باحثون عرب يتحدثون عن الأثر المتبادل بين قصيدة الفصحى والأغنية العربية

مؤتمر «الأغنية العربية.. جدلية الموسيقى والشعر» في القاهرة

من ندوات المهرجان: من اليسار إلي اليمين الباحث السعودي أحمد الواصل والسوداني كمال يوسف ود. كفاح فاخوري من لبنان (في المنتصف) ود. حسين العظمي من العراق  -  شعار المهرجان
من ندوات المهرجان: من اليسار إلي اليمين الباحث السعودي أحمد الواصل والسوداني كمال يوسف ود. كفاح فاخوري من لبنان (في المنتصف) ود. حسين العظمي من العراق - شعار المهرجان
TT
20

باحثون عرب يتحدثون عن الأثر المتبادل بين قصيدة الفصحى والأغنية العربية

من ندوات المهرجان: من اليسار إلي اليمين الباحث السعودي أحمد الواصل والسوداني كمال يوسف ود. كفاح فاخوري من لبنان (في المنتصف) ود. حسين العظمي من العراق  -  شعار المهرجان
من ندوات المهرجان: من اليسار إلي اليمين الباحث السعودي أحمد الواصل والسوداني كمال يوسف ود. كفاح فاخوري من لبنان (في المنتصف) ود. حسين العظمي من العراق - شعار المهرجان

التذكير بأصالة الغناء العربي وارتباطه بالقصائد المغناة وشعر الفصحى، كان هو هدف المحور الأول من محاور مؤتمر «الأغنية العربية.. جدلية الموسيقى والشعر»، المقام ضمن فعاليات مهرجان الموسيقية العربية بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة في دورته الرابعة والعشرين، في الفترة من 1 إلى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بمشاركة 8 دول، الذي أهديت دورته تكريما لـ«الخال»، شاعر العامية المصري الشهير عبد الرحمن الأبنودي، الذي رحل عن عالمنا أبريل (نيسان) الماضي، عن عمر يناهز 77 عامًا.
في الجلسة الأولى حول الموسيقى وشعر الفصحى التي أدارها د. كفاح فاخوري من لبنان، اعتبر د. حسين الأعظمي من العراق، أن الموسيقى هي المعبر الأصدق عن المعاني اللغوية للقصيدة، وذلك في بحثه المعنون «التوافق التعبيري بين الموسيقى العربية والشعر المغنى.. غناء المقام العراقي أنموذجًا»، مؤكدا أنه على الفنان الموسيقي أن يراعي المعاني اللغوية ويتذوقها قبيل وضع الجمل اللحنية.
وأوضح أن موسيقى وغناء المقام العراقي يمكن أن يطولهما بعض الانحسار في فترة ما، لكنهما لن يندثرا، ولن يحتضرا أو يموتا، مشيرا إلى أن التراث والموروث وبكل ظواهره لا ينشأ ولا يموت، لأن التراث وليد الجماعة والمجتمع والبيئة، فهو ملك لهم. وتطرق إلى تجارب المؤدين العراقيين خلال القرن العشرين: محمد القبانجي، وناظم الغزالي، مؤكدا أن الواقع الفني العراقي تشوبه بعض السلبيات الفنية في الأداء والتعبير بشكل عام، لأن المقام العراقي يحتاج إلى أهم عرض يمتاز بالجمالية، وأن تتوافق تعبيراته الأدبية في الشعر المغنى مع مساراته اللحنية التاريخية العريقة.
وقال: «السلالم الموسيقية تلحن من خزائن الأفراد الإبداعية، التي تتعلق بمحيطه الخارجي، وموسيقى الشعوب والأجيال التي عاصرها»، مشددا على أهمية تنمية إحساس الفنان، وأن يستجمع أحاسيسه بالكلمات لتخرج في إطار إبداعي متكامل.
بينما أفاد الباحث السعودي الشاب أحمد الواصل، بأن فرق «الأندرغراوند»، تحت الأرض، والموسيقى الشبابية كسرت قوالب الموسيقى والأغنية العربية الأصيلة، وما نسمعه حاليا ما هو إلا شذرات لا قيمة فنية لها مقارنة بتراث الأغنية العربية، مضيفًا: «علينا أن نعلم أن القادم أسوأ». واستعرض الواصل من خلال ورقته البحثية «القصيدة العربية من فن الصوت إلى الأغنية: المدينة والخليج والعروبة»، توارث قالب أداء القصيدة العربية لمئات السنين من تاريخ الغناء العربي، عبر عرض تقديمي يوضح تلك المراحل التي مرت بها الأغنية العربية في مختبر الغناء العربي في القرن العشرين، وقيام الغناء العربي على ركائز فنون أدائية أخرى: كالقصيدة والموال والزجل والموشح وغيرها، مع منح النص الشعري تشكيلات إيقاعية ونغمية أتاحت للملحن الإيحاء بالنغم والجملة الغنائية وتنوع موازين الإيقاع.
وعدد الواصل مدارس الغناء العربي، التي أشار إلى تنوعها عبر تنوع الحواضر العربية، كمدارس القراءات القرآنية، معرجا على اشتباك الكلمة والنغمة عبر الفنون السبعة: الشعر القريض، والموشح، والدوبيت (المروبع)، والزجل، والكان وكان (المويلي)، والقوما (المويلي)، وأخيرًا: المواليا.
وأكد على أن الكتابة الشعرية لها منطق التعدد الذي تحكمه الحالة الإبداعية عند الشاعر في مقابل أن حياة وموات القوالب الغنائية، تفرضه حاجة المجتمع وقدرة المنتج على استيعاب تلك الاحتياجات في التعبير والتفاعل، والتداول والتواصل.
وذهب الواصل إلى أن القصيدة تتمزق بين الفنون الأدائية والأغنية، قائلا: «القصيدة كأحد الأشكال الشعرية تحولت إلى أكثر من قالب غنائي انتهت إلى أن تكون مادة من مواد قالب الأغنية، وهو ما يؤكد ميزة التشاركية في المجتمعات العربية، والجذر الخصب في فنون الأداء والقول والحركة، والعنصر الأدبي الأدائي في مدارس الغناء العربي، والأساس الثقافي الاجتماعي في الهوية الحضارية العربية. ولفت الواصل إلى أن القصيدة استطاعت التكيف، إلا أن التطورات المتلاحقة للتقنيات وطرق التعبير، ووسائل التسجيل والتداول، هي التي تتحكم في دورها عبر الصوت البشري».
يذكر أن المؤتمر يتضمن 5 محاور مقسمة على عدة حلقات نقاشية بمشاركة 35 باحثا، تتناول أبرز القضايا في عالم الفن والموسيقى والأغنية العربية، إذ سيناقش تحت عنوان «عبد الرحمن الأبنودي والأغنية المصرية»، قضايا محورية، هي: «الموسيقى وشعر الفصحى وشعر العامية»، و«الموسيقى والشعر في أغنية الطفل العربي»، و«المأثورات الشعبية والأغنية في البلاد العربية»، و«المسرح الغنائي العربي».
وعن المقامات الخماسية في السودان وانتقالها بين دول العالم وامتزاجها مع الموسيقى العربية لفت الباحث السوداني د. كمال يوسف، في بحثه «شعر الفصحى والموسيقى والغناء في السودان» إلى أن اختلاف وتعدد الأعراق واللغات في السودان كان له أعظم الأثر في صياغة الأغنية السودانية على نصوص من العربية الفصحى التي تغنى بها أعلام الأغنية السودانية الحديثة لتشكل واحدا من مصادر التعامل مع هذه اللغة على نحو واسع.
ولمح إلى أن أغنيات الشعر الفصيح صار يرددها بعض المطربين الأفارقة ويترجمونها إلى لغاتهم، ضاربا مثالا بأغنية المطرب السوداني سيد خليفة «غيرة» التي وضع كلماتها الشاعر إدريس جماع وتغنى بها مطرب إثيوبي أيضا، تلك الكلمات التي أثارت حفيظة عباس العقاد قائلا: «من المجنون الذي كتب تلك الكلمات؟!».
وعرج يوسف على ألوان الشعر العربي الفصيح في الأغنية السودانية الحديثة، قائلا: «الموسيقار والملحن السوداني طافت ذائقته على مختلف عصور الشعر العربي وألوانه، مما أشبع رغبته في خلق وإيجاد نص موسيقي موازٍ لما ارتسم في مضامين هذه النصوص من قيم وصور، وضرب مثلا بقصيدة (أعبدة ما ينسى مودتك القلب) للشاعر العربي عمرو بن أبي ربيعة، التي تناولها الشاعر والموسيقى السوداني خليل فرح عام 1932، وقام بتسجيلها في مصر لشركة (ميشان)، كما تغنى المطرب عبد الكريم الكابلي بقصيدة (أراك عصي الدمع) لأبي فراس الحمداني، أحد أمراء العصر العباسي، عام 1967». وجد الباحث أن تناول الموسيقيين لنصوص من الشعر الفصيح قد أسهم في فتح آفاق نوعية اختبرت قرائح المبدعين الموسيقيين في مجال يضاف إلى ما ألفوه من لغة عامية دارجة، وهم لم يجانبوا خصائصهم السودانية من حيث الإيقاع والنغم وأساليب التصويت والأداء، كذلك أسهم شعر الفصحى في تطوير القوالب الموسيقية، فعملوا على ترجمتها بلغة التنغيم والتوقيع، وإعادة عرضها بوسيط مختلف غير لغة الكلام الفصيح.
وتناول د. أحمد يوسف الطويل، قصيدة «ليت للبراق عينا» بين القصبجي وأحمد صدقي، حيث لحنها محمد القصبجي في فيلم «ليلى بنت الصحراء» عام 1937، بينما لحنها صدقي عام 1985، موضحا أوجه التشابه والاختلاف بينهما في الحفاظ على نظم أبيات القصيدة، قائلا «إنهما اتفقا في بداية تلحين الأبيات بعد ضغط المازورة الموسيقية، وأن القصبجي استخدم تيمة واحدة في التمهيد لغناء كل كوبليه، عبر مقام الراست، والوار والبياتي، كما اتفق الملحنان في استخدام فرقة موسيقية شرقية مكونة من التخت، مضافا إليها الآلات الوترية ذات القوس، وكذلك في التعامل مع الشعر بإبدال شكل تلحين بعض المقاطع وتغييرها بأشكال أخرى للتوافق وتتواءم مع خصائص الحروف اللغوية العربية، واستخدما خاصية (التحايل)، وهو ما يعكس ثقافتهما واطلاعهما على الكثير من القصائد العربية حيث تعاملا مع العروض الشعري بالطريقة نفسها، واستخدما القيم الزمنية الإيقاعية ذاتها في التعامل مع التفعيلات الشعرية، وأعاد كل منهما غناء البيت الأول من القصيدة».
وذهب د. عبد الجليل خالد، من ليبيا، في بحثه المعنون «الموسيقى وشعر الفصحى» للتأكيد على ارتباطهما الأزلي، فالشعر العربي هو شعر غنائي، فالقصيدة العربية في الجاهلية كانت بمثابة أغنية شعبية. أما في العصر الحديث فقد ثبت أن للموسيقى دورًا كبيرًا في نشر شعر الفصحى بين عامة الناس، كما ساهمت في انتشار الموشحات والمدائح والقصائد الدينية. وشدد على أهمية ثقافة الملحن والمغني ومعرفتهم بقواعد اللغة العربية حتى لا يتغير المعنى اللفظي بسبب الجمل اللحنية.
وأكد الباحث الأردني د. محمد الطشلي، في بحثه «مدى تأثير الصياغة الشعرية (الفصحى) على الصياغة الموسيقية في الغناء الأردني (القصيدة)، أن القصيدة الفصحى كان لها دور كبير في تطور الأغنية الأردنية»، مبينًا فضلها في إدخال علم الهارموني في التوزيع الموسيقي، كذلك كانت سببًا في تنوع الموازين والضروب الإيقاعية في الأغنية الواحدة لكي تناسب تفعيلات الإيقاع الشعري، ودلل على ذلك بتناوله قصيدة «أنا الأردن» أنموذجًا.
واتفق معهم الباحث الفلسطيني خليفة جاد الله، في بحثه «التأثير المتبادل بين الصياغة الشعرية والصياغة الموسيقية في الأغنية العربية الفلسطينية عند الشاعرة فدوى طوقان أنموذجا»، قائلا: «انفتح الشعر العربي الحديث على العديد من الفنون، بما في ذلك الموسيقى والتشكيل والمسرح والسينما وغيرها، فالشعر هو منبع كل الإنجازات الموسيقية والمشرحية والغنائية»، مشيرا إلى أن كل قصائد فدوى طوقان التي تم تلحينها ظهرت بها علاقة قوية بين الشعر والموسيقى والدلالات المضيئة والمعتمة عند الشاعرة، ومنها قصائد: «يا قلعة الصمود»، و«قصيدة الريح»، و«يا حر ما أضرما»، وقصيدة «تحية الكتاب»، وقصيدة «نشيد العيد»، مؤكدا أن استخدام الملحنين لمقامات متنوعة أكد المعنى الذي أرادته الشاعرة، حيث ظهر التناغم بين الكلمات والنسق الموسيقي.



الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة

الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة
TT
20

الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة

الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة

صدرت حديثاً عن دار النشر الباريسية العريقة «لارماتان»، ترجمة فرنسية لرواية «ربيع الغابة» للكاتب الإماراتي جمال مطر، حملت توقيع المترجمة المغربية وفاء ملاح، وراجعها الكاتب الفرنسي لوك باربوليسكو. وقد ذَيَّلت الدار الغلاف الأخير للرواية بنبذة تسلط الضوء على سيرة الكاتب وعوالم رواياته.

يروي لنا الروائي أحداث هذه الحكاية العجيبة على لسان حيوان، لتتشكل شخصيات الرواية بأكملها من عالم الحيوان الرحب، إذ تنطق بالحكمة على ألسنة البهائم، في تقليد نادر يذكِّرنا بـ«كليلة ودمنة»، لكن مع فارق جوهري، فكتاب «كليلة ودمنة» ليس رواية بالمعنى المتعارف عليه، بل هو سفر حافل بالحكايات المروية على ألسنة الحيوانات.

تنطلق شرارة الأحداث من دعابة عابرة بين فأر وأسد. وسيُكتب لهذا الأرنب الصغير شأن عظيم في أرجاء الغابة، تماماً كما تجلى في صفحات «ربيع الغابة». يستلهم الفأر قوته من مهاراته اللغوية الفذة، فهو خطيب مفوَّه، ومتحدث بارع، يمشي على الأرض بخفة ورشاقة، لكنه يترك أثراً عميقاً في نفوس الآخرين. ومنذ اللحظات الأولى لظهوره، يتكشف لنا خبث الفأر المبطَّن ومكرُه الخفي، لتتجسد شخصيته في بوتقة تجمع بين صفتي الدهاء والمكر.

ومع ولوج الفأر إلى بلاط الأسد المهيب، تتفجر المشكلات، وتتصدع أركان المجتمع الحيواني المتماسك في الغابة. وبدهاء مُحْكَم، يبدأ الفأر في ابتزاز الكائنات الأخرى، متظاهراً بأنه كائن مضطهد، لا يجد من يحبه أو يهتم به، حتى البعوض الذي يقتات على الدماء يعاف دمه ويزدريه لفساده. بهذه الحيلة البارعة، يتمكن الفأر من استمالة بعض الحيوانات إلى صفه، ليُنتخب حاكماً للغابة ليوم واحد فقط، في غياب الملك المهيب، الأسد. وأول قرار يتخذه هذا الحاكم الطارئ هو عزل الملك العادل عن عرشه، مستنداً إلى مبررات واهية، لتبدأ حالة من الفوضى العارمة والخراب المستشري في الغابة، منذ اللحظات الأولى لعهده المشؤوم.

وتتجسد البطولة في عالم الحيوان، من خلال أحداث فانتازية، تحلق في فضاء الخيال، لكنها تدور في فلك فكرة جوهرية: صراع حيوانات الغابة على السلطة والنفوذ ومقاليد الحكم. وفي نهاية المطاف، تتجلى الرواية كتجسيد فني للصراع الأزلي بين قوى الخير وقوى الشر.

وفي لقاء مع الكاتب، تحدث عن روايته المترجَمة حديثاً إلى الفرنسية، قائلاً: «لقد سعيت جاهداً لأجعل من روايتي (ربيع الغابة) بؤرة للروح الرمزية؛ لذا قررت أن أروي أحداثها على ألسنة الحيوانات، على منوال كتاب (كليلة ودمنة) الخالد، الذي خطَّه ابن المقفع (724 ـــ 759) في العصر العباسي الزاهر، وروايتي تختلف جوهرياً عن رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، التي تتحدث بلسان البشر، وتتحاور مع الحيوانات في بعض الأحيان».

ويسترسل الكاتب في الحديث عن منبع إلهام الرواية، قائلاً: «بدأت فكرة الرواية تراودني منذ 15 عاماً، في أثناء سماعي طرفة فكاهية تدور حول فأر. ومنذ ذلك الحين، أخذت تلك الفكرة تنمو وتترعرع في ذهني، وتحولت إلى مشروع فيلم (كارتون) – أي رسوم متحركة. وهكذا بدأت الفكرة تتبلور، وتتشكل في مخيلتي، حتى تكللت جهودي بإتمام كتابتها».

ويتابع الكاتب، متطرقاً إلى التساؤلات التي أثيرت حول الرواية بعد نشرها باللغة العربية: «بعد نشر الرواية باللغة العربية، انهالت عليَّ أسئلة كثيرة من القراء، من قبيل: هل هذه الرواية موجَّهة للصغار أو للكبار؟ ولماذا آثرتُ أن أرويها على ألسنة الحيوانات لا على ألسنة البشر؟ وما الرسالة التي تنطوي عليها هذه الرواية؟ وغيرها من الأسئلة».

وعن رؤيته الفنية للرواية، يقول: «لقد تدافعت إلى ذهني كل هذه التساؤلات وأنا أغوص في بحر الكتابة، إلا أنني تعاملت مع الفكرة على أساس أنها جنس أدبي مستقل، وأعددتها للشاشة الفضية، وما زلت أحلم بأن تتحول إلى فيلم سينمائي في يوم من الأيام. لقد كان بإمكاني أن أصوغ هذه الرواية في قالب شعري، لكنني فضَّلت الرواية كأسلوب أدبي قادر على استقطاب شريحة أوسع من القراء. وتدور الفكرة المحورية للرواية حول السلطة وكرسي الحكم، ومفهوم العدالة».

ويضيف الكاتب شارحاً أبعاد الرواية الرمزية: «تسعى الرواية جاهدة إلى رصد الانطباعات والسلوكيات المتناقضة التي تتأرجح في دواخل البشر، وذلك من خلال تجسيد الصراع الأزلي بين الخير والشر الكامنين في نفوسهم؛ إذ كانت الحياة على سطح الأرض في أبهى عصورها وازدهارها مدينة فاضلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لولا عبث الأشرار فيها. وفي روايتي، يمثل الشر الفأر الذي يزهو بدهاء ومكر بالغين؛ لأنه يمتلك عقلاً شريراً مكَّنه من إقناع الملك بالخروج في نزهة، بل ومرافقته في هذه النزهة؛ ليتمكن من قراءة أفكاره الخفية، وليحقق مآربه وخططه الدنيئة».

ويستطرد الكاتب في وصف الصراع المحتدم في الغابة، قائلاً على لسان الفأر: «كم أغبط العصفور في طيرانه الرشيق، وانتقاله السلس من شجرة إلى أخرى بكل حرية وانطلاق، لأنه لا يرزح تحت تسلُّط متسلِّط. لقد ماتت طفولتي البريئة التي ما زلت أبحث عنها». هكذا يمضي الفأر في نسج مكيدته الشيطانية؛ حتى تنتخبه الحيوانات ملكاً متوَّجاً على الغابة. وفي أول يوم من حكمه، يستهل خطابه بالإشادة بفضائله المزعومة، ثم ينطلق منذ اليوم الأول لعهده في بث بذور الفُرقة والشقاق بين الحيوانات، فيبدأ في التخطيط المُحْكم لجمع الأقليات المهمشة في الغابة، ومنحهم العطايا والهبات السخية، ليستميل أصواتهم، ويكسب ولاءهم الزائف.