ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

مفاوضات ليون حققت زخمًا لمصالحات داخلية

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها
TT

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

رغم تأييد غالبية الليبيين ودول الجوار لـ«حوار الصخيرات»، الذي قاده برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، طوال سنة، وتمخض عن مقترح برئيس وزراء ومساعدين له قبل أيام قليلة، فإن البعض في شرق البلاد وفي غربها يبدو وكأنه وضع بدائل جديدة تحسبًا لتعثر «حكومة الوفاق». هذا الأمر يبدو واضحا الآن في ضوء ميل أطراف القوة المسلحة على الأرض نحو التشدد ورفض مخرجات الحوار. لكن هذه البدائل يمكن أن تؤدي إلى العودة إلى المربع صفر، أي الاقتتال بين الأفرقاء، والدخول في منطقة خطرة يمكن أن تسفر عن تقسيم الدولة التي تعاني أصلاً من الفوضى وهشاشة السلطة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

أعلن برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، قبل أيام، مقترحاته لتسوية الأزمة الليبية، مقترحًا تسمية رئيس وزراء ومساعدين له. فكيف يمكن رصد الوضع السياسي الآن؟
في ليبيا اليوم قوتان مسلحتان رئيسيتان: الأولى هي الجيش الوطني المدعوم من البرلمان الحالي ويقوده الفريق أول خليفة حفتر، تحت مظلة حكومة عبد الله الثني. ويسود اعتقاد بأن هذا الرجل العسكري، وعددا من رجاله، لن يكون له، ولا لهم، مكان في الحكومة التي اقترحها ليون برئاسة فايز السراج. أما القوة الثانية فهي قوة «فجر ليبيا» التي يعتمد عليها بقايا نواب البرلمان السابق المعروف باسم «المؤتمر الوطني العام» وحكومته المسماة بحكومة الإنقاذ برئاسة عمر الحاسي، وترفض العناصر المتشدّدة فيها تولي السراج رئاسة حكومة الوفاق.
ولعل المدة الطويلة التي استغرقها ليون في جمع أطراف النزاع على مائدة واحدة تعكس صعوبة الحالة الليبية. لكن، مع ذلك، لوحظ أن الساعات الأخيرة من «حوار الصخيرات»، أي تلك التي سبقت إعلان الأسماء المقترحة للمرحلة الجديدة، كانت مشحونة بالخوف من الفشل، بينما كان ليون يجمع أوراقه لإنهاء مهمته في ليبيا.
ولم يكن هناك متسع من الوقت من أجل إعادة النظر أو وضع القوة المسجلة في الحسبان، سواء كانت في المنطقة الغربية أو الشرقية. لكن من حسنات مفاوضات ليون أنها حققت زخما لمصالحات داخلية قد تستمر حتى لو لم تنجح «حكومة الوفاق» في ممارسة أعمالها، رغم أن رئيسها، السراج، النائب في البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق شرقًا، هو في الوقت نفسه من أبناء العاصمة طرابلس غربًا. وما زال العديد من نواب برلمان طبرق ونواب المؤتمر الوطني ينظرون بريبة للمتغيرات التي أصبح ينبغي القيام بها من أجل مستقبل جديد ومختلف، سواء بالنسبة لمن شاركوا في الحوار أو قاطعوه في أيامه الأخيرة.
المحلل السياسي الليبي طارق القزيري، ابن مدينة مصراتة التي تعد من المدن المهمة في التوازنات السياسية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن ليون كان حريصًا على إشراك المؤتمر الوطني «وفقا لتحليل وصْفَتِهِ التي فاجأت الكثيرين في الداخل والخارج». وأضاف أن «تكتيك ليون قد يكون سياسيًا، عندما أقدم على هذه الخطوة، وهو لتحقيق أغراض لإنهاء مهمته الليبية بنجاح، ولكن، وقبل ذلك، لا بد من معرفة أن ليون كان يواجه اتهامات ومصاعب عديدة».
ومن بين التهم، بحسب القزيري، أنه متهم بكونه «يخضع للمؤتمر الوطني، ولم يستطع فرض خططه أو الاتفاقات السابقة عمليا، وهو يدور في حلقة مفرغة». وتابع المحلل أن «وجود المؤتمر الوطني أساسي وضروري، فلا يمكن، إلى حد كبير، استقرار الحكومة في طرابلس من دون موافقة المؤتمر أو جزء كبير - أو حاسم - منه، لتصبح للتشكيل الحكومي جدوى واقعية»، مشيرا إلى أنه من بين التحديات التي واجهت المبعوث الدولي «كيف يمكن للحكومة أن تكون قابلة للحياة، مثلما هي قابلة للوجود؟! وهذا يستدعي تأمين الموارد المالية لدعمها».
واستطرد القزيري شارحًا أن «إعلان التشكيلة الراهنة (للحكومة المقترحة) يتضمن عدة أغراض مفترضة لليون، منها الإفلات من الاتهام الذي يضعه في خانة الخضوع لإملاءات المؤتمر الوطني على حساب الإسراع في إعلان حكومة التوافق. وثانيا: إعطاء المؤتمر الوقت الكافي للملمة أوراقه والالتحاق بسيناريوهات التشكيل، خاصة مع الإعلان عن رئيس المجلس مباشرة».
أما عن شخصية السراج فيقول القزيري، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» بعد يوم من إعلان اسمه (أي السراج)، إنه شخصية طرابلسية، وهذه «نقلة مطمئنة للجميع، فهي تستبعد المخاوف الجهوية لكل الأطراف، خاصة من شخصية محسوبة على البرلمان في طبرق، لكنها معتدلة، ولا مآخذ جدية عليها». أما عن وجود ممثلين من أجدابيا والزنتان، فيوضح القزيري أن هذا «يعني تأمين إمدادات النفط، ومناطق تصنيعه (في سهل الجبل جنوب طرابلس وكذلك المثلث النفطي) ليمكن الحديث عن توفير الموارد للحكومة، وهو ما يجعلها مقبولة لأنها (ستكون) قادرة على التصرف».
وبينما ذكّر القزيري أن الحديث عن الحقائب السيادية الأهم يبقى متاحًا لتعزيز دور أطراف أخرى مهمة للغاية، لتفعيل الحكومة واقعيًا، فإنه يقول إن المهم أيضًا هو أن «التشكيلة تعكس توازنات جديدة، فعندما يغيب تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، فهذه إشارة لواقع سياسي يتشكل أو تشكل فعلا، بعد تغير كثير من المعطيات على الأرض، عقب سنتين من الصراع الدامي.. لكن الزنتان، ومن خلال مجلسها العسكري، وجّهت انتقادات حادة لما أفضى إليه (حوار الصخيرات)، خاصة في ما يتعلق بالتعديل الذي أدخل على المسودة الرابعة التي وقع عليها المتحاورون بالأحرف الأولى». وأضاف: «فوجئنا بإعلان حكومة يراد منها أن ترفضها كل الأطراف، وشنت هجوما على ما سمته تعيين (عرّابي الحرب) في مناصب قيادية على أعلى مستوى بعد أن (دمروا العملية السياسية وأحرقوا البلاد وزرعوا الفتنة بين المدن)».
لكن لماذا سارع البرلمان الحالي باتخاذ قرار بتمديد عمله قبل أيام من الإعلان عن الحكومة المقترحة؟ كان موعد انتهاء أعمال البرلمان يوم 20 من الشهر الحالي، فهل كان يخشى من فشل «اتفاق الصخيرات»، وبالتالي، يمكن للبلاد أن تدخل في مزيد من الفوضى؟
هنا، رأى عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، أنه «كان معلومًا منذ البداية بين معظم النواب أن البرلمان لن يسلم السلطة إلا لجسم منتخب، ولو اضطر لتمديد عمله في حال كان متعذّرا إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وهو ما حدث بالفعل»، مشيرا إلى أن «الهدف من هذه الخطوة كان تجنب دخول البلاد في فراغ في السلطة بحلول يوم العشرين من هذا الشهر، وهو الموعد القانوني لانتهاء أعمال البرلمان الذي جرى انتخابه صيف العام الماضي».
وأشار عبد المجيد إلى سلامة هذا الإجراء قائلا: «إن الإعلان الدستوري الذي تعمل به البلاد كدستور مؤقت ينص على أن البرلمان لا يسلم هذه السلطة إلا لجسم منتخب». ويقول مسؤولون في البرلمان إن قرار التمديد لم يكن يتعارض مع سير المفاوضات بقيادة ليون، لكن أحد المصادر النيابية لا يخفي أن قرار التمديد كان بمثابة ضغط على الخصوم من أجل تحقيق مكاسب للبرلمان.
وسبق كل هذه التطورات خطاب شديد اللهجة وجَّهه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، للمجتمع الدولي وللبعثة الأممية في ليبيا، ضمن كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة الأسبوع قبل الماضي. وكانت الكلمة تؤشر إلى نفاد صبر السلطة الشرعية في ليبيا من المماطلة الدولية تجاه حسم «حوار الصخيرات» بمن وقعوا عليه، والمماطلة في رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي الذي يشن حربًا واسعة ضد الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة.
يعتقد كثيرون من قيادة البرلمان ومستشاريه أن ليون، الذي ستنتهي مهمة عمله في ليبيا قبل نهاية هذا الشهر، كان يميل إلى «تدليل مجموعة طرابلس التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة». أو كما قال المستشار عبد المجيد «ليون لم يكن عادلا. وتحركاته لم تكن مرضية للشعب الليبي. لقد انحرف عن مسار الحوار، في نهاية المطاف»، مشيرا إلى أن رئيس مجلس النواب (صالح) وأعضاء البرلمان تعاملوا مع ليون، منذ البداية، بكل احترام في سبيل ليبيا.. «لكن ليون، للأسف، تعامل مع مجلس النواب كأنه جسم غير شرعي، وقام بالمساواة بينه وبين المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته)».
مع هذا، توقّع عبد المجيد أن تسير ليبيا إلى الأمام «وفقًا لما يريده الشعب وليس ما يريده ليون، لأن الشعب دفع ثمنًا غاليًا بعد تخلصه من حكم (الإخوان) ومن معهم من متطرفين، ولن يسمح بعودتهم مرة أخرى، سواء من باب حوار الأمم المتحدة أو من غيره». ومن الممكن أن يلجأ البرلمان خلال الفترة المقبلة إلى تسمية رئيس للدولة، وهذا سيكون تطورا جديدا يمكن أن يغير من المسار السياسي برمته.
في المقابل، وفقا لمصادر عسكرية ليبية، أدت جولات «حوار الصخيرات» رغم كل شيء لنتائج إيجابية على الأرض وحركت المياه الراكدة، ولفتت نظر الليبيين إلى أن الاقتتال لن يؤدي إلى أي حلول. وأن أفضل طريق هو الحوار والمصالحة. ويمكن القول، وفقا للعديد من المصادر، أن المجتمع الليبي تأثر بزخم الحوار تأثرًا إيجابيًا، حيث بدأت بعض القبائل والمناطق الجهوية في عقد هدنة أو صلح، في ما بينها، رغم أنها لم تكن مشاركة أصلاً في حوار ليون.
تنقسم ليبيا إلى ثلاث مناطق رئيسية: الشرق الذي يتخذ فيه البرلمان والحكومة والجيش مقرات لهم وينشط فيه أيضًا تنظيم داعش. والغرب الذي يسيطر عليه المتطرّفون الموالون لجماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة»، خاصة في طرابلس. والجنوب الذي يشهد اقتتالاً بين حين وآخر بين مجموعات عقائدية وجهوية وقبلية.
بعض العسكريين الليبيين يقولون «نترك الجنوب الآن»، لأن مشكلتهم سهلة الحل مستقبلا.. و«نترك طرابلس أيضًا»، لأن المجموعات التي تسيطر عليها ليست لديها حجج قوية للاستمرار في ما تقوم به من تشدّد وتمترس، كما أن هذه المجموعات تخسر في العاصمة بمرور الوقت. أين المعضلة إذن؟ يقول أحد مساعدي حفتر إنه بغض النظر عن مقترح تشكيل حكومة برئاسة السراج فإن الحل الحقيقي لمشاكل ليبيا موجود في بنغازي، التي تعد ثاني أكبر المدن الليبية.. موضحًا: «بنغازي دائمًا هي التي تحدد بوصلة الاتجاهات في عموم البلاد. فإذا تمكن الجيش من إلحاق الهزيمة بالمتطرفين في بنغازي، فإن كل مشاكل ليبيا ستحل تلقائيًا».
تاريخيًا، كانت بنغازي منطلقًا للانقلابات والثورات والحكم. وتضم هذه المدينة كل ممثلي القبائل الليبية تقريبًا من كل أرجاء البلاد، حتى من طرابلس ومصراتة وسبها.. «إنها ليبيا مصغرة»، لكن المعضلة ستكون دائما، أمام أي سلطة، في المجموعات العقائدية المتشددة مثل «داعش» وغيره، كما يشدد وزير الدفاع الليبي السابق، أسامة الجويلي.
الجويلي قائد عسكري ظهر على سطح الأحداث في ليبيا، انطلاقًا من بلدته الزنتان، أثناء «الثورة» ضد القذافي في 2011. وخاضت الزنتان حربًا ضروسًا مع قوات مدينة مصراتة للسيطرة على العاصمة في صيف العام الماضي، مما أدى إلى وقوع خسائر بمليارات الدولارات، كان أبرزها حرق مطار العاصمة. ومع أن تلك الحرب ما زالت لها تداعياتها وتأثيرها على العلاقة بين عدة مدن وقبائل، فإن فرص الحل اليوم قابلة للتحقق أكثر من السابق. وحاليًا يشارك الجويلي في شق طرق جديدة للسلام بين القبائل والمناطق. وهو ممن كانوا يعولون منذ البداية على «حوار الصخيرات»، كما كان ممن توقعوا نجاحه.
الجويلي ينظر إلى مناطق وجود المتطرفين في بنغازي ودرنة وسرت باعتبارها «مناطق صعبة وستحتاج إلى معالجة خاصة، لكن بالنسبة لمجموعات طرابلس فإنه من الممكن التفاوض معها للوصول لحل». وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال: «سيكون من السهل التفاوض مع طرابلس مقارنة بالمجموعات المتطرفة في بنغازي ودرنة وسرت.. مجموعات طرابلس ليست لها حجج قوية، فهي تعترف بالانتخابات وتعترف بالعملية الديمقراطية، وهذه مواقف مختلفة تمامًا عن مواقف المجموعات المتشددة في بنغازي ودرنة وسرت».
وبالفعل، وفق أحد القادة العسكريين في بنغازي، فإن «مجموعات طرابلس يمكن أن تكون جزءا من مستقبل الحكم في ليبيا، حتى لو كان بعض المتشددين فيها يرفضون حكومة التوافق وشخصية السراج. وهذا بعكس المجموعات المرتبطة بـ(داعش) و(القاعدة).. فهذه ميئوس منها». وتابع القائد كلامه قائلا: «حتى مدينة مصراتة التي كانت يومًا متهمة بالوقوف وراء التشدد الذي تبديه الميليشيات المسلحة في طرابلس، بدأت تغير من مواقفها بقيادة مجلسها البلدي الذي يضم شخصيات تميل نحو الاعتدال والتفاوض».
ثم ما يمكن أن يسهّل اجتماع الخصوم حول شخصية السراج هو عقد العديد من الأطراف الليبية، خلال الشهرين الأخيرين، اتفاقيات واسعة في عدد من المدن ومع القبائل التي كانت حتى وقت قريب تخوض نزاعًا مسلحًا في ما بينها، مما تسبب في سقوط مئات القتلى وألوف المهجرين. وحتى أسبوعين كان الجويلي يقود جهود للمصالحة أيضًا، ويقول: «الحمد لله، وفقنا إلى مصالحة أدت إلى التهدئة في كل المناطق الغربية من طرابلس، وما زلنا مستمرين في عقد المصالحات. هذا هو السبيل الوحيد أمام الليبيين لحقن الدماء وبناء دولتهم».
في الوقت الحالي، وبفعل زخم حوارات ليون، أصبحت توجد لأول مرة لقاءات بين القيادات الميدانية في كل من طرابلس ومصراتة والزنتان، وهذه الأطراف كانت محورًا أساسيًا في «حرب 2014»، وذلك لإيجاد صيغة للتفاهم ولمنع اندلاع اشتباكات جديدة. ويسعى العديد من القادة المحليين في مناطق الاشتباكات بين الميليشيات في غرب البلاد أيضًا، إلى التوسع في عقد المصالحات، ويعد هذا أحد أسباب هدوء جبهة غرب وجنوب غرب طرابلس في الفترة الأخيرة.
أما حسم المعارك مع الدواعش ومع المتطرفين الآخرين في بنغازي ودرنة وسرت، فيقع العبء الأكبر في هذه الحرب على الجيش الوطني الذي يحتفظ أيضًا بقوات له على مشارف العاصمة وفي مناطق الجنوب. وإذا تمكنت «حكومة الوفاق الوطني»، المزمعة، حل معضلة منصب وزير الدفاع والقائد العام للجيش، وإيجاد حل مسألة استمرار حفتر من عدمه، فإن حكومة السراج ستتلقى مساعدات دولية بما فيها الوقوف مع الجيش في حربه ضد الإرهاب. إلا أن الإشكالية التي قد تعرقل مخرجات «حوار الصخيرات» تكمن في تحفظات من قبل بعض نواب طبرق، جرى الإعلان عنها في الجلسات التي عقدت في الساعات الماضية بشأن الحكومة المقترحة، ومنها التحفظ على البند الخاص بأن يكون رئيس الوزراء في «حكومة الوفاق» هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتحفظات على مجلس الدولة المزمع تأسيسه. ولا يوجد ميل في أوساط قيادات الجيش للتخلي عن قائده حفتر، مع أن بعض الأطراف تقول إنه لا ينبغي التركيز على الشخصيات ولكن على الجيش كمؤسسة.
في هذه الأثناء، صرح أحد مسؤولي البرلمان بأنه إذا لم يكن هناك إجماع من كل المكونات الليبية على الموافقة على حكومة السراج، فستترتب على ذلك خيارات متعددة، حيث جرى تأسيس «جبهة النضال الوطني الليبي» الشهر الماضي تحسبا لمثل هذه الظروف. ومن بين الشركاء في تأسيسها، أحمد قذّاف الدم، المبعوث الشخصي السابق للقذافي وابن عمه. ويرأس الجبهة التي تتكون من عشرات الأحزاب والنقابات والجمعيات من مختلف المدن الليبية، الدكتور محمد القشاط، وجرى اختيار مستشار الجيش، عبد الكريم نائبا له.
وعقب إعلان ليون عن «حكومة الصخيرات»، علق قذّاف الدم قائلا إنه «من الواضح أن هناك خللا في فهم الواقع الليبي علي الأرض.. ومع احترامي للجميع فإن الإخوة الذين عينهم السيد ليون لن يستطيعوا القيام بهذه المهمة الاستثنائية التي تتطلب توافق الليبيين جميعًا، والذين لم يكن لهم حضور في الصخيرات». إلا أنه أضاف موضحا بقوله: «نحن مستعدون من أجل ليبيا للعمل مع كل الأفرقاء لمصالحة تاريخية لا تقصي أحدًا، وتخلق مناخًا ليس فيه إكراه لأحد ويمكِّن أي حكومة محايدة من عودة الدولة ولملمة جراح الوطن»، مشيرا إلى أن الليبيين سوف يرفضون «نظام الوصاية وفرض الأمر الواقع.. وهذه خطوه جديدة في الاتجاه الخاطئ، وتأثيرها سلبي في استقرار ليبيا».
وفي مدينة طبرق حذّر «التجمع الوطني الليبي» من «خطر الترتيبات الجديدة التي نتج عنها حوار الصخيرات، في زيادة حدة التوتر في البلاد»، قائلا إن «الإعلان عن نتيجة الحوار في شقّها المتعلق بالحكومة والمحاصصة الخاصة بالمناصب الرئيسية على غرار مجلس الدولة ومجلس الأمن القومي ورئاسة الحكومة تمثل عامل توتّر وارتباك إضافي قد يؤدّي إلى تطوّرات كارثية على الحالة الليبية، ليس أقلّها اندلاع مواجهة ميدانية بين الليبيين».
ومثل كثير من المكونات الليبية المؤيدة لسلطة البرلمان والجيش، تساءل «التجمع الوطني» عن موقع الجيش الليبي في «تسوية ليون»، وماذا سيكون مصيره ومصير قياداته، وهل سيفضي شطبه من جدول التسوية إلى حله على غرار الجيش العراقي.

* أهم الأسماء المقترحة للمناصب القيادية

* فايز سراج، رئيسًا للحكومة. وأحمد معيتيق وموسى الكوني وفتحي المجبري نوابًا له، وهم يمثلون مناطق الجنوب والغرب والشرق.
* الوزراء: فادي الهنجاري، وأسامة السعيد، وطارق يوسف، وعبد السلام الحسين، وشيبني بوحمود، ومصطفى أبو شاغور، وعاشور شعيل، وإبراهيم النايل، وأبو عجيلة سيف النصر، وآمال الحاج، وإيمان بن يونس، وخليل البكوش، ومحمود بن شعبان، ومراد حمايمة، وطاهر سونك.
* هيئات عليا: عبد الرحمن السويحلي رئيسًا لمجلس الدولة المقترح، وفتحي باشاغا رئيسًا لهيئة الأمن القومي المقترحة.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».