العواصف المطرية في شرق المتوسط ليست ناجمة عن تغيرات مناخية

تقديرات الأرصاد الجوية: أمطار لبنان متأخرة.. وحصول عواصف ثلجية أمر شبه مؤكد

اجتاحت السيول شوارع العاصمة الأردنية عمان يوم الخميس، و تعرضت الإسكندرية للمرة الثانية خلال أسبوعين لأمطار غزيرة  لم تشهدها من قبل (أ.ب)
اجتاحت السيول شوارع العاصمة الأردنية عمان يوم الخميس، و تعرضت الإسكندرية للمرة الثانية خلال أسبوعين لأمطار غزيرة لم تشهدها من قبل (أ.ب)
TT

العواصف المطرية في شرق المتوسط ليست ناجمة عن تغيرات مناخية

اجتاحت السيول شوارع العاصمة الأردنية عمان يوم الخميس، و تعرضت الإسكندرية للمرة الثانية خلال أسبوعين لأمطار غزيرة  لم تشهدها من قبل (أ.ب)
اجتاحت السيول شوارع العاصمة الأردنية عمان يوم الخميس، و تعرضت الإسكندرية للمرة الثانية خلال أسبوعين لأمطار غزيرة لم تشهدها من قبل (أ.ب)

تعرض شرق البحر المتوسط لعواصف وأمطار غزيرة ربما لم تتعرض لها المنطقة من قبل، إلا أن آراء خبراء الطقس أشارت إلى أن ما حدث كان نتيجة منخفضات جوية ولا سيما تلك التي تشكلت فوق البحر الأحمر وليس نتيجة لتغييرات مناخية.
ففي القاهرة ذكر خبير الطقس وحيد سعودي أن موجة الطقس السيئ طبيعية وناتجة عن تزامن منخفض السودان الموسمي ومرتفع جوي.
وفي عمان أشار رائد رافد آل خطاب رئيس قسم التنبؤات الجوية إلى أن العاصفة المطرية نتيجة نشاط منخفض البحر الأحمر الذي يؤثر على الأردن في فصل الخريف.
أما في بيروت فقد ذكر خبراء الأرصاد أن أمطار لبنان متأخرة وحصول عواصف ثلجية أمر شبه مؤكد.

أُدرج لقاء رئيس هيئة الأرصاد المصرية الدكتور أحمد عبد العال، في سابقة هي الأولى على جدول أعمال رئيس الوزراء شريف إسماعيل، بعد موجة من الطقس السيئ ضربت البلاد خلال الأسبوع الماضي أودت بحياة نحو 30 مواطنا، وقال خبير المناخ وحيد سعودي المتحدث الرسمي باسم هيئة الأرصاد الجوية المصرية لـ«الشرق الأوسط» إن «موجة الطقس السيئ التي تعاني منها المنطقة طبيعية وناتجة عن تزامن منخفض السودان الموسمي فوق البحر الأحمر، ومرتفع جوي».
وأوضح سعودي أن سوء الأحوال الجوية الذي يضرب الشرق الأوسط حاليا، وخاصة القطاع الشرقي منه في مصر والأردن وشمال السعودية وبلدان الشام، ناتج عن وجود منخفض السودان الموسمي المتمركز فوق سطح البحر الأحمر المشبع بنسبة عالية من بخار الماء، بالإضافة لارتفاع درجات الحرارة في الرياح المصاحبة له، وتزامن هذا مع وجود مرتفع جوي آخر على ارتفاع 6 كيلومترات من سطح الأرض مصحوبا بتيار نفاث شديد البرودة.
وأكد سعودي أن تزامن وجود المنخفض والمرتفع الجويين فاقم من تأثير الموجة الحالية التي عدها طبيعية في مثل هذا الوقت من العام خاصة في النصف الثاني من فصل الخريف الذي يشهد تقلبات مناخية حادة، مشيرا إلى أن «هذا التزامن أدى إلى تكاثر السحب الركامية والرعدية التي نتج عنها سقوط أمطار غزيرة وصلت لحد السيول على بعض البلدان، مصحوبة بانخفاض في درجات الحرارة ونشاط الرياح ما زاد من الإحساس ببرودة الطقس».
ونفى سعودي أن تكون مظاهر الطقس السيئ التي يشهدها الشرق الأوسط مرتبطة بالتغييرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري على سطح الكرة الأرضية، وقال إن «ما يحدث حاليا مرتبط بشكل مباشر بمنخفض السودان الموسمي، هناك آثار بالتأكيد للتغير المناخي، لكنها ليست سببا فيما نشهده حاليا».
وعقد رئيس الحكومة اجتماعا أمس في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة الأكثر تضررا من السيول، مع المحافظ والقيادات التنفيذية بالمدينة بحضور وزراء الإسكان، والموارد المائية والري، والتنمية المحلية، وقيادات وزارة الري، لمتابعة الموقف الخاص بحل مشكلة ارتفاع منسوب المياه المتراكمة في المصارف الزراعية، بسبب سقوط الأمطار بكثافة على المحافظة خلال اليومين الماضيين في زيارة هي الثانية له منذ بدء الأزمة.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، استقبل رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور أحمد عبد العال، رئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية، لاستعراض حالة الطقس خلال الأسبوع الحالي.
وقال السفير حسام القاويش، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، إن رئيس الهيئة أوضح أن الموجة الحالية من عدم الاستقرار في الطقس تستمر طوال الأسبوع المقبل، حيث تستمر فرص تساقط الأمطار على شمال البلاد، وإن قلت كمياتها.
وقدم رئيس الهيئة تقريرا إلى إسماعيل حول حالة الطقس، أكد فيه أن هناك موجة جديدة من عدم الاستقرار تبدأ على شمال مصر خاصة المناطق الشرقية، وتتمثل في شمال سيناء ومنطقة القناة، حيث تكون الفرصة مهيأة لسقوط أمطار غزيرة على تلك المناطق، وتمتد إلى معظم الساحل الشمالي والدلتا، وتصل إلى القاهرة الثلاثاء المقبل.
وأشار عبد العال إلى أن الموجة سوف تقل حدتها اعتبارا من أيام الأربعاء والخميس والجمعة، حيث من المنتظر أن يحدث استقرار في الأحوال الجوية.
وقال القاويش لـ«الشرق الأوسط» إن إدراج لقاء رئيس الوزراء مع رئيس هيئة الأرصاد سيتكرر إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك خلال الفترة المقبلة.
وشكلت محافظة الإسكندرية غرفة طوارئ طوال فصل الشتاء لمواجهة أي تداعيات محتملة إذا ما استمرت أو تعرضت المدينة الساحلية لموجة جديدة من الطقس السيئ.
من جهة أخرى قال رئيس قسم التنبؤات الجوية في المركز الوطني للتنبؤات الجوية في الأردن، رائد رافد آل خطاب، إن العاصفة المطرية التي ضربت العاصمة عمان وبعض المناطق المحيطة بها، أول من أمس (الخميس)، بسبب تأثير نشاط منخفض البحر الأحمر الذي يؤثر على الأردن في فصل الخريف من كل عام.
وأضاف آل خطاب لـ«الشرق الأوسط»، أن المنخفضات الجوية القادمة من البحر الأحمر تصاحبها حالة عدم استقرار جوي تؤدي إلى حدوث أمطار غزيرة في مناطق محددة دون سواها وتكون مصحوبة بالبرق والرعد والبرد.
وأشار إلى أن منخفضات البحر الأحمر تتشكل نتيجة اندفاع هواء ساخن من الجزيرة العربية وتصاحبها هواء بارد في الطبقات العليا والوسطى تؤدي إلى هذه الحالة، مشيرا إلى أن منخفضات البحر الأحمر دائما ثؤثر على الأردن في فصل الخريف وتنهي فعاليتها عند بداية فصل الشتاء حيث تبدأ المنخفضات الجوية تتشكل فوق البحر الأبيض المتوسط وتؤثر على منطقة شاسعة في الأردن وبلاد الشام.
وقال إن المنخفضات الجوية القادمة من البحر الأحمر هذا العام جاءت غزيرة أكثر من كل عام نتيجة نشاط المنخفضات فوق البحر الأحمر وتأثرها بظاهرة النينو المناخية التي حذرت منها منظمة الأرصاد العالمية في تقريرها أن ارتفاع درجات الحرارة في المحيط الهادي والمحيط الهندي بواقع درجتين، سيؤثر على المناخ في الأردن ومنطقة شرق المتوسط.
وأوضح أن الموسم المطري لهذا العام ستزداد فيه المنخفضات الجوية التي تصطحب الأمطار الغزيرة والثلوج، وسيكون هذا الشتاء مختلفا عن الشتاء في الأعوام السابقة، خصوصا أن هذه الطاهرة ستكون مشابهة لظاهرة مماثلة منذ 60 عاما سابقة حيث تدرس فيها تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة في المحيطات وتأثيرها على المناخ.
وكانت عمان ومناطق محيطة بها تعرض إلى عاصفة مطرية راح ضحيتها 4 أشخاص، وأصيب العشرات وتسببت بتعطيل الحركة في كثير من مناطق عمان، بسبب كثافة هطل الأمطار. ونتج عن السيول وفاة شاب عشريني يسكن في مخيم الحسين، وعامل مصري في الرابية بعمان، وطفلان من الجنسية المصرية (4 و8 أعوام)، يعمل والداهما حارسين في عمارة بمنطقة عرجان بعمان، كانت مياه الأمطار داهمت مكان سكنهما في قبو البناية التي يسكنانها.
وأغرقت الأمطار الغزيرة التي هطلت أول من أمس (الخميس)، العاصمة عمان بشوارعها وأنفاقها، وسط اتهامات للأمانة بفشل إجراءاتها بالتعامل مع العاصفة المطرية، رغم إعلانها مبكرا عن استعداداتها للتعامل مع فصل الشتاء، وإعلان حالة الطوارئ القصوى للتعامل مع «العاصفة الحالية».
من جهته، انتقد وزير الداخلية الأردني سلامة حماد الإجراءات التي كانت متخذة من قبل الأجهزة المختصة؛ حيث قال في تصريحات للصحافيين: «المناهل لم تكن مفتوحة ولا مصانة بالشكل الصحيح ولم تكن مجهزة بالشكل المطلوب».
وأكد حماد: «هنالك دروس مستفادة مما حصل، والنقاط التي ظهرت فيها إغلاقات تجب معالجتها، ويجب أن نستعد ونتفقد كل الشوارع والمساكن التي ليس لها منافذ وتقع بجانب الشارع».
بدوره، أقر أمين عمان بالوكالة الدكتور، يوسف الشواربة، بأن العاصفة المطرية، كانت أكبر من إمكانات الأمانة وكوادرها، رغم أنهم عملوا بطاقتهم القصوى لتطويقها والتقليل من ضررها.
وأغلقت «مياه الأمطار» أنفاق السابع والسادس والرابع والداخلية والرابية والحرمين والجمرك ووادي النصر وأبو هريرة. وفي بيروت اللبنانيون ينتظرون موسم الثلج ويحللون ظاهرة تأخر سقوط الأمطار في لبنان، بعضهم يتخوف من موجة جفاف وتصحّر، والبعض الآخر يصف تأخير موسم الأمطار بالأمر الطبيعي وهو تكرار لظاهرة عرفها لبنان في السنوات الماضية.
ويبدو حسب التوقعات المناخية الحالية للعلماء والمختصين، أن لبنان كبقية دول المنطقة بما فيها فلسطين والأردن وسوريا والعراق، سوف يكون مسرحا لفصل بارد جدا هذا الشتاء. ورغم أن سماء لبنان كانت الأقل عطاء بين دول المنطقة حتى الآن، فإنه من المتوقع بحسب الدراسات أن تكون نسبة الأمطار جيدة وكافية في لبنان هذه السنة. وأكد رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، عبد الرحمن الزواوي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بالإحصاءات نحلل أن هناك سنوات يأتي فيها الشتاء سيئا وسنوات تأتي فيها معدلات الأمطار جيدة، وهذا يحصل بشكل دوري، لكن نادرا ما يكون هناك سنتان متتاليتان تأتي فيها معدلات الأمطار في لبنان منخفصة وسيئة».
وأشار الزواوي إلى أن «جميع التحليلات توصّلت إلى أن شتاء لبنان هذه السنة سوف تكون فيه معدلات الأمطار من متوسطة إلى جيدة، ومن المتوقع أن تكون أعلى بقليل من متوسط معدل الأمطار الطبيعي؛ أي أكثر من 750 ملم»، وأضاف: «يبدو أن الأمطار في لبنان سوف تأتي متأخرة وخجولة هذه السنة لكن معدلاتها سوف تكون كافية».
واعتبر الزواوي أنه «على الرغم من أن هذه السنة أقل أهمية من الشتاء الماضي من ناحية معدلات الأمطار حتى اليوم، فإن توقعات حصول عواصف ثلجية شبه مؤكدة، لأن معدلات الأمطار هذا الشتاء لن تكون (بخيلة) على لبنان واللبنانيين».
ويبدو أن تقلّب الطقس في لبنان لم يحترم جدول الفصول الأربعة، ولعله في انتظار الثلوج وارتفاع منسوب مياه الأمطار، يجعل اللبنانيين يدركون أهمية الحفاظ على ثورتهم المائية لسنوات آتية لا نعرف ماذا تخبئ مناخيا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».