محددات النظرية السيكولوجية لدى كارل يونغ

أسس علم نفس تحليلي جديد ينزع نحو الأعماق الجمعية للاوعي

محددات النظرية السيكولوجية لدى كارل يونغ
TT

محددات النظرية السيكولوجية لدى كارل يونغ

محددات النظرية السيكولوجية لدى كارل يونغ

لا يمكن مقاربة السيكولوجيا التحليلية ليونغ في معزل عن المدرسة الفرويدية التي انتمى إليها مدة من الزمان، ثم حاول القطع معها ليؤسس نظريته الخاصة عن النفس والسلوك البشريين. ولقد كان نشره لبحثه عن «تحولات ورموز الليبيدو»، الذي وضعه خلال سنتي 1911 و1912، إعلانا فعليا للقطيعة مع فرويد. وفي سياق هذه الرغبة في القطع مع الإرث الفرويدي، نجد يونغ يحرص، منذ بواكير أعماله، على تمييز نسقه السيكولوجي، وعلى ضبط مدلولات مفاهيمه، حتى لا تلتبس من حيث الدلالة بالمفاهيم الفرويدية والرؤى السيكولوجية المتداولة. إذ منذ 1921، سيحرص في كتابه «أنماط سيكولوجية»، على ختم الكتاب بمعجم يستجمع فيه مفاهيمه المركزية. وهذا الهاجس، هاجس القطع والانفصال عن الفرويدية، نجده يرافق يونغ في مختلف لحظات مسيرته الفكرية اللاحقة أيضا. إذ نشر في سنة 1942 كتابه «سيكولوجية اللاوعي»، حيث قدم نقدا شديد اللهجة لأعمال فرويد.
لكن يمكن القول إنه على الرغم من محاولة القطع مع أستاذه، فقد ظل يونغ مشدودا إليه بأكثر من رباط مفهومي وتصوري ومنهجي. وأول هذه المفاهيم المشتركة، هو مفهوم اللاوعي الذي سيظل محور رؤيته إلى الكينونة الإنسانية وتعبيراتها السلوكية والثقافية. بل لعلي أقول، إن هذا العود المتكرر لنقد فرويد، مؤشر ضمني على شدة الارتباط به!
والواقع أن النظر في الانشقاقات الكبرى التي شهدتها المدرسة الفرويدية، بفعل انفصال أبرز تلامذة فرويد عنه، مثل أدلر، وزوندي، ويونغ وإيرهم، سيخلص ولا بد، إلى أن هؤلاء المنشقين حملوا معهم تقريبا نفس الجهاز المفاهيمي الذي اشتغلوا به مع أستاذهم.
ففيما يخص مفهوم اللاوعي، لا نجد أحدا من هؤلاء الثلاثة الكبار، المنشقين عن فرويد، قد تخطاه فعليا، بل كل ما قاموا به هو توسيع الحقل الدلالي للمفهوم، ودليلي على ذلك أن زوندي سيعوض مفهوم اللاوعي الفرويدي الذي له دلالة فردية شخصية بـ«اللاوعي العائلي»، مركزا بذلك، على التركيبة الوراثية التربوية للشخص داخل وسطه العائلي؛ بينما سيذهب يونغ إلى توسيع أشمل متحدثا عن وجود لاوعي جمعي داخل كل منا. ويونغ بتوكيده على مقولة اللاوعي الجمعي، لا يرفض مقولة اللاوعي الفردي الذي ركز عليه سيغموند فرويد، بل يستهدف استكماله وتوسيعه. ولقد خصص يونغ في كتابه «جدل الأنا اللاوعي» الصادر سنة 1928، ويعد تطويرا لمحاضرته «بنية اللاوعي» التي ألقاها سنة 1916، مساحة كبيرة لبلورة تمييز بين اللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي، حيث يعتقد أن ثمة نوعين من اللاوعي: لاوعي شخصي فردي، هو مخزون الخبرة الشخصية المكبوتة. ولاوعي جمعي، هو مخزون أثري وأعمق، حيث يحتوي الخبرة البشرية التي نتجت عبر تراكم تاريخي طويل، بكل أنساق معتقداته وأساطيره وعوائده. وهو بذلك لا يستبعد اللاوعي الفردي الذي جاء به فرويد، بل يضيف عليه ولا ينفيه. فاللاوعي الجمعي – حسب يونغ - يمثل مخزونا هائلا من الخبرات الإنسانية الموروثة والمستبطنة في كل فرد منا. ومن ثم ليس صحيحا أن لاوعي الكائن الإنساني الفردي، هو فقط، جماع تجربته كفرد. بل فيه، أيضا، خبرات النوع الإنساني ككل، بكامل مخزونه من الأساطير والعقائد والتقاليد والعوائد المعرفية والسلوكية التي تبلورت طيلة آلاف السنين.
ومحورية اللاوعي الجمعي في فكر يونغ ونزوعه نحو بحث المعتقدات الدينية، جعلاه شديد الاهتمام بالأديان وخاصة الديانة البوذية. كما كان مكثرا من التأمل في النصوص الدينية الكبرى، بل وجدناه يخصص للقرآن الكريم وقفة خاصة، حيث سيحلل في كتابه «النفس والهو»، سورة الكهف، مركزا بشكل خاص، على قصة الخضر مع موسى.
ويعتقد يونغ، أن النفس الفردية هي في مستوى لاوعيها، تختزن خبرة البشرية بأكملها. بل حتى دراسته لحالة الآنسة ميلر، في كتابه «رموز الليبيدو»، تكشف عن هذا النهج الفكري الموسع في مقاربة النفس الفردية، حيث نلاحظ الغوص في الأساطير والديانات، من أجل فهم رؤية ميلر لمفهوم البطل.
وللتوكيد على وجود اللاوعي الجمعي، قام يونغ بأبحاث إثنوغرافية ميدانية، في المكسيك وكينيا وأريزونا، حاول فيها أن يستجمع أوفر مقدار من المخزون الثقافي لهذه القبائل والشعوب، ثم درسه بمنظور مقارن مفككا رموزه، ليخلص إلى ما سينتهي إليه الأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس، وهو وجود تشابه كبير على مستوى الأساطير، الأمر الذي جعله ينظر إلى ذلك بوصفه دليلا على وجود اللاوعي الجمعي المشترك.
بيد أن هذا المشترك المفاهيمي – مفهوم اللاوعي - بين يونغ وفرويد لا يعني أن ثمة تماثلا بين النسقين النظريين السيكولوجيين، بل ثمة اختلافات كثيرة. وجوهر الخلاف الذي سيدفعه إلى القطع مع أستاذه فرويد، هو دور العامل الجنسي. إذ لم يوافق يونغ على الرؤية الفرويدية الإطلاقية إلى الجنس في تشكيل الشخصية الإنسانية، ولا في اعتماده كميثودولوجية لتحليل الحضارة والمنتجات الثقافية للإنسان، ومن جملتها المنتج الفني. لذا بدل التحليل النفسي الفرويدي القائم على مقولة الليبيدو، أسس يونغ لعلم نفس تحليلي جديد ينزع نحو الأعماق الجمعية للاوعي.
وعلى مستوى المقاربة التحليلية للفرد، رفض يونغ الرؤية الفرويدية التي تجعل دور الجنس حاضرا منذ سنوات الطفولة الأولى، الذي سيخلص من بعد، إلى تكوين عقدة أوديب وإلكترا، إذ بدل هذا التصور الجنسي، يرى يونغ أنه حتى السنة الخامسة من العمر، فإن الغريزة المهيمنة على الطفل ليست غريزة الجنس، كما يزعم فرويد، بل هي غريزة التغذية. وحتى على المستوى العام، لا يرى يونغ أن الغريزة المحددة للشخصية الإنسانية هي غريزة الجنس، ولا غريزة القوة كما يقول آدلر، بل هي غريزة الحياة بكامل أبعادها. كما أن اللاوعي الذي اعتمده فرويد منطلقا لمقاربة الشخصية ومنتجاتها الثقافية، مفهوم لا يخلو من محدودية وفقر. فهو لا يستوعب الأبعاد الإنسانية في عمقها وامتدادها الفردي والجماعي؛ لذا اقترح يونغ مفهومه البديل القائم على النظر إلى الفرد الإنساني بوصفه حاملا لمحصول التجربة الإنسانية الجمعية. وفي كثير من نصوصه، يكشف يونغ أن نقده لمقولة الجنس عند فرويد، كان نتاج ملحوظات إكلينيكية. «فأثناء علاجه للشيزوفرينيا، اصطدم بحالات من تمزق نفسية المريض، لم يكن بالإمكان تفسيرها بانفعالات الفرد الجنسية الطفولية، وبالتالي، لم تدخل ضمن التصورات الفرويدية حول المشروطية الجنسية للسلوك». لهذا فإن يونغ، على الرغم من استعماله لمفهوم الليبيدو، فسيحرص على التوسع في معناه وعدم تركه بدلالته الفرويدية التي اقتصرت على المعنى الجنسي. يقول فاليري ليبين: «يكتسب مفهوم الليبيدو تفسيرا موسعا لدى يونغ. فهو يعني بالليبيدو، الطاقة النفسية التي تحدد شدة العمليات النفسية الجارية في نفس الإنسان. ولا يربط يونغ هذه الطاقة بالقوة النفسية الملموسة – المحددة، المشروطة مثلا، بالرغبات الجنسية، كما هو الأمر لدى فرويد، بل بالبنية النفسية الداخلية التي تحدد طابع النشاط النفسي عند الإنسان». كما أن ثمة فارقا هاما، حيث إن الغرائز اللاواعية ينظر إليها فرويد وفق رؤية بيولوجية، بينما يتعامل معها يونغ بوصفها رموزا ذات حمولات نفسية وثقافية. كما أن اختزال فرويد لتطور الشخصية في السنوات الست الأولى من العمر، هو حسب يونغ، اختزال خاطئ لصيرورة تشكيلها وتطورها، يؤدي ولا بد، إلى اختلال فهم الفرد. كما ينعكس، أيضا، على الرؤية العلاجية ويعوق نجاحها؛ فليست الأمراض العصابية كلها نتاج إشكالات حادثة في لحظة الطفولة، كما يزعم فرويد. بل إن هذا ينقص إدراكنا الصحيح للحياة الإنسانية، حيث يتغافل عن بعدين زمانيين هامين في تشكيلها، وهما الحاضر والمستقبل.



أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.