سكان في تعز لـ«الشرق الأوسط»: مدينتنا تحولت إلى سجن كبير

المتمردون أغلقوا كل المداخل عدا منفذ وحيد يجري عبره إدخال كميات قليلة من الغذاء والدواء

شاب ينظر إلى رسم غرافيتي في أحد أحياء مدينة تعز أمس (رويترز)
شاب ينظر إلى رسم غرافيتي في أحد أحياء مدينة تعز أمس (رويترز)
TT

سكان في تعز لـ«الشرق الأوسط»: مدينتنا تحولت إلى سجن كبير

شاب ينظر إلى رسم غرافيتي في أحد أحياء مدينة تعز أمس (رويترز)
شاب ينظر إلى رسم غرافيتي في أحد أحياء مدينة تعز أمس (رويترز)

يعيش السكان وضعا معيشيا مأساويا، بسبب الحصار الذي تفرضه الميليشيات الحوثية وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، على مدينتهم، الواقعة وسط اليمن، منذ قرابة نصف العام. وبينما صار أكثر من 90 في المائة من السكان يفتقدون إلى المواد الغذائية والأدوية، تعالت الأصوات التي تطالب المجتمع الدولي بإنقاذ سكان المدينة من الميليشيات المتمركزة في مداخل المدينة الشمالية والشرقية والغربية والجنوبية.
ويأتي منع الميليشيات الانقلابية لدخول الخضار والفواكه والأدوية وغير ذلك من مستلزمات العيش، من خلال حصارها لمداخل المدينة من الجهة الشرقية على خط الحوبان ومفرق ماوية، ومن الاتجاه الشمالي على خط الستين وشرعب. كما تتحكم الميليشيات في المدخل الغربي على خط الستين، الواصل من محافظة الحديدة الساحلية، وأيضًا من الجهة الجنوبية مع أن قوات الجيش الوطني والمقاومة التي تسيطر على الجهة الجنوبية.
وقال بليغ التميمي، رئيس شبكة إنقاذ للإغاثة ومؤسسة فجر الأمل الخيرية للتنمية الاجتماعية ورئيس تنفيذية المجلس الثوري بتعز، لـ«الشرق الأوسط» إن «تعز تعيش معاناة مستمرة، مما ينذر بحدوث كارثة حقيقية». وأضاف «منذ قرابة نصف عام وأبناء تعز يعانون من حرب همجية وآلة دمار ممنهجة وانتقام شرس نجمت عنه آثار كبيرة ومآس عظيمة طالت السكان بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن». وأشار إلى أن الحصار أدى إلى تهجير عدد كبير من سكان المدينة وتدمير مشاريع البنى التحتية. ويضيف التميمي لـ«الشرق الأوسط» أن «الحصار المفروض حول مدينة تعز إلى سجن كبير، وحال دون وصول الغذاء والماء والدواء والمساعدات الإغاثية مما أدى إلى وقف الحياة العامة في المدينة بشكل تام وتفشي الأمراض والأوبئة وانعدام القوت الضروري لغالبية سكان المدينة». ويتابع التميمي أن «90 في المائة من سكان المدينة لا يجدون ماء صالحا للشرب أو علاجا وهم يعانون الجوع والعطش والمرض». ويوضح أن سعر المواد الغذائية الرئيسية مثل البطاطا والطماطم زادت خمسة أضعاف ما هو عليه في المناطق الأخرى من البلاد. ويقول التميمي إن «هناك منفذا وحيدًا يجري عبره إدخال المواد الغذائية ومستلزمات العيش الأخرى إلى تعز، وهو منفذ عدن - طور الباحة وهيجة العبد التربة النشمة الضباب، رغم أن فيه هو الآخر صعوبات». وقال إنه «يتعين على الحكومة العمل على السعي لتأمين هذا المنفذ والتنسيق مع التحالف العربي لتحرير وتأمين المنافذ الأخرى لأن البطء في ذلك يعني تعريض حياة مئات الآلاف من أهالي تعز للخطر».
وبينما تشهد المدينة حصارا خانقا من ميليشيات الحوثي وصالح عبر مختلف مداخلها، يقوم المتمردون أيضا بنهب ومصادرة كل المعونات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية والتي كان آخرها المعونة المقدمة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، وبرنامج الغذاء العالمي للنازحين في 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
ويقول فؤاد قائد، أحد أعيان مدينة تعز لـ«الشرق الأوسط» إن «ميليشيات الحوثي وصالح لم تكتف بحصارها لنا من مداخل المدينة بل إنها تقوم أيضا بنهب المعونات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية، ونهب ومصادرة ممتلكات الأهالي الذين يريدون الدخول إلى المدينة من طريق الحوبان أو أية مداخل ومعهم احتياجاتهم، ويقومون بنهبها ومصادرتها، حتى إن ميليشيات الحوثي وصالح في المداخل يقومون بائتلاف الاحتياجات المنزلية اليومية مثل الخضراوات والفواكه وغيرها». وأشار إلى أن الحوثيين باتوا يمنعون السكان، بمن فيهم النساء والأطفال، من إدخال أسطوانات الغاز معهم، عبر منفذ الحوبان.
وكان أهالي مدينة تعز وجهوا نداء إغاثة إلى منظمات المجتمع المحلي والدولي والمهتمين بالوضع الإنساني وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، خلال وقفة احتجاجية في تعز قبل أيام، ونوهوا فيها بتدهور الأوضاع الإنسانية التي يعيشونها. ودعا أصحاب «نداء الاستغاثة» الأمين العام للأمم المتحدة إلى استخدام سلطاته العليا للتدخل السريع لإنقاد سكان محافظة تعز، ووضع حد لمعاناتهم المتفاقمة بشكل عام، والضغط على قيادة المسلحين لرفع الحصار المفروض على المدينة والسماح بإدخال احتياجات السكان الغذائية والدوائية وغيرها، بالإضافة إلى العمل على تشكيل لجنة دولية لإجراء تحقيق عادل وشفاف، ورصد كل جرائم الإبادة والقتل العشوائي والانتهاكات والممارسات غير الإنسانية التي طالت الأبرياء والأطفال والنساء بما فيها نهب المساعدات والمعونات المقدمة من المنضمات الدولية، وتقديم مرتكبيها لمحكمة الجنايات الدولية.
بدوره، قال نشوان نعمان شمسان الذبحاني، مدير مركز القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بتعز لـ«الشرق الأوسط»: «لا تزال حملة الوفاء تسعى جاهدة للتخفيف من الحصار الغذائي الشدي والمفروض على أهالي مدينة تعز من خلال تقديم الإغاثات الإنسانية العاجلة في مجال المياه والغذاء والعلاج للسكان رغم الصعوبات التي تواجهنا في قلة توفير وايتات المياه العادية ومياه الشرب وارتفاع أسعارها بشكل كبير بسبب الحصار وعدم إمكانية دخولها أيضا إلى المدينة وهي محملة بالمياه». وأضاف «يدرك الجميع في داخل اليمن وخارجه أن محافظة تعز تعاني الأمرين وسكانها يتجرعون مرارة الحصار ومرارة الحرب، وهي الكارثة الحقيقية التي أصابت هذه المحافظة بمديرياتها الـ23 وتجمعت فيها جميع صعاب الحرب: الحصار، الدمار الشامل، نقص الغذاء وغيرها الكثير الكثير، ومشكلات صحية لا تحصى منها انتشار الأوبئة وحمى الضنك الفتاك وعدم توفر الأدوية للأمراض المزمنة كالقلب والسكر والسرطان بما فيها أيضا توقف المستشفيات عن تقديم خدماتها». ويؤكد نشوان شمسان أن «ما تعانيه تعز كثير، ووصل الأمر أيضا إلى الحصار على مديريات جبل حبشي صبر الموادم المسراخ المواسط المعافر المقاطره الشمايتين، وجميعها مساحة جغرافية سكانها يتجاوز عددهم مليوني نسمة وهم جميعهم محاصرون نتيجة الحرب الحاصلة في الضباب حيث لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج إلا بصعوبة وبتكلفة باهظة جدًا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار لكل الخدمات والمواد الغذائية والأساسية والخضراوات وتعاني هذه المناطق مثل ما تعانيه المدينة وباقي المديريات للمحافظة من حرمان لكل شيء وزاد عليها نزوح الكثير من أبناء تعز إلى هذه المديريات».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.