تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء يهدد بقعة مضيئة في السياحة المصرية

شرم الشيخ كانت محصنة ضد أزمة السياحة الأوسع التي تعاني منها البلاد

سائحة تستمتع بمنظر غروب الشمس عند أطراف شرم الشيخ (نيويورك تايمز)
سائحة تستمتع بمنظر غروب الشمس عند أطراف شرم الشيخ (نيويورك تايمز)
TT

تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء يهدد بقعة مضيئة في السياحة المصرية

سائحة تستمتع بمنظر غروب الشمس عند أطراف شرم الشيخ (نيويورك تايمز)
سائحة تستمتع بمنظر غروب الشمس عند أطراف شرم الشيخ (نيويورك تايمز)

لطالما روجت الحكومة المصرية إلى منتجع شرم الشيخ المتألق بوصفه درة التاج في قطاعها السياحي وحصنا آمنا من عنف المتشددين.
وبينما أدى المتشددون الذين يتخذون من شمال سيناء منطلقًا لهم إلى صدور تحذيرات من السفر إلى مناطق شاسعة من البلاد، اعتبرت السلطات المصرية والحكومات الغربية شرم الشيخ ملاذًا آمنًا. وكان التدفق المنتظم للباحثين عن أشعة الشمس الدافئة - لا سيما من السائحين الروس ذوي الميزانيات المحدودة - نقطة مضيئة في قطاع السياحة المضطرب في مصر.
والآن يهدد تحطم طائرة ركاب روسية أقلعت من شرم الشيخ سمعة المنتجع العالمي.
ورغم أن سبب تحطم الطائرة ما زال مجهولاً في انتظار انتهاء التحقيقات الجارية على الحطام، أعلن الذارع المصرية لـ«داعش» مسؤوليته عن الحادث. ولفت هذا الإعلان الانتباه إلى مزاعم احتمال أن يكون المتشددون تمكنوا من اختراق مطار شرم الشيخ ليزرعوا عبوة ناسفة داخل الطائرة.
ويكشف التسليم بفرضية مثل هذا الزعم غير المؤكد هشاشة الوضع الهش للأمن بعد أكثر من عامين من قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتولي الجيش زمام الأمور في البلاد على خلفية وعود باستعادة النظام العام.
وتواصل حكومة السيسي صراعها مع أرتال متوازية من عنف المتطرفين: من تنظيم داعش في سيناء وحركة متنامية من الشباب الهواة الذين ربما صوتوا في الماضي لصالح أحزاب الإسلام السياسي، لكنهم لجئوا إلى التفجيرات أو عمليات إطلاق النار كنوع من الانتقام من المؤيدين المفترضين لتولي الجيش الأمور. ولقي مئات العناصر من قوات الأمن المصرية وعدد متزايد من المدنيين حتفهم في القتال.
ويقول مختار عواد، وهو باحث مشارك في مركز التقدم الأميركي الذي يرصد العنف في مصر «رغم أن القتال ما زال حتى الآن قاصرًا على شمال سيناء والصحراء الغربية، فإن أمام هذه الحكومة شوطًا طويلاً لتقطعه حتى تتمكن من احتواء الجماعات المسلحة، ولذلك فإن مثل هذا الأمر قابل جدًا للتصديق».
لكن السمعة الأمنية لشرم الشيخ تأسست منذ 10 سنوات فقط. ففي يوليو (تموز) 2005، فجر المتشددون 3 قنابل متزامنة في أحد الفنادق الفاخرة وسوق محلية وساحة انتظار، مما أودى بحياة ما لا يقل عن 90 شخصًا. لقد كان الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في التاريخ المصري في ذلك الوقت، وجاء بعد أقل من عام واحد من تفجير مماثل في منتجع طابا الواقع إلى الشمال من شرم الشيخ.
وبعد شهور قليلة فقط، قتلت تفجيرات في مدينة دهب القريبة أكثر من 20 شخصًا.
وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المحققين العمل مع الإدارة المصرية والسلطات الأخرى للوقوف على أسباب تحطم الطائرة فوق شبه جزيرة سيناء والذي أودى بحياة 224 شخصًا.
وردت الحكومة المصرية التي تعتمد على السياحة لتوفير العملة الصعبة وبعدما هزتها ضربة وجهت إلى أهم منتجعاتها، بحملة تحديث تقني شاملة للاحتياطيات الأمنية في شرم الشيخ والتي نالت استحسانًا واسع النطاق من حكومات أخرى.
وتحدث دبلوماسيون جرى دعوتهم لتفقد البنية التحتية الأمنية عن نظام مراقبة واسع بكاميرات الفيديو ومعدات خاصة لرصد المواد المتفجرة في السيارات العابرة. وتقول الحكومتان الأميركية والبريطانية إن شرم الشيخ، الواقعة في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، هي مكان ينعم نسبيًا بالأمن رغم أنهما عززتا التحذيرات من السفر إلى أماكن أخرى في البلاد، لا سيما المناطق الشمالية من شبه الجزيرة.
ورغم عزلتها النسبية، كانت شرم الشيخ بالكاد محصنة ضد أزمة السياحة الأوسع التي تعاني منها البلاد. ويقول مينا بدر، وهو صاحب مطعم بلو ستون، إنه «رغم ثبات أعداد السائحين القادمين إلى المنتجع، فإن الضيوف الأجانب يفضلون شراء حزم الإقامة الشاملة ويميلون إلى الاقتصاد في نفقاتهم». وأضاف السيد بدر أن «الأحوال تزداد غموضًا»، مشيرًا إلى أن مطعمه الذي افتتحه قبل 4 أشهر فقط بدأ في خسارة الأموال.
وشأنه شأن الكثيرين من ملاك المنشآت السياحية في منتجع شرم الشيخ، ينتظر بدر على أحر من الجمر نتائج التحقيقات في حادث تحطم الطائرة الروسية. وقال «لو أن أحدهم أسقطها، فإن الأحوال ستنهار». وتقول شركات السياحة في روسيا إنها بدأت تشعر بالفعل بتأثير حادث تحطم الطائرة.

*خدمة «نيويورك تايمز»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.