الحكومة التونسية تنشد مكافحة «الإرهاب» عبر بوابة الاقتصاد

مسؤول رفيع المستوى: جمعة يكاشف بـ«الحقائق» مع الحرص على الطمأنة

المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية
المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية
TT

الحكومة التونسية تنشد مكافحة «الإرهاب» عبر بوابة الاقتصاد

المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية
المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية

من المتوقع أن يطغى ملفا الأمن والاقتصاد على خطاب المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية، في أول مصارحة سيتوجه بها اليوم (الاثنين) إلى التونسيين. وتستعد الحكومة التونسية في غضون اليومين المقبلين لتقديم تصور جديد حول الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، ولحل مشكلات البطالة والتنمية في الجهات الداخلية. وينتظر أن يحمل خطاب جمعة الأول تفاصيل حول خطة التعامل مع الأوضاع الاجتماعية المتردية، وبداية ظهور الاحتجاجات من جديد والظرف الاقتصادي المتعثر.
وفي هذا السياق، قال عبد السلام الزبيدي المستشار الإعلامي برئاسة الحكومة، لـ«الشرق الأوسط»، إن جمعة سيصارح التونسيين بمجموعة من الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلا أنه بقدر ما سيكون صريحا في كشف تلك الحقائق، فإنه سيكون حريصا على بعث رسالة طمأنة للتونسيين بخصوص ضمان أمن البلاد واستقرارها، ومن ناحية الإسراع بمشاريع التنمية الموجهة للجهات الفقيرة والمحرومة. وتابع قائلا إنه «سيكون خطاب الحقيقة».
وتدرك الحكومة أن ضمان الاستقرار السياسي والأمني يمر حتما عبر التنمية والتشغيل، لذلك تربط في تدخلاتها العاجلة بعد نحو الشهر من تسلمها مقاليد البلاد بين الملف الأمني والملف الاقتصادي.
وأعلنت رئاسة الحكومة في أعقاب اجتماع حكومي احتضنه أول من أمس القصر الرئاسي بقرطاج عن التحضير لعقد مؤتمر وطني حول الأمن والإرهاب، دون ذكر تاريخ محدد، وضم هذا الاجتماع الأول من نوعه رئيس الحكومة بمشاركة 26 حزبا سياسيا ممثلا في المجلس التأسيسي (البرلمان).
ويعد الإعلان عن مؤتمر لمكافحة الإرهاب بمثابة رسالة طمأنة موجهة إلى مختلف الأطراف السياسية التي تخشى بعضها التعرض لمضايقات خلال الفترة التي تفصل تونس عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة قبل نهاية السنة الحالية. وتضع الحكومة في اعتبارها أن مهمتها الأساسية هي إعداد البلاد لتلك الانتخابات وتنقية الأجواء السياسية والاجتماعية من كل الشوائب.
وقال جمعة إن الحكومة بصدد إعداد قانون خاص بالشبان التائبين ممن حملوا السلاح ولم يرتكبوا جرائم في حق التونسيين.
ويجمع خبراء أمنيون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن التصور الجديد لمكافحة الإرهاب، فرضته خطط المجموعات الإرهابية ونجاحها في تنفيذ اغتيالين سياسيين، على غرار شكري بلعيد ومحمد البراهمي خلال السنة الماضية، وتطور طرق مواجهتها لعناصر الأمن والفشل النسبي في إيقاف ظاهرة الإرهاب، وتواصل التهديد بعمليات إرهابية.
ويحسب لقوات الأمن نجاحها في استباق الأحداث والقبض عن مجموعة إرهابية بمنطقة برج الوزير وقتل سبعة عناصر متهمة بالإرهاب بمنطقة رواد، وكلا العمليتين خلال شهر فبراير (شباط) الماضي.
وبحسب مصادر أمنية، تقوم تلك الاستراتيجية على دعم المناطق الحدودية، والإعداد لحرب طويلة ضد الإرهاب، كما تعتمد على اقتناء تجهيزات متطورة لاقتفاء أثر المجموعات الإرهابية واقتحام مكامنها المحصنة، ومتابعة تمويل العمليات الإرهابية ومراقبة كل تمويل مشبوه، بالإضافة لوضع خطة لاسترجاع قرابة 380 مسجدا لا يزال تحت سيطرة المجموعات المتشددة.
وفي محاولة لتجفيف منابع الإرهاب، أشار لطفي بن جدو وزير الداخلية، إلى نجاح الأجهزة الأمنية في منع نحو ثمانية آلاف شاب تونسي من التوجه إلى سوريا للجهاد، ودعا إلى سن قانون يمنع الشبان من السفر إلى بؤر التوتر في العالم دون المساس بحرية التنقل. وتخشى تونس من عودة آلاف المجاهدين من سوريا، وإمكانية انخراطهم في مجموعات متشددة. وخلال سنة 2013، ألقت وزارة الداخلية القبض على 1400 متهم بالإرهاب، كما حجزت 300 قطعة سلاح من نوع «كلاشنيكوف» و160 لغما أرضيا وأطنانا من مادة «الأمونيتر» المستخدمة في صنع الألغام، وذلك حسب إحصائيات نشرتها وزارة الداخلية.
ويشير خبراء في مجال الإرهاب إلى الارتباط الوثيق بين الملفين الأمني والاقتصادي. وطالب رئيس الحكومة أثناء الإعلان نهاية الأسبوع الماضي عن تعيين 18 والٍ (محافظ) جدد، بإيلاء عناية خاصة إلى المناطق الحدودية، من خلال تكثيف الاستثمارات والمشاريع المشتركة مع الجزائر. كما تسعى الحكومة إلى بعث مناطق تبادل اقتصادي حر لمجابهة آفة التهريب والتجارة الموازية.
وأكدت دراسة أعدها البنك العالمي أن ظاهرة التهريب بين تونس والجزائر وليبيا تكلف تونس خسارة بأكثر من مليار دولار أميركي سنويا (نحو 1.8 مليار دينار تونسي).
في غضون ذلك، يشن القضاة التونسيون إضرابا عاما بكامل المحاكم لمدة ثلاثة أيام بداية من اليوم، وذلك على خلفية حادثة اعتداء مادي ولفظي على قاضي تحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس من قبل مجموعة من المحامين يوم 21 فبراير الماضي. وهذا التحرك الاحتجاجي هو الثاني من نوعه للقضاة خلال أقل من أسبوعين.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم