مكافحة الإرهاب في أوروبا.. والتحديات الصعبة

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: أبرزها حماية البيانات الشخصية ومكافحة تهريب الأسلحة والتصدي للقرصنة الإلكترونية

ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
TT

مكافحة الإرهاب في أوروبا.. والتحديات الصعبة

ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})
ضابطان من الشرطة الفرنسية خارج قطار تاليس الذي تعرض لهجوم إرهابي من قبل شاب مغربي متشدد أغسطس الماضي ({الشرق الأوسط})

أصبح وجود نظام أوروبي حاسم لمكافحة الإرهاب أقرب إلى الواقع أكثر من قبل، وذلك بعد أن صوت أعضاء لجنة الحريات المدنية في البرلمان الأوروبي قبل أسابيع قليلة لصالح مقترحات أعدها البرلماني البريطاني تيموثي كيرخوبي، وتتعلق باستخدام سجلات المسافرين في الاتحاد الأوروبي.
هذا على الصعيد الأوروبي، أما في ما يتعلق بتبادل البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين مع أطراف خارجية ومنها الولايات المتحدة الأميركية في إطار مكافحة الإرهاب، فيبدو أن الأمر مختلف من وجهة نظر كثير من الخبراء في بروكسل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أكدوا فيها على أن الأمر يواجه عراقيل لعل آخرها الحكم الذي صدر من المحكمة الأوروبية للعدل وتتيح للدول الأعضاء في الاتحاد الحق في تعليق نقل البيانات إلى الطرف الأميركي.
يقول فردريك بلاتو الخبير البلجيكي لـ«الشرق الأوسط»: «بصرف النظر عن وجود هذا الاختلاف بين الأمرين، تواجه عملية مكافحة الإرهاب عراقيل أخرى تتمثل في التجارة غير الشرعية للأسلحة النارية، وأيضًا عمليات القرصنة على الإنترنت واختراق مواقع حكومية قد تتضمن معلومات هامة أمنية أو دفاعية أو غيرها».
وفي ما يتعلق بالسماح أوروبيا باستخدام سجلات سفر المواطنين الأوروبيين، قالت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي إن الاقتراح الأصلي سبق أن رفضه أعضاء البرلمان في 2013، وطالبوا بمواصلة العمل للتوصل إلى اتفاق حول هذا الصدد، وخصوصا في أعقاب التهديد الذي شكله ما أطلق عليهم «المقاتلون الأجانب»، ومخاوف من عودتهم إلى أوروبا من سوريا والعراق.
وقال بيان للكتلة البرلمانية للإصلاحيين والمحافظين الأوروبيين إن نظام سجلات الركاب يسمح بتخزين المعلومات من قبل السلطات، وخصوصا في ما يتعلق بأنماط السلوك، التي تشير إلى وجود سلوك إرهابي أو إجرامي مما يسمح لسلطات إنفاذ القانون بالاعتماد على مثل هذه المعلومات، لمساعدتها في مواجهة التهديدات. ويسمح النظام الجديد بالاحتفاظ بجزء من بيانات الركاب لفترات تصل إلى خمس سنوات في قضايا ذات صلة بالإرهاب وتصل إلى أربع سنوات في الجرائم الخطيرة، مع ضمانات بأن يتم حذف البيانات الحساسة في غضون 30 يوما، هذا إلى جانب ضمانات إضافية لحماية البيانات الشخصية. وجرى تعزيز ذلك من خلال مفاوضات مع المجموعات السياسية داخل البرلمان الأوروبي، كما جرى التوصل إلى اتفاق لحذف الرحلات الداخلية من الاقتراح.
وقال تيموثي كيرخوبي، وهو وزير داخلية بريطاني سابق: «إن نظام البيانات الشخصية ساهم في الفترة الماضية في اكتشاف كثير من الجرائم الخطيرة في الدول الأعضاء، ومنها على سبيل المثال كشف السلطات البلجيكية لـ95 في المائة من قضايا المخدرات، كما ساعد السلطات في السويد على الكشف عن 85 في المائة من جرائم خطيرة، ولكن كان لا بد من نظام لحماية البيانات الشخصية، ويسمح باستخدام التفاصيل الأقل حساسية، واستخدامها بطريقة منتظمة بناء على أنماط السلوك، ومع مرور الوقت يمكن تقليل استخدام البيانات التي تتعلق بالرحلات والركاب»، وأضاف أنه من دون هذا النظام ستعمل دول في الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد، وتكون هناك أنظمة خاصة لكل دولة، مما يتسبب في ثغرات، «ولهذا كان لا بد من نظام واحد على المستوى الأوروبي، وإنشاء نهج مشترك لحماية البيانات، مع وجود معايير عالية لضمان حماية البيانات في جميع أنحاء أوروبا».
وأضاف البرلماني الأوروبي بأن التهديد الذي يشكله ما يعرف بملف المقاتلين الأجانب سوف يقل خطره مع استخدام النظام الجديد، لأنه سيجعل الأمر أكثر صعوبة للمقاتلين الأجانب في طريق العودة إلى أوروبا، على الأقل من خلال المطارات الأوروبية. واختتم البيان بالقول إن نظام استخدام البيانات الشخصية للمسافرين في الاتحاد الأوروبي لا يجب النظر إليه على أنه العصا السحرية، ولكن يمكن أن يكون سلاحا إلى جانب أمور أخرى. وسوف تنطلق محادثات مفتوحة الآن مع الحكومات الوطنية، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية العام الحالي، حسب ما جرى الإعلان عنه في البرلمان الأوروبي.
وفي الأسبوع الماضي وافق المجلس الوزاري الأوروبي على إطلاق مفاوضات مع البرلمان الأوروبي، وتحت إشراف الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، حول حماية البيانات الشخصية للمواطنين، التي تستخدم من قبل رجال الشرطة والقضاء في إطار عمل مشترك، لإجراء تحريات أو تقصٍّ أو ملاحقة، تهدف إلى تفادي أي مخاطر قد تهدد الأمن العام. وقال المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل، الذي يمثل الدول الأعضاء، إن هذا الاتفاق حول الخطوط الأساسية لنقاط التفاوض مع البرلمان يفتح الطريق أمام الرئاسة اللوكسمبورغية الحالية للاتحاد لفتح نقاش مع المؤسسة التشريعية الأوروبية حول هذا الجزء من حزمة حماية البيانات. أما في ما يتعلق بالجزء الخاص بتنظيم حماية البيانات فقد بدأت بالفعل المناقشات مع البرلمان الأوروبي بعد أن أقرها المجلس الوزاري الأوروبي في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، ولا تزال المناقشات جارية.
أما في ما يتعلق بالبيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين وتبادلها مع أطراف خارجية، فقبل أيام قليلة قال البرلمان الأوروبي إن نظام الملاذ الآمن الذي ينظم نقل البيانات الشخصية الأوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية يجب أن يتم تعليقه بشكل فوري. وجاء ذلك على لسان كلود مورايس رئيس لجنة الحريات المدنية والعدل في البرلمان الأوروبي، الذي أضاف بأن أعضاء البرلمان يريدون أيضًا وجود قواعد أوروبية جديدة لحماية البيانات، ولضمان حقوق وخصوصية المواطنين الأوروبيين.
ومن جانبها قالت كورنيليا إرنست مسؤولة ملف حماية البيانات الشخصية والشؤون الداخلية في تكتل أحزاب اليسار والخضر في البرلمان الأوروبي، عقب قرار حول هذا الصدد لمحكمة العدل الأوروبية، إنه يوم جيد للحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي، ويفتح آفاقا جديدة. وأضافت في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن قرار المحكمة يعتبر هزيمة للمفوضية الأوروبية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، وهي التي تفاوضت مع واشنطن حول الاتفاق الملغى.
وجاء ذلك بعد أن قضت محكمة العدل الأوروبية بأن الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد يمكن لها أن تقرر إذا ما كانت تريد تعليق نقل البيانات الشخصية إلى الشركات الأميركية، وعلاوة على ذلك فإن قواعد نظام الحماية أو ما يعرف باسم الملاذ الآمن، الذي توصلت المفوضية الأوروبية إلى اتفاق بشأنه مع الولايات المتحدة في عام 2000، هو نظام غير صالح. وهو الاتفاق الذي جاء في إطار العمل المشترك على طريق مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله. ورحب مورايس بقرار المحكمة، وعلق قائلا: «أخيرا هناك من استمع إلى دعوات البرلمان الأوروبي من أجل تعليق هذا النظام الذي لا يتفق مع القوانين الأوروبية التي تتعلق بحماية البيانات».
وقال مورايس إن نظام الملاذ الآمن لم يوفر الحماية والضمانات الكافية، ولمح إلى أن القوانين الأوروبية توفر وبشكل أكبر نظام الحماية للبيانات الشخصية، كما أدان مورايس استخدام البيانات الشخصية من جانب أجهزة الاستخبارات. وقال نواب البرلمان الأوروبي: «ينبغي الآن التحرك من جانب المفوضية الأوروبية نحو إطار بديل لنظام الملاذ الآمن بحيث يتم التأكد من الحماية من عمليات نقل البيانات الشخصية إلى الشركات الأميركية وفقا لقوانين الاتحاد الأوروبي». وأضاف بأن المفوضية الأوروبية كانت قد أجرت مفاوضات لمدة عام مع واشنطن حول مسألة تعديل نظام حماية البيانات الشخصية، ولكن تجمد الأمر ولم يتم الإعلان عن تحقيق أي تقدم في هذا الصدد.
أما في ما يتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة النارية فقد اتفق مجلس وزراء الداخلية والعدل في الاتحاد الأوروبي على زيادة التعاون، وتعزيز استخدام وسائل مواجهة تهريب الأسلحة النارية لمكافحة «الإرهاب». وأشاروا في بيان صدر في ختام الاجتماعات الجمعة الماضي في لوكسمبورغ إلى أن الهجمات الإرهابية في كل من باريس وبروكسل وكوبنهاغن في وقت سابق من هذا العام، وكذا الهجوم الأخير على قطار تاليس الذي تم إحباطه في 21 أغسطس (آب) 2015، قد أظهرت الحاجة إلى مواصلة تعزيز استخدام وسائل مكافحة تهريب الأسلحة النارية.
ومن جهته قال وزير الداخلية والدفاع في لوكسمبورغ اتيان شنايدر في مؤتمر صحافي: «جرى تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء وفي وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) والشرطة الدولية (إنتربول) وتم الاتفاق على تعزيز التعاون». وأضاف أن «الوكالات تبحث في قابلية التشغيل البيني للأنظمة المختلفة وعلى وجه الخصوص في قواعد بيانات اليوروبول والإنتربول.. وسنركز أيضًا أكثر على التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع في الأسلحة النارية في شبكة الإنترنت».
وفي ما يتعلق بالقرصنة على الإنترنت واختراق مواقع حكومية في دول الاتحاد الأوروبي وأيضًا مواقع إعلامية، والخطير في الأمر هو إعلان أشخاص من أنصار تنظيم داعش مسؤوليتهم عن عمليات القرصنة والاختراق، فقد قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل إنه عقب هجوم الإنترنت الذي تم شنه على الحاسوب المركزي لشبكة «تي في 5 موند» التلفزيونية الفرنسية، والذي تبناه مساندون لتنظيم داعش، يتحقق الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي حاليا مما إذا كان قد تمت مهاجمة شبكة أخرى في أوروبا أم لا، وفقا لتصريحات نشرتها صحيفة ألمانية على لسان غونتر أوتينغر مفوض الأجندة الرقمية.
يأتي ذلك بينما اعتبر الخبير البلجيكي في أمن المعلومات جان جاك كيسكواتر أن عملية القرصنة التي تعرضت لها محطة التلفزيون الفرنسي (تي في 5) تعد مؤشرًا لعمليات أخرى قادمة أكثر خطورة، حسب تصريحاته لإذاعة محلية. وقبلها عبرت المفوضية الأوروبية عن تصميمها الاستمرار في العمل من أجل الدفاع عن وسائل الإعلام وحرية التعبير ومحاربة كل أشكال الجريمة والإرهاب، خصوصا على شبكة الإنترنت. وقالت: «ليس لدينا تعليق خاص، سوى أننا سنستمر في محاربة كل أشكال القرصنة والجريمة عبر الإنترنت»، وفق كلام المتحدثة باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي ناتاشا برتود. وأوضحت المتحدثة أن المفوضية تقدمت باقتراحات لتعزيز إجراءات الأمن المعلوماتي، مشيرة إلى المداولات الجارية في هذا الشأن بين البرلمان والدول الأعضاء.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.