«اتفاق أوسلو».. الخنجر الذي بلعه الفلسطينيون

جرّ وراءه عشرات الاتفاقات من دون أن تقوم الدولة.. ولم تلتزم إسرائيل منه سوى «بالتنسيق الأمني»

«اتفاق أوسلو».. الخنجر الذي بلعه الفلسطينيون
TT

«اتفاق أوسلو».. الخنجر الذي بلعه الفلسطينيون

«اتفاق أوسلو».. الخنجر الذي بلعه الفلسطينيون

رُفع العلم الفلسطيني أخيرًا أمام منظمة الأمم المتحدة في الذكرى السنوية السبعين لتأسيسها، بحضور الرئيس محمود عباس (أبو مازن). وكانت لهذه الخطوة رمزيتها الكبيرة، لا سيما أنه أتيح لعباس أيضًا أن يتطرّق في كلمته أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية إلى المصاعب التي تعترض سبيل قيام الدولة الفلسطينية السيدة المستقلة، في ظل مواصلة اليمين الإسرائيلي الحاكم بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلغاء مفاعيل «اتفاق أوسلو»، ونسف أي إمكانية لتحقيق ما هدف إليه. ومعلوم أن نتنياهو، الذي تعتمد حكومته الائتلافية على دعم غلاة المستوطنين والجماعات التوراتية والتوسعية المتطرفة، لم يؤمن يومًا بمبدأ «الأرض مقابل السلام»، وهو يغض الطرف حاليًا عن انتهاكات المتطرفين للمسجد الأقصى، وتهديداتهم المعلنة بهدمه.

«لقد قلت لإسحق (رابين)، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إنه في حال كان متمسكا فعلا بالسلام فعليه أن يصافح (ياسر) عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل) لإثبات ذلك (...) تنهّد رابين وقال بصوته المتعب: (إننا لا نبرم اتفاقيات السلام مع أصدقائنا)، فسألته: (ستصافحه إذن؟)، فرد بلهجة جافة: (حسنًا، حسنًا، ولكن من دون عناق)».. هذا ما قاله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في مذكّراته حول المصافحة التاريخية بين الرجلين في عام 1993. وأضاف كلينتون: «تحوّلت باتجاه إسحق رابين الواقف على يميني وصافحته بشدة ثم أمسكت بيد عرفات الواقف مبتسما إلى يساري، فانحنى قليلا في تلك اللحظة وتابع حركته مادًا يده بتردّد واضح باتجاه رابين. وبعد لحظات قصيرة من التردد أمسك رابين بيد عرفات الممدودة لمصافحته».
اليوم بعد مرور 23 سنة على المصافحة الباردة يتضح أن هذا التردد من «ثعلبي» السياسة «الفلسطينية» و«الإسرائيلية» كان له ما يبرره، إذ ظل الاتفاق الذي تصافحا معلنين ولادته للعالم، أي «اتفاق أوسلو»، مثل خنجر بلعه الطرفان، لم يجلب الأمن للإسرائيليين ولم يجلب الدولة للفلسطينيين.
كان يفترض أن يكون «اتفاق أوسلو» مؤقتا ينتهي بإقامة دولة فلسطينية بعد 5 سنوات من توقيعه، أي في عام 1998. لكن الاتفاق الأم بقي حيًا يقاوم الموت، وجرّ خلفه اتفاقات عديدة يراها غالبية الفلسطينيين مشؤومة وتكبل أيديهم، من دون أن تقربهم قيد أنملة من دولتهم المنشودة.
فما هو «اتفاق أوسلو»؟
إنه «اتفاق إعلان المبادئ - حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية»، وتم توقيعه في 1993/9/13. ولقد نص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية على مراحل من الضفة الغربية وقطاع غزة وإنشاء «سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة» لمرحلة انتقالية تستغرق خمس سنوات، على أن تُتوج بتسوية دائمة بناء على القرار رقم 242 والقرار رقم 338.
كذلك تحدث الاتفاق عن وضع «حد لعقود من المواجهة والنزاع»، وعن اعتراف كل جانب «بالحقوق الشرعية والسياسية المتبادلة» للجانب الآخر.
وجاء في النصّ: «من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقا لمبادئ ديمقراطية، ستجرى انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس تحت إشراف متفق عليه ومراقبة دولية متفق عليها، بينما تقوم الشرطة الفلسطينية بتأمين النظام العام. وسيتم عقد اتفاق حول الصيغة المحددة للانتخابات وشروطها وفقا للبروتوكول المرفق كملحق؛ بهدف إجراء الانتخابات في مدة لا تتجاوز تسعة أشهر من دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ، على أن تشكل هذه الانتخابات خطوة تمهيدية انتقالية مهمة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة».
أما عن الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم، فتم الاتفاق على:
أ - تبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية عند الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.
ب - سوف تبدأ مفاوضات الوضع الدائم بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ولكن بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
ت - من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات اهتمام مشترك. وفي بنود لاحقة جاء أنه سيراجع الطرفان بشكل مشترك القوانين والأوامر العسكرية السارية المفعول في المجالات المتبقية.
وتمخض الاتفاق، كذلك، عن تشكيل لجنة الارتباط المشتركة الإسرائيلية - الفلسطينية من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، والمُنازعات. وتطرق الاتفاق إلى التعاون الإسرائيلي - الفلسطيني في المجالات الاقتصادية كذلك.
ويتضح من النص أنه كان اتفاقا سياسيا وأمنيا واقتصاديا وينظم العلاقة بين الطرفين. ولكن ما الذي طُبّق منه على الأرض؟
بعد سنوات قليلة فقط توقفت إسرائيل عن استكمال عملية انسحاب قواتها المقررة من المناطق، وبدلا من ذلك زادت من نشاطاتها الاستيطانية في كل مكان، بل واستباحت المناطق المصنفة «أ» وهي الأراضي الواقعة تحت الولاية الأمنية الفلسطينية الكاملة.
وخلال السنوات اللاحقة رفضت إسرائيل مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية التي تتحكّم بقدرة الاقتصاد الفلسطيني على التطوّر والاستقلال، واتخذت إسرائيل إجراءات أدّت إلى تعطيل المرحلة الانتقالية الهادفة إلى تحقيق الاستقلال.
لكن مسألة واحدة لم تخلّ بها إسرائيل أبدا، هي النقطة الأمنية، إذ استمرت في التنسيق الأمني مع السلطة. وهذا الوضع الذي يرفضه كثيرون من الفلسطينيين وضع الاتفاق محلّ جدل كبير. ويرى قسم من الفلسطينيين أن الاتفاق كان شرًا لا بد منه، ويصفه آخرون بـ«الخياني» و«المشؤوم».
إسرائيل تمسّكت بما يحلو لها من الاتفاق، وحاولت السلطة الفلسطينية تطبيقه بالكامل، بينما عملت مجموعات مثل «حماس» و«الجهاد» على إسقاطه بالقوة، لكنه ظل يحاصر الجميع. ولكن اليوم فقط وصل الفلسطينيون إلى قناعة تامة بأنهم تأخروا كثيرًا في لفظه.
لكن لماذا يريد الفلسطينيون الآن التخلص من «أوسلو»؟
صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن استمرار الوضع الراهن أبدا. وأضاف: «إسرائيل تريد السلطة من دون سلطة، وتريد احتلالا من دون تكلفة، وتريد أن تجعل غزة خارج الفضاء الفلسطيني. نحن نقول إن السلطة ولدت لنقل الفلسطينيين من الاحتلال إلى الاستقلال ولن تكون لها وظيفة ثانية. وإذا اعتقد البعض أنه سيحول وظيفة السلطة إلى تنسيق مالي وأمني فهو مخطئ. السلطة مهمتها أن تنقل الشعب الفلسطيني إلى الاستقلال، فإما تكون هكذا وإما لا تكون».
وكان عريقات قد كتب دراسة قبل 3 سنوات وقدّمها للقيادة، وجاء فيها: «إن هذه السلطة ولدت لنقل الشعب الفلسطيني إلى الاستقلال. نتنياهو يحاول تغيير وظيفة السلطة. السلطة لن تستطيع الصمود، ستنهار. لدينا بدائل. اللجنة التنفيذية هي الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، والمطلوب عمله في انتخابات مستقبلية هو انتخاب برلمان دولة فلسطين وقيام دولة فلسطين، وعلينا أن نكرّس الدولة، ولكن هذا يتطلب تطبيق المصالحة قبل أي عمل آخر، وتعزيز عمقنا العربي».
ويمكن القول إنه بعد كل هذه السنين تبنّى عباس الفكرة.
عباس قال في خطابه أمام الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي بشكل واضح: «ما دامت إسرائيل مصرّة على عدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة معنا، التي تحولنا إلى سلطة شكلية من دون سلطات حقيقية، وما دامت إسرائيل ترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وفق الاتفاقات معها، فإنها لا تترك لنا خيارا، سوى التأكيد على أننا لن نبقى الوحيدين الملتزمين في تنفيذ تلك الاتفاقيات، بينما تستمر إسرائيل في خرقها. وعليه فإننا نعلن أنه لا يمكننا الاستمرار في الالتزام بهذه الاتفاقيات، وعلى إسرائيل أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال، لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره. وأذكّركم بقرار الجمعية العامة 19/67 لعام 2012، الذي أكد أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ستكون الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، وأن المجلس الوطني الفلسطيني هو برلمان دولة فلسطين. مرة أخرى، إن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار».
كان الخطاب في نيويورك لكن الصدى كان في إسرائيل بطبيعة الحال.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تطبّق من «اتفاق أوسلو» شيئا، فإن بندا واحدا في الاتفاق وهو (التنسيق الأمني) جعلها تهدّد وتوعد. إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون: «لا أظنهم قادرين على وقف التنسيق الأمني، فلولا جيشنا في الضفة الغربية لانهارت السلطة».
ولم يتوقف التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين مطلقا منذ «أوسلو»، لأن كلا الطرفين يعتقد أنه يشكل مصلحة عليا. والتنسيق الأمني يعني عمليًا التعاون بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية لإحباط أي أعمال «عنف» في المنطقة. ويوازي هذا التنسيق تنسيق آخر مدني يعنى بشؤون السكان الفلسطينيين من تصاريح عمل وتحويلات طبية ولمّ شمل وتجديد وثائق.
وبسبب الخوف من وقف إسرائيل كل أشكال التعاون، بما في ذلك قطع الأموال وإغلاق الحدود، ووقف توريدات السولار والكهرباء للفلسطينيين، تبدو فكرة إلغاء «أوسلو» أو ما تبقى منه مرعبة لكثيرين.
وحول هذه النقطة قال جوناثان رينولد، من مركز «بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية» الإسرائيلي: «اتخاذ خطوة كإنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل قد يؤدي إلى فوضى في الضفة الغربية. وهناك أيضًا خطر أن يدفع ذلك إسرائيل إلى زيادة وجودها في الضفة الغربية، على الرغم من أن البعض يشك في استعدادها لتخصيص الأموال والقوى البشرية الضرورية لذلك».
جدير بالذكر أنه منذ 3 سنوات، على الأقل، تريد القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني، لكن من دون أن تتخذ قرارا. وما زال الجدل في محيط عباس قائما حتى بعد إلقائه الخطاب في الأمم المتحدة. إذ قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدكتور نبيل شعث إنه «من الصعب على السلطة إلغاء اتفاق أوسلو بالكامل، لأن هناك الكثير من العلاقات المتشابكة والمترابطة التي تحتاج إلى تفكيك». وأضاف: «نحن الآن مرتبطون بالاقتصاد الإسرائيلي والكهرباء والماء والطاقة، ولنتمكن من تفكيك هذه العلاقة نحن بحاجة لخطة عمل».
وتابع الدكتور شعث، في حديث مع «راديو أجيال» المحلي في رام الله، أن «إسرائيل تنفذ اتفاق أوسلو بشكل انتقائي، وأنه على السلطة العمل بالطريقة ذاتها»، موضحا: «لا يوجد شيء اسمه حل السلطة، وإن السلطة تدريجيا ستغير استراتيجيتها وطريقتها في العمل، وستصبح سلطة مقاومة وليست سلطة منفذة لـ(أوسلو) فقط».
لكن محمود الهبّاش، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأحد المقربين منه، ذكر أن «الجانب الفلسطيني لا يتحدث عن إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي وفق (أوسلو)، وإنما يطالب بتنفيذ متبادل لها».
أما واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فقال إن خطوات مهمة كبيرة ستتخذ في القريب العاجل، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «أهم الخطوات التي سيعلن عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس كرئيس لدولة فلسطين، تنفيذا لخطابه في الأمم المتحدة، هي إعلان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كحكومة مؤقتة للدولة الفلسطينية المحتلة، على أن يصبح المجلس الوطني الفلسطيني هو برلمان الدولة». وأكد أبو يوسف، أن هذا ما يعنيه «إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال».
لكن أبو يوسف أوضح أن هذه القرارات لن تتخذ فورا، لكنها لن تتأخر إذا لم يستجب العالم لخطاب عباس. وأوضح أن «اتخاذ هذه الخطوات يعني بالضرورة انتهاء دور السلطة والإعلان عن الانتقال إلى دولة محتلة تقودها منظمة التحرير، تمهيدا لخطوات لاحقة». ثم شدد على أن الاتصالات بدأت مع الفصائل الفلسطينية بما فيها «حماس» و«الجهاد» لعقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني قبل نهاية العام للنقاش واتخاذ قرارات حاسمة بهذا الصدد.
وكان عباس أعلن في خطابه في الأمم المتحدة أنه لن يلتزم بالاتفاقات مع إسرائيل إذا لم تلتزم هي. وحول هذا الجانب قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» شارحةً: «إن التحلل من الاتفاقات سيبدأ واحدا تلو الآخر وصولا إلى مواجهة سياسية شاملة تتوقعها السلطة ستؤدي في النهاية إلى انهيارها». وبحسب المصادر: «لا يوجد قرار بحل السلطة، وإنما إذا انهارت فستعلن السلطة أنها فشلت في نقل للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وستعلن دولة تحت الاحتلال تقودها المنظمة».
ولا يمكن للفلسطينيين الاحتفاظ بالسلطة في ظل إعلان الدولة، وذلك لأن السلطة «المؤقتة» إنما وُجدت لإقامة الدولة «الدائمة». وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، عقد الفلسطينيون اتفاقات أخرى مع إسرائيل يمكن وصفها بملاحق «أوسلو» أو «أولاد وبنات الاتفاق الأم».

* أبرز الاتفاقات الأخرى
* «اتفاق غزة – أريحا» (1994): أطلق عليه اسم «الاتفاق التنفيذي لأوسلو» الذي وُقع في 4 مايو (أيار) 1994، وتضمن الخطوة الأولى لانسحاب إسرائيل من غزة وأريحا وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وأتبع باتفاقين تنفيذيين:
* «اتفاق باريس الاقتصادي» (يوليو/ تموز، 1994): ينظم العمالة الفلسطينية والعلاقات المالية والاقتصادية بين الطرفين.
* «اتفاقية طابا أو أوسلو الثانية» (1995): وعُرفت بـ«اتفاقية المرحلة الثانية من انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية»، إذ تعهدت إسرائيل بالانسحاب من 6 مدن عربية رئيسية و400 قرية في بداية عام 1996، وانتخاب 82 عضوا للمجلس التشريعي، والإفراج عن معتقلين في السجون الإسرائيلية.
وقسّمت «اتفاقية طابا» المناطق الفلسطينية إلى «أ» و«ب» و«ج» لتحديد مناطق حكم السلطة والمناطق الخاضعة لإسرائيل وغير ذلك.
* «اتفاق واي ريفر الأول» (1998): وينص الاتفاق على مبدأ «الأرض مقابل الأمن»، وأن إسرائيل ستنفذ مرحلة جديدة من إعادة الانتشار في 13 في المائة من الضفة الغربية مقابل قيام السلطة الفلسطينية بتكثيف حملتها ضد «العنف».
* «اتفاق واي ريفر الثاني» (1999): وقع في منتجع شرم الشيخ المصري في 4 سبتمبر (أيلول) 1999، وتم فيه تعديل وتوضيح بعض نقاط «اتفاق واي ريفر الأول»، مثل إعادة الانتشار وإطلاق السجناء والممرّ الآمن وميناء غزة والترتيبات الأمنية وغير ذلك.
* ثم جاءت «خريطة الطريق»: وهي عبارة عن خطة سلام أعدتها عام 2002 اللجنة الرباعية التي تضمّ كلا من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. وتركّز هذه الخريطة على نقاط من بينها إقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية.. وعلى أن تتم التسوية النهائية بحلول عام 2005.
* «اتفاق أنابوليس» (2007): عقد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في الولاية الثانية من رئاسته مؤتمرا في القاعدة البحرية بمدينة أنابوليس، عاصمة ولاية ميريلاند الأميركية، في محاولة لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وصدر عن المؤتمر بيان مشترك بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، دعا إلى الانخراط في مفاوضات يكون هدفها التوصل إلى اتفاق سلام كامل بحلول نهاية 2008.
* في 2010: أطلق الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، في 2 سبتمبر، محادثات مباشرة في البيت الأبيض جمعت بين محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن انتهاء العمل في إسرائيل بالتجميد الجزئي للاستيطان في 26 سبتمبر أدى إلى انهيار المفاوضات.
* في 2011: رفض نتنياهو دعوة أوباما إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 تضم الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
* في 2012: أجرى المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون جولات مفاوضات جديدة من دون نتيجة.
* في 2013: أطلق وزير الخارجية الأميركي جون كيري مفاوضات (9 شهور) لإعلان اتفاق سلام، لكنها انهارت بعد اللقاء الخامس. ولم تتجدد المفاوضات.
لم يلتزم الإسرائيليون بأي اتفاق عقدوه، لا سياسي ولا اقتصادي ولا على الأرض. ولم ينسحبوا من الضفة، ولم يسلموا المناطق، ولم يسمحوا بإقامة الدولة، ورفضوا أي تطوير حتى على الاتفاق الاقتصادي، فقط التزموا بالتنسيق الأمني.
ولا يخفي مسؤولون فلسطينيون أنهم يفهمون أن إسرائيل أرادت منذ البداية «شرطيًا» على حدودها، لكنهم يقولون إنهم ليس بينهم «لحد» - في إشارة إلى أنطوان لحد قائد ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» العميلة لإسرائيل في جنوب لبنان - وإن دولة كل الفلسطينيين ستقوم في نهاية الأمر، على الرغم ممّا يعتقده «المارّون بين الكلمات العابرة».



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.