أكسفورد البريطانية تشهد حوارًا بين الشرق والغرب لبحث التحديات المشتركة

أكثر من 300 مفكر ومثقف عربي وغربي في دورة «البابطين» الخامسة عشرة

مدينة أكسفورد، عبد العزيز البابطين
مدينة أكسفورد، عبد العزيز البابطين
TT

أكسفورد البريطانية تشهد حوارًا بين الشرق والغرب لبحث التحديات المشتركة

مدينة أكسفورد، عبد العزيز البابطين
مدينة أكسفورد، عبد العزيز البابطين

في مدينة أكسفورد البريطانية، «مدينة الأبراج الحالمة» كما يلقبها الشاعر الإنجليزي ماثيو آرنولد، والمشهورة بتاريخها الأثري العريق، يلتقي اليوم نخبة من أهل الفكر والأدب والرأي من العالم العربي وبريطانيا ودول غربية أخرى لمناقشة التحديات المشتركة.
وعلى مدى يومين، تشهد المدينة التاريخية، التي تقع في الشمال الغربي للعاصمة لندن، ويخترقها نهر التيمس الشهير، جلسات عمل ونقاش فكري، وأمسيات للفنّ بحضور عربي بارز.
وتعقد اليوم مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية دورتها الخامسة عشرة بجامعة أكسفورد أقدم جامعات العالم الناطق بالإنجليزية، التي أصبحت منارًا للعلماء والباحثين والطلبة. وتعقد الدورة التي تقام بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، ومركز تحالف الحضارات في الأمم المتحدة، تحت عنوان: «عالمنا واحد والتحديات أمامنا مشتركة».
وتأتي الدورة المقبلة في أكسفورد ضمن سعي المؤسسة لعقد دورات خاصة بحوار الحضارات إلى جانب دوراتها الأدبية، وذلك انسجامًا مع المستجدات العالمية التي تؤجج الصراعات في مختلف الدول وتذهب ضحيتها الشعوب.
ويغلب على الدورة التي يحضرها أكثر من 300 من المفكرين والأدباء وباحثين عرب وغربيين، التحديات التي يشترك في مواجهتها العالم، والسعي لإيجاد نقاط التقاء حولها، بينها قضية اللاجئين ودور المؤسسات الدولية، كما تتم مناقشة قضايا البيئة والتنمية البشرية، ودور وسائل الإعلام الجديد، وقضايا الشباب والتحديات العالمية الجديدة.
وتهتم مؤسسة البابطين بإقامة الملتقيات الثقافية التي تبني جسورًا للحوار الإنساني والتقريب بين الحضارات، وتعزيز دور المثقفين في إثراء قيم التسامح والتعايش السلمي بين الأجناس والأعراق والشعوب. وفي هذا الصدد، قال عبد العزيز البابطين: «إننا نحتاج في الوقت الحالي إلى صوت الفكر كي يعلو على صوت الحروب، فقد وصلنا إلى مرحلة حيادية الفكر، وعلينا أن نعيد إليه دوره الريادي في قيادة المجتمعات وتوعية البشرية من خطر الصراعات الداخلية والخارجية، لذلك فنحن نحتاج لإفساح المنابر لأصحاب الفكر كي تنحسر هذه المعارك المهلكة للشعوب والمعيقة للتنمية فيها».
وقال البابطين: «المؤسسة تفتح أبوابها على اتساعها لدعاة الحوار والسلام والمحبة، وإنني أشعر باعتزاز لوجودكم أنتم أصحاب هذا الفكر النقي الذين تؤمنون بأهمية أن تتصالح الشعوب في مواجهة دعاة الحروب كي يتحقق السلام ويسود العدل الإنساني في كل أرجاء هذا الكوكب الذي اختارنا الله عز وجل لنقيم عليه بغرض أن نبنيه لا أن ندمره».
وقال البابطين إن هذه الدورة ستكون مميزة باحتفائها بأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائدًا إنسانيًا، وبدولة الكويت مركزًا إنسانيًا عالميًا، معتبرًا أن هناك انسجامًا بين رسالة هذه الدورة وهذا الاحتفاء، فكلاهما قوامه العمل الإنساني العالمي.
كما تكرم مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية المفكر الأميركي العالمي نعوم تشومسكي، واعتبر رئيس المؤسسة عبد العزيز سعود البابطين، تشومسكي بأنه «يمتلك أكثر من صفة علمية، فهو أستاذ لسانيات وفيلسوف وصاحب نظريات سياسية معتدلة وموضوعية، وألّف مئات الكتب التي أفادت البشرية، وهو من المؤمنين بحرية التعبير وتقبّل الرأي الآخر حتى وإن كان مخالفًا».
يعتبر تشومسكي، المولود في فيلادلفيا (7 ديسمبر/ كانون الأول 1928) أشهر علماء اللسانيات الأميركيين، الذي ترك أثرًا بارزًا في مسار البحث العلمي الأكاديمي أكثر من أي باحث آخر معاصر، وحصل على لقب «أبرز مثقفي العالم».
وأضاف البابطين: «إن تكريم نعوم تشومسكي هو من ضمن أحد أهداف المؤسسة في تكريم الشخصيات الفكرية والمؤثرة، وسبق أن أطلقت أسماؤهم على دوراتها، وذلك بغرض تكريس وجودهم في سجل الحياة البشرية، وكي يدرك زعماء الحروب أن هذا الكوكب لن يسير بقرار منهم نحو الفناء، بل هناك أصوات للبناء وها هي موجودة بقوة».
وتشهد الدورة إقامة خمس جلسات نقاش، ويشهد اليوم السبت عقد جلستين، الجلسة الأولى «اللاجئون والمؤسسات الدولية»، ويتحدث فيها فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق، والدكتور مايكل فريندو (إيطاليا)، وحازم ناصر (الأردن)، والدكتور فيليبو غراندي (مالطا)، ويدير الجلسة عبد الله بشارة رئيس مجلس دول التعاون الخليجية الأسبق (الكويت).
أما الجلسة الثانية، فتحمل عنوان «البيئة والتنمية البشرية»، ويتحدث فيها كل من الدكتور عدنان شهاب الدين (الكويت)، والدكتور إيكارت وورتز (إسبانيا)، والدكتور جين هاريغان (بريطانيا)، وريما خلف (لبنان)، ويدير الجلسة تشارلز غودفراي (بريطانيا).
وتقام يوم غد الأحد ثلاث جلسات؛ الأولى تحت عنوان «وسائل الإعلام الجديد» ويتحدث فيها: عز الدين ميهوبي (الجزائر)، والدكتور أنتوني داوني (بريطانيا)، والدكتور جوزيف ميفسود (مالطا)، والدكتورة ثريا الفرا (روسيا)، وتدير الجلسة الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان.
أما الجلسة الثانية فتحمل عنوان: «الشباب والتحديات العالمية الجديدة» ويتحدث فيها كل من: الدكتور جون غاردنر (بريطانيا)، والدكتور خوان كول (أميركا)، وسارة فهد أبو شعر (سوريا)، والدكتور عبد الحق عزوزي (المغرب)، ويدير الجلسة الدكتور خالد عزب (مصر).أما الجلسة الثالثة لبرنامج يوم غد فتحمل عنوان: «المدن وأهم الملفات التي تواجهها»، ويتحدث فيها كل من: الدكتور كيللي هوتزل (أميركا)، والدكتور محمد القباج (المغرب)، والدكتور موسى شتيوي (الأردن)، والدكتور ناصر رباط (أميركا)، وتدير الجلسة الدكتورة ليلى فينيال (فرنسا).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».