رحيل الجلبي.. «مهندس» اجتياح العراق

نوبة قلبية تنهي حياة السياسي العراقي المخضرم

أحمد الجلبي
أحمد الجلبي
TT

رحيل الجلبي.. «مهندس» اجتياح العراق

أحمد الجلبي
أحمد الجلبي

كل شيء لم يكن طبيعيا في حياة أحمد الجلبي الطويلة والعريضة، ما عدا موته الذي بدا «طبيعيا» أكثر من اللازم. مجرد أزمة قلبية يمكن أن يمر بها قلب أي إنسان ناهيك برجل بلغ السبعين من العمر.
ومثلما أسست المعلومات التي وصفتها كل من الحكومتين الأميركية والبريطانية، بأنها مغلوطة، والتي كان قد قدمها إليهما أحمد الجلبي كمقدمة لاجتياح العراق وتدميره، والتي ظل الجلبي يدافع عنها حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت موته «الطبيعي»، فإنه يكاد يكون السياسي العراقي الوحيد من بين سياسيي الخط الأول بعد عام 2003 الذي مات موتا طبيعيا. كلهم ما زالوا على قيد الحياة حتى من بلغ منهم من العمر عتيّا. الجلبي وحده من غادر الحياة بعد أن كان الاحتلال الأميركي أدخله التاريخ لكنه لم يعرف حتى لحظة وفاته كيفية الخروج منه.
فبعد اجتياح العراق بدأت مشكلات الجلبي مع الأميركيين أو بدأوا هم مشكلاتهم معه. الجلبي المولود عام 1944، عاش في أسرة مال وسياسة، ووصفه كثيرون بالليبرالي، لكن لم يمنعه ذلك من الهرب إلى الحاضنة الطائفية حين تفاقمت مشكلاته مع الأميركيين بعد أن هندس اجتياح العراق، فأسس - على غير المعتاد من رجل اقتصاد وسياسي ليبرالي التفكير - ما عرف في وقته بـ«البيت الشيعي».
ومع أن لقبه بقي حتى بعد وفاته هو «زعيم» المؤتمر الوطني العراقي الذي كان أكبر فصائل المعارضة العراقية ضد نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، فإن المشكلات التي عاناها ولا يزال يعانيها المؤتمر الوطني بخروج قيادات منه واصطفافها مع خصوم الجلبي، لم تسعفه في أن يطبق زعامته على أرض الواقع من خلال كتلة برلمانية؛ فكثيرون ممن لم يكن لهم دور قبل سقوط النظام السابق عام 2003 ولم يعرفهم أحد، تحولوا إلى زعامات لها كتل وأصوات في البرلمان، إلا «الزعيم» أحمد الجلبي الذي بقي رغم سمعته المدوية وصيته القوي على الهامش بالقياس إلى دوره الماضي.. أعلى منصب وصل إليه نائب رئيس الوزراء في حكومة نوري المالكي الأولى؛ حيث فشل في الحصول على مقعد واحد في البرلمان في دورته الماضية؛ الأمر الذي اضطره في الدورة اللاحقة إلى التحالف مع المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم لكي يحصل على مقعد في البرلمان الحالي.
ومن مفارقات الجلبي أنه نافس رئيس الوزراء حيدر العبادي عند ترشحه نائبا أول لرئيس البرلمان العراقي في صيف العام الماضي، في مسعى وصف في وقته بأنه تجسيد للخلاف العميق داخل التحالف الوطني لا سيما بين أبرز فصيلين منه؛ ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني؛ الذي يضم تياري الحكيم ومقتدى الصدر. وبسبب الجلبي، لم يتمكن العبادي من الحصول على الأغلبية التي تؤهله لمنصب النائب الأول، فيما لعب إبراهيم الجعفري (وزير الخارجية الحالي) دورا في إقناع الجلبي بالانسحاب من حلبة المنافسة مع العبادي. وبعد شهرين على هذا الحادث ترشح العبادي رئيسا للوزراء بعد إزاحة المالكي. وبقي موقف الجلبي مواربا حيال العبادي رغم أنه ترأس اللجنة المالية البرلمانية التي كان يترأسها العبادي.
وقبيل موته بفترة قصيرة، صعد الجلبي كثيرا من مواقفه حيال ملفات الفساد، واتهم صراحة حكومتي المالكي بإهدار ما قيمته 700 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الجلبي من مؤسسي العراق الجديد بما في ذلك المنطقة الخضراء الدولية، فإنه لم يقطن فيها، وآثر السكن في المدينة التي ينتمي إليها؛ مدينة الكاظمية شمال العاصمة بغداد، حيث أملاك أهله الهائلة.
وفي واحد من البيوت الراقية التي يملكها على ضفاف دجلة في منطقة ما يسمى «المحيط بالكاظمية»، «اجتث» الموت من كان، ولا يزال، يوصف بأنه «أب الاجتثاث» الذي لحق بمئات الآلاف ممن كانوا منتمين لحزب البعث.
يذكر أن الجلبي المولود في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1944، غادر العراق مع عائلته عام 1958 إلى الأردن، وظل يتنقل بينها وبين لبنان والولايات المتحدة الأميركية لسنوات عدة، وعاد في مطلع تسعينات القرن الماضي إلى بلده للمشاركة في حركة المعارضة لنظام صدام حتى عام 1997، انطلاقا من إقليم كردستان؛ حيث شكل المؤتمر الوطني العراقي عام 1992، الذي كان يشمل قوى وأحزابا ومنظمات عراقية وشخصيات علمية وأدبية للعمل على المستوى الخارجي آنذاك، واعتبر أبرز مزودي الولايات المتحدة بالمعلومات التي بررت اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.