لبنان: ملف النفايات يطغى على «الرئاسة» في الجلسة التاسعة للحوار الوطني

بعد تعذر التوافق على مواقع لمطامر.. اتجاه لترحيلها إلى الخارج

كومات النفايات تتراكم في مكب مؤقت شرق بيروت (أ.ف.ب)
كومات النفايات تتراكم في مكب مؤقت شرق بيروت (أ.ف.ب)
TT

لبنان: ملف النفايات يطغى على «الرئاسة» في الجلسة التاسعة للحوار الوطني

كومات النفايات تتراكم في مكب مؤقت شرق بيروت (أ.ف.ب)
كومات النفايات تتراكم في مكب مؤقت شرق بيروت (أ.ف.ب)

طغت أزمة النفايات على مجريات الجلسة التاسعة للحوار الوطني اللبناني التي يفترض أن تكون لا تزال تبحث في مخارج لأزمة الرئاسة المستمرة منذ مايو (أيار) 2014، إلا أن تفاقم الخلافات بين القوى السياسية حول تحديد مواقع المطامر، والتي أخذت بعدا مذهبيا ومناطقيا، جعلت الملف يتصدر الأولويات المحلية، مطيحا بتراتبية البنود على جدول أعمال الحوار الذي كان قد أعده رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ولم تجد القوى السياسية بعد فشل مستمر منذ نحو 4 أشهر، باجتراح حل للتخلص من القمامة المنتشرة في الشوارع مهددة الصحة العامة، إلا خيار ترحيلها إلى خارج البلاد حلا مؤقتا للخروج من الدائرة المفرغة التي يدور فيها المعنيون تحت أنظار ناشطي المجتمع المدني، خاصة وأن هناك ما يناهز الـ100 ألف طن من النفايات منتشرة من دون طمر، ونحو 100 ألف طن أخرى طمرت بين البحر وجدار المطار، بينما أحرق ما بين 10 و12 ألف طن.
وأوضح وزير السياحة ميشال فرعون، أن موضوع الترحيل عاد ليطرح نفسه تلقائيا على طاولة البحث بعد تعذر الاتفاق على مواقع لمطامر، لافتا إلى أنّه قد يكون من الأنسب أن يدخل البلد في مرحلة انتقالية لستة أشهر أو سنة يتم خلالها نقل النفايات إلى الخارج، على الرغم من التكلفة المرتفعة، على أن يتم في نفس الوقت تحضير مطامر صحية ومعامل لمعالجة النفايات تتولى المهمة في مرحلة لاحقة.
وأشار فرعون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن البحث بموضوع النفايات على طاولة الحوار «كان أمرا ملحا وضروريا لوجود كل المرجعيات السياسية مجتمعة في مكان واحد، باعتبار أن اللجنة الوزارية المختصة بمعالجة الملف تشتكي دائما من غياب الاهتمام السياسي اللازم من قبل الفرقاء». وقال: «أما في الملف الرئاسي، فالأمور لا تزال تدور بحلقة مفرغة على الرغم من استمرار النقاش والسعي لتحقيق تقدم من خلال بعض الطروحات»، لافتا إلى أن البحث يتركز حاليا حول «ضرورة أن يشمل الاتفاق على الموضوع الرئاسي الملفات الأخرى، وبالتحديد قانون الانتخاب وتعيين قائد جديد للجيش وتشكيل حكومة جديدة، أي أن يكون الاتفاق على سلة متكاملة كما حصل في الدوحة في 2008».
من جهتها، رجّحت مصادر في قوى 8 آذار أن تبقى الأزمة السياسية على ما هي عليه حتى تبلور المشهد في المنطقة وخصوصا في الميدان السوري، لافتة إلى أن الحل الموعود لن يطرق لبنان من بوابة رئاسة الجمهورية فقط، بل هو لا شك سيشمل البحث بوضع النظام السياسي القائم الذي أثبت فشله الذريع. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يجري من حوارات بالوقت الحالي مهمتها تنحصر بتقطيع الوقت بأقل ضرر ممكن، ولعل الاكتفاء بتخفيف الاحتقان المذهبي القائم إنجاز بحد ذاته في الوقت الراهن».
أما النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان والذي مثل رئيس التكتل النائب ميشال عون على طاولة الحوار، فأشار إلى أنّه شدد على مسألتين في مداخلته، الأمر الأول، «هو مسألة العودة إلى الشعب، وهو بالنسبة إلينا أمر أساسي باعتبار أن هذه الصيغة هي الوحيدة التي تؤدي إلى انتخابات رئاسية مع شرعية شعبية. والأمر الثاني هو موضوع الحيثية الشعبية للرئيس العتيد، وهذا الأمر أيضا تم إقراره».
وتغيب حزب الكتائب عن الجلسة الحوارية التاسعة بعدما رهن مشاركته بأي جلسة مقبلة بحل أزمة النفايات، وقد حدد المتحاورون 17 من الشهر الحالي موعدا لجلسة عاشرة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم