قضية النقاب تهيمن على السباق الانتخابي في كندا

المحافظون يقترحون مبادرة للتبليغ عن «الممارسات الثقافية الهمجية»

قضية النقاب تهيمن على السباق الانتخابي في كندا
TT

قضية النقاب تهيمن على السباق الانتخابي في كندا

قضية النقاب تهيمن على السباق الانتخابي في كندا

من المقرر أن تجري كندا انتخاباتها الفيدرالية بعد أقل من أسبوعين، بعد أن احتدمت المنافسة بين حزب المحافظين، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ستيفين هاربر، وحزب الليبراليين، وحزب الديمقراطيين الجدد اليساري.
وتلعب الكثير من القضايا دورا محوريا في السباق الانتخابي، أبرزها اقتصاد كندا المتراجع، ودور البلد في عمليات مكافحة الإرهاب الدولية، وشبح التغيرات المناخية. غير أن قضية أخرى سيطرت على النقاش في الآونة الأخير، وتتعلق بحق المسلمات المنتقبات في عدم الكشف عن وجوههن أثناء مراسم الاحتفال بالجنسية الكندية.
ويرجع سبب هذا الصخب إلى حادثة محددة؛ ففي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، رفضت محكمة فيدرالية طلب استئناف تقدمت به حكومة ستيفين هاربر لمنع زونيرا إسحاق (29 عاما)، وهي مسلمة محافظة من أصول باكستانية، من حضور احتفال منحها الجنسية الكندية ما لم تخلع النقاب. وجاء طلب الاستئناف من طرف الحكومة بعد أن صدر حكم في تاريخ سابق، ليبطل قرار حكومة هاربر الذي صدر عام 2011 بمنع تغطية الوجه أثناء مراسم أداء القسم.
إلا أن هاربر وأنصاره لم يرضوا بالحكم القضائي، ويسعون للتصدي له من خلال اعتبار قضية النقاب نقطة مركزية في حملتهم. ففي رأيهم، يرمز النقاب إلى الاضطهاد. ويقول هاربر: «عندما تنضم للعائلة الكندية في احتفال الحصول على الجنسية، فعليك أن تكشف عن وجهك أمام الكنديين». وقال مرشح آخر من حزب المحافظين الأسبوع الماضي إن «النقاب لا يتماشى مع القيم الكندية».
ويلقى المقترح ترحيبا واسعا من الكنديين، حيث أظهر استطلاع رأي أجرته حكومة هاربر أن الغالبية العظمى من الشعب الكندي تؤيد حظر النقاب أثناء مراسم منح الجنسية. وتهتم مقاطعة كيبك التي يسكنها أغلبية تتحدث الفرنسية، بهذه القضية، إذ خاضت معركة ضد دور الدين، والإسلام على وجه الخصوص، في الحياة العامة. وحسب استطلاعات الرأي، يبدو وكأن اشتعال الجدل حول النقاب تزامن مع تراجع شعبية حزب الديمقراطيين الجدد في «كيبك»، حيث اتهم رئيس الحزب، توماس مولكير، رئيس الوزراء هاربر مؤخرا باستخدام النقاب «كسلاح دمار شامل».
وكان للمناظرات الساخنة الدائرة حاليا حول القضية تأثير حقيقي على المجتمع الكندي، حيث شهدت مدينة مونتريال مؤخرا حادثة اعتداء على سيدة حامل لمجرد ارتدائها الحجاب.
من جانبه، قال فرانك غريفس، أحد المواطنين الذين شملهم الاستطلاع في تصريح لصحيفة «الغارديان» البريطانية: «رأينا ارتفاعا كبيرا في عدم التسامح العرقي في كندا، وذلك يعكس ما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة»، مضيفا: «أصبح الكنديون أكثر تخوفا من الغير، وأكثر انغلاقا، وأقل حماسا للعولمة». كما أفاد غريفس: «هذه لغة سياسية مشفرة».
وفي استطلاع رأي آخر أجرته مؤسسة «غلوب أند ميل»، تبين أن شعبية حزب المحافظين ارتفعت في الأسابيع الماضية فيما تراجعت تلك المنسوبة للحزب الديمقراطي. ويرجع ذلك نسبيا إلى اقتراح المحافظين مبادرة جديدة الأسبوع الماضي لتشغيل «خط ساخن» يستطيع الكنديون من خلاله الإبلاغ عن أي «ممارسات ثقافية همجية تصدر عن جيرانهم».
وحسب منتقدي هاربر، فإن حكومته متورطة في لعبة مضادة للأجانب تركّز على أقلية صغيرة من المسلمات المحافظات المقيمات في كندا. وقال الزعيم الليبرالي، جوسين ترادو، الشهر الماضي: «أعتقد أنه طالما ليس هناك ما يسمح للرجل بأن يملي إرادته بشأن ملابس المرأة، فليس من المنطقي أن تملي الدولة إرادتها بشأن ما يجب على المرأة عدم ارتدائه». ومنذ تفعيل قرار حكومة هاربر عام 2011، لم تتخلف سوى امرأتين عن حفل منح الجنسية بسبب رغبتهما في عدم الكشف عن وجهيهما. وعرضت السيدة إسحاق أن تكشف وجهها خلال وقت الإدلاء بالقسم، شريطة ألا يوجد في الغرفة سوى السيدات، أو أن تردد القسم عبر الميكروفون أو من وراء النقاب حتى يسمعها الجميع.
وقال كاتب الرأي، أندرو كوين، وهو مؤيد لمساهمة كندا في إنهاء صراعات الشرق الأوسط: «لا يسبب أداء امرأة منتقبة القسم في كندا الضرر لأي شخص عبر العالم.. ولو لم يقم المحافظون الفيدراليون بتضخيم القضية، ما كانت لتثور ثائرة هؤلاء الناس، وما كانوا انتبهوا للأمر من الأساس».
ورغم الجدل الحالي، تعتبر كندا دولة متعددة الثقافات، وذات تاريخ غني في مجال استقبال المهاجرين. كما تتباهى محافظة كالغري بأنها المحافظة الوحيدة في شمال أميركا التي انتخبت وأعادت انتخاب محافظ مسلم. وكان المحافظ ناهيد نينشي، قد وصف الحملة المثارة على النقاب بـ«المقززة». «لا أحبذ النقاب كثيرا، وأتمنى لو أنه لم يكن موجودا. غير أن ما أبغضه أكثر هو أن نملي على الناس ما يجب أن يفعلوه»، على حد تعبيره.
وتبدو إسحاق، التي وجدت نفسها وسط العاصفة، مشوشة بسبب الاهتمام والجدل الذي أحاطها، وعلقت لصحيفة «الغارديان» بأن «الأمر ليس بهذه الضخامة، الأمر تافه».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ{الشرق الأوسط}



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.