قوات الأسد تبدأ هجومًا في ريف حلب بغطاء جوّي روسي

مسؤول في النظام يصفها بـ«المعركة الموعودة».. وارتفاع عدد قتلى مجزرة حمص إلى 60 بينهم 30 طفلاً

مواطن سوري يحمل طفلا خلال مسيرة تشييع القيادي في «الجيش السوري الحر» أبو خالد عزيزة والمقاتل المعارض بكري السقا اللذين قتلا إبان تصديهما لداعش في ريف حلب الشمالي (رويترز)
مواطن سوري يحمل طفلا خلال مسيرة تشييع القيادي في «الجيش السوري الحر» أبو خالد عزيزة والمقاتل المعارض بكري السقا اللذين قتلا إبان تصديهما لداعش في ريف حلب الشمالي (رويترز)
TT

قوات الأسد تبدأ هجومًا في ريف حلب بغطاء جوّي روسي

مواطن سوري يحمل طفلا خلال مسيرة تشييع القيادي في «الجيش السوري الحر» أبو خالد عزيزة والمقاتل المعارض بكري السقا اللذين قتلا إبان تصديهما لداعش في ريف حلب الشمالي (رويترز)
مواطن سوري يحمل طفلا خلال مسيرة تشييع القيادي في «الجيش السوري الحر» أبو خالد عزيزة والمقاتل المعارض بكري السقا اللذين قتلا إبان تصديهما لداعش في ريف حلب الشمالي (رويترز)

بدأت قوات النظام السوري مدعومة من «حزب الله» اللبناني ومقاتلين إيرانيين، هجومها على مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، يوم أمس، في معركة برية تضاف إلى معارك أخرى في وسط وشمال غربي البلاد، في حين واصل الطيران الروسي قصفه على مناطق في ريف حمص حيث ارتفع عدد قتلى قصف أول من أمس إلى 60 شخصًا بينهم 30 طفلاً، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي وصف ما حصل بـ«المجزرة».
وفي حين أفاد «المرصد» أنّ قوات النظام تقدمت لتسيطر على قريتي عبطين وكدار على بعد نحو 15 كلم جنوب مدينة حلب، نقل موقع «الدرر الشامية» عن المكتب الإعلامي في «كتائب ثوار الشام» تأكيده استعادة المعارضة السيطرة على قرى الكسارات والسابقية والمحيرة من النظام في ريف محافظة حلب الجنوبي. وهو ما أكده القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد عبد الجبار العكيدي، قائلاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «المعارضة نجحت في التصدي للهجوم الذي بدأته قوات النظام في ريف حلب الجنوبي واستعادت مناطق عبطين والسابقية والكسارات التي كان قد سيطر عليها صباحًا، وألحقت بقواته والمجموعات التي تقاتل إلى جانبه خسائر في الآليات العسكرية والأرواح».
العكيدي تحدث عن مشاركة أعداد كبيرة في الهجوم من العناصر الإيرانيين إلى جانب مقاتلين من «حزب الله» وعراقيين، واصفًا ما يقوم به الطيران الروسي بـ«سياسة الأرض المحروقة» التي يهدف خلالها إلى تدمير المنطقة بشكل كامل. وأشار العكيدي إلى أن الطيران الروسي كان قد بدأ قصفه لمناطق ريف حلب الجنوبي ليلاً مستهدفًا مواقع عدّة بينها المستشفيين الوحيدين في المنطقة، مما أدى إلى توقفهما عن العمل وسقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، لافتًا كذلك إلى أن المنطقة شهدت موجة نزوح كبيرة باتجاه الريف الغربي وإدلب وتركيا.
ووصف مصدر عسكري نظامي الهجوم على حلب بـ«المعركة الموعودة»، قائلاً في حديثه لوكالة «رويترز»، إن «هذه أول مرة يشارك فيها مقاتلون إيرانيون بهذا العدد في الصراع السوري على الرغم من أن أعدادهم متواضعة مقارنة بالقوات السورية»، بينما أعلن مصدر عسكري ميداني لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)، «انطلاق عملية عسكرية كبرى، فجر أمس، في ريف حلب الجنوبي بمشاركة الحلفاء والأصدقاء»، مشيرًا إلى أن «الحلفاء» هم الروس و«الأصدقاء» هم الإيرانيون و«حزب الله». هذا، وكان مصدران إقليميان بارزان قد أكدا أن إيران أرسلت آلاف الجنود لسوريا لدعم الهجوم الحالي في محافظة حماه وتأهبًا لهجوم حلب. وتقول إيران إنها أرسلت أسلحة ومستشارين عسكريين لدعم حليفها الأسد، لكنها تنفي إرسال جنود.
من جهة أخرى، أصدرت القيادة الموحّدة لعمليات حلب بيانًا لإبلاغ السكان بدء العمليات «بهدف تحريركم من الجماعات الإرهابية المسلحة»، محذرة في الوقت ذاته من أن «أي تعاون أو إيواء للمسلحين يعتبر هدفًا للقوات المسلحة»، أما «من يرفع الراية البيضاء فهو آمن». وأفاد مصدر سوري ميداني أن العملية بدأت «انطلاقًا من ريف حلب الجنوبي باتجاه القرى الواقعة تحت سيطرة المسلحين في الريف الغربي والجنوبي الغربي»، وهي تدور على «أربعة محاور هي خان طومان وجبل عزان والوضيحي وتل شغيب، وسط غطاء جوي من الطائرات الحربية الروسية والسورية» يرافقه قصف مدفعي.
الجدير بالذكر أن السيطرة على مدينة حلب - التي ما زال يسكنها نحو مليوني نسمة - مقسمة السيطرة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة.
وفي الأسبوع الماضي قالت وسائل إعلام إيرانية إن ثلاثة ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني قتلوا في سوريا. وذكرت وكالة «تسنيم» الإيرانية للأنباء أن حسين همداني القائد بالحرس الثوري قتل قرب حلب، بينما لقي ضابطان آخران حتفهما خلال معركة مع تنظيم داعش في سوريا. وذكر مصدر أمني لبناني أن «ضابطين» بارزين في «حزب الله» قتلا في سوريا خلال الأسبوع الماضي.
وجوًا، شنت الطائرات الحربية الروسية «عشرات» الغارات خلال الساعات الـ24 الماضية في تلك المنطقة واستهدفت أساسًا قريتي الحاضرة وخان طومان وبلدات أخرى في محيطها، وفق «المرصد». وتدعي روسيا أن الضربات الجوية التي تنفذها منذ أسبوعين بالتنسيق مع جيش النظام السوري تستهدف تنظيم داعش ومجموعات «إرهابية» أخرى، بينما تنتقدها الدول الغربية لشنها ضربات ضد مواقع فصائل مقاتلة أخرى. وأعلنت موسكو الجمعة عن قصفها أكثر من 380 هدفًا لتنظيم داعش منذ بدء الحملة الجوية في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي.
في غضون ذلك، استمرت - وفق «المرصد» - الاشتباكات في محيط مدينة تلبيسة في ريف محافظة حمص الشمالي ترافقها غارات روسية على مناطق عدة. وذكر «المرصد» يوم أمس، أنّ طائرات حربية روسية قصفت مناطق في قريتي تير معلة وجوالك بريف حمص الشمالي، ترافق مع تجديد قصف قوات النظام على مناطق في مدينة تلبيسة وأطرافها بريف حمص الشمالي. وتسيطر الفصائل المعارضة على تلبيسة منذ عام 2012، وفشلت كل محاولات قوات النظام لاستعادتها منذ ذلك الحين. وتكمن أهميتها في أنها تقع على الخط الرئيسي بين مدينتي حمص وحماه الواقعتين على طريق حلب - دمشق الدولي.
ويبدو أن الهدف من العمليات يتمحور حول تأمين طريق حلب دمشق الدولي الذي ينطلق من جنوب مدينة حلب ليمرّ من محافظتي إدلب (شمال غرب) وحماه (وسط)، وصولاً إلى حمص (وسط)، فدمشق. وكان قد تم تشييد هذا الطريق بطول 360 كلم في الستينات ليربط بين المدن السورية الأساسية. وفي حين يسيطر النظام على جزء منه بين دمشق وحمص، فإن الـ185 كلم الأخرى سقطت تباعًا بيد الفصائل المعارضة. وبدأت قوات النظام أولى عملياتها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في ريف حماه الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى ريف إدلب الجنوبي.
من جهته، أعلن قائد العمليات في الجيش الروسي الجنرال أندريه كارتابولوف، أن الطيران الروسي قام بـ600 طلعة جوية وشن غارات جوية على أكثر من 380 هدفًا لتنظيم داعش في سوريا منذ بدء حملته العسكرية في 30 سبتمبر. وأوضح مهندس التدخل الروسي في سوريا الذي تحدث لصحيفة «كومسومولسكايا برافدا»، أن الضربات أخذت السلطات الأميركية على حين غرة. وأضاف: «قمنا باستخدام عدد من الوسائل التقنية والتكتيكات والاتصالات» لشحن الأسلحة إلى سوريا بشكل خفي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة «لم تشاهد شيئًا». وأكد الجنرال أنه «أمر معيب، بالنسبة للإدارة الأميركية، الإقرار بأنه لا يمكنها تسوية هذه المشكلة من دون روسيا»، ولذا، فإن واشنطن ترفض الانضمام إلى مركز التنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية الذي أقامته موسكو ودمشق وطهران والعراق في بغداد، حسب قوله.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.