها من بعض في مجتمع لا يرحم، يصوغها آلان كيكاني بطريقته المدهشة في تقديم الحكاية المأساوية بفنّية عالية وبراعة لافتة.

جاءت الرواية في 244 صفحة من القطع الوسط. وكانت لوحة الغلاف للفنان التشكيليّ الكرديّ السوريّ رشيد حسو، وتصميمه للفنان ياسين أحمدي.

مقاطع من الرواية:

الطفل العاشق

«كان ذلك الطفل، نايف عوّاد المصلح، عاشقاً إذن، على الرغم من أنّه لم يتمّ الحادية عشرة، ومطلوباً منه أن يخوض التجربة من دون أن تكون لديه أدنى فكرةٍ عنها. ليس لديه سوى البراءة، والبراءة هي أسوأ وسيلةٍ يمكن أن يتسلّح بها المرء وهو قادمٌ على خوض التجارب. وهنا يأتي دور القدر، فهو قد ييسّر الأمور فيجتاز البريء التجربة بنجاحٍ، وقد يعسّرها فتودي به إلى الهاوية. وهكذا لعب القدر بي، أيّما لعب، أعلاني مرّةً ووهبني قدراً من السعادة التي لا زلت أتذكّرها الآن بعيونٍ دامعةٍ بدموع الشوق، ثمّ هوى بي مرّاتٍ إلى الدرك الأسفل من التعاسة التي لا زلت أتذكّرها الآن هي الأخرى، بعيونٍ دامعةٍ بدموع القهر والمرارة».