فورد رجل واشنطن لسوريا يتقاعد ويترك المهمة مؤقتا إلى سيلفرمان

«الائتلاف» قلل من انعكاسات رحيله على المعارضة السورية

روبرت فورد
روبرت فورد
TT

فورد رجل واشنطن لسوريا يتقاعد ويترك المهمة مؤقتا إلى سيلفرمان

روبرت فورد
روبرت فورد

غادر روبرت فورد السفير الأميركي لدى سوريا، الذي كان رجل واشنطن في الجهود لإنهاء الأزمة هناك والمسؤول عن الاتصالات مع قادة المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، منصبه.
وأعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركي جنيفر بساكي للصحافيين مساء أول من أمس «تقاعد روبرت فورد بعد عمل متميز استمر ثلاثين سنة» ومغادرته وزارة الخارجية الأميركية، موضحة أن مساعد وزير الخارجية لورنس سيلفرمان سيحل مكانه إلى أن يختار البيت الأبيض خلفا له.
واعترفت بساكي بأن رحيل فورد الذي بنى في السنوات الثلاث الماضية اتصالات واسعة مع قادة المعارضة السورية ولعب دورا أساسيا في دفعهم للمشاركة في محادثات جنيف، يشكل «خسارة» للدبلوماسية الأميركية.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية إن «قيادته الاستثنائية وجهت ردنا على أحد أكبر تحديات السياسة الخارجية في المنطقة»، مؤكدة أنه «عمل منذ اندلاع هذه الأزمة (في سوريا) بلا توقف لمساعدة الشعب السوري في نضاله من أجل الحرية والكرامة».
وكان فورد الذي يتكلم اللغة العربية بطلاقة عين سفيرا للولايات المتحدة في دمشق في 2010، وكان أول سفير لواشنطن في دمشق منذ خمس سنوات.
لكن بعد أشهر على تعيينه، غادر فورد دمشق في 2011 مع إغلاق السفارة الأميركية الذي قررته واشنطن بعد بدء الحركة الاحتجاجية في مارس (آذار) من العام نفسه، ولم يعد بعد ذلك لممارسة مهامه في سوريا.
ووجهت دمشق انتقادات حادة باستمرار إلى فورد الذي اتهمته بالتحريض على العنف، وأثارت غضبها زيارة أجراها خارج العاصمة السورية للقاء متظاهرين تعبيرا عن تضامنه معهم.
وفي نهاية سبتمبر (أيلول) 2011، حاصر نحو مائة متظاهر مؤيدين للنظام مبنى يضم مكتب المعارض حسن عبد العظيم خلال زيارة فورد للمكتب. وقررت واشنطن إغلاق السفارة في 2012 مع تحول الحركة الاحتجاجية إلى نزاع دامٍ تدريجيا.
ومنذ ذلك الحين أجرى فورد رحلات مكوكية كثيرة بين الولايات المتحدة وتركيا حيث أمضى ساعات طويلة مع قادة المعارضة السورية في إسطنبول.
وتحدث فورد مرات عدة عن فظائع الحرب في سوريا التي تدخل الشهر المقبل عامها الرابع، وأسفرت حتى الآن عن سقوط 136 ألف قتيل ونزوح ملايين.
وكان فورد، الذي أمضى حياته المهنية في الخارجية، شغل منصب نائب رئيس البعثة الأميركية في بغداد في 2008 و2009، وقبلها سفيرا لدى الجزائر من 2006 إلى 2008، كما شغل مناصب في السفارات الأميركية لدى البحرين ومصر والكاميرون، لكنه أكد دائما حبه لسوريا وثقافتها وتراثها وشعبها.
وأضافت بساكي: «من المؤكد أن رحيله يشكل خسارة ليس بسبب الاتصالات التي أقامها فقط بل بسبب خبرته ومعرفته أيضا».
وبعدما أعلنت أن لورنس سيلفرمان سيحل محله بالنيابة إلى أن يختار البيت الأبيض خلفا له، أكدت الناطقة باسم الخارجية الأميركية أنه «ستكون هناك استمرارية (في العمل) نظرا لبقاء عدد كبير من المسؤولين في أماكنهم». وأضافت: «بالتأكيد، أنا واثقة أننا سندرس خصوصا الدور الذي سيلعبه الشخص المقبل الذي سيشغل هذا المنصب بشأن عمله مع المعارضة».
وكان مؤتمر «جنيف2» للسلام في سوريا انتهى بفشل في 15 فبراير (شباط) ولم يحدد موعد لاجتماع جديد.
لكن بساكي أكدت أن الولايات المتحدة تريد الإعداد «لسوريا جديدة»، مشددة على أن «إرث فورد سيوجه جهودنا لدعم السوريين وإرساء أسس مستقبل أكثر أملا». وأضافت أن الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري «يشعران بالتأكيد بالامتنان لخدماته».
وفي غضون ذلك، قال نجيب الغضبان، سفير «الائتلاف الوطني المعارض» في أميركا، إن «فورد يتمتع بخبرة كبيرة في تفاصيل خارطة المعارضة السورية نتيجة عمله الوثيق معها، وقد تحتاج الإدارة الأميركية إلى أكثر من شخص لأن يأخذوا مكانه». ورجح أن يرافق مستشاري فورد الذين يقدمون له عادة الاستشارات والمعلومات بخصوص الشأن السوري أن يرافقوا السفير الجديد في عمله.
لكن الغضبان قلل من أهمية انعكاس مغادرة فورد على المعارضة السورية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن السياسة الأميركية بخصوص الملف السوري تقرر بإجماع عدة مرجعيات أبرزها وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات ووزارة الدفاع (البنتاغون) والبيت الأبيض، «وبالتالي فإن دور السفير أيا كان، يعد جزئيا، ويعبر عن سياسة بلاده أكثر مما يصنعها».
ورجح أن «تبقى سياسة الولايات المتحدة كما هي مع السفير الجديد، تدعم المعارضة بشكل كبير على الصعيد السياسي والإعلامي وبشكل محدود على الصعيد اللوجيستي».
بدورها، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن تقاعد فورد يأتي جراء «إخفاقاته الذريعة» و«فشل» الإدارة الأميركية. ووصفت مهامه و«تحركاته» في دمشق بـ«الاستفزازية» وأنها شكلت «خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية»، إثر زيارته حماه ودرعا ولقائه من سمتهم «قادة المجموعات الإرهابية».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.