وثائق سرية تلقي الضوء على حرب «الدرون» الأميركية

واشنطن تقلل أرقام الضحايا المدنيين في غارات طائراتها المسيرة

وثائق سرية تلقي الضوء على حرب «الدرون» الأميركية
TT

وثائق سرية تلقي الضوء على حرب «الدرون» الأميركية

وثائق سرية تلقي الضوء على حرب «الدرون» الأميركية

كشفت سلسلة من المقالات نشرت، أول من أمس، على موقع «ذي إنترسبت» حول وثائق سرية لكاشف معلومات سرية مجهول، عن لمحة نادرة لما يدور في دهاليز برنامج «القتل المستهدف» المثير للجدل الذي تنفذه الطائرات الأميركية بدون طيار «الدرون» ضد الإرهابيين. وكشف موقع التحقيقات عن تفاصيل حول كيفية تنفيذ الهجمات الدموية وكذلك نقاط الضعف في البرنامج الذي انتقدته جماعات حقوق الإنسان.
وكشف الموقع عن التسلسل القيادي الأميركي وعن المعايير المستخدمة لوضع إرهابي ما مشتبه به على ما يسمى بـ«قائمة القتل». ويعتمد الموقع في تقاريره على مصدر لم يكشف عن اسمه من داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وكان موقع كشف الأسرار الإلكتروني قد كشف من قبل عن وثائق سرية حساسة للغاية تتعلق ببرنامج مراقبة الهواتف الخاص بوكالة الأمن القومي. وأصر الموقع على عدم الكشف عن هوية المبلغ نظرًا لحساسية الوثائق ولأن الحكومة الأميركية تنتهج سياسة التعقب بحماس لمن يكشفون النقاب عن معلومات سرية.
وقرر المصدر المبلغ التصرف لأنه يؤمن بضرورة معرفة الناس كيفية اتخاذ القرارات على أعلى المستويات الحكومية لتنفيذ اغتيالات بواسطة الطائرات بدون طيار. واستخدمت الولايات المتحدة الطائرات بدون طيار «الدرون» منذ سنوات في حملتها ضد الإرهابيين - سواء كسلاح أو في أغراض الاستطلاع، في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وكذلك سوريا والعراق.
ولم يتم الكشف بعد عن العدد الدقيق للقتلى جراء الهجمات بالطائرات الأميركية بدون طيار. وذكر موقع «ذي إنترسبت» أن الإدارة الأميركية تعطي أرقامًا أقل من الواقع بشأن الخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن غارات طائراتها بدون طيار التي تستهدف متطرفين في أماكن عدة من العالم. ونشر الموقع ملفًا بعنوان «آلة القتل» يتضمن وثائق سرية تسلمها من خبير استخباراتي أميركي. وتكشف هذه الوثائق بين أمور أخرى أنه خلال عملية «هايميكر» في شمال شرقي أفغانستان بين يناير (كانون الثاني) 2012 وفبراير (شباط) 2013، أوقعت غارات شنتها طائرات بدون طيار تابعة للقوات الأميركية الخاصة أكثر من مائتي قتيل كان 35 منهم فقط أهدافًا محددة.
وتابع الموقع أنه خلال خمسة أشهر ضمن مهلة العملية لم يكن تسعون في المائة من الضحايا مستهدفين. وكشفت الوثائق أيضًا أن العسكريين الأميركيين أشاروا إلى هؤلاء الضحايا في حصيلتهم بأنهم «أعداء قتلوا في معارك». وقال الموقع، نقلا عن الخبير نفسه، إن وصف كل الضحايا الذكور بأنهم مقاتلون ما لم يثبت عكس ذلك «غير منطقي إطلاقًا».
وتابع: «لكننا اعتدنا على ذلك. فوكالات الاستخبارات والقوات الخاصة التي تشن الغارات، ووكالة الاستخبارات المركزية التي تقوم أيضًا بغارات مستخدمة طائرات بدون طيار، وكل الجهات التي تدعم هذه البرامج، لا مشكلة لديها مع هذا الوضع».
وردًا على سؤال عن الخبير الذي قابله موقع «ذي إنترسبت»، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، أول من أمس، إن الرئيس باراك أوباما يحاول «الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الشفافية في عمليات مكافحة الإرهاب» في العالم.
وأضاف إيرنست أن «الجهود في هذه العمليات لتفادي وقوع ضحايا مدنيين تتناقض، واضح جدًا مع تنظيمات مثل حركة طالبان تقوم بعمليات ضد مدنيين أبرياء في استراتيجية منسقة للتحريض على العنف والاضطرابات».
ونشر الموقع في تحقيقه تفاصيل حول مختلف مراحل اتخاذ القرارات في هرم السلطة البيروقراطية قبل شن الغارة بدون طيار. وعرض الموقع أيضًا لعبة أوراق عليها صور الأشخاص المستهدفين تستخدمها الاستخبارات. ويتم تناقل ملف يضم صورة الهدف والتهديد الذي يمثله بالنسبة إلى الولايات المتحدة وعلاقاته مع متطرفين آخرين، بالإضافة إلى معلومات ميدانية ليصل في النهاية إلى أوباما الذي يعطي الضوء الأخضر لتنفيذ الغارة. وتابع الموقع أن عملية إعطاء الضوء الأخضر من قبل الرئيس تستغرق منذ انطلاقها ما معدله 58 يومًا وتظل صالحة لـ60 يومًا بعدها.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.