جاستن ترودو.. يحول كندا يسارًا

الأربعيني الشاب أنهى 9 سنوات من حكم اليمين المتشدد

جاستن ترودو..  يحول كندا يسارًا
TT

جاستن ترودو.. يحول كندا يسارًا

جاستن ترودو..  يحول كندا يسارًا

«ترودو آخر» عاد لتولّي الحكم في كندا، بعد الانتخابات العامة التي أعلنت نتيجتها أمس، وأنهت فترة حزب المحافظين اليميني التي استمرت تسع سنوات برئاسة ستيفن هاربر. فخلال الساعات الماضية نجح جاستن ترودو، زعيم حزب الأحرار الوسطي الليبرالي ونجل بيار إيليوت ترودو رئيس الوزراء الأسبق، في قيادة حزبه إلى النصر بعد انتخابات حامية، ويبدو إنجاز ترودو أكثر إثارة إذا ما علمنا أن الأحرار خرجوا من الانتخابات السابقة بهزيمة مؤلمة وانتهوا في المرتبة الثالثة بعد المحافظين والديمقراطيين الجدد اليساريين.

تتمتع السياسة الكندية بديناميكية شبه استثنائية، إذ إنها لا تستقر على حال لفترة طويلة، وقد يكتسح أحد الأحزاب الكبرى المشهد السياسي في انتخابات ما، لكنه سرعان ما يتراجع بفارق كبير خلال بضعة سنوات. ولقد عاش هذا التذبذب في الجاذبية الجماهيرية الحزبان التاريخيان الكبيران حزب الأحرار وحزب المحافظين، الذي كان يعرف لفترة طويلة من تاريخه بحزب المحافظين التقدميين، قبل اندماجه بحزب التحالف اليميني ووصوله تحت قيادة رئيس الوزراء المهزوم ستيفن هاربر إلى الحكم عام 2006.
أيضًا برزت في كندا، الدولة الفيدرالية الشابة، خلال العقود الأخيرة عدة قوى «مصلحية» مؤثرة سياسية وقومية واقتصادية تفاوت نجاحاتها، وانعكست بعض هذه النجاحات في ولايات معينة، وبعضها امتدت عبر الولايات الكندية. كذلك تأثر المشهد السياسي الكندي عبر السنين والعقود بشخصيات «كاريزمية» تركت بصماتها على الثقافة السياسية في البلاد.
وتاريخيًا، كانت هناك دائمًا قوى انفصالية تعتز بهويتها ولغتها الفرنسية في ولاية كيبيك الكندية، وبالفعل برزت في كيبيك تنظيمات حزبية انفصالية - استقلالية مثل «الحزب الكيبيكي» و«الكتلة الكيبيكية»، ولمع فيها زعماء شعبويون بينهم رينيه ليفيك. كذلك كانت هناك أرضية صلبة للثقافة البريطانية عبر عنها لفترات طويلة حزب المحافظين التقدميين، الذي أعطى كندا عددًا من أبرز زعمائها. وفي ولايات الوسط الزراعية وكذلك في مدن ولاية أونتاريو، كبرى ولايات البلاد من حيث عدد السكان، قويت شوكة اليسار ممثلاً بالحزب الديمقراطي الجديد (الديمقراطيون الجدد)، وامتد نفوذ هؤلاء إلى ولايات أخرى. وفي ولاية ألبرتا الغنية بالنفط في وجارتها الأكبر بريتيش كولومبيا في غرب كندا، ظهرت قوى «اليمين الجديد»، وكان أبرزها حزب الإصلاح (1987 – 2000) الذي ورثه «التحالف الكندي» (2000 – 2003)، والذي من ثم انتهى في اندماج يميني بحزب المحافظين التقدميين العريق ينتج عن الاندماج حزب المحافظين الحالي.
وسط هذا المشهد كان هناك حزب واحد جسّد دائمًا الوحدة الوطنية الكندية، اعتز طويلاً بهويته السياسية والثقافية العابرة للحواجز العرقية واللغوية والطبقية والجغرافية هو حزب الأحرار.
هذا الحزب تنظيم ليبرالي منفتح كان دائمًا مؤمنًا بهوية جامعة لكندا، التي إحدى أكثر دول العالم تنوعًا. وبفضل هويته الجامعة اعتمد دائمًا على نوبات التسامح والهدوء لتحقيق انتصارات كبيرة في كيبيك على الانفصاليين، ومن ثم، البناء على نهج الاعتدال لاجتذاب الأصوات من مختلف المكوّنات الكندية. وحقًا، خلال العقود الأخيرة تولى رئاسة وزراء كندا اثنان من زعماء حزب الأحرار يتحدّران من أصول فرنسية، الأول هو بيار إيليوت ترودو - أبو رئيس الوزراء الجديد - الذي حكم البلاد مرتين بين 1968 و1979 ثم بين 1980 و1984، والثاني جان كريتيان الذي حكم بين 1993 و2003 لمدة عشر سنوات متتالية.
يوم أمس أعاد جاستن ترودو حزب الأحرار إلى السلطة، مؤسسًا سلالة سياسية لكندا هي «سلالة ترودو».. معيدًا إلى الأذهان «السلالات السياسية» في الولايات المتحدة جارة كندا الكبيرة إلى الجنوب، مثل آل آدامز وآل تافت وآل كيندي وآل بوش.. وربما آل كلينتون في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.

* من هو جاستن ترودو؟

ولد جاستن بيار جيمس ترودو، الابن الأكبر لبيار إيليوت ترودو، يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) 1971 في العاصمة الكندية أوتاوا عندما كان أبوه يشغل منصب رئيس الوزراء. أما أمه فهي مارغريت جوان سنكلير ترودو، وهي ابنة وزير سابق وممثلة ومصوّرة فوتوغرافية وإعلامية مثيرة للجدل، طلقت من أبيه عام 1977 وسط عاصفة من اللغط الإعلامي.
بعد الطلاق تربّى جاستن في عهد أبيه بمدينة مونتريال، حيث درس في كلية جان دو بريبوف الكلية الراقية التي درس فيها أبوه. ولمع نجمه على مستوى كندا عندما ألقى كلمة التأبين بعد وفاة أبيه عام 2000 في المأتم الرسمي الكبير.
وتابع جاستن دراسته العليا فتخرج في جامعة ماكغيل العريقة بمدينة مونتريال حاملاً بكالوريوس في الآداب، وأتبعها ببكالوريوس في التربية من جامعة بريتيش كولمبيا. وبعدها امتهن تعليم اللغة الفرنسية والرياضيات. ثم درس الهندسة في معهد مونتريال البوليتكنيكي التابع لجامعة مونتريال، قبل أن يعود لجامعة ماكغيل ليحضر للماجستير في الجغرافيا. لكن مسيرته الأكاديمية توقفت عندما قرر صرف النظر عن متابعة الماجستير واقتحام الحلبة السياسية.

* طريق السياسة

ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2006 هاجم بقوة «نزعة القومية الكيبيكية»، معتبرًا أن القومية عمومًا فكرة قليلة الفطنة تعود إلى القرن التاسع عشر». ورأى مراقبون هذا الموقف غمزًا من قناة مايكل إيغناتييف، القيادي في حزب الأحرار يومذاك، وكان إيغناتييف - وهو مثقف وإعلامي وباحث لامع - قد ألمح لتأييده الاعتراف بكيبيك ككيان له هويته القومية. ومن ثم أعلن ترودو دعمه لجيرارد كيندي في انتخابات زعامة الحزب، وعندما خرج كيندي من الانتخابات حول تأييده للمرشح ستيفان ديون الذي فاز على الأثر بالزعامة.
وعام 2007 ترشح ترودو للانتخابات العامة عن منطقة بابينو، في مدينة مونتريال، وفاز بالمقعد ودخل البرلمان، مع العلم أن حزبه خسر الانتخابات أمام المحافظين.
ثم في انتخابات عام 2011، فاز ترودو مجددًا ونجح في الاحتفاظ بمقعده في بابينو، بينما تراجع حزبه على المستوى الوطني إلى المرتبة الثالثة برصيد 34 مقعدًا فقط، وقفز الحزب الديمقراطي الجديد اليساري إلى المرتبة الثانية خلف المحافظين. وفي ضوء هذه النكسة الكبرى للأحرار استقال إيغناتييف من زعامة الحزب (كان قد خلف ستيفان ديون عام 2008). ومع توقع كثيرين ترشيح ترودو لزعامة الحزب فضل السياسي الشاب التريث وتولى الزعامة بصفة مؤقتًا رئيس وزراء ولاية أونتاريو السابق بوب راي حتى 2013. هنا تجدر الإشارة إلى أن اسم ترودو كان قد طرح كمرشح لزعامة الحزب عام 2008 عندما استقال ديون بعد إخفاقه في التغلب عن رئيس الوزراء المحافظ هاربر، وكانت استطلاعات الرأي كلها مشجعة، وتشير إلى أن فرصه بالفوز طيبة جدًا، كيف لا وهو الشاب الجذاب وابن أحد أكثر زعماء كندا شعبية وجماهيرية. غير أن ترودو شعر أن الفرصة غير مواتية حينذاك، مفضلاً الانتظار، وبالفعل خلت الساحة لإيغناتييف فانتخب للمنصب.
غير أن الهزيمة المزلزلة التي مني بها الحزب تحت قيادة إيغناتييف، ونجاح هاربر مرة أخرى بالاحتفاظ بالحكم، دفع الحزب للبحث عن منقذ بقدر بحثه عن زعيم. ومجددًا أجل ترودو دخوله الحلبة متذرعًا بظروفه العائلية الخاصة، واستقر الرأي في الحزب على رئيس انتقالي، فاختير بوب راي.
ولكن مع تأكيد استطلاعات الرأي أنه سيكون بمقدور ترودو قيادة الحزب إلى الفوز إذا وافق على تولي دفة القيادة، أعلن ترودو في صيف 2012 أنه «مستعد للتفكير بالأمر». وفي خريف 2012 أخذ الإعلام الكندي يتحدث عن أنه سيطلق حملته قريبًا.
ومن ثم، في أبريل (نيسان) 2013 فاز ترودو بزعامة الحزب متغلبًا بفارق كبير حاصلاً على أكثر من 80 في المائة من الأصوات. ومنذ ذلك اليوم بدأ مشوار المعركة الانتخابية التي أجريت يوم أول من أمس ضد هاربر، وانتهت بانتصار كبير ومهم على أحد أكثر ساسة كندا تشددًا يمينيًا.

* عائلته الصغيرة

عام 2005 تزوج جاستن ترودو من صوفي غريغوار، وهي صديقته منذ أيام الطفولة وزاملت شقيقه الأصغر ميشال في المدرسة.
ثم التقى جاستن وصوفي عام 2003 عندما كانت صوفي شخصية تلفزيونية في كيبيك وهو ناشط وباحث. وتوثقت العلاقات من جديد، وتزوجا في مراسم كاثوليكية عام 2005. واليوم تضم عائلتهما ولدين هما غزافييه وهدريان، وبنتًا اسمها إيللا غريس.

* رؤساء وزراء كندا منذ الحرب العالمية الثانية

* ويليام ليون ماكنزي كينغ (حر): 1935 – 1948
* لوي سان لوران (حر): 1948 – 1957
* جون ديفنبيكر (محافظ): 1957 – 1963
* ليستر بيرسون (حر): 1963 – 1968
* بيار إيليوت ترودو (حر): 1968 – 1979
* جو كلارك (محافظ): 1979 – 1980
* بيار إيليوت ترودو (حر): 1980 - 1984
* جون تيرنر (حر): 1984 - 1984
* بريان ملروني (محافظ): 1984 - 1993
* كيم كامبل (محافظة): 1993 - 1993
* جان كريتيان (حر): 1993 - 2003
* بول مارتن (حر): 2003 - 2006
* ستيفن هاربر (محافظ): 2006 - 2015
* جاستن ترودو (حر): 2015 - ....



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.