هل اختيار هيئة محلفين من 12 فردًا أفضل طريقة لمحاكمات عادلة؟

الولايات المتحدة تواجه العنصرية في عملية انتقاء الطاقم

في 1987 حكم على الشاب الأميركي الأسود تيموثي فوستر المتخلف عقليا بالإعدام في جريمة قتل امرأة بيضاء. لكن قدم محاميه أمس الاثنين إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة أدلة تثبت الانتقاء العنصري لهيئة المحلفين حينذاك. وأدين تيموثي فوستر بإجماع هيئة تتألف من 12 محلفا أبيض
في 1987 حكم على الشاب الأميركي الأسود تيموثي فوستر المتخلف عقليا بالإعدام في جريمة قتل امرأة بيضاء. لكن قدم محاميه أمس الاثنين إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة أدلة تثبت الانتقاء العنصري لهيئة المحلفين حينذاك. وأدين تيموثي فوستر بإجماع هيئة تتألف من 12 محلفا أبيض
TT

هل اختيار هيئة محلفين من 12 فردًا أفضل طريقة لمحاكمات عادلة؟

في 1987 حكم على الشاب الأميركي الأسود تيموثي فوستر المتخلف عقليا بالإعدام في جريمة قتل امرأة بيضاء. لكن قدم محاميه أمس الاثنين إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة أدلة تثبت الانتقاء العنصري لهيئة المحلفين حينذاك. وأدين تيموثي فوستر بإجماع هيئة تتألف من 12 محلفا أبيض
في 1987 حكم على الشاب الأميركي الأسود تيموثي فوستر المتخلف عقليا بالإعدام في جريمة قتل امرأة بيضاء. لكن قدم محاميه أمس الاثنين إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة أدلة تثبت الانتقاء العنصري لهيئة المحلفين حينذاك. وأدين تيموثي فوستر بإجماع هيئة تتألف من 12 محلفا أبيض

ما زال من الشائع أن يواجه متهمون يحاكمون في مدن أميركية يشكل فيها السود 25 أو30 أو حتى 40 في المائة من السكان، هيئات محلفين جميع أعضائها من البيض.
في 1987 حكم على الشاب الأميركي الأسود تيموثي فوستر المتخلف عقليا، بالإعدام في جريمة قتل امرأة بيضاء. لكن قدم محاميه أمس الاثنين إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة أدلة تثبت الانتقاء العنصري لهيئة المحلفين حينذاك. وأدين تيموثي فوستر بإجماع هيئة للمحلفين تتألف من 12 أبيض.
وتبين أنه استبعدت كل الأسماء التي وضع هذا الحرف أمامها خلال إجراءات تسمح للمدعي وللمحامين برفض عدد من المحلفين. وبعض قرارات الاستبعاد هذه مبررة، أي أنها عرضت على القاضي للموافقة عليها، أو قاطعة لا تحتاج إلى تبرير.
وهذه القضية ليست عادية على الإطلاق إذ إن الوثائق التي حصلت عليها هيئة الدفاع عن المدان الذي ما زال مهددا بالإعدام، تبدو مروعة. فعلى لائحة المدعوين للمشاركة في هيئة المحلفين في هذه القضية حينذاك كتب حرف «بي» أمام أسماء السود، أي «بلاك» (أسود بالإنجليزية).
والأسوأ كما يقول ستيفن برايت المدافع عن فوستر هو أن «هذه الوثائق تدل على أن المدعي أعد لائحة بالرفض المطلق، أي أشخاص يجب رفضهم بأي ثمن، وأن الأشخاص الخمسة الأوائل على هذه اللائحة التي تتألف من ستة أشخاص كانوا من السود والسادس محلف أعلن بوضوح معارضته لعقوبة الإعدام».
وأضاف هذا الخبير في القانون الجزائي الذي سلم عددا من الصحافيين نسخا من الوثائق قبل بداية الجلسة أن «أولوية المدعي كانت على ما يبدو رفض السود».
وهذا الموعد الجديد أمام أعلى هيئة قضائية في البلاد يضع الولايات المتحدة مجددا في مواجهة مشكلة العنصرية في اختيار المحلفين في المحاكمات، وإن كانت المحكمة العليا منعت رسميا في عدد كبير من قراراتها، استبعاد المحلفين لدوافع عنصرية.
وقالت كريستينا سوارنز الخبيرة في المسائل القضائية في الجمعية الوطنية لتقدم الملونين، أكبر منظمة للدفاع عن الأميركيين السود إن «المشكلة لم تختف وما زالت قائمة في الجنوب» حيث ما زالت الأحكام المسبقة العنصرية راسخة. وأضافت: «في غالبية الحالات، المدعي الذي يقوم بالانتقاء على أسس تمييزية ليس معرضا لأي عقوبة». وكشف تحقيق أجري في كادو باريش في ولاية وليزيانا أن السود معرضون أكثر من البيض بثلاث مرات لاستبعادهم من هيئة محلفين شعبية.
ومع ذلك تقول كريستينا سوارنز إن «دراسات أثبتت أن هيئات المحلفين المختلطة جديرة بالثقة أكثر بكثير من تلك التي تتألف من بيض فقط»، مشيرة إلى أن «هيئات المحلفين المختلطة تتناقش لفترات أطول وتدرج مزيدًا من الأدلة وترتكب أخطاء أقل مرتبطة بالوقائع وعلى استعداد أكبر لتصحيح النقاط غير الدقيقة». وفي مفارقة، يوضح روبرت دانهام مدير المعلومات حول عقوبة الإعدام لوكالة الصحافة الفرنسية، أن إمكان استبعاد محلفين الذي استقي من القانون الإنجليزي يهدف أساسا إلى حماية المتهم في مواجهة حكومة التاج.
ولكن تم توسيع هذا الحق إلى المدعين الذين يعرفون جيدا أن المحلفين البيض أقسى بكثير من هيئات المحلفين المتعددة الإثنية وإن الأقليات أقل ميلا إلى فرض عقوبة الإعدام.
وقبل جلسة استبعاد المحلفين، يجري اختيار هؤلاء على أساس استمارة طويلة من الأسئلة المكتوبة التي تسمح بتأكيد عدم أهلية الأفراد المتشددين أو الملتزمين بشكل كبير في القضايا.
وقال روبرت دانهام إن «مؤسسات قضائية عدة تعتمد مزيدا من الرفض التلقائي في الحالات التي قد تفرض فيها عقوبة الإعدام»، مشيرا إلى أن «تضافر الاستبعاد لعدم الأهلية والرفض التلقائي يؤثر على التوازن بما يضر المحلفين السود». وفي الأشهر الأخيرة شهدت الولايات المتحدة قضايا عدة تعكس تجذر العنصرية لدى بعض أفراد الشرطة.
وقالت كريستينا سوارنز: «بما أن هذه القضايا التي ترتدي طابعا عنصريا كبيرا تصل إلى المحاكم وتوضع أمام هيئات محلفين، فمن الضروري وجود عملية تشمل كل المواطنين المؤهلين لإصدار الأحكام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».