عندما تصبح مناطق الحروب وجهات للسفر

سياحة الحرب السوداء

عندما تصبح مناطق الحروب وجهات للسفر
TT

عندما تصبح مناطق الحروب وجهات للسفر

عندما تصبح مناطق الحروب وجهات للسفر

عادة ما يقصد السياح أو الناس أماكن زيارتهم لغاية الترفيه أو الراحة، إلا أن هناك أقلية من الناس لا ترغب في الراحة ولا تبحث عن الترفيه، بل عن التشويق والإثارة والمخاطر، وأحيانًا الدراسة، ولذلك يقصدون مناطق الخطر والحرب. ولذا لا عجب يطلق عليهم اسم «سياح الحرب» المشابه لاسم «مراسلي الحرب» الذي يطلق على الصحافيين الذين يغطون الحروب وويلاتها.
فخلال السنوات العشر الماضية، قام الصحافي السابق في «نيويورك تايمز» نيكولاس وود بأفكار سياحية حربية حديثة وعمل على تنظيم بعض الرحلات إلى بعض البلدان المضطربة. وفي عام 2008 قام ريك سويني بترتيب رحلات سياحية حربية خاصة إلى البلدان التي تشهد حروبًا وصراعات حديثة. ويقال إن بعض السياح دفع ما لا يقل عن 40 ألف دولار للذهاب إلى العاصمة العراقية بغداد عام 2010. وتفاعلت هذه الظاهرة، أي ظاهرة السياحة الحربية واستعادت توقدها خلال العالم الماضي 2014 مع ارتفاع عدد السياح الذاهبين إلى العراق، والأراضي المحتلة في فلسطين، وسوريا، وقبلها الشيشان، ويوغسلافيا السابقة.
وقد ساهمت ملايين المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت وخصوصا «فيسبوك» من ارتفاع عدد السياح الحربيين واستعادة الظاهرة وهجها عند الجيل الجديد من الشباب. وتقول الكاتبة دبرة كامن بهذا الصدد: «من عدة نواحٍ، إن كل ما نريد القيام به هو محاولة الحصول على أفضل قصة أو صورة ممكنة ولا يوجد هناك ما هو أهم من صور الحرب الأهلية السورية.. كل ما نقوم به الآن أننا نوثق على الفور ما نراه على المواقع الاجتماعية ومنها (فيسبوك) وننتظر رد فعل أصدقائنا وأقاربنا عليها». وبهذا الصدد، يقول جيمس ويلكوس مؤسس «ياهو للسفر»: «نحن نأخذ الناس إلى أماكن في بلدان ومناطق ذات وقع قوي نتيجة الصراع هناك».
وقد حظيت الحرب في سوريا خلال السنوات الربع الماضي بنصيب الأسد من التغطية والاهتمام، وخصوصًا السياحة الحربية نتيجة انتشار ظاهرة المواقع الاجتماعية على الإنترنت. وقد جاء أحد عناوين «ديلي ميل» البريطانية في أكتوبر (تشرين الأول) العالم الماضي على الشكل التالي: «بطاقة بريدية من خط المواجهة - سياح الحرب يقفون أمام المدينة السورية المحاصرة من قبل تنظيم داعش، بينما تتعرض للغارات الجوية الأميركية»، وهذا في إشارة إلى الأتراك الذين كانوا يراقبون الحرب التي دارت بين «داعش» والميليشيات الكردية المدعومة من الطيران الحربي الأميركي في مدينة كوباني المحاذية للحدود مع تركيا. وقد نشرت الصحيفة صورًا للكثير من الناس والأتراك الذين تجمعوا في القرى التركية القريبة للحدود مع سوريا والذين كانوا يلتقطون صورهم أثناء الغارات على المدينة وهم يصطفون لمشاهدة ما يحصل على الأرض عن بعد مستخدمين الكاميرات والهواتف الذكية.
وفي أحد تعليقاتها تقول الصحيفة: «إن هؤلاء الرجال الأتراك الذين يرتدون الـ(تي شيرت) الصيفية مهتمين بتوثيق اللحظة على هواتفهم الجوالة وكاميراتهم الرقمية أكثر مما هم مهتمون بالواقع المرير لما يحصل أمامهم هذا الصباح، وكأنهم يشاهدون معرضًا للألعاب النارية، أخذ المشاهدون صورهم لانفجار بعد الآخر كلما أغارت القوات الجوية على مواقع الإرهابيين في المناطق الشرقية والجنوبية الغربية من المدينة». وأضافت الصحيفة: «لم يكن هؤلاء الأتراك وحدهم مسحورين بالصراع الدائر في سوريا، إذ جذبت المعركة التي دارت لمد ثلاثة أيام بين الجيش السوري، وجبهة النصرة و(داعش) في منطقة القنيطرة الجنوبية، الكثير من الجماهير المهتمة بمشاهدة الحرب، وذلك في إشارة إلى سكان المستوطنات في هضبة الجولان المحتلة على الجانب الإسرائيلي لمراقبة المعركة والحرب الدائرة هناك. جاء سكان هضبة الجولان إلى الجبال بقمصانهم الصيفية والسراويل القصيرة ونظاراتهم الشمسية لمشاهدة المعارك الدموية الدائرة في مدينة القنيطرة عبر الحدود السورية تحتهم».
وجاء عنوان موقع «ذي أتلانتيك» الأميركية الخاص بمقالة مستوطني الجولان: «صعود السياحة السوداء - عندما تصبح مناطق الحروب وجهات للسفر».
ويقول الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد كوبي ماروم لـ«أتلانتيك»: «يأتي الناس إلى هنا لمشاهدة العرض. وفعلا فقد كانت المجموعات السياحية التي تزور مزارع العنب وأسواق الكرز تتوقف في المناطق المطلة على القنيطرة بحملة بالمناظير والكاميرات الرقمية متلهفة لكل هبة دخان أسود وحتى للمذبحة»، حسب تعبير الموقع.
وكانت هذه الظاهرة أو ظاهرة السياحة الحربية الحدودية قد لفتت انتباه المراقبين صيف العام الماضي أيضًا، عندما تناولت وسائل الإعلام صور للمستوطنين الإسرائيليين في مدينة سيدروت وهم يراقبون ويتفرجون على عمليات دك وتدمير مدينة غزة في الحرب الأخيرة.
وقد وصف مراسل إحدى الصحف الدنماركية ألين سورينسون على حسابه الخاص على «تويتر» المشهد قائلاً إنها «سينما سيدروت»، إذ كان المستوطنون يهللون للغارات الجوية من فوق كراسيهم البلاستيكية وهم يتناولون الفشار.
وفيما تم اتهام سورينسون بتلفيق المشهد لدواعٍ سياسية، كتب صديقه الصحافي نيكولاي كراك الذي شهد على ما كان يحصل، بأن التلة التي كان عليها المستوطنون تحولت إلى ما يشبه الصف الأول من المسرح، إذ توفر مشهدًا مباشرًا لغزة المكتظة بالسكان. ولقد جاء الناس بكراسي المخيمات والأرائك إلى أعلى التلة، بينما كان البعض يجلس على أكياس الفشار يدخنون الشيشة ويتحدثون بمرح.
وبالعودة إلى سوريا، لا يزال اسم تيشفومي فوجيموتو أشهر اسم ياباني يمر على مدن حلب السورية في تاريخها، إذ ترك سائق الشاحنات فوجيموتو وظيفته اليومية المملة ليخاطر بحياته على خطوط التماس الملتهبة في المدينة العريقة. وسكن هذا الياباني الباحث عن الإثارة في المدينة ومن دون التمكن من العربية، يستيقظ كل يوم ليذهب مع أفراد الجيش السوري الحر إلى جبهات المدينة الشمالية ويلتقط صوره الفريدة. وكان فوجيموتو بدأت رحلاته السياحية الخطيرة في أفغانستان مع حركة طالبان وانتقل منها إلى اليمن والقاهرة أيام الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم وصل إلى مدينة حمص بداية الثور السورية عام 2011 لينتهي به المطاف في حلب الشهباء كما توصف.
وكانت صحيفة «ديلي بيست» الأميركية قد تعرضت بالتفصيل لرحلة ثلاثة طلاب (تايلور سميث، وكرار موسى، وجوي إلينكار) في العشرينات من العمر من شيكاغو في الولايات المتحدة إلى محافظة حلب وأحد معسكرات تدريب الجيش الحر في مدينة الباب بالتحديد بداية عام 2013. وكما هو الحال مع الياباني الذي أراد هجرة الملل، خاطر هؤلاء الشباب بحياتهم ليرسلوا صورًا لهم مع الكلاشنيكوف وليتعرفوا على ما كان يثيرهم في الربيع العربي.
ويجدر الذكر هنا أن جامعة سنترال لانكيشر البريطانية أنشأت مؤسسة خاصة بدراسة ظاهرة السياحة السوداء عام 2012 تدعى «مؤسسة السياحة السوداء». والهدف من المؤسسة التي ستعمل حتى عام 2017 تدوين وتوثيق زيارات جميع المواقع الشريرة (المواقع التي لها علاقة بالحرب والموت)، كما يتم وصفها، لدراسة آثار هذا النوع من السياحة السوداء على المواقع التراثية حول العالم. ويقول مدير المؤسسة فيليب ستون في هذا الإطار، إن الظاهرة ليست جديدة، لكن الجديد فيها حاليًا هو تجاريتها، وشرعنتها عبر القطاع السياحي.
وكان موقع «فيرالنوفا» (viralnova) الخاص بالغرائب على الإنترنت، قد نشر العام الماضي لائحة بالأماكن السياحية التي يشعر فيها السائح برائحة الموت من حوله. وشملت هذه الأماكن المعروفة، النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية في رواندا (1994) وثكنات الجنود الألمان ومعسكر أوشفيتز النازي الذي شهد مقتل أكثر من مليون يهودي وموقع محطة فوكوشيما للطاقة النووية، والتي شهدت مؤخرًا واحدة من أبشع الكوارث البيئية في العالم، أضف إلى ذلك غابة الانتحار في اليابان نفسها وجزيرة الدمى المكسيكية وساحة سام الفرنسية التي شهدت مقتل أكثر من مليون جندي خلال الحرب العالمية الأولى ومدينة بريبيات الخاصة بمكان سكن عمال مفاعل تشيرنوبل النووي الشهير والذي شهد قبل حادثة فوكوشيما في منتصف ثمانينات القرن الماضي واحدة من أكبر الكوارث النووية التي شهدها العالم حتى الآن. ولا تزال منطقة الكارثة والمفاعل محط أنظار الكثير من السياح الباحثين عن أماكن خطيرة وغريبة للتعبير عن اهتماماتهم وشخصياتهم حتى الآن.
يعتبر الرسام البحري الهولندي ويليام فان دي فالي إيلدار، أول السياح الحربيين في العالم الحديث، إذ استقل قاربًا صغيرًا لمشاهدة معركة حربية بين الأسطول الهولندي والأسطول الإنجليزي عام 1653 وقد تمكن من وضع بعض الرسوم لتلك المعركة التي كانت من معارك كثيرة بين الجانبين للسيطرة على طرق التجارة العالمية، ولو توفرت الكاميرا آنذاك لتمكن إيلدار من التقط بعض الصور.
كما كان هنري غيز أول وكيل سفر حربي حسب ما تؤكده الموسوعة الحرة، حيث بدأ بترتيب أولى الرحلات السياحية إلى موقع معركة واترلو الشهيرة في منتصف القرن التاسع عشر، وتبعه في ذلك الكثير من الشركات الخاصة برحلات الطلاب إلى الموقع للغايات التعليمية مما ساهم وساعد في انتشار ظاهرة تجارة التحف والهدايا التذكارية، كما ذكرت شركة «توماس كوك» بداية القرن الماضي في أحد إصداراتها.
ويقال إن الكاتب الأميركي مارك توين زار الدمار الذي حل بمدينة سيباستبول خلال حرب القرم الشهيرة وكان يمشي حاملاً إحدى الشظايا كتذكار من الحرب، كما دعا الأمير الروسي ألكسندر منشكوف سيدات المدينة من الطبقات العليا لمشاهدة أولى معارك الحرب وهي معركة ألما التي أسفرت عن هزيمة الروس على يد الإنجليز والفرنسيين والمصريين، خسارتهم لما يقارب الستة آلاف جندي.
وفي حين كثرت الرحلات السياحية أثناء الحرب الأهلية الأميركية وبشكل خاص من أوروبا وبريطانيا، بحيث نشطت شركة «توماس كوك» البريطانية المعروفة أكثر فأكثر بالترويج للسياحة الحربية، في حرب البوير الثانية بين الإنجليز والهولنديين في جنوب أفريقا نهاية القرن التاسع عشر. وكانت الشركة المعروفة وقبل ذلك، ترسل السياح أيضًا إلى منطقة كورنويل الجنوبية الغربية في إنجلترا لمشاهدة عمليات الشنق في منتصف القرن التاسع عشر.
ظل الغرام بالحروب عند البعض مشتعلاً ولم ينطفئ إلا في نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث تحول من تراث فردي للتشويق والمخاطر إلى تراث ديني للحج وزيارة الأماكن التي شهدت معارك عنيفة أو مجازر أو مقابر جماعية، ومن هنا ارتبطت السياحة الدينية بالسياحة الحربية، كما يحصل الآن مع ظاهرة زيارة معسكرات الهلوكوست النازية التي قتل فيها اليهود بأفران الغاز، للترويج للسلام والتسامح بين الشعوب. ولذلك كان بين الكثير من السياح بعد الحرب الكثير من أبناء الطائفتين الكاثولكية والإنجيلية، وخصوصًا في فلسطين واليونان وإيطاليا، لغايات شخصية ونتيجة علاقات أهلية مع الجنود الذين شاركوا في المعارك، وأحيانًا لغايات فضولية بحتة.
وتواصلت ظاهرة زيارة الأماكن التي شهدت معارك أو مجازر شهيرة بعد الحرب العالمية الثانية ولا تزال حتى الآن.



«كيوتو»... مدينة السياحة والتاريخ والثقافة والطعام

سياح من مختلف  انحاء العالم يتجهون إلى حيث أحد أقدم منتزهات مدينة كيوتو(الشرق الأوسط)
سياح من مختلف انحاء العالم يتجهون إلى حيث أحد أقدم منتزهات مدينة كيوتو(الشرق الأوسط)
TT

«كيوتو»... مدينة السياحة والتاريخ والثقافة والطعام

سياح من مختلف  انحاء العالم يتجهون إلى حيث أحد أقدم منتزهات مدينة كيوتو(الشرق الأوسط)
سياح من مختلف انحاء العالم يتجهون إلى حيث أحد أقدم منتزهات مدينة كيوتو(الشرق الأوسط)

ربما يزول الاندهاش بحجم الإقبال الكبير من المسافرين بالقطار السريع، من العاصمة اليابانية طوكيو إلى كيوتو مدينة السياحة والتاريخ والثقافة والإبداع والتعليم والطعام، حالما تستقبلك المدينة، بتاريخها العريق وقصورها الإمبراطورية القديمة، ومعابدها وأضرحتها وحدائقها التقليدية وعاداتها الثقافية الثرية، مع توافر عدد كبير من الجامعات والمؤسسات البحثية والشركات المتقدمة.

عندما تجد زحام السياح في كيوتو، في مختلف الأماكن الحضرية والتاريخية ومطاعمها وأزقتها بين البيوت الخشبية التقليدية وأسواقها الشعبية اعرف أن ملايين السياح من مختلف أنحاء العالم، يشاركونك الاستمتاع بالمدينة وتاريخها وحضارتها، حيث مزجت بين قديمها وحاضرها وتستعد لمستقبلها بكل تفاؤل وثقة.

من أمام إحدى بوابة قصر أول أمبراطور ياباني(الشرق الأوسط)

ربما تتساءل عن سرّ نظافة المدينة، ونقاء هوائها، بينما تأتيك الإجابة من قوانينها، التي تمنع رمي أي قمامة بشكل غير مسؤول أو محاولة إخفائها في كيس من البلاستيك بشكل عشوائي، فضلاً عن منع التدخين في الأماكن العامة، بينما تستضيف في مهرجانات احتفائية شعبية في أكثر من موقع.

ينتشر في مدينة كيوتو التاريخية عدد من الأنهار الطبيعية وعليها بعض الجسور التي تربط المدينة ببعضها بعضاً، في ظل توافر مناظر طبيعية جميلة، متناغمة مع مظاهر قصورها ومبانيها التاريخية من حيث الهندسة المعمارية التقليدية.

وجبة نيشين سوبا(الشرق الأوسط)

ويرقد على أرض المدينة، عدد من المعابد الشهيرة والمواقع الشتوية الممتعة، والأسواق العصرية والشعبية، للاستمتاع ببعض الأحجار الكريمة أو تعلّم الخط والرسم.

تعدّ محطة كيوتو على خط قطار شينكانسن توكايدو، بوابة الدخول إلى المعالم السياحية بالمدينة، حيث تقع بعض المعالم على مسافة قريبة من المحطة، بينما يمثل برج كيوتو الشهير والذي يمكن رؤيته أينما كان موقعك في المدينة، نسبة إلى ارتفاعه الذي يتجاوز 130 متراً.

احد قصور الامبراطورية اليابانية القديمة من الداخل(الشرق الأوسط)

وتعدّ محطة كيوتو أحد أهم المعالم الحضرية للمدينة؛ لأنها تضم بعض مواقع التراث العلمي لمنظمة «يونيسكو»، مثل معبد «توجي»، بينما يتسيد معبد «هيغاشي هونغانجي» شمال المحطة، في وقت يقدر فيه عدد السياح 50 مليون سنوياً، بينما لا يتجاوز فيه عدد سكان المدينة 1.5 مليون نسمة فقط.

وعلى مسافات قريبة من المحطة، يقبع متحف «كيوتو» للأزياء، ومتحف السكك الحديدية، ومتحف «ريوكوكو»، الذي منه تقودك الطريق إلى حيث كهف «سليك رود»، ومتحف «كيوتو أوكاريوم»، ومتنزه «أوميكوجي».

وجبة الكايسيكي الحديثة في مطعم الكايسيكي الشهير بمدينة كيوتو(الشرق الأوسط)

وبالتوازي مع نهر «كامو»، ستقودك طريق شيتشيجو الموازية للنهر، إلى المتحف الوطني، الذي تم تأسيسه في عصر «ميجي» الذي يعدّ إحدى حقب التاريخ المزدهر «1868 – 1912»، والذي يحمل بصمات الفنون والحرف اليدوية اليابانية.

ومع كل الزحام في كيوتو بالسياح خلال النهار، إلا أن المدينة تنعس بعد مغيب الشمس رويداً رويداً، حتى تبدو هادئة من صخب النهار وضجيج السياح، لتوفر لهم الكثير من الأماكن للاستمتاع بما تقع عليه عيناك بين نهر صغير يسمعك بعض الخرير الخفيف، ومناظر وتقاليد يجسدها بعض الحرفيين لترجمة ثقافتهم وتاريخهم في ثقافة الهدايا.

عدد من السياح أمام إحدى بوابات أحد قصور الامبراطورية اليابانية القديمة في كيوتو(الشرق الأوسط)

من الواضح أن كيوتو، ليست مدينة رخيصة من حيث أسعار الملابس والمشروبات والهدايا، مقارنة بما عليه الحال في العاصمة طوكيو، غير أنه في الوقت نفسه توفر لك بدائل تراعي إمكانياتك المالية للإنفاق؛ إذ يمكنك الاستماع أيضاً بطعام لذيذ وتسكنك في فنادق وتطوف بك في بعض الأسواق والمعالم، بالقدر الذي تستطيعه.

ثقافة الطعام في كيوتو

توفر كيوتو عدداً من المطابخ والمطاعم التي تقدم الوجبات المحلية، طالما مزجت فيها تاريخها الغذائي على مدى مئات السنين، مشبعة بنهكة أطعمة الملوك والساموراي والكهنة، ولم تنس أن تقدم الوجبات الحلال لروادها من البلاد الإسلامية.

ربما تختلف تقاليد الطهي في كيوتو عما عليه الحال في طوكيو مثلاً؛ إذ لا ترتبط بوجبات «السوشي» اليابانية المعروفة؛ لأن سكان المدينة كانوا يكافحون من أجل الحفاظ على الأسماك طازجة قبل وصول وسائل الراحة الحديثة، ومع ذلك، فإن ذلك لم يمنع أساتذة الطهي في المنطقة من تطوير تفسيراتهم الخاصة لهذا الطبق الياباني الكلاسيكي.

وجبة أوبانزاي (الشرق الأوسط)

ويُصنع الكيوزوشي من السمك الذي تمت معالجته بالملح أو الخل. على الرغم من وجود الكثير من الاختلافات التي يمكنك اكتشافها في المطاعم في جميع أنحاء المدينة، فإن الخيار الأكثر شهرة هو بالتأكيد سابا - زوشي. باستخدام سمك الماكريل مكوناً رئيسياً، يتم إعداد هذا السوشي الغني على طريقة كيوتو وجاهز للأكل على الأرز المنقوع بالخل.

يعتقد البعض، أن كيوتو تعدّ مثالية لصنع منتجات التوفو مثل «يوبا»، حيث تتشكل هذه الوجبة الخفيفة على سطح حليب الصويا الساخن، وعادةً ما يتم تقديمها طازجة مع صلصة الصويا، ومع ذلك، يتم أيضاً تجفيفه بشكل متكرر لأيام عدة، ثم يُقلى جيداً ويُضاف إلى الحساء وأطباق المعكرونة.

وجبة يودوفو ويوبا (الشرق الأوسط)

أما «يودوفو»، فهو طبق بسيط آخر يتم فيه تسخين التوفو الحريري بالماء الدافئ، حيث يتم تقديمه عادة مع الأعشاب البحرية المجففة والبصل الأخضر المفروم حديثاً، وعلى الرغم من أن هذا الطبق قد يبدو أساسياً، فإن الحصول على النكهات اللذيذة يعتمد على المكونات عالية الجودة. جرّب أطباق التوفو الجانبية هذه لتجربة تناول طعام كيوتو الأساسي.

أما «أوبانزي» فهي وجبة مشتقة من مفهوم طبخ فلسفي أساسي في المطبخ على طراز كيوتو، حيث تتألف طريقة الطهي المنزلي هذه من الكثير من الأطباق الصغيرة، وهي تدور حول احترام مكوناتك وتقليل النفايات، وللتأهل كوجبة أوبانزاي، يتحتم أن يكون مصدر نصف المكونات التي يتم تناولها على الأقل من داخل ولاية كيوتو.

على الرغم من أن زيارة مطعم كايسيكي، يمكن أن يكون مكلفاً للغاية، فإن تجربة تناول الطعام هذه ببساطة لا تُنسى، لطالما تشبع بتراث كيوتو، مرتكزاً على مبدأ الواشوكو الياباني - أو الانسجام - يجمع هذا المطبخ المتطور بين المكونات المحلية الموسمية للغاية والعرض الفني.

ومن خلال رسم أوجه التشابه مع المطبخ الفرنسي الراقي، يُعتقد أن كايسيكي نشأ من الولائم في فترة إيدو، حيث كان رواد المطعم من الطبقة الأرستقراطية يجتمعون لتناول وجبات باهظة، ومع هذه التذوقات التي تقدم المسرات البصرية والمذاق اللذيذ، انغمس في وليمة فاخرة عن طريق الحجز لتناول وجبة على طراز كايسيكي أثناء إقامتك في كيوتو.

يودوفو ويوبا