الملك محمد السادس: لا تنتظروا أي تنازل آخر بشأن الصحراء

أعلن من العيون عن القطيعة مع اقتصاد الريع والامتيازات

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته إلى العيون الليلة قبل الماضية (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته إلى العيون الليلة قبل الماضية (ماب)
TT

الملك محمد السادس: لا تنتظروا أي تنازل آخر بشأن الصحراء

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته إلى العيون الليلة قبل الماضية (ماب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال زيارته إلى العيون الليلة قبل الماضية (ماب)

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إنه «مخطئ من ينتظر من المغرب أن يقدم أي تنازل آخر، لأنه أعطى كل شيء. أعطى من أرواح أبنائه دفاعا عن الصحراء»، وتساءل: «هل يجب علينا أن نقدم المزيد، كما تريد بعض المنظمات الدولية وغير الحكومية؟».
وذكر الملك محمد السادس، في خطاب وجهه الليلة قبل الماضية من العيون، كبرى مدن الصحراء، إلى الأمة المغربية بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء: «إننا نعرف خلفيات هذه المواقف المعادية التي تريد تقسيم البلاد، ونعرف أنه ليس من حقها التدخل في شؤون المغرب»، مؤكدا أنه «هو نفس المبدأ الذي نتعامل به، مع بعض الدوائر في منظمات دولية، التي تجهل تاريخ المغرب وتحاول تقديم تصورات بعيدة عن الواقع، تم طبخها داخل مكاتب مكيفة، كاقتراحات لحل الخلاف الإقليمي حول مغربية الصحراء»، مشددا على أن «المغرب يرفض أي مغامرة غير محسوبة».
وأشار الملك محمد السادس إلى أنه بإقدامه على تطبيق الجهوية، والنموذج التنموي «فإن المغرب يريد أن يعطي حظوظا أوفر لإيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية». وقال إنه إيمانا بعدالة قضيته، استجاب المغرب سنة 2007 لنداء المجموعة الدولية بتقديم مقترحات للخروج من النفق المسدود، الذي وصلت إليه قضية الصحراء، تمثلت في «مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، التي شهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها».
وتحدث العاهل المغربي عن وضعية سكان مخيمات تندوف (مخيمات جبهة البوليساريو) بالجزائر، وقال إنهم «ما زالوا يقاسون من الفقر واليأس والحرمان، ويعانون من الخرق المنهجي لحقوقهم الأساسية»، مشيرا إلى أن هذا الوضع يجعل التساؤل مشروعا حول مآل مئات الملايين من اليورو التي تقدم كمساعدات إنسانية، والتي تتجاوز 60 مليون يورو سنويا، دون احتساب المليارات المخصصة للتسلح ولدعم الآلة الدعائية والقمعية للانفصاليين. وتساءل العاهل المغربي: «لماذا تقبل الجزائر التي صرفت المليارات في حربها العسكرية والدبلوماسية ضد المغرب بترك سكان تندوف في هذه الوضعية المأساوية واللاإنسانية؟».
وقال الملك محمد السادس إن المغرب يرفض أي مغامرة غير محسوبة العواقب، ستكون لها تداعيات خطيرة، أو أي اقتراح فارغ ومن دون جدوى، سوى محاولة نسف الدينامية الإيجابية، التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي، وذلك في رد ضمني على ما دعا إليه بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، أخيرا بشأن إجراء مفاوضات «خلال الأشهر المقبلة» بين أطراف نزاع الصحراء، وإشارته إلى أن الوسيط الدولي في النزاع كريستوفر روس يكثف جهوده في هذا الاتجاه.
وأوضح الملك محمد السادس أن المغرب سيتصدى للحملات العدائية، التي تستهدف المنتوجات الاقتصادية المغربية، في إشارة إلى الأزمة الأخيرة مع السويد، بنفس روح التضحية والالتزام، التي يقدمها في المجالين السياسي والأمني، دفاعا عن وحدته ومقدساته.
وقال إن بلده «سيواجه بنفس الصرامة والحزم كل المحاولات، التي تستهدف التشكيك في الوضع القانوني للصحراء المغربية، أو في ممارسة سلطاته كاملة على أرضه في أقاليمه الجنوبية، كما في الشمال»، موضحا أن ذلك «يقتضي من الجميع مضاعفة الجهود، ومواصلة اليقظة والتعبئة للتعريف بعدالة قضيتنا، وبالتقدم الذي تعرفه بلادنا، والتصدي لمناورات الخصوم».
من جهة أخرى، أعلن الملك محمد السادس عن إجراء قطيعة حقيقية مع الأساليب المعتمدة في التعامل مع شؤون الصحراء بقوله: «اليوم وبعد أربعين سنة، بإيجابياتها وسلبياتها، نريد إجراء قطيعة حقيقية مع الأساليب المعتمدة في التعامل مع شؤون الصحراء.. قطيعة مع اقتصاد الريع والامتيازات، وضعف المبادرة الخاصة، وقطيعة مع عقلية التمركز الإداري». كما أكد ملك المغرب حرصه على تمكين أبناء الأقاليم الجنوبية من الوسائل اللازمة لتدبير شؤونهم، وإبراز قدراتهم في النهوض بتنمية المنطقة.
وأشار العاهل المغربي إلى أن تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ليس حدثا عاديا، أو احتفالا عابرا «بل نريده مرحلة فاصلة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية للمملكة»، مضيفا أنه «بعد ملحمة تحرير الأرض، وتوطيد الأمن والاستقرار، عملت بلادنا على تمكين أبناء الصحراء من مقومات المواطنة الكاملة، وظروف العيش الحر الكريم».
في السياق نفسه، أعلن الملك محمد السادس عن تعبئة كل الوسائل المتاحة لإنجاز عدد من الأوراش الكبرى، والمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية بجهات العيون - الساقية الحمراء، والداخلة - وادي الذهب، وكلميم - وادنون. وأوضح العاهل المغربي أنه ستتم في مجال البنيات التحتية تقوية الشبكة الطرقية بالمنطقة، وإنجاز طريق مزدوج بالمواصفات الدولية بين تيزنيت - العيون والداخلة، موازاة مع دعوة الحكومة للتفكير في إقامة محور للنقل الجوي بالأقاليم الجنوبية نحو أفريقيا. وأضاف أن «لدينا حلما ببناء خط للسكة الحديدية من طنجة إلى الكويرة لربط المغرب بأفريقيا».
كما أعلن العاهل المغربي عن مشاريع كبرى ستعرفها المنطقة، مثل بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب، وربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية، فضلا عن ربط هذه الشبكات، والبنيات التحتية بالدول الأفريقية، بما يسهم في النهوض بتنميتها.
ودعا الملك محمد السادس الحكومة للإسراع بتفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بنقل الاختصاصات من المركز للجهات، ودعمها بتحويل الكفاءات البشرية، والموارد المادية اللازمة، في أفق تعميم هذه التجربة، على باقي جهات المملكة. وقال إن المغرب بتطبيق الجهوية المتقدمة إنما يعزز مصداقيته ويؤكد وفاءه بالتزاماته.
وركز العاهل المغربي أيضا على ضرورة إشراك السكان من خلال توفير فضاءات وآليات دائمة للحوار والتشاور، بما يتيح تملكهم للبرامج، والانخراط في تنفيذها. وذكر بأن المغرب «وعد بتطبيق الجهوية المتقدمة، وهي اليوم حقيقة على أرض الواقع، بمؤسساتها واختصاصاتها، كما وعد بالديمقراطية، وبتمكين سكان أقاليمه الجنوبية من تدبير شؤونهم المحلية، وها هم اليوم يختارون ممثليهم ويشاركون في المؤسسات المحلية بكل حرية ومسؤولية».
وقال الملك محمد السادس إن المغرب «التزم بنموذج تنموي خاص بأقاليمه الجنوبية، واليوم أطلقنا الأوراش المهيكلة والمشاريع المدرة للثروة ولفرص الشغل. والمغرب التزم بضمان الأمن والاستقرار، والصحراء المغربية اليوم أكثر المناطق أمانا، في جهة الساحل والصحراء»، مؤكدا أن «المغرب إذ يلتزم اليوم بجعل الصحراء المغربية مركزا للتبادل ومحورا للتواصل مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وبوضع البنيات التحتية اللازمة لذلك، فإنه سيقوم مرة أخرى بالوفاء بوعوده أمام خيبة أمل الأعداء وحسرتهم».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.