الأحزاب التركية

الأحزاب التركية
TT

الأحزاب التركية

الأحزاب التركية

حزب العدالة والتنمية

يتصدّر حزب العدالة والتنمية (AKP) قائمة الأحزاب التركية المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو الحزب الذي حافظ على قاعدة شعبية واسعة، شهدت ازديادًا منذ عام 2002، حتى عام 2015، لتكون نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية أول عملية متعثرة في وجه تشكيل الحزب للحكومة التركية.
والحزب الذي يرأسه رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو تأسس عام 2001، إثر انشقاق عدد من القياديين في حزب «الرفاه» مثل عبد الله غُل ورجب طيب إردوغان. وبعد حل حزب «الرفاه» من قبل المحكمة الدستورية عام 1998، تشكل الحزب بتجمع التيار الإصلاحي، وعدد من الرموز الليبرالية والقومية واليسارية.
حافظ الحزب على وتيرة فوزه في الانتخابات التشريعية منذ 2002، وحتى 2011، مرورًا بانتخابات 2007، قبل أن يتعثر في انتخابات 2015. وساهمت تلك النجاحات في تحويله إلى قوة سياسية مؤثرة، عززت حكم حزب العدالة والتنمية. ومع تعثره في الانتخابات الأخيرة، حاول داود أوغلو الدفع بالحزب مجددًا، عبر استعادة المفاهيم التي قام عليها في أيام الحزب الأولى، وذلك عبر تجديد وتحديث برنامجه الانتخابي.
ويرفع الحزب في برنامجه الانتخابي الحالي أولويات بينها «الإصلاحات الديمقراطية والنظام الدستوري الجديد، والتنمية الإنسانية والمجتمع النوعي، واقتصاد مستقر وقوي، والعلم والتكنولوجيا والإنتاج المبتكر، ومدن صالحة للعيش، وبيئة مستدامة، ودولة رائدة ذات رؤية وطموح».

حزب الشعب الجمهوري
وعلى النقيض، تتمثل القاعدة الشعبية المؤثرة لأحزاب المعارضة التركية في ثلاثة أحزاب، استطاعت أن توصل ممثلين عنها إلى البرلمان، رغم أن أحزابا أخرى تتمتع بحيثية ضعيفة التمثيل موجودة لكنها عجزت عن إيصال ممثليها إلى القبة البرلمانية.
أهم أحزاب المعارضة المؤثرة الثلاثة حزب الشعب الجمهوري، الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال، المعروف بـ«أتاتورك» عام 1923، وقاد من خلاله البلاد طوال فترة رئاسته وبقي في الحكم حتى عام 1950، حين كان الحزب المرخص الوحيد في البلاد آنذاك، قبل أن تنشأ أحزاب أخرى بدأت بامتصاص قوته تدريجيًا، لكنه يبقى ثاني الأحزاب في البرلمان التركي.
وتحول هذا الحزب إلى حزب معارض لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، منذ عام 2002. ويتمتع بقاعدة شعبية واسعة في المناطق الساحلية حيث يغلب الطابع الغربي على نمط حياة السكان، وتحديدا في إزمير وأنطالية. ويتميز الحزب بقاعدة شعبية يسارية علمانية، تتعارض مع قواعد الأحزاب اليمينية والمحافظة. لم يتمكن من تشكيل حكومة منفردة منذ أكثر من 40 سنة، لكنه شارك بحكومات ائتلاف مختلفة كان آخرها عام 1993.
يحافظ الحزب على تمثيله، من خلال مجموعة من الشعارات يرفعها، وخصوصًا في فترات الانتخابات، بينها شعار «تركيا صالحة للعيش». ويتضمن برنامجه الانتخابي مفاهيم مثل «الحريات، دولة القانون والديمقراطية، اقتصاد شامل يخفض البطالة، التكافل، والعدالة الاجتماعية، خدمة حكومية متميزة للمواطن، الطبيعة وحق المدينة، سياسة خارجية أساسها المواطن والقيم، تحقيق السلام مع سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم».

حزب الحركة القومية
من حيث قوة التمثيل، يأتي حزب «الحركة القومية»، الذي يقوده دولت بهجلي في المرتبة الثانية ضمن أحزاب المعارضة. وخلافًا لحزب «الشعب الجمهوري»، يعتبر «الحركة القومية» حزبًا قوميًا متشددًا، أسّسه الضابط التركي ألب أرسلان توركش، أحد قادة الانقلاب العسكري عام 1960. ودخل أكثر من ائتلاف حكومي، خصوصًا مع الأحزاب اليمينية. ويتقارب هذا الحزب مع العدالة والتنمية في قاعدته اليمينية المحافظة، مع تشدد أكبر من جانبه في ناحية القومية التركية التي تحدد وجهة نظره من مختلف القضايا التي تواجهه.
وحزب «الحركة القومية» حمل في برنامجه الانتخابي شعار «إصلاح مجتمعي، ومستقبل سعيد»، معلنًا رفضه عملية التسوية السلمية مع «الأكراد».
حزب «ديمقراطية الشعوب»
أخيرًا، برز حزب حزب «السلام والديمقراطية»، المعروف بـ«ديمقراطية الشعوب»، كحزب معارض مؤثر، نقل الصوت الكردي إلى البرلمان التركي، لأول مرة في الانتخابات التي عقدت في الصيف الماضي. هذا، مع العلم أن تجربته السابقة في الانتخابات، وبالتالي كتلته البرلمانية، كانت تتشكل في كل دورة انتخابية من خلال تجميع المستقلين وتشكيل حزب لاحقا، خلافا لمنطق الأمور الذي يقول إن الحزب يخوض الانتخابات كوحدة متكاملة. وهنا نشير إلى أن القانون التركي يفرض حاجزا نسبيا أمام الأحزاب لدخول البرلمان، هو حصولها على 10 في المائة من أصوات الناخبين لكي يحق لها التمثل في البرلمان. ولقد تخطى الأكراد تلك المعادلة، إذ حصل على 13 في المائة من الأصوات في الانتخابات الماضية، ما مكّن الأكراد من دخول البرلمان التركي ككتلة برلمانية.
الحزب أسس عام 2008، ليحل محل حزب العمل الشعبي، الذي كان قد أسسه بعض الناشطين اليساريين الأكراد والأتراك عام 1990، وكان أول حزب مناصر للأكراد يتمتع بتمثيل برلماني، إلى أن حظرته المحكمة الدستورية. ويترأس الحزب صلاح الدين دميرطاش.

الأحزاب الأخرى
إضافة إلى تلك الأحزاب، تخوض أحزاب أخرى الانتخابات، رغم أن تمثيلها ليس قويا، بينها حزب «العمل التركي» اليساري العلماني، ويتزعمه دوغو برينتشك، والحزب «الشيوعي التركي» الذي يتزعمه ياشار تشليك، وهو من الأحزاب الناشطة في الشارع التركي، ويقوم بنشاطات كثيرة مناوئة للحزب الحاكم من دون أي تقارب فعلي مع بقية أحزاب المعارضة. وحزب «تركيا المستقلة» الذي تأسس عام 2011، ويتزعمه حيدرباش.
إضافة إلى ذلك، يوجد «الحزب الديمقراطي اليساري» العلماني ويتزعمه السياسي المعروف معصوم توركر، و«حزب السعادة» الإسلامي الذي جاء بديلاً عن حزب الفضيلة الذي حلته المحكمة الدستورية، وكان ينتمي إليه إردوغان قبل تأسيس حزب العدالة والتنمية، فضلاً عن «الحزب الاشتراكي العمالي» اليساري المتشدد، والحزب الديمقراطي (الطريق القويم سابقا).



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.