قمة دبي تؤكد: الاقتصاد الإسلامي ضمان فعلي للأزمات المالية العالمية

دعوا إلى تكامل بين القطاعات الإسلامية الاقتصادية لإيجاد منظومة دولية

محمد يونس خلال مشاركته في القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
محمد يونس خلال مشاركته في القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
TT

قمة دبي تؤكد: الاقتصاد الإسلامي ضمان فعلي للأزمات المالية العالمية

محمد يونس خلال مشاركته في القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي أمس في دبي («الشرق الأوسط»)
محمد يونس خلال مشاركته في القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي أمس في دبي («الشرق الأوسط»)

أجمع خبراء اقتصاديون عالميون على أن الاقتصاد الإسلامي ضمان فعلي من الأزمات الاقتصادية المتوالية خلال العقود الأخيرة، حيث أثبت الاقتصاد الإسلامي على مكامن قوى بإمكانها منع الأزمات المختلفة لكونه أسلوبًا أخلاقيًا يعمل على إنتاج القيم التي تحقق رفعة الإنسان وتطور الأمم.
وقال الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إن منظومة الاقتصاد الإسلامي هي منظومة تتناغم فيها الأخلاق مع الإبداع في العمل، والالتزام العالي بغايات التنمية الحقيقية لتعطي نتائجها بحجم آمال وتطلعات كافة شعوب الأرض مهما اختلفت الساحات أو العوامل والظروف.
وأضاف خلال افتتاح القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي: «نريد للعالم أن يكون أفضل، ليس بمقاييس الماضي، بل بالمقاييس التي نريدها وهي مقاييس التطور والتقدم كما لم نعرفها من قبل، فالاقتصاد الإسلامي ليس وسيلةً لإنتاج السلع ونمو الثروات فحسب، بل هو حاضنة إنتاج القيم والأخلاق التي تحقق رفعة الإنسان وتطور الشعوب. ولا أظن أننا بحاجة لبذل جهد كبير في إقناع العالم بجدوى الاقتصاد الإسلامي، لأنه وبكل بساطة بات يشكل ضرورة موضوعية ملّحة للخروج من الأزمة الاقتصادية المتواصلة حتى اللحظة».
وأشار إلى أن الاقتصاد الإسلامي ليس وسيلة لعلاج الأزمات فحسب، بل هو الضمانة الأكيدة لعدم تشكلها من جديد، وزاد: «هذه المنظومة الاقتصادية التي نرعاها ونطورها اليوم هي تعبير مكثف عن جميع القيم الإسلامية التي تنشر العدالة والرحمة والمساواة في الأرض، وهي أداتنا الحكيمة في تجفيف منابع التطرف والتعصب، عبر تحقيق التنمية والارتقاء بالمستوى الثقافي والوجداني للبشر».
واعتبر الشيخ محمد بن راشد خلال تدشين النسخة الثانية من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي أمس، والتي حملت عنوان «دعم الابتكار، استحداث للفرص»، أن هذه القمة تخط المسار الصحيح لإحداث تغيير جوهري في الخارطة الاقتصادية على مستوى العالم.
وشدّد على أن استدامة الإنجازات المبدعة، تقاس بحجم مساحات فعلها وتأثيرها، وقال: «عندما فكرنا في إطلاق مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، وضعنا نصب أعيننا أن تكون هذه المبادرة إسهامًا منا في صناعة منظومة اقتصادية مستدامة، تفرض نفسها بما تحمله من ميزات على خارطة الاقتصاد العالمي».
من جهته، اعتبر محمد القرقاوي رئيس مجلس إدارة مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي أن القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي «ستنقل العالم إلى مرحلة اقتصادية جديدة تشكل فيها الاستثمارات الإسلامية العصب الحيوي للنشاط الاقتصادي العالمي»، منوهًا بدور الإمارات في تطوير مسيرة الاقتصاد الإسلامي التي تترجم رؤية الشيخ محمد بن راشد والتي ارتقت بهذه المنظومة الاقتصادية إلى العالمية، لأنها تملك كل مقومات البقاء والتفوق لإحداث تغيير حقيقي وجوهري في الخريطة الاقتصادية العالمية.
وأضاف القرقاوي: «على مدى السنوات القليلة الماضية، استطعنا الانتقال من مرحلة الدراسة والتمهيد، إلى مرحلة التفاعل العالمي مع قطاعات الاقتصاد الإسلامي، من المنتجات الحلال إلى الصيرفة والتمويل الإسلامي، مرورًا بكل الركائز والقطاعات التي تلاقي رواجًا عالميًا وطلبًا متزايدًا كل يوم».
وزاد: «إن هذا التنامي السريع للاقتصاد الإسلامي كمًّا ونوعًا، لهو خير دليل على صوابية الرؤية، ودقة التوقيت، وعلمية الطرح الذي شكل بوصلة مسيرتنا في تطوير هذه المنظومة الاقتصادية».
من جهته قال حمد بوعميم مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي خطة الاقتصاد الإسلامي تتضمن ثلاث مراحل، المرحلة الأولى داخلية والثانية إقليمية والثالثة عالمية، وخلال العامين الماضيين أعلن محافظ البنك المركزي أنه في المراحل الأخيرة من إعلان وجود هيئة تشريعية للمصارف الإماراتية بحيث تكون المنتجات الإسلامية في القطاعات المالية لها مرجعية موحدة، وهذا الأمر لم يكن موجودًا في السابق، واليوم وصل لمراحل نهائية وسيكون إنجازًا كبيرًا.
وبما يتعلق بصناعة الحلال لفت إلى أن هيئة المواصفات خرجت بمشروع لتوحيد جميع المعايير وسيكون على مستوى البلاد، وستكون هناك مرجعية موحدة، وأضاف: «نتمنى أن يكون ذلك على مستوى الخليج وأيضا أن يكون على المستوى العالمي، وهو الأمر الذي يحتاج مدة طويلة، ولكن أعتقد أننا في الطريق الصحيح».
وزاد: «كان هناك مطالبات بمعلومات عن القطاع الإسلامي، واليوم تم إطلاق منصة معلومات وهذا الأمر سيساعد لتطوير الصناعة، في السابق طالبنا في موضوع الابتكار في الصناعة الإسلامية، وهو ما أعتقد أنه سيكون طويلاً جدًا، ولكن نحن نعمل على دعم الابتكار ولدينا مسابقات ومؤسسات التي تدعم في هذا الجانب، وأعتقد أننا في الطريق السليم وبدأنا نلمس نتائج للخطط التي تم وضعها، وأعتقد أن هذه بدايات وأتوقع أن نلمس نتائج أكثر في الدورات المقبلة».
وعن كيفية التكامل بين قطاعات الاقتصاد الإسلامي قال بوعميم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس على هامش القمة: «التكامل مهم واليوم الحديث عن اقتصاد إسلامي ويكون التركيز على جزئية واحدة ويمكن أهم جزء هو موضوع التمويل الإسلامي والذي يعمل على دعم القطاعات الأخرى كالسياحة العائلية والتعليم والحلال، ونؤكد أن موضوع المعلومات سيساعد بشكل كبير، ونحن نركز على موضوع الابتكار في المنتجات، لأن كثيرًا من المنتجات الإسلامية لم تطور وتحد من النمو في القطاعات الأخرى، وبما أن التعليم يصب في جميع القطاعات، نتطلع أن تتزايد البرامج التعليمية التي تخص الاقتصاد الإسلامي، ونحن نركز أيضا على ريادة الإعلام وهو ما سينعكس على جميع القطاعات».
وحول تفاعل المهتمين من حول العالم بقمة الاقتصاد الإسلامي، قال مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي: «هناك تفاعل كبير من حول العالم والدليل حضور نحو 3700 شخص في القمة، متحدثين من 60 دولة وهناك اهتمام كبير، والقمة عبارة عن منصة لسماع المعلومات عن تطورات الاقتصاد الإسلامي، من خلال النقاش مع الخبراء من حول العالم».
وأشار إلى أن القمة تدعم تسليط الضوء على دبي بأن تكون منصة المرجعية، موضحًا أن الموضوع سيأخذ وقتًا، مؤكدًا أنهم مستمرون بالعمل على دعم هذه المبادرة.
ولفت إلى أن التحديات التي تواجههم في تنفيذ خطط الاقتصاد الإسلامي، قال إن التحديات موجودة، وأحدها توحيد المعايير والقوانين العالمية وهو أمر مهم جدًا للاقتصاد الإسلامي، إضافة إلى الابتكار والارتقاء بالتشريعات إلى مستوى الصناعات التقليدية، وقال: «ما زلنا متأخرين في هذا المجال إلى حد ما، وأعتقد أنه من المهم جدًا للأشخاص القائمين على مجال الشريعة والفتوى أن تكون لديهم انفتاحية أكثر ضمن إطار الشريعة يفيد المستهلك وغيره».
وعن قدرة الاقتصاد الإسلامي أن يكون بديلا للاقتصاد التقليدي، بين بوعميم إلى أن الاقتصاد الإسلامي سيكون مكملاً للاقتصاد العالمي، خاصة في ظل تشكيل المسلمين ربع سكان العالم، ولكن من الممكن ما تبقى من الشعوب أن تستخدم أدوات الاقتصاد الإسلامي، حيث إنه في الأزمة الأولى - الأزمة المالية العالمية في 2008 - أثبتت النتائج أن صناعات الاقتصاد الإسلامي أكثر قوة من الصناعات التقليدية، وهذا أدى إلى نمو تطور الاقتصاد الإسلامي أكثر خلال السنوات المتلاحقة.
وتابع: «أعتقد أن المشوار يحتاج إلى فهم أكثر ووقت وأنه اقتصاد مكمل للاقتصاد العالمي».
وفي الجلسة الافتتاحية من القمة، والتي ناقشت تفعيل النمو الاقتصادي الوطني من خلال فرص الاقتصاد الإسلامي، قال سلطان المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي: «لقد أصبحت مزايا الاقتصاد الإسلامي واضحة للعالم بأسره، عندما انهار النظام المالي التقليدي في عام 2008 وتسبب في اندلاع الأزمة المالية العالمية. لقد بقيت الأصول الإسلامية والأصول في منأى عن التأثر الكبير الذي أصاب النظام الاقتصادي التقليدي مما شجع كبرى المراكز المالية في العالم على النظر باهتمام بالغ إلى منظومة الاقتصاد الإسلامي. اليوم تشكل القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي التي تنظمها دبي منصة لإرساء الدعائم الأساسية للتوجهات الاستثمارية الصحيحة وللابتكار في الاقتصاد الإسلامي من أجل تحقيق مستقبل أكثر استدامة تديره وتحكمه منظومة تشريعية وأخلاقية متكاملة تضمن النمو والازدهار في العالم».
وأضاف المنصوري: «لقد أثبتت الإمارات نجاحها في استقطاب الاستثمارات الإسلامية وشكلت دبي نموذجًا مثاليًا لقيادة مسيرة نمو الاقتصاد الإسلامي من خلال تطويرها لقطاعات مختلفة على رأسها التمويل الإسلامي، حيث تبوأت المركز الأول عالميًا في إدراج الصكوك، كما تفوقت في عقد الشراكات التجارية التي ارتقت بقطاع الحلال بمجالاته كافة، وانسجاما مع إطلاق عام 2015 عام الابتكار في الإمارات، فإن القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي تمثل حاضنة الابتكار في الاقتصاد الإسلامي».
من جانبه بين عيسى كاظم، أمين عام مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: «لقد أثبت الاقتصاد الإسلامي حضوره كرافد أساسي للاقتصاد العالمي وسيواصل بالتأكيد دعمه هذا، في السنوات العشر المقبل، وعلى الرغم من المفاهيم السائدة التي تحصر الاقتصاد الإسلامي في قطاعي التمويل الإسلامي والأغذية الحلال، تواصل هذه المنظومة نموها وتطورها لتُبلورَ فرص أعمال جديدة تلبي الطلب المتنامي على المنتجات والخدمات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. الاقتصاد الإسلامي يمتلك كل المقومات ليتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية والدينية وليجذب مختلف الثقافات والإثنيات إلى قيمه وآلياته ومفاهيمه الاقتصادية ومنتجاته المتميزة.
وأضاف: «اليوم، يعود الفضل في تطور الاقتصاد الإسلامي وإنجازاته إلى الرؤية والأهداف التي يلتزم بها رواد هذا القطاع. لكن ذلك لا يعني أن المستقبل ليس محفوفًا بالتحديات التي قد تؤخر انتشار الاقتصاد الإسلامي محليًا وإقليميًا وعالميًا. ولعل أبرز هذه التحديات التي تواجه الدول الإسلامية اليوم في مسيرة تطويرها لمنظومة الاقتصاد الإسلامي هو توحيد المعايير وتطوير منظومة تشريعية متكاملة إضافة إلى ابتكار برامج التدريب والتأهيل لبناء جيل جديد من المهارات والكفاءات».



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».