الأفلام العربية ما زالت تسحر رواد المهرجانات العالمية

سجلت نجاحًا خلال مهرجان لندن السينمائي الأخير

الأفلام العربية ما زالت تسحر رواد المهرجانات العالمية
TT

الأفلام العربية ما زالت تسحر رواد المهرجانات العالمية

الأفلام العربية ما زالت تسحر رواد المهرجانات العالمية

لعبت السينما العربية دورًا لتصبح معلمًا أساسيًا في برنامج دورة 2015 لمهرجان لندن السينمائي هذا العام. وعلى مدار أسبوعين، عرضت أفلام من فلسطين والجزائر والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة ولبنان وقطر، بعضها تحمل توقيع أسماء معروفة ثبتت أقدامها في هذا العالم، بينما كانت أفلام أخرى هي الأعمال الأولى لمخرجيها.
ويعد فيلم «3000 ليلة» لمي المصري تجربة روائية أولى قوية من إبداع مخرجة اشتهرت بأنها صانعة أفلام وثائقية. وتجري أحداث الفيلم التي تمزج بين الخيال والوقائع التاريخية والمعاصرة على مدار 8 سنوات، هي فترة محكومية معلمة شابة يُزج بها ظلمًا في غياهب السجن. وتقاد «ليال» المتزوجة حديثًا إلى سجن للنساء تحتجز فيه السجينات السياسيات الفلسطينيات مع المجرمات الإسرائيليات اليهوديات. وعندما تكتشف «ليال» أنها حبلى تصر على الاحتفاظ بالطفل رغم الأجواء المحيطة. وفي هذا السجن المظلم والخانق، نرى عالمًا من القدرة على التأقلم، حيث الحب قوي والأمل هو عماد الحياة، لكن الثقة والإيمان لا يأتيان بسهولة. ولا تستسلم النساء قط ولا تنسى مطلقًا مغزى المكان الذي يقبعن داخله، حيث تفيض كل واحدة منهن بالقوة، رغم الاضطرابات العاطفية التي يتعرضن إليها. كلمات المصري في خاتمة الفيلم تعلن، بخط أبيض صريح يتشابك مع لقطات واقعية لأشخاص أطلق سراحهم في تبادل السجناء عام 1983، عدد الفلسطينيين الذين احتجزتهم السلطات الإسرائيلية: 700 ألف فلسطيني منذ 1948، 6000 آلاف رجل وامرأة وطفل ما زالوا في السجن اليوم. وتكتب المصري أن هذه «قصة واحدة منهم».
ويقدم فيلم نبيل عيوش المثير للجدل «ماتش لافد»، أو «الزين اللي فيك»، عالمًا مختلفًا تمامًا تمتلك فيه النساء نمطًا مغايرًا من القدرة على التأقلم مع مجريات الحياة. هنا ندخل العالم المظلم الرديء السمعة لعاهرات مراكش. وبخلاف اضطرارهن لعرض أنفسهن على نحو مثير للرغبة أمام أي شخص قادر على دفع الثمن، يحاولن في الوقت ذاته حماية أنفسهن من الرجال الجشعين الذين يخدمونهم، ورجال الشرطة الفاسدين الذين ينتهكون النظام القانوني بكل أركانه. ويروي هذا الفيلم، المحظور في المغرب والذي شجبه وزير الإعلام المغربي، قصة 4 نساء يعملن في تجارة الجنس. ويقدم أبطال الفيلم أداء مثيرا للإعجاب، ويجسدون العلاقات المعقدة بين النساء وعائلاتهن ومجتمعهن، الأكثر أهمية، وأنفسهن. البطل الشرير في هذه القصة هو الاقتصاد المغربي الذي لا يترك خيارات كثيرة، ليس بالنسبة إلى هؤلاء النسوة فحسب، بل لكثيرين آخرين نلتقي بهم خلال أحداث الفيلم. ويحكم الفقر قبضته على السكان المحليين ويلقي بهم في طريق السائحين الذين يمتلكون مالاً يريدون إنفاقه. بيد أن الجدل يظل كامنًا في الحدود الضبابية الفاصلة بين الفتنة والسحر التي يقدمها الفيلم مقابل الواقع الذي لا تملك فيه هؤلاء النسوة سوى خيارات ضيقة.
وفي الدراما الجزائرية، فيلم «مدام كوراج»، ندخل فيه عالمًا آخر من عوالم الفقر في الفيلم الروائي الرابع عشر للمخرج مرزاق علوش. ويعيش عمر وأسرته في أحياء الصفيح الواقعة على أطراف مدينة مستغانم الجزائرية. ويتسم الفيلم بنبرة هادئة مع جمل حوارية قليلة جدًا. وفي الفيلم يتجول عمر في صمت داخل المدينة ليسرق حقائب النساء وقلائدهن ليشتري المخدرات. عمر المدمن على الحبوب، بما في ذلك واحدة تعرف باسم «مدام كوراج»، التي أصبحت الآن رائجة بين الشباب الجزائري الفقير، يشعر بالنشوة والمنعة فيما يتسكع في الشوارع يسرق ويترصد فتاة سرقت مشاعره المرتبكة. في هذه الأثناء، يعاني ضغوطًا من أجل حماية شقيقته من قوادها العنيف وإبقاء أمه العدائية بعيدًا عن المشهد. يقدم الفيلم لمحة عن شاب يغرق في حياة ضائعة لا توفر له كثيرا من الفرص.
ويأخذنا فيلم «ذا أيدول» للمخرج الذي رشح مرتين لجائزة الأوسكار هاني أبو أسعد إلى غزة، حيث تتمسك مجموعة من الأطفال الذين لا يتجاوز أعمارهم 10 سنوات، بحلمهم في أن يصبحوا نجومًا موسيقيين وينقذوا العالم. الفيلم مأخوذ عن القصة الواقعية للفائز الأشهر بجائزة «آرب أيدول» محمد عساف. وتجري أكثر من نصف أحداث الفيلم في فترة طفولة عساف، وتنتهي بمولد نجم جديد أمام عيون العالم. وعلى خلفية الحرب والعنف والحصار داخل غزة المحطمة، تبرز القصة قيمة الأمل. عساف الذي أعلن مؤخرًا عن خطوبته، حضر العرض الأول في مهرجان لندن السينمائي، حيث يستغل الفيلم ودوره كونه سفير الأمم المتحدة للنيات الحسنة، لكي يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لفلسطين بوصفه السبب الرئيسي ومصدر العنف في بلاده. ويتردد صدى تصريحات عساف في المملكة المتحدة في توقيت مناسب، وعلى خلفية أعمال العنف الدائرة في أرجاء فلسطين.
ويشارك ممثلون فلسطينيون وسعوديون وأردنيون وإماراتيون في أول فيلم روائي يخرجه ماجد الأنصاري بعنوان «زنزانة». وتجري أحداث الفيلم الذي تبلغ مدته 90 دقيقة في مكتب أحد رجال الشرطة، حيث تظهر زنزانة في أحد جوانبه. في الفيلم، تتحول واقعة احتجاز بطريق الخطأ إلى كابوس دموي مشوق. ويظل السجين طلال، الذي يلعب دوره صالح بكري (ملح هذا البحر، جيرافادا) حبيس الزنزانة الضيقة طوال الفيلم، فيما يسخر منه قاتل مختل عقليًا يؤدي دوره علي سليمان (الجنة الآن، والجمعة الأخيرة). أما الممثلة والمخرجة السعودية عهد (وجدة) فتلعب دور زوجة طلال التي تشعر بالاغتراب. ويقدم لنا فيلم «زنزانة» ساعة ونصف الساعة من متعة التشويق الممزوج بالكوميديا السوداء، حيث تختلط اللكنات العربية فيما يصفه الأنصاري بـ«انعكاس للتنوع في دبي». كما أن قدرة الفيلم على تقديم الشخصيات باللكنة الحقيقية للممثل تغطي على فكرة وضع علامة بلد ما على إنتاج الفيلم. في غضون ذلك، قد يخترق إنتاج فيلم مشوق يقدم تسلية خالصة مجالاً جديدًا في الإنتاج السينمائي الخليجي، حيث تكون الأولوية في العادة للقصص المحلية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».