صعود كوربن الصاروخي يرفع معدلات توزيع الصحف المطبوعة

«الصحف اليسارية» كانت أكثر إيجابية تجاه الزعيم العمالي الجديد

جيرمي كوربن الزعيم العمالي البريطاني في أحد مؤتمراته الصحافية في العاصمة لندن («الشرق الأوسط»)
جيرمي كوربن الزعيم العمالي البريطاني في أحد مؤتمراته الصحافية في العاصمة لندن («الشرق الأوسط»)
TT

صعود كوربن الصاروخي يرفع معدلات توزيع الصحف المطبوعة

جيرمي كوربن الزعيم العمالي البريطاني في أحد مؤتمراته الصحافية في العاصمة لندن («الشرق الأوسط»)
جيرمي كوربن الزعيم العمالي البريطاني في أحد مؤتمراته الصحافية في العاصمة لندن («الشرق الأوسط»)

استمرت علاقة جيرمي كوربن بالإعلام معقدة على الدوام، إلا أن بعض الصحف بدت وكأنها تشعر بالامتنان لصعوده المفاجئ للسلطة.
وعلى الرغم من هجومه على الإعلام أثناء حديثه بالمؤتمر الصحافي وانسحابه من البرنامج المحترم الذي يقدمه أندرو مار، جاء انتخاب كوربن كزعيم لحزب العمال ليزيد مبيعات كل الصحف المطبوعة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
كانت صحيفة «ديلي تلغراف» الاستثناء الوحيد لأنها كانت الأكثر انتقادًا لكوربن على الدوام.
وفى مواجهة السقوط طويل الأجل في نسب توزيع الصحف المطبوعة، جاء اعتماد «تأثير كوربن» كأحد أسباب ارتفاع توزيع الصحف خلال شهر سبتمبر، خاصة صحيفتي «ذا تايمز»، و«الغارديان».
وشهدت صحف «ذا تايمز»، و«إندبندنت»، و«غارديان»، والـ«فاينانشيال تايمز» كلها ارتفاعًا في نسب المبيعات في شهر سبتمبر، مقارنة بالشهور السابقة بفضل انتخاب كوربن.
وحسب مقال مارك سويني في الـ«غارديان»، «جاء اهتمام القارئ بصعود كوربن كأحد العناصر التي ساعدت في صياغة كل العناوين في السوق المحلية، باستثناء ازدياد مبيعات (الديلي تلغراف) خلال شهر سبتمبر مقارنة بالشهور السابقة».
أضاف سويني أن الادعاءات المثارة حول أفعال ديفيد كاميرون عندما كان طالبًا في الجامعة التي تناولها الإعلام كذلك في سبتمبر لم ترفع مبيعات الصحف، وكذلك يبدو أن الكتاب «المفاجأة» الذي كتبه لورد أشكروفت «فشل في تحقيق نسب مبيعات كبيرة عند نشرة نهاية سبتمبر».
بيد أن بيتر بريستون يشير إلى أن الصحف اليسارية فقط كانت أكثر إيجابية تجاه الزعيم الجديد كوربن، حيث شعرت «بالحب تجاهه».
وفي حين أن كوربن ربما ساهم في زيادة مبيعات الصحف خاصة اليسارية، إلا أن القصة تبدو أكثر كآبة بالنسبة لصحف «التابلويد» ذات المنحى اليميني، التي حاولت تحطيم كوربن بأن لقبته بـ«ديناصور اليسار» وعاشق «المراحيض».
وتراجعت مبيعات صحيفة «ذا صن»، الداعم القوي للمحافظين الذين هاجموا كوربن بأن ادعوا بأنه يسعى «لتسريح الجيش»، في شهر سبتمبر مقارنة بالشهور السابقة شأن غيرها من صحف التابلويد اليمينية مثل «ديلي ستار»، «ديلي إكسبريس»، «ذا صن» الصادرة الأحد، وصحيفة «ذا ديلي ستار».
وتساءل بيتر بريسون في تصريح لصحيفة الـ«أوبزيرفر» ما إذا كان «تأثير كوربن» انعكس على مبيعات الصحف خلال شهر سبتمبر عندما اختار حزب العمال الرجل الجديد المميز»، مضيفًا: «إننا لم نرَ ذلك التأثير على الصحف المحافظة التي تلقي بقذائف من الانتقادات».
فيما يخص معدلات التوزيع السنوية، شهدت صحيفة «صنداي بيبول» أكبر تراجع لها في معدلات التوزيع بين كل الصحف المحلية في شهر سبتمبر، في حين جاءت معدلات توزيع «ذا تايمز» الأعلى رغم تراجع معدلات توزيعها بنسبة 1.8 في المائة. وتعتبر صحيفة «ذا صن» أكبر الصحف البريطانية، حيث يبلغ متوسط توزيع الصحيفة 1.8 مليون نسخة يوميًا. وبعد مرور أقل من 48 ساعة من فوزه برئاسة حزب العمال، بات واضحًا أن جيرمي كوربن لا يستخدم قوانين لعب «وستمينيستر» عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الإعلام.
وبعد ساعات من انتخابه زعيمًا جديدًا للعمال، انسحب كوربن من برنامج تلفزيوني يقدمه أندرو مار كان من المقرر سلفًا الظهور فيه، وبدلاً من ذلك ظهر في مناسبة أخرى في دائرته الانتخابية لجمع التبرعات للمرضى العقليين.
لم يظهر كوربن كذلك في برنامج مع إذاعة «بي بي سي 4 إس» الاثنين الماضي، على الرغم من دعوته للبرنامج.
وبدلاً من الاحتفال بانتصاره الساحق أثناء إعلان النتائج (وإبداء المزيد من الحرص على الوجود لإجراء حوارات مع الصحافيين)، اختفى كوربن سريعًا من دائرة الضوء وتوجه للحديث في مسيرة بلندن لنصرة اللاجئين الهاربين من مناطق العنف مثل سوريا. وينتمي كوربن للجناح اليساري في «حزب العمال»، وهو نائب في مجلس العموم منذ 32 عامًا، وقد عارض سياسة «حزب العمال الجديد» تحت قيادة بلير، واعتبره المراقبون للانتخابات الداخلية في الحزب، وحتى الأيام القليلة الماضية، مرشحًا هامشيًا بلا حظوظ، لكنه فاجأ الجميع بتفوقه على منافسيه من قادة الحزب. في كثير من مواقفه، مثّل كوربن توجهًا معاكسًا للتيار العام السائد داخل حزب العمال، لا سيما منذ عهد بلير، لكنه كان يكسب مؤيدين بازدياد، على ما أوضحت نتائج انتخابات السبت الماضي، فخلال وجود حكومة الحزب بقيادة بلير (1997 - 2007)، أدان كوربن ما قال إنها انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة، لا سيما العراقيل في وجه طالبي اللجوء السياسي، وفي غضون عشر سنوات فقط (2005 2015)، صوّت كوربن ضد تعليمات حزبه 148 مرة، مما جعله النائب الاشتراكي الأكثر تمردًا، لكن عندما اندلعت فضيحة النفقات المالية لأعضاء مجلس العموم في عام 2009، كان كوربن أحد أقل الأعضاء إنفاقًا من المال العام»..
في صفحته على الموقع الإلكتروني لمجلس العموم، كتب كوربن معرفًا باهتماماته، قائلاً إنها تشمل سكان دائرته إزلينغتون، ووقف الحرب، والتحرر، وتحقيق الرفاه، والخدمة الصحية الوطنية، والاشتراكية وحقوق الإنسان (بما في ذلك مكافحة العنصرية)، والأممية، ومناهضة الإمبريالية، وسلامة النقل والبيئة. وكوربن ناشط متحمس من أجل السلام، يكتب عمودًا أسبوعيًا في الصحيفة الاشتراكية «ثمورنينج ستار»، منذ الثمانينات، يكرسه لطرح مواقفه حول العدالة الاجتماعية ومناهضة الحرب، وهو أحد الداعين لتفكيك نظام «ترايندت» للغواصات النووية البريطانية، وكان عضوًا في «الحملة من أجل نزع السلاح النووي»، قبل أن يصبح الناطق باسمها، وهي منظمة تسعى منذ تأسيسها عام 1958 إلى مناهضة الأسلحة النووية، وقال مؤخرًا إن الأسلحة النووية غير مجدية عمليًا، وإن حيازة بريطانيا لها تشجع دولاً أخرى على السعي لامتلاك ترسانة مشابهة، مما يقوض الجهود الرامية لنزع الأسلحة النووية عالميًا».
وحين تقدم كوربن لقيادة «العمال»، قبل عدة أشهر، تعهد بمكافحة سياسة التقشف التي تنتهجها حكومة كاميرون الائتلافية القائمة عقب انتخابات 2010، وهي سياسة وضعها وطبقها وزير المالية جورج أوسبورن، وقد قلصت الميزانية العامة بنحو 6.2 مليار جنيه إسترليني، مما انعكس على القطاعات الخدمية بصفة خاصة.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.