عروسة المولد والشاطر حسن في معرض يروي قرونًا من أساطير الحكي الشعبي وخيال الظل

الملتقى العربي الثالث لفنون الدمى وخيال الظل يكرم في مصر أقدم فناني العرائس في العالم العربي

بانوراما الحارة المصرية للفنان محمد قطامش وفرقة مسرح الحالاتية (مجسمات صغيرة)
بانوراما الحارة المصرية للفنان محمد قطامش وفرقة مسرح الحالاتية (مجسمات صغيرة)
TT

عروسة المولد والشاطر حسن في معرض يروي قرونًا من أساطير الحكي الشعبي وخيال الظل

بانوراما الحارة المصرية للفنان محمد قطامش وفرقة مسرح الحالاتية (مجسمات صغيرة)
بانوراما الحارة المصرية للفنان محمد قطامش وفرقة مسرح الحالاتية (مجسمات صغيرة)

كبار وصغار يتهافتون على التقاط الصور مع عرائس متباينة الحجم وأطفال بعيون متطلعة يلقون نظرة لأول مرة على عرائس «خيال الظل»، محاولين استكشاف طريقة عملها، يدورون حول العرائس، ويلتقطون معها صور «السيلفي» ويحاولون بشغف استكشاف ما وراء الصندوق الخشبي المضيء. كانت تلك أجواء معرض «تاريخ الدمى المصرية» بمسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية. أقيم المعرض ضمن فعاليات الملتقى العربي الثالث لفنون الدمى وخيال الظل، تحت شعار «دور فنون الدمى في الفضاءات المفتوحة»، برعاية الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة المصرية، الذي اختتمت فعالياته أمس الأربعاء، بتكريم كل من الفنان الفلسطيني عادل الترتير، صاحب صندوق العجب، وعم مصطفى عثمان الشهير بـ«عم صابر المصري» شيخ لاعبي الأراجوز في مصر، والبالغ من العمر 86 عاما، الذي يقول: «مسرح العرائس بسيط لكنه عالم كبير جدا، لأن لاعب الأراجوز إذا لم يكن ذكيا وعنده سرعة بديهة لتفهم الجمهور وإسعاده، فإنه لن ينجح»، مضيفا: «جبت العالم مع الأراجوز ووجدته يجذب جميع الأعمار والجنسيات، وعلى الرغم من انجذاب الأطفال للأجهزة الحديثة والتلفزيون والسينما فإن الأراجوز ما زال يسحرهم ويجذبهم».
كان من اللافت حالة الإبهار البصري التي بثتها المعروضات في الحاضرين مستدعية حنينهم لمرحلة الطفولة، فهنا أسرة تلتقط صورا مع «الأراجوز»، وأخرى مع «عروسة المولد»، وثالثة مع «أبو زيد الهلالي»، ورابعة مع «علي بابا والأربعين حرامي»، وأخرى مع «الشاطر حسن» و«السندباد» أو «علاء الدين» و«شهرزاد» وغيرها من الشخصيات الفلكلورية التي عاشت في مخيلات عشرات الأجيال العربية.
تميز المعرض بالثراء الفني والتعبيري للعرائس التي صنعتها أنامل 200 من الفنانين المبدعين من فناني الدمى وخيال الظل وصندوق العجب والأراجوز، فضلا عن وجود مستنسخات من العرائس في مصر القديمة، التي ارتبطت بالطقوس الدينية والمراسم السحرية، ودمى الأطفال في مصر الفرعونية المصنوعة من الخشب والعاج والقماش، فضلا عن عرائس الخيوط، وعرائس القضيب، وعرائس العصا، وعرائس اليد، وعرائس الأصابع، وعرائس الأشخاص (الأقنعة)، التي تعكس تطور فن العرائس في مصر.
في أركان المعرض ووسط حشد من المعجبين، يجوب د. ناجي شاكر، مصمم عرائس الأوبريت الخالد «الليلة الكبيرة» ورائد من رواد فن العرائس في مصر والعالم العربي، معلقا على أعمال الشباب وإبداعاتهم، لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لم يغب فن العرائس عن المشهد الثقافي بعكس ما يظن الكثيرون، لكن للأسف لا يسلط عليه الضوء ولا يجد فنانوه الرعاية الكافية من الدولة، خاصة في مصر حيث نمتلك مسرحا عريقا للعرائس، علينا إعادة الاعتبار لفنون الدمى في المشهد المسرحي، خاصة أن هذا الفن يجسد حالة إبداعية تشكيلية شديدة الخصوصية، فهو يتطلب مخيلة إبداعية للفنان في مرحلة خلق ملامح العروسة وشخصيتها، ثم تجسيدها بالشكل الملائم، كما يحتاج لتضافر إبداعات المؤلفين والملحنين لتخرج أعمالا تشكل وجدان الأجيال».
وبتواضع شديد، قال: «شخصيات (الليلة الكبيرة) ستظل خالدة بفضل العملاقين صلاح جاهين والملحن العبقري سيد مكاوي، لدينا القدرة على تقديم أوبريتات كثيرة تعكس ثقافتنا وتراثنا العربي الثري، وأجد في هذا الملتقى بارقة أمل لتصدر فن العرائس المشهد الثقافي من جديد».
أما الفنان يوسف مغاوري، أقدم الفنانين بمسرح القاهرة للعرائس، فيقول: «فن الدمى ثري في لغته وأدواته التشكيلية وتأثيره القوي على المتلقي يأخذه بعيدا إلى عالم خيالي ساحر، وبرغم أهميتها وتأثيرها التربوي والنفسي في أجيال من الأطفال فإنها أهملت في عالمنا العربي، فقد تستغرق عملية تصميم العروسة عدة أشهر، حيث يجتهد الفنان في تخيلها وإبداعها لكي تعكس سمة شخصية معينة الطيبة أو الشر أو الحكمة أو الغرور».
وبجوار مجسم ضخم من العرائس؛ يقف النحات أشرف الشرقاوي ليقدم محاكاة لنحت العرائس الخشبية وبجواره الفنان ناصف عزمي، مؤسس فرقة الكوشة للعرائس، قائلا: «هذا المجسم يجسد أساطير من وحي الفلكور، مثل (أمنا الغولة)، و(أبو رجل مسلوخة)، نجوب به الشوارع والحارات لنقول للناس إن العرائس يمكنها التعبير عن الإحساس بالخوف، فيبتعد الأطفال تارة ويقتربون تارة أخرى، وهذا هو الهدف أن تصل رسالة ضمنية إليهم بأنه لا شيء يدعو للخوف في تلك الحياة».
وتقف عرائس «مسرح الحالاتية» للفنان المبدع محمد قطامش، التي لا تتجاوز في حجمها بضعة سنتيمترات، تتراص في ديكور مصغر لحارة شعبية مصرية بمصر الفاطمية، بخيوط عرائس الماريونت بكامل تفاصيلها الدقيقة؛ من عرائس تجلس في الحارة أو تنظر من خلف المشربيات وغيرها، يقول الفنان قطامش «هذا العمل هو بانوراما لتوثيق الحارة المصرية من خلال تراث الإذاعة المصرية، أوجه من خلاله دعوة لإعادة بناء ما تهدم من الشخصية المصرية بما لدينا من تراث فني قادر ومتفرد، وهو ما تحرص عليه فرقة مسرح الحالاتية التي تأسست منذ السبعينات، حيث نقدم أوبريتات قديمة من الإذاعة المصرية ونعيد إحياءها بصريا، مثل: الدندرما، وعوف الأصيل، ونجوب بها كافة محافظات وربوع مصر».
وأقيمت على هامش الملتقى عروض مسرحية على مسرح الهناجر ومسرح القاهرة للعرائس ومسرح الميدان، وفي بيت السحيمي الأثري؛ وأقيمت 5 ورش عمل لفنون العرائس والحكي، هي: «تصنيع وتقنيات صندوق العجب» للفنان عادل الترتير، و«تقنيات خيال الظل» للفنان التونسي الأسعد المحواشي، و«تصنيع الأراجوز وتكنيك الأداء» للفنان ناصف عزمي. وورشة «تصنيع عرائس الخيط والتحريك» للفنان عبد السلام عبدو من فلسطين، و«الحكاية والعلاقة مع المتلقي» للفنان الجزائري ماحي الصديق. كما صدر كتيب عن الدورة الثانية للملتقى التي أقيمت في تونس، وكتاب «عروسة القفاز.. كوسيلة اتصال» بهدف إثراء المكتبة العربية بمراجع خاصة بهذه الفنون.
كما ناقش خبراء وباحثون من مصر والسودان والأردن وليبيا وموريتانيا وسوريا والمغرب وتونس والجزائر وفلسطين واليمن؛ بدايات مسرح العرائس في الوطن العربي، وحرية المضامين وحرية العروسة، وفنون الدمى والأراجوز وحضورها في المجتمعات العربية.
وعن «تاريخ فنون العرائس في المغرب العربي»؛ أشار الباحث المغربي د. رشيد أمحجور، أن مسرح العرائس الجزائري يعاني كنظرائه المغربي والموريتاني والليبي من نقص كبير في جميع الجوانب، فممارسة هذا الفن تقتصر فقط على الهواة والفنانين الذين يفتقرون إلى الخبرة، وهو ما زال يعاني من عدم اهتمام الدولة. بينما تعد تونس الأفضل في رعايتها لفرق المسرح والدمى.
بينما طرح د. كمال الدين حسين، من مصر، تساؤلا بحثيا جوهريا حول «فنون مسرح العرائس.. أم الدمى؟»، مستعرضا أنواع العرائس وكيفية توظيفها في العلاج سواء لكبار السن أو أصحاب القدرات الخاصة. كما قدم الباحث السوري عدنان سلوم بحثه «دليل متكامل لفنون العرائس في البلاد العربية»، يتضمن المصطلحات والتعريفات وأيضا بعض التوصيفات الخاصة بهذا الفن، فضلا عن تناوله بعض الفنون الأخرى التي أطلق عليها مسمى «الفنون المجاورة»، وهي في حقيقتها فنون شعبية وشفوية وفطرية، مثل: فنون القول (كراوي السيرة، الحكواتي، الفداوي، القوال، شاعر الربابة) أو بعض فنون الفرجة الأخرى: كعروض صندوق الدنيا (صندوق العجب)، البانتوميم، المهرج، الحلقة.
وأكد الباحث الجزائري محمد بويش عبر بحثه «العلاقة السوسيولوجية لفن العرائس بين الباث والمبثوث» على أن مسرح العرائس يقوم على بعث الحياة في الدمية وهذه الحياة لا تسحر الأطفال وحدهم بل تسحر حتى الكبار، وبالتالي طالب بضرورة اكتشاف مسارح دمى خاصة بالكبار فقط في العالم، لافتا إلى أن حركة العرائس ما هي إلا حراك دلالات رمزية تنطوي على إمكانيات تعبيرية لخلق الدهشة في المتلقي وإيصال الهدف من العرض. أما الفنان الفلسطيني الكبير راضي شحادة، الذي لم يتمكن من مغادرة فلسطين بسبب الاحتلال، فقام بتسجيل مداخلته وبثها في الندوة الفكرية وجاءت بعنوان «تحرر الدمى من فضاء الواقع» مشيرا إلى أن الدمية خير مثال للإبداع وللتحرر من الواقع، ولفت إلى أن «الدمية حتى لو قلدت الإنسان إلا أنها تغرينا في شطحات خيالنا لكي نعتبرها مخلوقا من عالم الخيال والأساطير واللاواقع»، واعتبرها تمرينا يوسع خيال الطفل وتثير لديه المتعة والبهجة؛ وتطرق شحادة لمفهومي «أنسنة الأشياء وتشييء الإنسان» معتبرا الدمية مخلوقا كونيا بينما الإنسان يبقى مخلوقا أرضيا زائلا. وأكد أن «استيعاب الإبداع مرتبط بالمرحلة العمرية والخبرات الحياتية المتراكمة بشكل عقلاني أو عاطفي، كما يعتمد أيضا على دسامة الوجبة الإبداعية وقوة عناصرها المضمونية والجمالية».
بشكل عام، نجح الملتقى العربي لفنون العرائس وخيال الظل في إبراز الثراء الفني والتعبيري لتلك الفنون وأهمية استعادة مكانتها في المشهد الثقافي وتوثيقها. فطالما كانت عروض الأراجوز مرآة للواقع المجتمعي في عالمنا، كما كان الأراجوز المصري، و«بانش وجودي» في إنجلترا، و«بينوكيو» الإيطالي، وصندوق العجب في فلسطين.. فلا تزال العرائس جزءا من الذاكرة الجمعية لشعوب العالم، تلك المجسمات التي لديها القدرة على السخرية والتندر على الناس وأوضاع المعيشة الصعبة، لعلها تساهم الآن في تضميد جراح عالمنا العربي في الوقت الحالي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».