بوتين ينتقد جفاء الأميركيين.. وكارتر: سنواجه روسيا الخبيثة

الحرب في سوريا تذهب نحو مواجهة أميركية ــ روسية غير مباشرة

لقطة مقتطعة من شريط لوزارة الدفاع الروسية تبين طائرة «سوخوي سو-24»  تهبط في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على الساحل السوري (رويترز)
لقطة مقتطعة من شريط لوزارة الدفاع الروسية تبين طائرة «سوخوي سو-24» تهبط في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على الساحل السوري (رويترز)
TT

بوتين ينتقد جفاء الأميركيين.. وكارتر: سنواجه روسيا الخبيثة

لقطة مقتطعة من شريط لوزارة الدفاع الروسية تبين طائرة «سوخوي سو-24»  تهبط في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على الساحل السوري (رويترز)
لقطة مقتطعة من شريط لوزارة الدفاع الروسية تبين طائرة «سوخوي سو-24» تهبط في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على الساحل السوري (رويترز)

لم يعد ازدحام سماء سوريا بمقاتلات تابعة للتحالف الدولي ضد الإرهاب، وأخرى تابعة للقوات الروسية، مصدر القلق الوحيد من احتمال نشوب مواجهة بين الجانبين في سوريا، فإلى جانب عدم الوضوح التام لغاية الآن بشأن التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا لاعتماد تدابير تضمن سلامة الطيارين وتحول دون وقوع حوادث تصادم أو مواجهة بين الطائرات من الجانبين، هناك عدم وضوح سياسي في التصريحات الصادرة عن موسكو وواشنطن على حد سواء، تكشف عن تمسك كل طرف برؤيته للتعامل السياسي مع الأزمة السورية، وفي كل هذا ما يدفع للاعتقاد بأن الأزمة السورية تدخل فصلاً جديدًا لن يشهد انطلاقا للعملية السياسية بما يلبي تطلعات السوريين، وإن بدأت هذه العملية فستكون بالدرجة الأولى تفاوضا أميركيا - روسيا حول النفوذ في المنطقة وتقاسم الأدوار في السياسة الدولية بشكل عام.
وفي الوقت الذي اشتكى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، بأن واشنطن لم ترد على اقتراح روسي بتبادل إرسال الوفود إلى عواصم البلدين لتنسيق العمليات العسكرية الجوية لطائرات البلدين فوق سوريا، لم يرفض وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر الاقتراح الروسي فقط، ولكن أيضا تجاهله وشن هجوما عنيفا على روسيا، ووصف سياستها بالـ«خبيثة».
وأجرى الجانبان محادثات، يوم أول من أمس، هي الثالثة بينهما في مؤتمر عبر دارة تلفزيونية مغلقة لبحث إجراءات السلامة في الأجواء السورية. وزارة الدفاع الروسية وصفت المؤتمر بالبناء، وقالت إنه تطرق إلى بحث مقترحات قدمتها موسكو للتوصل إلى اتفاق يضمن سلامة الطيارين من الجانبين في الأجواء السورية. الاتصالات مستمرة عبر القنوات العسكرية من الطرفين، لكن لبحث مجالات محددة تتعلق بعمليات كل منهما على الأرض، دون أن تكون هناك أية إشارات إيجابية حول إمكانية تعاون أوسع أو توحيد الجهود في التصدي للإرهاب، وتسوية الأزمة السورية. وفي خلفية هذا الوضع المعقد من الناحية الميدانية، لم ينتبه العالم إلى تصريحات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الخجولة التي أطلقها من موسكو يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول)، وقال فيها إن التدخل العسكري لن يحل الأزمة في سوريا ولن يساعد على إطلاق العملية السياسية.
في غضون ذلك يبدو أن الحوار السياسي بين موسكو وواشنطن حول الأزمة السورية دخل في مرحلة حرجة تكشف أيضًا، إلى جانب الحوار عبر القنوات العسكرية، عن استمرار الخلافات بين الجانبين وانتقالها إلى مستويات أكثر حدة على خلفية التدخل العسكري الروسي في سوريا. وبرزت حدة التناقضات بشكل واضح حين رفضت واشنطن اقتراحا روسيا باستضافة وفد رفيع المستوى أبدت موسكو استعدادها لإرساله، يكون على رأسه رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، ومعه شخصيات أمنية وعسكرية، لإجراء محادثات موسعة مع المسؤولين الأميركيين حول مختلف جوانب الأزمة السورية. كما رفضت واشنطن إرسال وفد إلى موسكو للغرض ذاته.
ولم يختر كارتر إعلان رده التصاعدي في مؤتمر صحافي، أو في دول أجنبية، حيث كان في الأسبوع الماضي، ولكن أعلنه في خطاب رئيسي في حفل غداء، يوم الأربعاء، في مؤتمر في واشنطن للقوات البرية الأميركية، ونقله تلفزيون البنتاغون مباشرة، وصف فيه بوتين بأنه «لف بلاده في كفن من العزلة». ولن يقدر على الخروج من هذا الكفن دون «تغيير جذري» في السياسة الروسية.
وأضاف كارتر: «سنتخذ نحن كل الخطوات اللازمة لردع خبث روسيا، وزعزعتها للاستقرار، وضغوطها، وإكراهها، وعدوانها». وشن هجوما عنيفا على التدخلات العسكرية الروسية في أوكرانيا وسوريا. في خطابه، قال كارتر أيضا إنه ما دامت روسيا اتبعت «استراتيجية خاطئة» في سوريا لدعم «عميلها» الرئيس السوري بشار الأسد، «لم نوافق، وسوف لا نوافق، على التعاون مع روسيا».
وتجاهل كارتر تماما الإشارة إلى اتهامات بوتين بأن الولايات المتحدة تجاهلت مبادرات روسية لإجراء مشاورات رفيعة المستوى عن سوريا، ورفضت إرسال وفد إلى موسكو، أو استقبال وفد روسي.
ووصف بوتين هذا الرفض الأميركي بأنه غير بناء، وقال في تصريحات له من العاصمة الكازاخية أستانا: «إن عدم وجود جدول أعمال (لدى الأميركيين) يكمن في أساس هذا الموقف الضعيف. يبدو ببساطة أنه لا شيء (لديهم) للحديث حوله»، وعبر الكرملين عن أسفه على لسان ديمتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي الذي قال: «لا يسعنا سوى أن نعبر عن أسفنا لرفض الولايات المتحدة هذا الاقتراح. وأي رفض للحوار، لا سيما في وضع حساس مثل سوريا، لن يساهم في إنقاذ هذا البلد مما يُسمى تنظيم داعش»، وأردف بيسكوف مؤكدا مضي بلاده في «دعم العمليات الهجومية التي تشنها القوات الحكومية»، لافتًا إلى أن قرار الرئيس بوتين باختيار ميدفيديف لرئاسة الوفد المقترح «إنما يؤكد أن روسيا تقترح مستوى رفيعا للبحث في مسائل هامة كهذه».
بعد تصريحات بيسكوف قرر البيت الأبيض إعادة الكرة إلى الجانب الروسي، وأطل إرنست جوش المتحدث الصحافي باسم البيت الأبيض ليقول إن عدم رغبة موسكو في تقديم مساهمة بناءة في التصدي لجماعة «داعش» الإرهابية هو سبب رفض الولايات المتحدة للاقتراح الروسي باستقبال وفد من موسكو أو إرسال وفد أميركي إلى هناك لبحث الأزمة السورية. وأوضح جوش أن الولايات المتحدة تعتبر أن «هدف هذا الوفد حسب ما قال الرئيس بوتين العمل على تنسيق التعاون العسكري بين روسيا والولايات المتحدة. ونحن أبدينا عدم اهتمامنا بهذا الأمر ما دامت روسيا لا ترغب في تقديم مساهمة بناءة في حربنا ضد (داعش)». وأشار جوش إلى أن دعوة موسكو للمحادثات والتعاون لم تلقَ آذانا صاغية لدى كل الدول الـ65 الأعضاء في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وليس لدى الولايات المتحدة فقط، واعتبر أنه لدى روسيا جدول أعمالها الخاص، الذي تنفذه بشكل مستقل، وتنسق فقط مع النظام السوري والإيرانيين. وعاد جوش ليرحب بـ«مساهمة روسية بناءة» تتكامل مع الجهود الدولية في التصدي لـ«داعش».
ويحذر مراقبون من أن هذا الجدل على مستوى التصريحات السياسية بين موسكو وواشنطن قد يعني انتقال الأزمة السورية من مراحل نزاع بين أطراف سورية تحول لاحقا إلى حرب بالوكالة، إلى مرحلة مواجهة شبه مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، لا سيما بعد إعلان الولايات المتحدة تعديل برنامج تدريب المعارضة السورية، ومباشرتها تزويد مجموعات من هذه المعارضة بالسلاح والذخيرة، في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على تعزيز القدرة العسكرية للقوات الحكومية، وتقدم غطاء جويا لعملياتها القتالية. ويلفت المراقبون محذرين إلى المعلومات حول تدمير أعداد كبيرة من الدبابات التابعة للقوات الحكومية المدعومة روسيًا باستخدام مضادات حديثة للدروع يُعتقد أنها أميركية الصنع، ويعربون عن خشيتهم من أن تشكل هذه التطورات ما يشبه دق الإسفين الأخير في نعش العملية السياسية لحل الأزمة السورية وهي في المهد.
في واشنطن، مساء الأربعاء، رفض الكابتن جيف ديفيس، متحدث باسم البنتاغون، الإشارة إلى موضوع «تبادل الوفود». وركز على «اتصالات» بين البنتاغون ووزارة الدفاع الروسية حول إجراءات لتجنب صدام في الجو بين الطائرات الأميركية والطائرات الروسية. وعلى اقتراحات (لم يكشف عنها) قدمها العسكريون الأميركيون خلال سلسلة مؤتمرات فيديو. وأن مؤتمر الفيديو الثالث كان يوم الأربعاء. وقال إن هذه المؤتمرات «ركزت تركيزا ضيقا على تنفيذ إجراءات محددة».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.