فقد اللاجئون السوريون الشباب في مخيم كوركوسك بشمال العراق الكثير، وهم الآن يفقدون معلميهم أيضًا.
لقد بدأ المعلمون في حزم حقائبهم وشد الرحال إلى أوروبا، واحدا تلو الآخر، بحثًا عن فرصة جديدة وإحساس بالأمان وحياة أفضل. ومع انطلاق العام الدراسي في العراق، تسعى المدارس جاهدة لاستيعاب الطلبة المتأخرين من اللاجئين، إلا أنها تواجه ظاهرة هجرة المدرّسين. وقد فر 9 من معلمي كوركوسك إلى أوروبا هذا الصيف، مما اضطر المدرسين المتبقين إلى تحمّل أضعاف أعداد الطلبة.
وتعدّ ميزغين حسين، 28 عامًا، من بين المعلمات اللائي بقين في العراق. وتعترف حسين، وهي لاجئة من ديريك بسوريا، بأنه رغم إحساسها بالالتزام تجاه الطلبة، فإنها سترحل لو توفر لديها المال اللازم لخوض الرحلة. وتقول حسين، التي تلقي دروسها في صف مكون من 37 طالبًا في مدرسة المخيم، إن «سبب رغبتي في الرحيل هو أن أكون مستقبلا لنفسي.. بالتأكيد هذا سيؤثر على المدرسة وتلاميذها في الوقت الراهن. إلا أننا سنستعين بالأشخاص المتوفرين لدينا لحل هذا الوضع، إلى أن يحضر مدرّسون آخرون آخرين».
وتشهد المخيمات في مختلف أنحاء العراق نفس ظاهرة هجرة المدرّسين إلى البلدان الأوروبية. في غضون ذلك، تتزايد أعداد الطلبة بينما يواصل العنف والقتال تمزيق سوريا والعراق، مما يجبر الناس على الفرار من منازلهم. وعانت سوريا من حرب أهلية تزداد فوضى على مدار السنوات الخمس الماضية، بينما سيطر «داعش» على ثلث مساحة هذا البلد والعراق.
وفي مخيم دوميز، غادر 4 من أصل 21 مدرسا في مدرسة كوباني الابتدائية خلال الشهر الماضي. وفي ظل وجود أكثر من ألف طالب، يقول المدير عبد الله محمد سعيد إن مستقبل مدرسته في خطر، مشدّدا: «نحتاج إلى أشخاص جدد، وإلا سنضطر إلى إغلاق المدرسة». من جهته، يؤكد مظهر محمد، ناظر مدرسة كوركوسك، أن «مشكلتنا الآن هي أن المدرسين يهربون إلى أوروبا.. ليس لدينا أي مشكلات أخرى. فالحكومة تمدنا بالعدد الكافي من الكتب».
ويستضيف شمال العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي ما يقرب من 250 ألف لاجئ سوري، يعيش أكثر من ثلثهم في مخيمات. ووجد كثيرون منهم وظائف، فيما فتح بعضهم متاجر وانخرط البعض الآخر في التعليم. لكن مستقبلهم الغامض دفع المشككين منهم إلى الفرار من المنطقة، إما بالعودة إلى سوريا أو عبر الحدود إلى تركيا وما وراءها.
وتشير بيانات وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد السوريين الذين غادروا شمال العراق إلى أوروبا تضاعف 3 مرات في الشهور الأخيرة. ومن بين هؤلاء معلمون سوريون كثيرون كانت تدفع لهم حكومة إقليم كردستان الرواتب للتدريس في المخيمات المتعددة هناك. لكن المنطقة تواجه أزمة مالية حادة، مما أدى إلى عدم تسلم الكثير من هؤلاء المعلمين رواتبهم، وهو سبب آخر دفعهم إلى الرحيل.
وفي أول أيام الدراسة في كوركوسك، انتظر الطلبة فتح الأبواب خارج سور المدرسة. وتدفق المئات منهم على باحة المدرسة متلهفين للعودة إلى صفوفهم الدراسية. لكن إدارة المدرسة اضطرت إلى تقليص عدد الحصص لعدم توفر العدد الكافي من المعلمين للتدريس لكل الطلبة. وقال محمد، ناظر مدرسة المخيم: «ألغينا الحصص الأخيرة، لذا نرسل الطلبة إلى بيوتهم مبكرًا». وأجبر هذا النقص الملحوظ المدرسين المتبقيين على تدريس مواد خارج تخصصهم، حيث يدرس معلمو التاريخ مادة الجغرافيا ويدرس معلمو الرياضيات مادة الفيزياء.
أما بعض المدرسين الآخرين، أمثال جيفين صالح عمر، فأكدوا على تعهدهم بالبقاء مهما كانت التكلفة. وتقول عمر لوكالة «أسوشيتيد برس» إن «تعليم الطلبة أهم من أي شيء آخر.. لقد أصبحوا لاجئين واضطروا إلى المجيء إلى هنا. هذا أقل ما يمكننا فعله من أجلهم».
في المقابل، تشهد مخيمات اللاجئين موجات هجرة مضادّة، إذ يفضّل كثير من اللاجئين السوريين في مخيمات بالعراق ولبنان والأردن العودة إلى سوريا رغم المخاطر.
ففي الأردن مثلا، تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أكثر من أربعة آلاف لاجئ يعودون إلى بلادهم شهريًا رغم حالة عدم الاستقرار وتفاقم الوضع الأمني بعد أن تدخلت روسيا في سوريا من خلال عملياتها في الشمال وتوسيع ضرباتها في الجنوب. وعزا مسؤول الاتصال والتواصل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، محمد الحواري، ارتفاع طلبات العودة للاجئين إلى صعوبة الحياة في المخيم أو المناطق الأخرى، وعدم وجود استقرار نفسي، إضافة إلى شح مساعدات الإغاثة وافتقارهم للمال، مما أدّى إلى انقطاع الدعم عن 229 ألف لاجئ سوري من برنامج الأغذية العالمي، الذي خفض قيمة المساعدات الشهرية إلى 7 دولارات للفرد الواحد، مشيرًا إلى أن هذه الفئات تصنف من الأكثر احتياجًا وتقع تحت خط الفقر الوطني والدولي.
هجرة المدرسين إلى أوروبا تهدد مدارس مخيمات اللاجئين في العراق بالإغلاق
الأزمة المالية في إقليم كردستان أدّت إلى عدم تسلم كثير منهم رواتبهم الشهرية
هجرة المدرسين إلى أوروبا تهدد مدارس مخيمات اللاجئين في العراق بالإغلاق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة