مثقفو العرب على أبواب «نوبل».. الانتظار المر

هل اكتفت الجائزة عربيا بنجيب محفوظ؟

علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
TT

مثقفو العرب على أبواب «نوبل».. الانتظار المر

علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي

يبدو اليوم أن عددًا من الأدباء العرب يترقبون كل عام جائزة «نوبل» ثم لا تأتي، وتدور أحاديث همسًا وعلنًا أن هذا الأديب أو ذاك يتصرف بما يرضي توجهات القائمين على «نوبل» مثل أن يكون مهادنًا يتملق ثقافة ضد أخرى، أو أن يهاجم ثقافته وتراثه ويمتدح غيرها على سبيل: «التفتوا إلي»، أو يكون متناقضًا ما بين كتاباته وما هو عليه في أرض الواقع. وهذا يفضي إلى تساؤل آخر: هل اكتفت جائزة «نوبل» من بين العرب بالأديب نجيب محفوظ منذ عام 1988 ثم غيرت مسارها بعيدًا عن الوطن العربي؟ هل يعقل أن أحدًا من الأدباء العرب البارزين لم يستطع أن يلفت أنظارهم مرة أخرى إلى العرب؟ لندع الأكاديميين والأدباء الذين التقينا بهم يقيّمون هذا الموقف ويجيبون عن هذه التساؤلات، ولكن قبل ذلك أذكر بمقولة أحد أبرز الذين رفضوا هذه الجائزة، الكاتب الآيرلندي الساخر برناردشو الذي قال عن الجائزة: «جائزة (نوبل) تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون قد وصل إلى الشاطئ».
* بيع المبادئ القومية
الأكاديمي الناقد الدكتور علاء الجابري، من مصر، يرى أن هناك شغفًا من الأدباء العرب تجاه «نوبل»، ويقول: «بعضهم يريد (نوبل) بأي ثمن، وفي سبيل ذلك بذل بعضهم ماء وجه قوميته وعروبته تارة أو ثوابت مجتمعه تارة أخرى لينتظر كل عام مكافأته. وهؤلاء تجد بعضهم يبيع دم إخوانه منتظرا عطايا السلطان، حيث يتحكم فيهم سيف السلطان وذهب الجوائز، بمعنى أنه شخص غير سوي إنسانيا، وفي أي سياق لا يأتي بخير فليست (نوبل) وحدها التي سال لها لعابه. وبعضهم يظن أن مجرد الإغراق في المحلية، كما فعل محفوظ، سيجعله يستحق الجائزة». ويضيف الجابري: «والحق أن صدق محفوظ وصبره وتجدد إبداعه لا مثيل له. والغريب أن بعضهم تبرأ من الظن بكون أولاد حارتنا وإغارتها على بعض ثوابت الأديان طبقا لبعض وجهات النظر كانت سببا في منح (نوبل) لمحفوظ، ثم تراه يعمل بعكس ذلك في مغازلة للجائزة من جهة، وبيع لمبادئه من جهة أخرى».
لا تخلو فكرة الدكتور الجابري من الميل لنظرية المؤامرة التقليدية فيقول: «لنتفق بداية على أن الجائزة، أي جائزة، ليست دليلا على اتفاق على المبدع أو العمل الفني، فما يحكمها هو توجهات لجنة التحكيم التي يتغير حكمها بين فترة وأخرى وتشكيل وآخر، وليس أدل على ذلك من فوز البلاروسية بجائزة (نوبل) وهي المغمورة عند كثيرين، والتي ينظر لها أغلب النقاد بكون أعمالها أشبه بعمل محررة صحافية». ويكمل: «وربما لم تكن (نوبل) حاضرة في أذهان أغلبية المبدعين العرب قبل نجيب محفوظ، ولعل سعيهم لها وحلمهم بها ليثبتوا لأنفسهم أنهم ليسوا أقل من محفوظ بدرجة أكبر من استحقاقهم لها، وفي سبيل ذلك بذل بعضهم ماء وجه قوميته وعروبته تارة، أو ثوابت مجتمعه تارة أخرى لينتظر كل عام مكافأته. بالطبع يوجد مستحقون لـ(نوبل) على الأقل قياسا لبعض الفائزين من غير العرب، وهو ما يحدث مع جنسيات أخرى غير أن الأمور لا تسير بهذه الآلية. ونحن ننسى أن ترجمة أعمال محفوظ منذ زمن قد طرحته بقوة، ونحن قوم لا نجيد تسويق أعمالنا بالشكل المناسب».
* حالة احتفالية طقسية
الأكاديمية والقاصة الدكتورة علياء الداية من سوريا تستبعد أن تكون جائزة «نوبل» للأدب اكتفت بنجيب محفوظ بوصفه. وتستدرك بقولها: «لكن من الملحوظ تحول هذه الجائزة مع الزمن وفي عصرنا هذا إلى حالة احتفالية طقسية، تثير تنبه القراء إلى الحضور الإعلامي للأدب والكتابة واستمرار أهميتهما في حياة الناس. مع أن الفروع العلمية لجائزة (نوبل) صارت تنافس الجائزة الأدبية في استقطاب الاهتمام حتى لدى المشتغلين بالأدب». وتضيف علياء الداية: «من الطبيعي أن لكل كاتب معجبين يقدّرون إبداعه الذي يترك أثرًا في حياتهم ونفوسهم، وهذه هي الجائزة الحقيقية، (نوبل) ليست نهاية المطاف. وكل ما يحتويه أدب الكاتب من نزعات منفتحة أو انتقاد أو أفكار للتصالح أو دهشة تجاه العرب أو الغرب، هو سمة من سمات العمل الأدبي، وبقدر ما تكون أصيلة وصادقة فهي تعبير عن المعاناة وآفاق الحياة أو الموت، أما إن كانت مخصصة لاستمالة الجائزة فهي تطفو على السطح ولا أثر لها».
* ليحلموا ولكن لا يتنازلون
أما الأكاديمية الناقدة الدكتورة ديانا رحيّل من الأردن فتقول إنّ «حلم الفوز بجائزة (نوبل) للآداب يراود كثيرا من الأدباء والشعراء العرب، وهذا حقهم، ولا أنكر أنها تتويج لمسيرة كاتب أو شاعر واعتراف بكفاءة إبداعه، لكن لا يحق لهم أن يَقصُروا إبداعهم على ما يحاكي الغرب ويجد أصداء عندهم للفت الانتباه.. شخصيًا لا أؤمن بأن الجائزة اكتفت بالأديب نجيب محفوظ، ربما لا يوجد كاتب عربي أقنع القائمين على الجائزة به، رغم إبداعه، لكن لا بد من أسباب حالت دون فوز كاتب عربي غير نجيب محفوظ بالجائزة». وتفسر الحالة بقولها: «صحيح أن المبدعين كثر في وطننا العربي، لكن الكاتب الذي يكتب لنيل جائزة ما سيبتعد عن وطنه وأمته وهمومه، فنجيب محفوظ الفائز بالجائزة سنة 1988 لم يكتب لأي جائزة، وعبّرت كتاباته عنه وعن بيئته وحارته، فكانت (نوبل) تقديرا لإبداعه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عبر آندريتش الفائز سنة 1961 عن مدينته وقريته والنهر. جائزة (نوبل) تريد مَن يعبر عن أمته وليس مَن يغازلها ويكتب استجداءً، فالاهتمام يكون بالكاتب الذي يشكل قيمة في مجتمعه وليس ذلك المنسلخ عنه».
وتتابع: «عندما نجد أن كاتبا عربيا واحدا فقط حاز على هذه الجائزة يجعلنا نرى بوجود أسباب أخرى تتحكم بالجائزة، ولو جزئيا، مثل الموقف السياسي للكاتب، فلا يعقل أن البلاد العربية لم تنجب مبدعا سوى نجيب محفوظ، مع اعترافي المطلق بإبداعه. وأيضا لا يجب أن نغفل أهمية الترجمة، فهي تلعب دورا مهما في الموضوع، لأن انتشار العمل الأدبي باللغات الأجنبية يلفت إليه الأنظار، ويضع كاتبه في دائرة الضوء.
وتختتم ديانا رحيّل رؤيتها للموضوع بقولها: «قد يتأثر بعض الكتاب بالحضارات الغربية فيلجأ أحدهم لفضح المجتمع العربي، والتركيز على قضايا تخدم الغرب، وقد يتجرأ آخر ويخوض بالمعتقدات الإسلامية مستغلا موقف الغرب من الإسلام والمسلمين، ومستغلا أيضا إلصاق تهمة الإرهاب به، ساعيا في قرارة نفسه للشهرة في المجتمعات الغربية وبالتالي التركيز على أعماله، وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا على الوعي الثقافي، لأنهم على أتم الاستعداد لتبني أي موقف يعادي العرب، ويتصدى للهجوم على الدين والثقافة العربية بالمجمل، مغازلا بموقفه هذا الجوائز العالمية وعلى رأسها جائزة (نوبل)».
* مجرد مرشحين حتى الآن
الشاعر أحمد اللاوندي، من مصر، ينظر إلى الموضوع من زاويته التاريخية وصولاً إلى الحاضر فيقول: «في عام 1988 حصل الكاتب المصري نجيب محفوظ على جائزة (نوبل) في الآداب، ومنذ ذلك العام فإن المحافل الثقافية الدولية تغفل الإبداع والمبدعين العرب، فلم يحصل أي كاتب أو مبدع عربي على هذه الجائزة بعد محفوظ، وكثيرا ما رشح الشاعر السوري أدونيس، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار، والكاتب الصومالي نور الدين فرح وغيرهم للجائزة، لكن كل هؤلاء ما زالوا مجرد مرشحين فقط».
وأضاف: «وأنا هنا أريد أن آخذ أدونيس مثالا، فرغم أنه من الشعراء العرب الكبار، وأنه قد ساهم بشكل كبير في إيصال الحداثة الغربية إلى الشرق، وأنه نقل كثيرا من المفاهيم النقدية الغربية إلينا، فإنه لم يستطع إدخال ثقافتنا اليومية كوننا شرقيين إلى كتاباته، على عكس نجيب محفوظ الذي قدم الحياة اليومية المصرية بكل تفاصيلها في كتاباته، فأخرجها من المحلية للعالمية.. فاستحق (نوبل) عن جدارة».
ويضيف: «أشعر أن أدونيس قد شغل بـ(نوبل) كثيرا فصار شاعرا غربيا وكاتبا غربيا ومثقفا غربيا، ومن وجهة نظري كنت أتمنى أن يحصل الشاعر الفلسطيني محمود درويش على الجائزة قبل وفاته، فهو أحق من أدونيس الذي ما زال مرشحا وسيظل».
ويرى الشاعر أحمد اللاوندي أن كل من فاز بـ(نوبل) يستحقها؛ لأنه قد تفوق علينا إبداعيا، نحن العرب، وعلينا أن نعترف بذلك، لكن كل عام يخرج علينا من يقول إن «كتابات من فاز بـ(نوبل) تافهة، ولا ترقى لنيل الجائزة»، وهذا هراء بالطبع، والحقيقة أن كتابات من فاز بالجائزة لم تترجم إلى العربية، ولو كانت مترجمة من قبل لتغيرت أقوالنا بالتأكيد.
ويؤيد أحمد اللاوندي فكرة أن بعض الأدباء والكتاب العرب ما زالوا يغازلون «نوبل» بكتابات وسلوكيات معينة، مثل الحديث عن الغرب بدهشة، والتصالح مع الآخر، وانتقاد الشخصية العربية بأطروحات منفتحة جدا على كل المستويات كي يستميلوا القائمين على «نوبل»، ومع ذلك لم يفلحوا.. لماذا؟ لأن الوصول للعالمية يحتاج من الكاتب ومن المبدع أن ينقل واقع بلاده بكل إشكالياته وتفاصيله، مهما كانت دقيقة وصغيرة، وهذا ما فعله نجيب محفوظ، ولم يفعله أحد من المبدعين والكتاب العرب حتى الآن.
* أين تلعب السياسة؟
قال الدكتور مصلح النجار، أستاذ الأدب الحديث في الجامعة الهاشمية في الأردن: «من الصعب أن نحكم بأنّ جائزة (نوبل) قد اكتفت من الوطن العربي بنجيب محفوظ، فلا يغلق حصول أديب على الجائزة الباب أمام ثقافة حاضرة في الحضارة الإنسانيّة مثل الثقافة العربية. وقد يشعر كثير من المثقّفين العرب أنّ هذه الجائزة تتأثّر بعوامل سياسيّة، كما تتأثر بالمركزيّات، وموقف الأدباء منها. وقد تردّدت مجموعة من الأسماء أشيع أنّها تمّ ترشيحها لـ(نوبل) في الآداب، ورأيت بعض الاحتجاجات، ومراسلات بين إدارة الجائزة وبعض المثقفين العرب حول بعض هذه الترشيحات. لكن ما أؤمن به أن أدونيس الذي أشيع ترشيحه مثلا، رغم سرّيّة الترشيحات، يستحقّ (نوبل) للآداب، لما يتّسم به من حضور، وتأثير في الأدب العربي والثقافة العربية، زيادة على اتّسام أدبه بالعالمية، عن جدارة، رغم كل ما ثار حوله من لغط. وقائمة الأسماء ليست قصيرة بين أدباء العربية، مثل صنع الله إبراهيم، وإبراهيم عبد المجيد، وبهاء طاهر. أو مثل محمود درويش حين كان حيّا، ومثله عبد السلام العجيلي، ورضوى عاشور، وتوفيق الحكيم. وربّما كان المراقبون في سياق الثقافة العربية يفسّرون بعض سلوكيات ومواقف أدباء معيّنين على أنها من باب الرياء سعيا إلى (نوبل)، ومحاولة لإظهار حسن النيات، وهي الملاحظة التي أسرف بعض النقاد في شرحها حول نجيب محفوظ، وأدبه، ومواقفه، وهو الكلام الذي قيل مثله عن توفيق الحكيم. وأنا أؤمن أن كثيرا من المواقف والمضمونات التي تنطوي عليها أعمال الأدباء ليست بريئة، لكنّ الملاحظة تصبح جديرة بالتوقف عندها حين ندرك أنّ عددا غير قليل من الأدباء كانوا يضعون المطامع بالجوائز العالمية نصب أعينهم وهم يصوغون إبداعاتهم، وبذلك نتج من هذا الطمع أو الطموح تأثير طال عددا غير قليل من الأدباء والأعمال الأدبية، مما قد يكون مؤثرا في الفكر الأدبي للمرحلة التي امتدت لعقود حتى يومنا هذا».



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.