مكافحة الإرهاب في أوروبا.. والتحديات الصعبة

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: أبرزها حماية البيانات الشخصية ومكافحة تهريب الأسلحة والتصدي للقرصنة الإلكترونية

ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
TT

مكافحة الإرهاب في أوروبا.. والتحديات الصعبة

ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})

أصبح وجود نظام أوروبي حاسم لمكافحة الإرهاب أقرب إلى الواقع أكثر من قبل، وذلك بعد أن صوت أعضاء لجنة الحريات المدنية في البرلمان الأوروبي قبل أسابيع قليلة لصالح مقترحات أعدها البرلماني البريطاني تيموثي كيرخوبي، وتتعلق باستخدام سجلات المسافرين في الاتحاد الأوروبي.
هذا على الصعيد الأوروبي، أما في ما يتعلق بتبادل البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين مع أطراف خارجية ومنها الولايات المتحدة الأميركية في إطار مكافحة الإرهاب، فيبدو أن الأمر مختلف من وجهة نظر كثير من الخبراء في بروكسل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أكدوا فيها على أن الأمر يواجه عراقيل لعل آخرها الحكم الذي صدر من المحكمة الأوروبية للعدل وتتيح للدول الأعضاء في الاتحاد الحق في تعليق نقل البيانات إلى الطرف الأميركي.
يقول فردريك بلاتو الخبير البلجيكي لـ«الشرق الأوسط»: «بصرف النظر عن وجود هذا الاختلاف بين الأمرين، تواجه عملية مكافحة الإرهاب عراقيل أخرى تتمثل في التجارة غير الشرعية للأسلحة النارية، وأيضًا عمليات القرصنة على الإنترنت واختراق مواقع حكومية قد تتضمن معلومات هامة أمنية أو دفاعية أو غيرها».
وفي ما يتعلق بالسماح أوروبيا باستخدام سجلات سفر المواطنين الأوروبيين، قالت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي إن الاقتراح الأصلي سبق أن رفضه أعضاء البرلمان في 2013، وطالبوا بمواصلة العمل للتوصل إلى اتفاق حول هذا الصدد، وخصوصا في أعقاب التهديد الذي شكله ما أطلق عليهم «المقاتلون الأجانب»، ومخاوف من عودتهم إلى أوروبا من سوريا والعراق.
وقال بيان للكتلة البرلمانية للإصلاحيين والمحافظين الأوروبيين إن نظام سجلات الركاب يسمح بتخزين المعلومات من قبل السلطات، وخصوصا في ما يتعلق بأنماط السلوك، التي تشير إلى وجود سلوك إرهابي أو إجرامي مما يسمح لسلطات إنفاذ القانون بالاعتماد على مثل هذه المعلومات، لمساعدتها في مواجهة التهديدات. ويسمح النظام الجديد بالاحتفاظ بجزء من بيانات الركاب لفترات تصل إلى خمس سنوات في قضايا ذات صلة بالإرهاب وتصل إلى أربع سنوات في الجرائم الخطيرة، مع ضمانات بأن يتم حذف البيانات الحساسة في غضون 30 يوما، هذا إلى جانب ضمانات إضافية لحماية البيانات الشخصية. وجرى تعزيز ذلك من خلال مفاوضات مع المجموعات السياسية داخل البرلمان الأوروبي، كما جرى التوصل إلى اتفاق لحذف الرحلات الداخلية من الاقتراح.
وقال تيموثي كيرخوبي، وهو وزير داخلية بريطاني سابق: «إن نظام البيانات الشخصية ساهم في الفترة الماضية في اكتشاف كثير من الجرائم الخطيرة في الدول الأعضاء، ومنها على سبيل المثال كشف السلطات البلجيكية لـ95 في المائة من قضايا المخدرات، كما ساعد السلطات في السويد على الكشف عن 85 في المائة من جرائم خطيرة، ولكن كان لا بد من نظام لحماية البيانات الشخصية، ويسمح باستخدام التفاصيل الأقل حساسية، واستخدامها بطريقة منتظمة بناء على أنماط السلوك، ومع مرور الوقت يمكن تقليل استخدام البيانات التي تتعلق بالرحلات والركاب»، وأضاف أنه من دون هذا النظام ستعمل دول في الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد، وتكون هناك أنظمة خاصة لكل دولة، مما يتسبب في ثغرات، «ولهذا كان لا بد من نظام واحد على المستوى الأوروبي، وإنشاء نهج مشترك لحماية البيانات، مع وجود معايير عالية لضمان حماية البيانات في جميع أنحاء أوروبا».
وأضاف البرلماني الأوروبي بأن التهديد الذي يشكله ما يعرف بملف المقاتلين الأجانب سوف يقل خطره مع استخدام النظام الجديد، لأنه سيجعل الأمر أكثر صعوبة للمقاتلين الأجانب في طريق العودة إلى أوروبا، على الأقل من خلال المطارات الأوروبية. واختتم البيان بالقول إن نظام استخدام البيانات الشخصية للمسافرين في الاتحاد الأوروبي لا يجب النظر إليه على أنه العصا السحرية، ولكن يمكن أن يكون سلاحا إلى جانب أمور أخرى. وسوف تنطلق محادثات مفتوحة الآن مع الحكومات الوطنية، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية العام الحالي، حسب ما جرى الإعلان عنه في البرلمان الأوروبي.
وفي الأسبوع الماضي وافق المجلس الوزاري الأوروبي على إطلاق مفاوضات مع البرلمان الأوروبي، وتحت إشراف الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، حول حماية البيانات الشخصية للمواطنين، التي تستخدم من قبل رجال الشرطة والقضاء في إطار عمل مشترك، لإجراء تحريات أو تقصٍّ أو ملاحقة، تهدف إلى تفادي أي مخاطر قد تهدد الأمن العام. وقال المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل، الذي يمثل الدول الأعضاء، إن هذا الاتفاق حول الخطوط الأساسية لنقاط التفاوض مع البرلمان يفتح الطريق أمام الرئاسة اللوكسمبورغية الحالية للاتحاد لفتح نقاش مع المؤسسة التشريعية الأوروبية حول هذا الجزء من حزمة حماية البيانات. أما في ما يتعلق بالجزء الخاص بتنظيم حماية البيانات فقد بدأت بالفعل المناقشات مع البرلمان الأوروبي بعد أن أقرها المجلس الوزاري الأوروبي في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، ولا تزال المناقشات جارية.
أما في ما يتعلق بالبيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين وتبادلها مع أطراف خارجية، فقبل أيام قليلة قال البرلمان الأوروبي إن نظام الملاذ الآمن الذي ينظم نقل البيانات الشخصية الأوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية يجب أن يتم تعليقه بشكل فوري. وجاء ذلك على لسان كلود مورايس رئيس لجنة الحريات المدنية والعدل في البرلمان الأوروبي، الذي أضاف بأن أعضاء البرلمان يريدون أيضًا وجود قواعد أوروبية جديدة لحماية البيانات، ولضمان حقوق وخصوصية المواطنين الأوروبيين.
ومن جانبها قالت كورنيليا إرنست مسؤولة ملف حماية البيانات الشخصية والشؤون الداخلية في تكتل أحزاب اليسار والخضر في البرلمان الأوروبي، عقب قرار حول هذا الصدد لمحكمة العدل الأوروبية، إنه يوم جيد للحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي، ويفتح آفاقا جديدة. وأضافت في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن قرار المحكمة يعتبر هزيمة للمفوضية الأوروبية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، وهي التي تفاوضت مع واشنطن حول الاتفاق الملغى.
وجاء ذلك بعد أن قضت محكمة العدل الأوروبية بأن الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد يمكن لها أن تقرر إذا ما كانت تريد تعليق نقل البيانات الشخصية إلى الشركات الأميركية، وعلاوة على ذلك فإن قواعد نظام الحماية أو ما يعرف باسم الملاذ الآمن، الذي توصلت المفوضية الأوروبية إلى اتفاق بشأنه مع الولايات المتحدة في عام 2000، هو نظام غير صالح. وهو الاتفاق الذي جاء في إطار العمل المشترك على طريق مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله. ورحب مورايس بقرار المحكمة، وعلق قائلا: «أخيرا هناك من استمع إلى دعوات البرلمان الأوروبي من أجل تعليق هذا النظام الذي لا يتفق مع القوانين الأوروبية التي تتعلق بحماية البيانات».
وقال مورايس إن نظام الملاذ الآمن لم يوفر الحماية والضمانات الكافية، ولمح إلى أن القوانين الأوروبية توفر وبشكل أكبر نظام الحماية للبيانات الشخصية، كما أدان مورايس استخدام البيانات الشخصية من جانب أجهزة الاستخبارات. وقال نواب البرلمان الأوروبي: «ينبغي الآن التحرك من جانب المفوضية الأوروبية نحو إطار بديل لنظام الملاذ الآمن بحيث يتم التأكد من الحماية من عمليات نقل البيانات الشخصية إلى الشركات الأميركية وفقا لقوانين الاتحاد الأوروبي». وأضاف بأن المفوضية الأوروبية كانت قد أجرت مفاوضات لمدة عام مع واشنطن حول مسألة تعديل نظام حماية البيانات الشخصية، ولكن تجمد الأمر ولم يتم الإعلان عن تحقيق أي تقدم في هذا الصدد.
أما في ما يتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة النارية فقد اتفق مجلس وزراء الداخلية والعدل في الاتحاد الأوروبي على زيادة التعاون، وتعزيز استخدام وسائل مواجهة تهريب الأسلحة النارية لمكافحة «الإرهاب». وأشاروا في بيان صدر في ختام الاجتماعات الجمعة الماضي في لوكسمبورغ إلى أن الهجمات الإرهابية في كل من باريس وبروكسل وكوبنهاغن في وقت سابق من هذا العام، وكذا الهجوم الأخير على قطار تاليس الذي تم إحباطه في 21 أغسطس (آب) 2015، قد أظهرت الحاجة إلى مواصلة تعزيز استخدام وسائل مكافحة تهريب الأسلحة النارية.
ومن جهته قال وزير الداخلية والدفاع في لوكسمبورغ اتيان شنايدر في مؤتمر صحافي: «جرى تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء وفي وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) والشرطة الدولية (إنتربول) وتم الاتفاق على تعزيز التعاون». وأضاف أن «الوكالات تبحث في قابلية التشغيل البيني للأنظمة المختلفة وعلى وجه الخصوص في قواعد بيانات اليوروبول والإنتربول.. وسنركز أيضًا أكثر على التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع في الأسلحة النارية في شبكة الإنترنت».
وفي ما يتعلق بالقرصنة على الإنترنت واختراق مواقع حكومية في دول الاتحاد الأوروبي وأيضًا مواقع إعلامية، والخطير في الأمر هو إعلان أشخاص من أنصار تنظيم داعش مسؤوليتهم عن عمليات القرصنة والاختراق، فقد قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل إنه عقب هجوم الإنترنت الذي تم شنه على الحاسوب المركزي لشبكة «تي في 5 موند» التلفزيونية الفرنسية، والذي تبناه مساندون لتنظيم داعش، يتحقق الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي حاليا مما إذا كان قد تمت مهاجمة شبكة أخرى في أوروبا أم لا، وفقا لتصريحات نشرتها صحيفة ألمانية على لسان غونتر أوتينغر مفوض الأجندة الرقمية.
يأتي ذلك بينما اعتبر الخبير البلجيكي في أمن المعلومات جان جاك كيسكواتر أن عملية القرصنة التي تعرضت لها محطة التلفزيون الفرنسي (تي في 5) تعد مؤشرًا لعمليات أخرى قادمة أكثر خطورة، حسب تصريحاته لإذاعة محلية. وقبلها عبرت المفوضية الأوروبية عن تصميمها الاستمرار في العمل من أجل الدفاع عن وسائل الإعلام وحرية التعبير ومحاربة كل أشكال الجريمة والإرهاب، خصوصا على شبكة الإنترنت. وقالت: «ليس لدينا تعليق خاص، سوى أننا سنستمر في محاربة كل أشكال القرصنة والجريمة عبر الإنترنت»، وفق كلام المتحدثة باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي ناتاشا برتود. وأوضحت المتحدثة أن المفوضية تقدمت باقتراحات لتعزيز إجراءات الأمن المعلوماتي، مشيرة إلى المداولات الجارية في هذا الشأن بين البرلمان والدول الأعضاء.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».